مع بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات الرئاسية في إيران في 14 يونيو/حزيران المقبل، يشكل مجال المنافسة في هذه الانتخابات محط اختبار لميزان القوى بين مرشحي المحافظين والإصلاحيين على حد سواء.
وفيما بدأت إعلانات الترشح، إلا أن الشخصيات المحافظة الرئيسية تفضل البقاء في الظل، في وقت لا يزال الاصلاحيون ينتظرون اختيار ممثلهم بعد إضعاف معسكرهم منذ عام 2009، حين تم قمع الاحتجاجات التي قادتها ما عرف آنذاك بـ "الحركة الخضراء" ضد نتائج انتخابات 2009 التي أسفرت عن فوز محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية.
يؤكد مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صادقيان في حوار مع موقع قناة "الحرة" أن هذه الانتخابات مهمة جدا بالنسبة لإيران لثلاثة اعتبارات، أولا لأنها الأولى بعد الأحداث التي رافقت الانتخابات الماضية، ثانيا في ظل العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وثالثا لأن هناك ملفات كثيرة تعاني منها إيران وأبرزها الوضع الاقتصادي السيئ.
ويعتبر أن الانتخابات ستحدث تغييرا في الرئاسة وفي آلية التعاطي مع كل هذه الملفات، ولاسيما أن الدستور الإيراني لا يسمح للرئيس الحالي احمدي نجاد بالترشح هذه المرة لأنه شغل منصب الرئيس لولايتين متتاليتين.
وفي موازاة إعلان عدد من الشخصيات ترشحها، وترقب المزيد ممن سيعلنون ترشحهم قبل السابع من مايو/ أيار المقبل موعد تقديم طلبات الترشح رسميا، فإن مدير مركز الدراسات الإيرانية والعربية في لندن علي نوري زاده يرى في حوار مع موقع قناة "الحرة" أن الصورة ما زالت غير واضحة جدا على صعيد الترشيحات بسبب غياب شخصية محورية ذات ثقل ونفوذ في المجتمع.
المرشحون
وسبق أن أعلن القائد السابق لـلحرس الثوري أن أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام حاليا محسن رضائي، ووزير الخارجية السابق (2005-2010) منوشهر متكي يعتزمان الترشح للانتخابات.
ويكشف المحلل السياسي وخبير الشؤون السياسية والدولية في إيران صباح زنكنة لموقع قناة "الحرة"، أن نحو 20 مرشحا أعلنوا دخولهم مجال الانتخابات، متوقعا أن يزيد هذا العدد مع فتح باب الترشح والتسجيل بشكل رسمي.
وهنا يوضح زاده بدوره، أن أغلب المرشحين مرتبطون بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي بشكل أو بآخر. لكنه يلفت إلى أن عمدة العاصمة طهران محمد باقر قاليباف لديه بعض القواعد الشعبية، ولاسيما بين الشباب، وقال إنه أحد المرشحين ضمن تحالف شكله وزير الخارجية الأسبق علي اكبر ولايتي ورئيس البرلمان الأسبق غلام علي حداد عادل.
وفي المقابل، هناك أيضا مرشح الرئيس احمدي نجاد، وهو مدير مكتبه السابق ومستشاره اسفنديار رحيم مشائي الذي قد تكون حظوظه أكبر في الفوز بالرئاسة في حال وافق مجلس صيانة الدستور على أهليته للترشح، وفق ما يرى زاده.
دور المرشد
وكأي انتخابات تجري في أي مكان في العالم، يبقى موضوع توقع النتائج سابقا لأوانه، وخصوصا في إيران حيث العملية الانتخابية معقدة للغاية، ولأنها قد تتسم بعنصر المفاجأة في اللحظة الأخيرة.
ولعلّ ما يجعل الانتخابات الإيرانية هذه المرة ضبابية أكثر من المراحل السابقة، هو تراكم الأزمات الخفيّة داخل النظام، فبعد خروج الإصلاحيين ومن بعدهم الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد من عباءة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي لا تزال هذه القضية تلقي بظلالها على الأوضاع السياسية في إيران.
وقد وصف خامنئي الانتخابات المقبلة بأنها ستكون "الإنجاز الأكبر في السنة الفارسية الجديدة".
وعلى الرغم من الأهمية التي يوليها خامنئي للانتخابات المقبلة إلا أن زاده يعتبر "أن إيران لن تشهد انتخابات نزيهة طالما هناك دور مباشر للمرشد فيها، وخصوصا بعد تجربتنا قبل أربع سنوات حيث تدخل المرشد بشكل سافر لمصلحة أحمدي نجاد ومنع فوز مير حسين موسوي الذي نال أغلبية الأصوات".
ويشير إلى "أن المرشد يريد هذه المرة أيضا تعيين شخص ما وليس انتخاب شخص في منصب رئيس الجمهورية. ويريد انتخابات هادئة بحضور الجمهور حتى يقول للعالم إن النظام يحظى بشعبية كبيرة".
أي دور للإصلاحيين؟
وفي مقابل دور المرشد المؤثر، وسيطرة المحافظين على مجريات الأمور في البلاد، فإن الأنظار تتجه نحو معرفة مسيرة الإصلاح والتغيير وعمّا إذا ظل للإصلاحيين أي دور مستقبلي في العملية السياسية في إيران.
وهنا يؤكد محمد صالح صادقيان هذا الواقع، باعتبار أن الأحداث التي تشهدها الدول العربية مختلفة عن الأوضاع السياسية في إيران، فالمعارضة التي انطلقت في الدول العربية لا تجد ما يوازيها في التحرك داخل إيران، مشيرا إلى أن الربيع الإيراني كان عام 1979 عندما سقط نظام الشاه وأسست الجمهورية الإسلامية، كما قال.
ويعتبر علي نوري زاده بدوره، أنه في ظل المناخ السائد في إيران منذ 2009، لم يعد للإصلاحيين أي دور، فهم ممنوعون من ممارسة أي نشاط سياسي ويقبع العشرات منهم في السجون.
ويعتبر زاده أن فرص عودة الحركة الخضراء محدودة لأن النظام أغلق جميع الأبواب، إذ أنه ليست هناك صحف مستقلة تقوم بدور حيوي في الانتخابات، كما أن الاجتماعات الانتخابية محظورة حتى الآن.
ويلفت إلى أن مير حسن موسوي (السياسي الذي كان داعما للثورة الإسلامية في إيران قبل أن يتحول إلى المعارضة بعد خسارته في انتخابات الرئاسة الإيرانية في 2009 ) ومهدي كروبي (السياسي ورجل الدين، من المحسوبين على التيار الإصلاحي)، لا يزالان تحت الحصار في منزليهما.
ويلفت زاده إلى أن الرئيس الأسبق محمد خاتمي، رمز الإصلاحيين، لن يقبل بأن يكون "ألعوبة في أيدي المرشد"، بمعنى أنه لن يترشح لأنه يعرف أن مجلس صيانة الدستور سيرفض ترشيحه. فإذا شارك خاتمي في الانتخابات دون السماح بقيام انتخابات حرة ونزيهة فإنه سيخسر، وسيخسر معه التيار الإصلاحي بكامله.
ولا يتفق المحلل السياسي صباح زنكنة مع هذه الآراء، إذ يعتبر أن اتجاهات الأمور تؤشر إلى أن الإصلاحيين سيكونون حاضرين في هذه الانتخابات أيضا. ويقول "ربما لن تكون الرموز الأولى منهم. ولكن الرموز الثانية ستكون حاضرة في الانتخابات وهناك عدة أسماء مطروحة منهم ربما النائب الأول لخاتمي"، وعدد من وزراء حكومته.
مصير الملف النووي
وتزامنا، يترقب الغرب نتائج هذا الاستحقاق الرئاسي، ولاسيما في ظل تعثر المفاوضات بين طهران والقوى الكبرى حول برنامجها النووي.
فبعض المحللين يعتبرون أن هذه الانتخابات لن تؤثر في مجريات الملف النووي. ويقول زاده إن الملف النووي هو في يد المرشد وطاقمه، وليس بيد رئيس الجمهورية.
وفي هذا السياق، كان أحمدي نجاد قد أعلن أنه يريد التوصل إلى حل سلمي في المفاوضات التي جرت في آل مآتا في كازاخستان قبل فترة، ولكن المرشد منع ذلك وحال دون تحقيق هذا الهدف. ولذلك يعتقد زاده أنه مهما كان الرئيس المقبل فلن يكون قادرا على تغيير مسار السياسة الإيرانية طالما القرار في يد المرشد.
إلا أن معسكرا آخرا يؤكد أن نتائج الانتخابات ستؤثر حتما على مصير المفاوضات الإيرانية مع الدول الكبرى.
ويؤكد صادقيان أن الرئيس الإيراني الجديد يمتلك مساحة للتحرك في هذا المجال، ويعود بذلك إلى تعاطي الرئيسين السابقين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي مع الملف النووي الذي كان مختلفا عن عهد أحمدي نجاد. ويأمل صادقيان أن تتعاطى الرئاسة الجديدة بشكل أفضل مع الملف لناحية استيعاب تداعياته.