الزلزال تسبب بتدمير آلاف المباني كليا وجزئيا في تركيا
الزلزال تسبب بتدمير آلاف المباني كليا وجزئيا في تركيا

منذ الأيام الأولى التالية للزلزال المدمر الأخير الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، ظهرت على صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بلغات عدة حول العالم منشورات تدعي مسؤولية برنامج (HAARP) العلمي الأميركي عن هذه الكارثة الطبيعية.

لكن هذه الادعاءات التي يروج لها أنصار نظريات المؤامرة لا أصل لها من الناحية العلمية وفقا لخبراء استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس.

فعقب الكارثة التي حلت بمناطق واسعة من جنوب تركيا وشمال سوريا فجر الاثنين في السادس من فبراير الحالي، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وإصابة مئات الآلاف بجروح وتدمير هائل، توالت المنشورات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، منها نظريات مؤامرة عن أسباب مفتعلة لهذا الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 درجات.

ومن بين هذه النظريات ما قيل عن أدلة أو مؤشرات مزعومة على أن الزلزال مفتعل، وسرعان ما وُجّهت أصابع الاتهام لبرنامج "HAARP" الأميركي الذي سمته بعض المنشورات "سلاح HAARP".

وظهرت هذه الادعاءات باللغات العربية والإسبانية والهولندية والمجرية والتشيكية والإنكليزية، على صفحات لمستخدمين عاديين، وأيضا عند أشخاص يدعون صفات علمية، أو يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء، ما زاد من انتشار هذه الشائعة وغيرها من شائعات ونبوءات رفعت حدة القلق بين عشرات آلاف مستخدمي مواقع التواصل في البلدان المجاورة لتركيا وسوريا.

ظهرت هذه الادعاءات عند أشخاص يدعون صفات علمية، أو يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء

ما هو برنامج HAARP؟

يُعنى هذا المشروع العلمي الأميركي بدراسة الخاصيات والتفاعلات للطبقة العليا من الغلاف الجوي لكوكب الأرض، التي تفصل غلاف الأرض عن الفضاء، وهي تسمى "الغلاف الإيونيّ".

ما قصة الموجات التي يطلقها HAARP؟

تم إنشاء هذا البرنامج عام 1990 بقرار من الكونغرس الأميركي، واشترك سلاح الجو والقوات البحرية في الإشراف عليه.

يُطلق برنامج HAARP - بحسب ما يذكر على موقعه الإلكتروني - موجات هي الأقوى والأعلى تردّداً في العالم، باتجاه "الغلاف الإيونيّ"، الذي يبدأ على ارتفاع ما بين 60 و80 كيلومترا من سطح الأرض وصولا إلى ارتفاع 500 كيلومتر.

ويقول الموقع الرسمي للبرنامج "الهدف من الأبحاث إجراء دراسة أساسية عن الآليات الفيزيائية التي تحدث في الطبقات الأعلى من الغلاف الجوي".

ولهذه الغاية، يستخدم هذا المشروع الموجات اللاسلكية لتسخين الإلكترونات في الغلاف الجوي، فتنشأ من ذلك "اضطرابات صغيرة مشابهة لتلك التي تحدث طبيعيا" بشكل يتيح للعلماء مراقبتها ودراستها.

والهدف من ذلك، وفقا للمصدر نفسه، فهم هذه الظواهر ومحاولة الاستفادة منها في تطوير أنظمة الاتصالات والمراقبة العسكرية والمدنية.

ويوضح الموقع أن "الهدف هو دراسة الخاصيات الفيزيائية والكهربائية للغلاف الإيوني، والتي من شأنها التأثير على أنظمة الاتصالات والملاحة العسكرية والمدنية".

من يشرف على البرنامج الآن؟

في عام 2015، أصبح برنامج HAARP تحت إشراف جامعة ألاسكا- فيربانكس. ومنذ ذلك الحين لا يوجد في مركز الأبحاث أي عسكري أميركي، وفقا للموقع.

ويرد القيمون على الموقع الإلكتروني على أسئلة الجمهور عن عمله، وأيضا على شائعات مختلفة تطاله، منها ما يدعي مثلا أن له القدرة على تغيير المناخ.

هل يمكن لبرنامج HAARP أن يسبب زلزالا فعلا؟

في اتصال مع وكالة فرانس برس في الحادي عشر من فبراير الحالي قالت، جيسيكا ماتيوز، المسؤولة عن برنامج HAARP إن ما يشاع على مواقع التواصل غير ممكن.

وأضافت أن "المعدات البحثية في برنامج HAARP لا يمكنها أن تسبب كارثة طبيعية أو أن تقوي حدتها".

ماذا يقول خبراء مستقلون؟

وأيد ذلك عدد كبير من الخبراء استطلعت آراءهم خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة فرانس برس.

فقال جيفري هوغز، أستاذ علم الفلك في جامعة بوسطن "من غير الممكن أن يستخدم (البرنامج) للتأثير على الأرض في مكان بعيد".

وأضاف "الموجات اللاسلكية يمكنها أن تسبب اضطرابا اصطناعيا في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، على نحو ما تسببه أشعة الشمس".

وقال توشي نيشيمورا، العالم المتخصص في الجيوفيزياء والأستاذ والباحث في كلية الهندسة في جامعة بوسطن "لم أطّلع على أي دليل علمي على قدرة الموجات الاصطناعية على التسبب باضطرابات أقوى، أو أن تؤثر على الحركة الزلزالية".

وأضاف لوكالة فرانس برس "ليس هناك في الوقت الحالي أي تقنية قادرة على إطلاق موجات لاسلكية من الأرض تصل إلى بقعة أخرى من الأرض، ولا يبدو لي ممكنا أن تتمكن موجات لاسلكية من التأثير على الحركة الزلزالية".

"خيال علمي"

في السياق نفسه، وصفت سوزان هوغ، عالمة الجيوفيزياء في مركز الزلازل الأميركي هذه الادعاءات بأنها "خيال علمي".

وقالت لخدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة فرانس برس "ليس هناك أي تقنية حاليا تتيح استخدام أي سلاح للتسبب في هزة أرضية".

وأيد ذلك، ديفيد كيث، أستاذ الفيزياء التطبيقية في جامعة هارفرد، قائلا "بكل بساطة، لا يوجد أي تقنية معروفة تتيح استخدام ما يشبه HAARP من قريب أو بعيد للتأثير على الزلازل".

برنامج HAARP "ليس سلاحا"

ويشدد مايكل لوكوود، المتخصص في الفيزياء الفضائية في جامعة ريدينغ البريطانية على أن HAARP ليس "سلاحا"، بخلاف ما ادعته المنشورات المضللة.

وقال لفرانس برس "HAARP ليس سلاحا ولا يمكن بأي حال استخدامه كسلاح".

وأضاف "لم نسمع في حياتنا من قبل عن فكرة توليد زلازل اصطناعيا".

هل كان زلزال تركيا "غير طبيعي"؟

وتقع تركيا على خط صدع زلزالي رئيسي في العالم.

في عام 1999، تسبب زلزال في إزميت على بعد حوالى 100 كيلومتر جنوب شرق إسطنبول بمقتل 17 ألف شخص.

لم يشهد هذا الخط أي زلزال تفوق قوته 7 درجات منذ أكثر من قرنين، مما حدا بكثير من السكان إلى "الاستخفاف بخطورته"، بحسب خبراء.

وتشير هذه المدة أيضا إلى "أن كمية كبيرة نسبيا من الطاقة تراكمت" على طول الصدع. وما يؤكد ذلك، بحسب باحثين، حدوث زلزال ارتدادي عنيف بعد الزلزال الرئيسي.

ووفقا لخبراء، فإن الزلزال الأخير هو"تقريبا تكرار" للزلزال الذي ضرب المنطقة في 13 أغسطس 1822 والذي قدرت قوته بنحو 7,4 درجات.

طلاب يصطفون داخل مدرسة في سوريا - صورة تعبيرية.
طلاب يصطفون داخل مدرسة في سوريا - صورة تعبيرية.

تداولت صفحات جزائرية على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قالت إنه لعزف النشيد الوطني الجزائري في إحدى المدارس في سوريا خلال بداية الموسم الدراسي الحالي. لكن الادعاء مضلّل والفيديو صُوّر قبل عام تزامنا مع مشاركة فرق الإنقاذ الجزائرية في إغاثة المتضررين من الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من فبراير 2023.

ويظهر في الفيديو طلاب مصطفين وصورة للرئيس السوري بشار الأسد ويُسمع في الخلفية النشيد الوطني الجزائري.

يظهر في الفيديو طلاب مصطفين وصورة للرئيس السوري بشار الأسد ويُسمع في الخلفية النشيد الوطني الجزائري

وقال الناشرون إنه مصور خلال الدخول المدرسي الحالي.

وحظي الفيديو بآلاف المشاهدات والتفاعلات من صفحات عدة على مواقع التواصل حاصدا مئات التعليقات التي تشيد بالفيديو وبالعلاقات بين الجزائر وسوريا.

فيديو قديم

ويظهر البحث عن الفيديو باستعمال كلمات مفتاحية مثل "النشيد الجزائري مدرسة سوريا"، أنه منشور على مواقع إخبارية محلية في شهر فبراير من سنة 2023 ما ينفي أن يكون حديثا مثلما ادعت المنشورات المتداولة.

وجاء في التفاصيل أن الفيديو مصور في مدرسة في مدينة حلب حيث عُزف النشيد الوطني الجزائري تقديرا لجهود الجزائر في مساعدة البلد بعد الزلزال الذي ضرب الشمال السوري آنذاك.

ففي السادس من فبراير 2023، أسفر زلزال بقوة 7,8 درجات ضرب تركيا وسوريا قبيل الفجر عن نحو 60 ألف قتيل.

وكانت الجزائر أرسلت بعد ساعات من وقوع الزلزال فوجاً من 89 شخصا متخصصا في التدخل في الكوارث الكبرى نحو تركيا، وفرقة من الكلاب المدربة وفرقة طبية مختصة، وفوجا مماثلا إلى سوريا يتكون من 86 فردا.

وقررت الحكومة الجزائرية حينها تقديم مساعدة مالية بقيمة 45 مليون دولار إلى تركيا وسوريا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلدين بحسب ما أفاد بيان للحكومة.

وأورد البيان "تنفيذا للتعليمات التي أسداها، عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، قررت الحكومة تقديم مساعدات مالية قدرها 30 مليون دولار لجمهورية تركيا، و15 مليون دولار لسوريا، وذلك في إطار المساعدات التي تعكف الجزائر على تقديمها لهذين البلدين والشعبين الشقيقين، تضامنا معهما على إثر الزلزال العنيف الذي ضربهما".