يربط باحثون بين الغذاء الطبيعي وبين تقليل انبعاث الغازات الضارة بالأرض - تعبيرية
يربط باحثون بين الغذاء الطبيعي وبين تقليل انبعاث الغازات الضارة بالأرض - تعبيرية

يؤكد خبراء أن تناول أطعمة طبيعية من شأنه أن يعود بالنفع على صحة الإنسان والبيئة، ويذهب مختصون إلى أبعد من ذلك، ويشيرون إلى أن فوائد النظام الغذائي الصحي لا تتوقف عند الشخص الذي يأكله فقط، وإنما تتعداه إلى كوكب الأرض، وفق شبكة "سي.أن.أن" الأميركية.

وتوصلت دراسة حديثة إلى أن اتباع نظام غذائي صديق لكوكب الأرض، يتكون في الغالب من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، يمكن أن يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة الثلث تقريبا، ويقلل بشكل كبير من انبعاث الغازات الدفيئة التي تضر بالكوكب.

ويلفت مختصون إلى أن إنتاج الغذاء يلعب دورا رئيسيا في أزمة المناخ. ويقولون إن تربية الماشية للاستهلاك البشري، على سبيل المثال، تستهلك مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية، وتساهم في إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي وتلوث المياه.

وبرأي هؤلاء، يمكن للحيوانات التي تمضغ طعامها على نحو مستمر أن تنبعث منها غازات ضارة ذات تأثير كبير على البيئة.

وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن التجشؤ وبراز الأبقار والأغنام والماعز يولد غاز الميثان، وهو غاز أقوى 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون في رفع درجة حرارة الأرض.

وعلى سبيل المثال، يمكن لبقرة واحدة بالغة أن تتجشأ أو تطلق ريحا يصل إلى 500 لتر من الميثان يوميا. ويقول الخبراء إن مجموع الرياح الصادرة من الأبقار، يمكن أن يولد ما يقرب من 15% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في العالم.

وبرأي الدراسة، فإن اتباع نظام غذائي صديق للكوكب يقلل استخدام الأراضي بنسبة 51%، وانبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 29%، واستخدام الأسمدة بنسبة 21%، كما أنه يطيل عمر الإنسان.

وقال والتر ويليت، أستاذ علم الأوبئة والتغذية في جامعة هارفارد الأميركية، إن "تغيير الطريقة التي نأكل بها يمكن أن يساعد في إبطاء تغير المناخ. ولحسن الحظ فإن ما هو أكثر صحة لكوكب الأرض هو الأفضل بالنسبة لنا أيضا".

وقال ويليت: "حينما نظرنا في الأسباب الرئيسية لوفاة كثيرين، وجدنا أن الخطر أقل لدى الأشخاص الذين يلتزمون بشكل أفضل بنظام غذائي صديق للكوكب".

وتشمل الأطعمة المفيدة لكوكب الأرض الحبوب والخضروات والفواكه والبقوليات وفول الصويا والزيوت النباتية غير المشبعة، مثل زيت الزيتون.

ووجدت الدراسة أن أكثر من 10% من الأشخاص الذين اتبعوا نظاما غذائيا صديقا للكوكب كانوا أقل عرضة للوفاة المبكرة.

ووجدت الدراسة أن لدى هؤلاء خطرا أقل بنسبة 28% للوفيات العصبية، مع انخفاض خطر وفاتهم بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 14%، وانخفاض خطر وفاتهم بالسرطان بنسبة 10%.

سرطان الرئة هو السبب الرئيسي لحالات الوفاة بالسرطان حول العالم
سرطان الرئة هو السبب الرئيسي لحالات الوفاة بالسرطان حول العالم

معظمنا سيربط خطر الإصابة بسرطان الرئة بالتدخين أو تلوث الهواء، لكن الباحثين اكتشفوا رابطًا مثيرًا للاهتمام بين هذا المرض وجودة النظام الغذائي.

فقد وجد الباحثون من جامعتي فلوريدا وكنتاكي أن جزيء الغليكوغينglycogen – الذي يخزن السكر البسيط الغلوكوز – قد يعمل كمحرك لبعض أنواع سرطان الرئة.

وقد وُجد أن مستويات الغليكوغين كانت أعلى في عينات الأنسجة البشرية لسرطان الغدة القصبية Lung Adenocarcinoma، وهو النوع المسؤول عن 40 بالمئة من حالات سرطان الرئة حول العالم.

وفي تجارب على الفئران، لاحظ الفريق أن زيادة الغليكوغين ساعدت في نمو السرطان بشكل أسرع، في حين أن تقليل وجوده أدى إلى تباطؤ نمو الأورام.

تعتمد الدراسة الجديدة على تقنية تُعرف باسم التمثيل الغذائي المكاني، والتي تتيح للعلماء تحديد خصائص الجزيئات الصغيرة داخل الأنسجة وفقًا لموقعها.

وفي هذه الحالة، استخدم الفريق منصة مصممة خصيصًا لتحليل الأنسجة.

يقول عالم الأحياء الجزيئية رامون صن من جامعة فلوريدا "وفّرت هذه المنصة عدسة جديدة لرؤية الأمراض، مما مكن الباحثين من اكتشاف أنماط وتفاعلات جزيئية لم تكن معروفة من قبل، وبدقة وعمق ملحوظين في الفهم."

كان الباحثون يدرسون العلاقة بين الغليكوغين وأنواع مختلفة من السرطان منذ فترة، ويبدو أن هذا المصدر من الطاقة يعمل كـ"حلوى" للخلايا السرطانية، يمنحها الوقود اللازم للنمو بسرعة، بما يكفي لتجاوز أنظمة المناعة الطبيعية في أجسامنا.

نعلم أن الغليكوغين يأتي من الكربوهيدرات التي نتناولها، ويُعتبر مصدرًا مهمًا للطاقة يُخزن في العضلات، ويستعين به الجسم أثناء التمارين. في الأساس، هو شكل مُخزن من الغلوكوز غير المستخدم على الفور.

كما يتراكم الغليكوغين بشكل أكبر نتيجة النظام الغذائي الغني بالدهون والكربوهيدرات.

وفي هذه الدراسة، أظهرت الفئران التي تم إطعامها بهذا النوع من النظام الغذائي مستويات أعلى بكثير من نمو سرطان الرئة مقارنة بالفئران التي تناولت أنظمة غذائية غنية بالدهون فقط، أو بالكربوهيدرات فقط، أو حتى نظامًا غذائيًا معتدلًا.

أوضح الفريق أهمية اجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد العلاقة بين النظام الغذائي وسرطان الرئة لدى البشر، لكن يبدو أن هناك نوعًا من الارتباط بالفعل.

ويقول رامون صن "على المدى الطويل، ينبغي أن تعكس استراتيجيتنا في الوقاية من السرطان ما حققته حملات مكافحة التدخين من نجاح، من خلال التركيز بشكل أكبر على التوعية العامة والاستراتيجيات القائمة على السياسات التي تشجع على خيارات غذائية صحية كعنصر أساسي في الوقاية من الأمراض."

من الجدير بالذكر أن مستويات الغليكوغين المرتفعة ظهرت فقط في عينات أنسجة لسرطان الغدة القصبية لدى البشر، ولم تُلاحظ في أنواع أخرى من سرطان الرئة، مثل سرطان الخلايا الحرشفية الرئوي، وهو ما يستدعي إجراء مزيد من الدراسات.

وفي الوقت الحالي، تعتبر هذه النتائج تذكيرًا بمدى أهمية النظام الغذائي لصحتنا العامة. 

تمامًا كما يُعتقد أن اللحوم الحمراء والمشروبات الكحولية ترفع من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان، تقول الدراسة إنه قد نضطر قريبًا إلى إضافة سرطان الرئة إلى قائمة الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي.