بعض أنواع السرطان يمكن الوقاية منها
معاهد بحثية متعددة تنشط لتقديم تفسيرات علمية لمرض السرطان – تعبيرية

كشفت وكالة مكافحة السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، أن عدد الإصابات بالسرطان سيرتفع إلى أكثر من 35 مليون حالة في عام 2050، أي بزيادة نسبتها 77 بالمئة، مقارنة مع العدد المسجل قبل سنتين.

ويرتقب أن يتضاعف عدد الحالات بمنطقة الشرق المتوسط، من نحو 788 ألف إصابة إلى 1.57 مليون بحلول عام 2045، بحسب منظمة الصحة الدولية الدولية التي أرجعت هذا الارتفاع إلى النمو السكاني بالمنطقة، بالإضافة إلى ارتفاع معدل انتشار عوامل خطر الإصابة بالسرطان.

ويبقى انتشار التدخين وتعاطي الكحول والسمنة والخمول البدني، واتباع نُظُم غذائية غير صحية، وتلوث الهواء من العوامل الرئيسية وراء الارتفاع المتوقع بالشرق الأوسط.

أمام هذه المعطيات، يحذر باحثون وفاعلون صحيون من التبعات الصحية والاجتماعية والاقتصادية القاسية التي ترتبط بالارتفاع المتسارع لحالات الداء الخبيث، مشددين على ضرورة اعتماد برامج عمل خاصة، ترتكز أساسا على توسيع حملات التوعية والوقاية وتطوير الأنظمة الصحية بدول المنطقة، على مستوى التشخيص والعلاج المبكر.

"عبء السرطان"

الدكتور مهند دياب، استشاري أمراض الأورام السرطانية، يرى أن الزيادة في حالات السرطان، "مدفوعة بالارتفاع السكاني الكبير في مقابل تراجع النمو الاقتصادي والذي يظهر من خلال الانخفاض العام في مؤشر الناتج المحلي العالمي".

ويضيف الدكتور دياب في تصريح لموقع "الحرة"، أن الكشف المبكر يبقى أكبر عامل يساهم في تفادي حالات السرطان المتقدمة والتي يصعب علاجها"، غير أنه يلفت إلى أن التشخيص السريع والدقيق يستدعي رصد ميزانيات وأموال، وهو الأمر الذي يبقى غير متاح في الوقت الحالي أو المستقبل القريب والمتوسط بالدول الأقل نموا.

وبحسب المعطيات التي كشفت عنها المنظمة الدولية، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السرطان والذي يحل في الرابع من فبراير من كل سنة، فإن أكثر أنواع السرطان شيوعا على الصعيد الدولي، هو سرطان الثدي، والرئة، والقولون والمستقيم، والبروستاتا. 

وفي عام 2020، كان سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان انتشارا على الصعيد العالمي، في حين أدى سرطان الرئة إلى وقوع أكبر عدد من الوفيات.

المتخصص في أبحاث السرطان، فهد الخضيري، يقول إن الارتفاع المتوقع خلال السنوات المقبلة "مدفوع بغياب حلول علاجية كافية، ونقص التوعية الصحية اللازمة فيما يتعلق بالوقاية من مسبباته".

ويشدد الخضيري في حديثه لموقع الحرة، على أن سكان الدول التي لم تطلق برامج وطنية لمكافحة السرطان، تشمل التوعية والتشخيص والعلاج وإطلاق ودعم الأبحاث والمراكز العلمية، سيكونون الأكثر تأثرا.

وتكشف ورقة بحثية حديثة تتناول موضوع "مستقبل رعاية مرضى السرطان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن المنطقة تقف على أعتاب تحول ديموغرافي، من شأنه أن يفاقم بشكل كبير على "عبء السرطان على مدى العقدين أو العقود الثلاثة المقبلة".

وتوضح الورقة التي نشرتها الباحثة كلير روش، على منصة "إيكونوميست إمباكت"، أن ازدياد عدد المسنين (الأشخاص الأكبر من 65 عاما) بنسبة 290 بالمئة بين عامي 2018 و2050، سيؤدي إلى تضاعف حالات السرطان المشخصة والوفيات الناجمة عنه.

واعتبرت الورقة، أن معالجة أوجه القصور التي تعتري الأنظمة الصحية بالمنطقة، يبقى أمرا بالغ الأهمية للحفاظ على جودة رعاية مرضى السرطان والسماح لها (الأنطمة) بالتكيف مع "ثقل السرطان المتزايد"، بحيث تتطور لصالح المرضى والمجتمع عامة.

التهديدات وسبل الوقاية

وقالت منظمة الصحة العالمية، إن من المتوقع أن تسجل الدول الأكثر تقدما أكبر الزيادات في أعداد الحالات، مع توقع 4.8 ملايين إصابة جديدة إضافية في عام 2050، مقارنة بتقديرات عام 2022.

لكن على صعيد النسب المئوية، فإن البلدان التي تحتل أدنى المراتب على مؤشر التنمية البشرية (HDI) الذي تستخدمه الأمم المتحدة، ستشهد أكبر نسبة من الزيادة (142 بالمئة).

ويُتوقع أن تسجل الدول ذات مؤشر التنمية البشرية المتوسط زيادة بنسبة 99 بالمئة.

وأضافت منظمة الصحة العالمية أنه "بالمثل، من المتوقع أن تتضاعف وفيات السرطان في هذه البلدان تقريبا في عام 2050".

وتشدد المنظمة الصحية، على أن الحد من خطر الإصابة بالسرطان يبقى ممكنا، موضحة أن "معظم عوامل خطر الإصابة بالسرطان قابلة للتغيير"، وتشير إلى أنه  يتبين بالفعل إمكانية الوقاية من نحو 50 بالمئة من أنواع السرطان.

في هذا السياق، يوضح الخضيري أن خفض حالات السرطان في السنوات القادمة بالدول الأقل تطورا يستدعي إطلاق استثمارات في برامج التوعية الصحية، وأيضا تطعيمات وتلقيحات ضد بعض الأمراض مثل  التهاب الكبد "بي" وفيروس الورم الحليمي البشري، علاوة على تدابير تحد استهلاك الكحول والتدخين، وباقي العادات السلبية وغير الصحية.

وتوضح منظمة الصحة، أنه يمكن الشفاء من السرطان تماما عند اكتشافه وعلاجه في مرحلة مبكرة، موضحة أن بالرغم من عدم ظهور أعراض خلال المراحل المبكرة لمعظم أنواع السرطان، فإن بعض الاختبارات التشخيصية متطورة بما يكفي للكشف عن السرطان حتى وإن كان خافيا، ما من شأنه ذلك تقليل التعامل مع الأعراض في المراحل المتأخرة للمرض ودعْم علاجه بنجاح.

وفيما يتفق الخبيران الطبيان، على أن الامتناع عن التدخين وباقي منتجات التبغ، والحد من استهلاك الأطعمة المُصنّعة العالية السعرات الحرارية، وتناول المزيد من الفواكه والخضروات، وممارسة الرياضة بانتظام، والمواظبة على أخذ التطعيمات الموصى بها، سلوكيات فعالة للوقاية من الداء الخبيث.

يتأسف الأخصائي الطبي، مهند دياب، من الزيادة ملحوظة في استهلاك الكحول بنسبة تصل إلى 50 بالمئة، مقارنة بعام 2010، وأيضا الارتفاع المتواصل في إنتاج التبغ والمنتجات التي تحتوي على النيكوتين النيكوتين، ومعها ارتفاع في الاستهلاك. ويلفت كذلك إلى أن السجلات الطبية تكشف ارتفاع البدانة بنسبة تصل إلى 40 بالمئة، في صفوف الأشخاص البالغين بين  18 و60 عاما.

ويؤكد الاستشاري الصحي، أن التلوث البيئي والهوائي يبقى أيضا بين أبرز مسببات داء السرطان، مشيرا إلى أن هذه العوامل مجتمعة، تنذر بارتفاع الحالات وتؤكد الأرقام التي كشفها التقرير الدولي.

"الوفيات أعلى بالدول الأكثر فقرا"

ويبقى السرطان أحد العوامل الرئيسية المسببة للوفاة على الصعيد العالمي، إذ يتسبب في حالة وفاة واحدة من كل 6 حالات وفيات مسجلة، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وفي عام 2022 فقط، توفي نحو 9.7 مليون مصاب بالسرطان، من أصل 20 مليون حالة مسجلة. 

في هذا الجانب، يقول المتخصص في أبحاث السرطان، إن نسبة الوفيات بسبب هذا الداء في الدول الفقيرة تزيد بنسبة 150 بالمئة عن الدول الأكثر تقدما، ما يجعلها الأكثر تأثرا.

وعلى سبيل المثال، في البلدان ذات مؤشر التنمية البشرية المرتفع: يتم تشخيص إصابة امرأة واحدة من أصل كل 12 امرأة مصابة سرطان الثدي، وتموت امرأة واحدة من كل 71 مصابة، بالمرض. 

وفي البلدان ذات مؤشر التنمية البشرية المنخفض: يتم تشخيص إصابة واحدة فقط من كل 27 امرأة بسرطان الثدي، ولكن امرأة واحدة من كل 48 تموت بسببه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التشخيص المتأخر وعدم القدرة على الوصول إلى العلاج.

في هذا الجانب، يؤكد الخضيري، على عدم المساواة بين دول العالم في الإمكانيات الصحية والطبية وأيضا الاقتصادية من أجل عكس النسق التصاعدي للوفيات، مشيرا إلى أن على الدول الأقل نموا العمل على الوصول إلى المقاييس المعيارية للصحة العامة، من أجل خفض نسب الإماتة.

ويفيد الخبير الصحي، بأن هذه الأرقام تستدعي التركيز على مسألة التوعية الصحية، والعمل على تعزيز آليات الكشف المبكر باعتبارها السبل المثلى لتفادي اتساع نطاق المرض ووفياته، ويشدد على أن "التشخيص والعلاج المبكرين في الوقت والزمن المناسبين يبقيان أهم وسيلة من أجل مكافحة هذا الداء الخبيث".

وفي بيان صحفي صدر،  الجمعة، عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، قال الدكتور كاري آدامز، رئيس الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان،"على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه في الكشف المبكر عن السرطان وعلاج مرضى السرطان ورعايتهم، إلا أن هناك فوارق كبيرة في نتائج العلاج ليس فقط بين المناطق المرتفعة والمنخفضة الدخل في العالم، ولكن أيضا داخل نفس البلد".

ويشير إلى أن "المكان الذي يعيش فيه شخص ما، لا ينبغي أن يحدد ما إذا كان سيعيش أم لا"، موضحا أن هناك "أدوات لتمكين الحكومات من إعطاء الأولوية لرعاية مرضى السرطان، وضمان حصول الجميع على خدمات عالية الجودة وبأسعار معقولة".

وأضاف: "هذه ليست مجرد مسألة موارد ولكنها مسألة إرادة سياسية".

 بحسب الدراسة، الرضع لديهم القدرة على تشفير الذكريات بدءًا من عمر السنة
بحسب الدراسة، الرضع لديهم القدرة على تشفير الذكريات بدءًا من عمر السنة

سنواتنا الأولى هي فترة تعلم سريع، ومع ذلك لا نستطيع تذكر تجارب محددة من تلك الفترة، وهي ظاهرة تُعرف بالنسيان الطفولي.

تحدت دراسة جديدة الافتراضات المتعلقة بذاكرة الأطفال، حيث أظهرت أن العقول الصغيرة تشكل ذكريات بالفعل.

ومع ذلك، يبقى السؤال: لماذا تصبح هذه الذكريات صعبة الاسترجاع لاحقًا في الحياة؟

يصبح الأطفال في السنة الأولى من عمرهم متعلمين استثنائيين، يتعلمون اللغة، والمشي، والتعرف على الأشياء، وفهم الروابط الاجتماعية، وأمور أخرى كثيرة.

ومع ذلك، لا نتذكر أيًا من تلك التجارب، فما يجري هو نوع من التفاوت بين هذه المرونة المدهشة وقدرتنا على التعلم التي نملكها.

افترض سيغموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي، أن الذكريات المبكرة يتم قمعها، على الرغم من أن العلم قد تجاهل منذ ذلك الحين فكرة عملية القمع النشطة.

بدلاً من ذلك، تركز النظريات الحديثة على الهيبوكامبوس Hippocampus، وهو جزء من الدماغ حاسم للذاكرة العرضية، والذي لا يتطور بشكل كامل في الطفولة.

لكن فريق الباحثين بقيادة نيك ترك-براون، أستاذ علم النفس في جامعة ييل والمؤلف الرئيسي للدراسة، كان مهتمًا بالأدلة من الأبحاث السلوكية السابقة.

وبما أن الأطفال لا يمكنهم الإبلاغ عن الذكريات شفهيًا قبل اكتساب اللغة، فإن ميلهم إلى التحديق لفترة أطول في الأشياء المألوفة يوفر تلميحات هامة.

أظهرت الدراسات الحديثة على القوارض التي تراقب النشاط الدماغي أيضًا أن أنماط الخلايا التي تخزن الذكريات تتشكل في الهيبوكامبوس عند الأطفال الرضع ولكن تصبح غير قابلة للوصول مع مرور الوقت، رغم أنه يمكن إيقاظها صناعيًا من خلال تقنية تستخدم الضوء لتحفيز الخلايا العصبية.

لكن حتى الآن، كان الجمع بين ملاحظات الأطفال الرضع وتصوير الدماغ بعيد المنال، حيث أن الأطفال معروفون بعدم تعاونهم عندما يتعلق الأمر بالجلوس ثابتين داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي ، الجهاز الذي يتتبع تدفق الدم لـ "رؤية" النشاط الدماغي.

لتجاوز هذا التحدي، استخدم فريق ترك-براون الطرق التي طورها مختبره على مر السنين، بالعمل مع العائلات لإدخال اللهايات، والبطانيات، والدُمى المحشوة؛ وتثبيت الأطفال باستخدام الوسائد؛ واستخدام أنماط خلفية للحفاظ على انتباههم.

اكتشفوا أن الأطفال الذين حققوا أفضل النتائج في مهام الذاكرة أظهروا نشاطًا أكبر في الهيبوكامبوس.

وأوضح الفريق أن ما يمكنهم استنتاجه من الدراسة هو أن الرضع لديهم القدرة على تشفير الذكريات العرضية في الهيبوكامبوس بدءًا من حوالي عمر السنة."

لكن ما يزال غير واضح ما الذي يحدث لتلك الذكريات المبكرة.

ربما لم يتم دمجها بالكامل في التخزين طويل المدى، أو ربما تستمر لكنها تصبح غير قابلة للوصول.

يشتبه ترك-براون في الخيار الثاني وهو الآن يقود دراسة جديدة لاختبار ما إذا كان الأطفال الرضع، والصغار، والأطفال يمكنهم التعرف على مقاطع فيديو تم تسجيلها من منظورهم كرضع.

تشير النتائج المبكرة، والتجريبية، إلى أن هذه الذكريات قد تستمر حتى حوالي سن الثالثة قبل أن تبدأ بالتلاشي.

ويشعر الفريق بقيادة ترك-براون بالفضول بشكل خاص لاحتمالية أن يتم إعادة تنشيط مثل هذه الذكريات في وقت لاحق من الحياة.