نسرين ليس اسمها الحقيقي في إحدى الحدائق في مصر
نسرين ليس اسمها الحقيقي في إحدى الحدائق في مصر

كانت المصرية نسرين في الحادية عشر من عمرها، حين ألقت بها قريباتها على الأرض وفتحوا ساقيها عنوة، وكشفوا عن أعضائها التناسلية، ليتدخل شخص غريب عنها، قبل أن تشعر بألم فظيع. 

ورغم أن نسرين، وهو ليس اسمها الحقيقي، تبلغ الآن من العمر 34 عاما، فإنها تتذكر كل شيء بشأن ممارسة ختان الإناث أو ما يسميها النشطاء بـ"البتر" أو "التشويه"، مشيرة إلى أن تداعيات صدمتها النفسية والجسدية من هذا المشهد لازمتها حتى مرحلة البلوغ. 

وقالت: "كان لدي شعور بأنني غير مكتملة وأنني لن أشعر أبدا بالسعادة بسبب هذا. إنه شعور مروع". 

عالميا وضع هدف القضاء على هذه الممارسة، الراسخة بعمق، بحلول عام 2030، لحماية الفتيات والأجيال القادمة، على الرغم من اعتراف النشطاء بصعوبة تحقيق ذلك. 

وحددت الأمم المتحدة يوما دوليا لعدم التسامح مطلقا مع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، هو السادس من فبراير كل عام. 

شرعت بعض النساء، اللائي يعشن مع العواقب، في رحلات شخصية عميقة للشفاء. إنهن يبحثن عن إجابات، وأحيانًا يجبن الإنترنت في سبيل ذلك، وسط "فجوات العلاج" في العديد من البلدان، أو حتى العار، والمضاعفات الجنسية، المحتملة ذات الصلة.

وتنتشر هذه الممارسة بين مجتمعات وثقافات وديانات مختلفة، في أجزاء من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، وترتبط بمعتقدات بشأن العفة أو الأنوثة والنظافة، ويغذيها العرف والضغط المجتمعي المبني على أفكار مغلوطة من جيل إلى جيل.

وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 200 مليون امرأة وفتاة يعشن مع تداعيات هذه الممارسة، التي يمكن أن تشمل الاستئصال الجزئي أو الكلي لأعضائهن التناسلية الخارجية، ويمكن أن تسبب نزيفا كثيفا قد يؤدي أحيانا إلى الموت. 

وعلى المدى الطويل، يمكن أن تؤدي هذه الممارسة إلى التهاب المسالك البولية، ومشكلات في الدورة الشهرية، والألم، وانخفاض الرضا الجنسي ومضاعفات الولادة، وكذلك الاكتئاب، وتدني احترام الذات واضطراب ما بعد الصدمة.

وبينما يدين بعض القادة الدينيين هذه الممارسة ويشاركون في حملات التوعية من أجل القضاء عليها، يتغاضى عنها آخرون. 

وتنتشر عادة "ختان الإناث" في مصر، منذ زمن، وأصبحت غير قانونية منذ عام 2008. 

وترفض الهيئات الإسلامية هذه الممارسة، وتصفها بأنها "عادة" وليست عبادة ولا أصل لها في الإسلام. 

لكن في المقابل، هناك بعض من يعارض حظر "ختان الإناث"، ويعتبر أن وقفها يعكس "أجندة يقودها الغرب". 

في هذه الأثناء، تنشر بعض النساء اللائي يعانين من تداعيات هذه الممارسة، مشاعرهن على الإنترنت بشكل مجهول، حيث يعبرن عن شعورهن بعدم الراحة والإحراج والمخاوف من أن ختانهن يمكن أن يمنعهن من الزواج أو يحكم على زيجاتهن بالفشل، وتبحث بعضهن عن جراحة لمعالجة ما ألم بهن في صغرهن. 

وفي حين تبحث بعض النساء عن الإجراءات الطبية لمعالجة آثار هذه الممارسة عليهن، فإن "هناك الكثير من الثغرات العلاجية في الكثير من البلدان التي يُمارس فيها تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية على نطاق واسع، حيث لا يتلقى الكثير من مقدمي الرعاية الصحية أي تدريب على الإطلاق"، بحسب الخبيرة المختصة في هذا المجال في منظمة الصحة العالمية، كريستينا باليتو. 

وفي عيادة افتتحت في مصر عام 2020، يجري الجراحون فيها عملية "إعادة البناء" لإزالة النسيج الندبي، وجعل الأجزاء غير المقطوعة من البظر واضحة.

وبينما يرى الداعمون لهذه الجراحة إنها يمكن أن تحسن من وظائف الأعضاء التناسلية والمظهر وتقلل الألم، فإن آخرين، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، يدعون إلى مزيد من البحث ويقولون إنه لا توجد أدلة كافية لتقييم الفوائد أو المضاعفات المحتملة أو النتائج طويلة الأجل لهذه الجراحة.

وقالت باليتو: "ليست لدينا توصية لصالح ذلك في الوقت الحالي بسبب نقص الأدلة على السلامة والفعالية"، مؤكدة أن أي امرأة أجرت هذه الجراحة يجب أن تُقدم لها استشارات الصحة الجنسية جنبا إلى جنب مع ذلك". 

لكن باليتو تشير إلى أن "لا هذه الجراحة ولا الحصول على استشارات الصحة الجنسية متاحان على نطاق واسع في البلدان التي تنتشر فيها عادة "ختان الإناث". 

وفي سعيها للعلاج، علمت نسرين بهذه العملية، وأجرتها بالفعل قبل عام. وقالت إنها بعد علاج كدمات ما بعد الجراحة، شعرت بتحسن. 

وأضافت: "لم أعد أشعر بالألم، وتحسن إحساسي يهذه المنطقة أيضا كثيرا."

لكنها تقول إن رحلتها لم تنته بعد، "ما زلت بحاجة إلى العمل على قبول ذاتي، وقبول أن هذا قد حدث لي وأنه قد تم علاجه"، مضيفة أن "العملية وحدها لا تكفي. لا أشعر أنني تجاوزت الصدمة تماما". 

وتريد نسرين متابعة العلاج النفسي لكنها تقول إنها لا تستطيع تحمل تكاليفه، وتخشى العثور على شخص يمكنها الوثوق به بمثل هذه التفاصيل الحميمة.

القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك أكثر الأمراض التي تصيب الأطفال. أرشيفية - تعبيرية
القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك أكثر الأمراض التي تصيب الأطفال. أرشيفية - تعبيرية

رصد تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، إصابة طفل من بين كل سبعة بأمراض ترتبط بالصحة العقلية.

وتحتفل المنظمة باليوم العالمي للصحة النفسية بالعاشر من أكتوبر من كل عام، بهدف التوعية بأهمية خدمات الدعم والصحة النفسية للأطفال والمراهقين.

وتشير البيانات إلى أن الأطفال والمراهقين الذي تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 19 عاما، يصاب بعضهم بأمراض مثل: القلق والاكتئاب واضطرابات السلوك، وغيرها من أمراض الصحة العقلية.

وتظهر ثلث حالات الإصابة بأمراض الصحة العقلية لدى الأطفال قبل وصولهم لسن الـ 14، ونصفها يظهر قبل بلوغهم 18 عاما.

ودعا التقرير إلى أهمية العمل مبكرا لاكتشاف الحالات، بين الأطفال والمراهقين، من أجل توفير الدعم والاستفادة من إمكاناتهم بالطريقة المثلى.

وانتقد التقرير عدم إتاحة الوصول لخدمات الرعاية للصحة العقلية للعديد من هؤلاء، بسبب إما عدم توافر الخدمات أو أنها باهظة الثمن، أو الوصمة المجتمعية التي قد تلاحقهم، وتمنعهم من طلب المساعدة.

وحدد التقرير ضعف الرعاية للصحة العقلية لهذه الفئة خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

ديفورا كاستيل، مديرة الصحة العقلية في منظمة الصحة العالمية، قالت في بيان: "علينا اتخاذ إجراءات تضمن توفر التدخلات المناسبة لجميع الأعمار بأسعار معقولة".

وأضافت أن كل دولة بصرف النظر عن ظروفها "يمكنها أن تفعل شيئا لتحسين الصحة العقلية لأطفالها وشبابها والأسر بالمجمل".

ودعا التقرير إلى دعم الصحة العقلية للأطفال والمراهقين على اعتباره جهدا جماعيا.

الطبيبة، فوزية شفيق، من اليونيسف، قالت: "لا يمكن معالجة الصحة العقلية، ورفاهية الأطفال والمراهقين وأسرهم بشكل منفرد، إذ يتعين علينا دمج الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية في أنظمة دعم المجتمع لبناء شبكة كاملة من خدمات الصحة العقلية للشباب".

وأضافت "مسؤوليتنا الجماعية أن نعطي الأولوية للصحة العقلية للأطفال والمراهقين كجزء من الرفاهية الشاملة لهذه الفئة".

وانتقد التقرير ممارسة اعتبرها "انتقادا للحقوق الإنسانية"، وهي وضع ملايين الأطفال الذين يعانون من حالات الصحة العقلية في مؤسسات رغم وجود عائلاتهم.

ودعا إلى ضرورة التخلص التدريجي من الرعاية المؤسسية لصالح نوع من الخدمات الاجتماعية التي تسمح للأطفال بالنمو وسط عائلاتهم ومجتمعاتهم، مع ضمان الاستمرارية في تعليمهم وتطويرهم بشكل شامل.