يمكن لفحص "الأنف" الكشف عن مشاكل صحية في جسم الإنسان- صورة تعبيرية.
يمكن لفحص "الأنف" الكشف عن مشاكل صحية في جسم الإنسان (صورة تعبيرية). | Source: pexels

يؤكد خبراء صحة أن سيلان الأنف المستمر قد يكون مؤشرا على حالة صحية تؤدي إلى الوفاة، إلى إذا لم يتم علاجها في الوقت المناسب، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وتحدثت الصحيفة عن قصة عاملة توصيل طعام تدعى شيميكا رودريغيز، عانت من سيلان أنف مستمر لعدة أشهر، حيث ذهبت إلى عيادتين بالقرب من شقتها في حي بروكلين بمدينة نيويورك طلبا للمساعدة، لكن الأطباء أعطوها في البداية دواء للحساسية وبعد ذلك مضادات فيروسية، دون أن تستفيد.

وبعد 3 أشهر من العلاج غير المجدي مع تلك العقاقير، كان السيلان من فتحة أنفها اليسرى قد بدأ بالازدياد بشكل شبه مستمر، ومع ذلك اعتقدت أن الأمر سيتحسن مع الوقت بعد أن تتعافى من "العدوى الفيروسية".

لكن لاحقا انتابتها مخاوف بشأن أن يكون الامر أكثر خطورة، خاصة أن السيلان الذي لم يؤثر على فتحة أنفها اليمنى كان سائلا شفافا ولم يكن يشبه المخاط.

وأوضحت أنها كانت تشعر كأنها "تغرق" عندما تستلقي على ظهرها، موضحة أن السائل كان يدخل إلى حلقها، وأنها كانت بحاجة مستمرة لاستخدام المناديل الورقية.

وبفضل بحث أجراه شريكها عبر الإنترنت، توصل إلى أن السيلان المستمر من إحدى فتحتي الأنف قد يكون عرضا لمرض يدعى "تسرب السائل الدماغي النخاعي القحفي"، الذي من أعراضه تسرب سائل شفاف من الأنف أو الأذن، وفقا لموقع "مايو كلينك" الطبي.

ووفقا لنفس الموقع، فإنه يوجد نوعان مختلفان من تسربات السائل الدماغي النخاعي، أولهما تسربات السائل الدماغي النخاعي الفقري، والثاني تسربات السائل الدماغي النخاعي القحفي، وهو الذي أصيبت به رودريغيز.

ويحدث تسرب السائل الدماغي النخاعي الفقري في أي مكان من العمود الفقري، وأكثر أعراضه شيوعا هو الصداع.

أما تسرب السائل الدماغي النخاعي القحفي فيحدث في الجمجمة، ويسبب غالبًا ظهور أعراض مثل تسرب سائل شفاف من الأنف، أو الأذن، أو فقدان السمع أو الإحساس بطعم معدني في الفم أو التهاب السحايا.

ولاحقا راجعت المرأة الطبيب تشارلز تونغ، المتخصص في علاج الأنف والجيوب الأنفية وإجراء عمليات قاعدة الجمجمة، والذي أكد بعد إجراء الفحوصات المناسبة، إصابتها بـ"تسرب السائل الدماغي النخاعي القحفي".

وقالت رودريغيز إن تونغ اتصل في اليوم التالي من ظهور نتائج الاختبارات، لإخبارها بأنها ستحتاج إلى عملية جراحية لإصلاح التسرب.

وتابعت: "لم أكن أريد إجراء عملية جراحية"، مستدركة أنها لم تكن على استعداد للعيش مع خطر التسرب غير المعالج، حيث تذكرت ما حدث مع عمتها، التي كانت في الخمسينيات من عمرها، وعثر عليها جثة هامدة في شقتها في يونيو 2023.

واكتشفت الأسرة فيما بعد أن تلك العمة كان قد جرى تشخيص إصابتها بتسرب السائل النخاعي عام 2015، لكنها رفضت العلاج، وبالتالي يعتقدون أن ذلك المرض تسبب في وفاتها.

وأجرت رودريغيز عملية جراحية، تضمنت سد التسرب باستخدام أنسجة مأخوذة من تجويف أنفها، حيث أمضت حوالي أسبوع في المستشفى وعدة أشهر للتعافي في المنزل.

وقالت إن التجربة علمتها أن تكون يقظة بشأن صحتها، مضيفة: "إذا رأيت أي شيء غير طبيعي في جسدك، فاستشر طبيبك لتحصل على الفحوصات المناسبة".

ويقدر تونغ أنه عالج ما بين 50 و100 مريض يعانون من تسرب السائل النخاعي في السنوات الثماني التي مارس فيها المهنة.

وعلى عكس رودريغيز، قال إن المرضى يقللون أحيانًا من أهمية التشخيص، ويترددون في إجراء الجراحة، معتبرين خطأ أنه "مجرد سيلان في الأنف".

صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز
صينيون في مركز تسوق في 3 يناير 2025 يعودون لارتداء الكمامات مع انتشار ميتانيموفيروس- مصدر الصورة: رويترز

تنتشر صور لصينيين بالكمامات وأخبار حول اكتظاظ بمستشفيات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من فيروس جديد يصيب الجهاز التنفسي. هذه الأنباء أثارت قلق البعض، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة عادوا مؤخرا لارتداء الكمامات في المناسبات وأماكن التجمعات.

وتشهد الصين ارتفاعا في حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف بـ"ميتانيموفيروس" (hMPV)، خاصة في المقاطعات الشمالية وبين الأطفال. ويُعيد هذا إلى الأذهان ذكريات بداية جائحة كورونا، التي ظهرت في مدينة ووهان قبل خمس سنوات وأودت بحياة مئات الآلاف حول العالم.

وبحسب أستاذ ومستشار علاج الأمراض المُعدية، ضرار حسن بلعاوي، في حديثه مع موقع "الحرة" فإن هذا الفيروس يثير بعض المخاوف بسبب تشابه أعراضه مع أعراض الفيروس المخلوي التنفسي والإنفلونزا ونزلات البرد.

ما هو ميتانيموفيروس البشري؟

تم اكتشاف ميتانيموفيروس البشري لأول مرة في هولندا عام 2001. "وبالرغم من أنه جديد نسبيا من حيث اكتشافه، إلا أنه من المُعتقد أن الفيروس كان متواجدا لفترة طويلة قبل ذلك"، بحسب بلعاوي، الذي يشير إلى أن "ميتانيموفيروس" البشري والفيروس المخلوي التنفسي من نفس العائلة.

واعتبارًا من عام 2016، يعتبر ميتانيموفيروس البشري ثاني أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسي الحادة شيوعا (بعد الفيروس المخلوي التنفسي RSV) لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة في العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأميركية، بحسب بلعاوي.

وتُشير الدراسات إلى أنه ينتشر موسميًا، عادةً في فصلي الربيع والشتاء.

أما عن ظهور الفيروس مؤخرا في الصين، فإن بلعاوي يعزو ذلك إلى تزايد رصد الحالات وتسليط الضوء عليه، وليس بالضرورة إلى بدايته الفعلية.

ونشر المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها بيانات تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا في التهابات الجهاز التنفسي خلال الأسبوع الممتد من 16 إلى 22 ديسمبر 2024. 

ويقول بلعاوي: "ارتبط ميتانيموفيروس البشري بنسبة 6.2 في المئة من نتائج الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسي و5.4 في المئة من حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي في الصين، متجاوزًا بذلك كوفيد-19 والراينوفيروس والفيروسات الغدية". 

من يصيب وما مدى خطورته؟

يُصيب ميتانيموفيروس البشري جميع الفئات العمرية، ولكنه يُشكل خطرًا كبيرا على الأطفال الصغار، وكبار السن، والأفراد الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي مثل الربو.

في معظم الحالات، تُسبب العدوى أعراضا خفيفة تشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف، والسعال، والتهاب الحلق، والحمى. ولكن في بعض الحالات، وخاصةً للفئات الأكثر عرضةً للخطر، يمكن أن يُسبب الفيروس التهابات خطيرة في الجهاز التنفسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصيبات، ما قد يتطلب دخول المستشفى.

أعراض فيروس الجهاز التنفسي البشري- مصدر الصورة: كليفلاند كلينيك

ما هو العلاج؟

لا يوجد علاج مُحدد لميتانيموفيروس البشري، والعلاج يعتمد في الغالب على تخفيف الأعراض، بحسب بلعاوي.

لكن الخبير في علم الأدوية واللقاحات في لندن، بلال زعيتر، قال لموقع "الحرة" إن هناك لقاحا بالفعل تم تطويره بشكل طارئ لمحاربة هذا الفيروس، بنفس الطريقة التي تم بها تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، في حين لا تزال الدراسات جارية للتأكد من فعاليته.

وينصح بلعاوي بدوره من تظهر عليه الأعراض بالراحة وشرب الكثير من السوائل، كما يمكن استخدام الأدوية التي تُصرف دون وصفة طبية لتخفيف الحمى والألم.

لكنه يشير إلى أنه في حالات العدوى الشديدة، قد يلزم العلاج في المستشفى، حيث يُمكن تقديم الرعاية الداعمة، مثل الأكسجين والتهوية الميكانيكية.

طرق الانتقال وسرعة الانتشار

وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) في الولايات المتحدة، يمكن التقاط العدوى بهذا الفيروس، من مخالطة المصابين، من إفرازات السعال، أو العطس، أو اللمس، أو المصافحة للمصاب، أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس، ثم لمس الفم أو الأنف أو العين.

وتتراوح فترة الحضانة بين 3 إلى 6 أيام، وقد يختلف متوسط مدة المرض حسب شدته.

ويقول بلعاوي إن "سرعة انتشار الفيروس ليست معروفة بدقة، وتُجرى دراسات لفهم طبيعة انتقاله بشكل أفضل".

طرق الوقاية

تُشبه طرق الوقاية من ميتانيموفيروس البشري hMPV تلك المتبعة للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا بحسب بلعاوي، وهي:

* غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
* تجنب لمس العينين، والأنف، والفم بأيدي غير مغسولة.
* تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس، ثم التخلص من المنديل على الفور.
* تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
* البقاء في المنزل عند الشعور بالمرض لتجنب نقل العدوى للآخرين.

هل يمكن أن ينتقل من الصين إلى بلاد أخرى؟

بالرغم من إعلان السلطات الصحية الصينية أنها تنفذ إجراءات طارئة لمراقبة انتشار المرض وإدارته، فإن هونغ كونغ أبلغت عن وجود عدد من الإصابات بين مواطنيها، فيما أعلنت دول مجاورة مثل تايوان وكمبوديا أنها تراقب الوضع عن كثب.

ويرى بلعاوي أن الصين يجب ان تنفذ إجراءات استباقية مشددة حتى لا ينتشر الفيروس، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا داع للقلق لأننا نعرف الكثير عنه فضلا عن أن العالم أصبح يعرف الكثير بعد جائحة كورونا بشأن كيفية التعامل مع الأمراض التنفسية والمستشفيات مجهزة لمثل هذا الأمر.

ويؤكد أنه بالرغم من أن الفيروس لا يمثل حاليا تهديدا وبائيا عالميا، فإن الوعي بأعراضه وطرق الوقاية منه يُعد أمرا بالغ الأهمية للحد من انتشاره وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر مثل المرضى وكبار السن والأطفال.