الرايتان السعودية والإيرانية
الرايتان السعودية والإيرانية

أعادت الأزمة اليمنية إلى السطح الصراع الخفي بين السعودية وإيران، اللتين لم تهدأ بينهما التصريحات والتصريحات المضادة منذ بدء عاصفة الحزم، إذ تدعو طهران إلى ضرورة وقف الحرب والعودة إلى المسار السياسي، في حين ترفض الرياض باستمرار هذه الدعوات وتصر على مواصلة حربها ضد الحوثيين.

دبلوماسية الوسطاء

وبدأت الحرب السعودية بطريقة فاجأت الجميع، ولا أحد يعلم متى تضع أوزارها، وإن كانت السعودية ستستجيب للنداءات الإيرانية التي بعثت بها أيضا عن طريق بعض من تراهم الوسطاء المناسبين بهدف إنهاء العمليات العسكرية.

ومنذ بدء "عاصفة الحزم" لم تهدأ الدبلوماسية الإيرانية في محاولات لإقناع السعوديين بوقف غاراتهم على مواقع الحوثيين من خلال الدعوات التي وجهها الرئيس الإيراني حسن روحاني أو وزير خارجيته جواد ظريف وعديد المسؤولين الإيرانيين، وهي الدعوات التي رفضتها السعودية وطالبت إيران بوقف دعم الحوثيين.

ولم تكتف إيران بتوجيه الدعوات لإنهاء الحرب، وإنما سارعت إلى البحث عن وسطاء بينها وبين السعودية، خصوصا من تلك الدول التي رفضت المشاركة المباشرة في التحالف الذي قادته الرياض ضد الحوثيين.

وبالإضافة إلى لقاءات جواد ظريف مع المسؤولين الباكستانيين، وزيارة رجب أردوغان إلى إيران، فقد أرسل ظريف نائبه مرتضى سرمدي إلى الجزائر وسلطنة عمان ولبنان والعراق وبعدها روسيا. وأعلن سرمدي خلال هذه الزيارات أن بلاده تدعو إلى الحل السياسي للأزمة اليمنية.

ومن الجزائر، أكد سرمدي أن إيران مستعدة للقبول بأي وساطة مع السعودية، مؤكدا أن طهران تعتمد على الجزائر للمساهمة في وقف الحملة العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، نظرا "لمواقفها المناسبة"، حسب تعبيره.

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستجيب السعودية لطلب إيران بوقف العمليات العسكرية في اليمن، سواء كان ذلك عبر النداءات الإيرانية المباشرة أو الوساطات
جمال خاشقجي

​​

ويرى جمال خاشقجي، الكاتب والصحافي السعودي أن الرياض لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستجيب لطلب طهران بوقف العمليات العسكرية في اليمن، سواء كان ذلك عبر النداءات الإيرانية المباشرة أو الوساطات التي تنوي إيران الاعتماد عليها، مشيرا إلى أن الطلب اليمني بوقف الحرب يجب أن يوجه للحوثيين.

وتابع قائلا "لا أعتقد أن إيران ستنجح في مساعيها من أجل طلب وساطة لحل المشكلة سياسيا، ما لم تتصل بالحوثيين وتقنعهم بوقف العدوان. هذا النزاع ليس بين السعودية واليمن وليس بين السعودية وإيران، وإنما هو صراع بين اليمنيين نتيجة عدوان الحوثيين".

وبدوره، يعتقد الدكتور عادل الشرجبي، الأكاديمي والمحلل السياسي اليمني أن الرياض وقوات التحالف الأخرى لن ستستجيب لطلب إيران، لأن إيران تريد حسبه، وقفا للضربات بدون مقابل وتريد احتفاظ الحوثيين بكامل قوتهم دون أي شروط.

وفي مقابل ذلك يعتبر أن الحملة العسكرية لها أهداف ولها مطالب، مشيرا إلى أن "لا الحوثيين ولا إيران تستجيب لهذه المطالب وعلى رأسها تسليم الأسلحة التي بحوزة الحوثيين والخروج من المدن التي سيطروا عليها".

هل تستجيب السعودية لمطالب إيران؟

وعلى العكس من ذلك يعتبر الدكتور مصيب النعيمي، رئيس تحرير صحيفة الوفاق الإيرانية أن استجابة السعودية للطلب الإيراني يعود إلى سياسة السعودية، مضيفا أن إيران وكما سبق في بقية الأزمات ترى أنه لا يوجد هناك أي حل عسكري في أي أزمة إقليمية، بسبب بعض التعقيدات التي لا يوليها الكثيرون اهتماما.

وأضاف في تصريحات لموقع "راديو سوا" أن التجربة تؤكد أن الحل العسكري يعقـّد الأمور أكثر مما يحلها، خاصة في ظل رد محتمل وآثار كارثية قد تنجم عن هذه الحرب.

متى تتوقف الحرب؟

ورغم الرد السعودي الذي كان صريحا بخصوص المساعي الإيرانية بوقف الحرب، إلا أن طهران تستمر في البحث عن سبل كفيلة بتجنيب حلفائها الحوثيين نتائج العمليات العسكرية السعودية وحلفائها.

وبحسب النعيمي، فإن القناعة بضرورة الوقف السريع لهذه الحرب في تزايد لدى الكثير من الدول، حتى منها من كانت تعتبر قريبة من الحلف السعودي. وقال النعيمي "الكثير من هذه الدول تراجعت وترى أنه كل ما زاد القصف الجوي على المدنيين تزيد الأزمة عمقا ولا يمكن أن يكون هناك حل".

في النهاية يجب أن تتوقف الحرب وستتوقف، خصوصا في ظل تدمير الكثير من البنى التحتية اليمنية، وهناك مشردين بالآلاف وهو وضع لا يحتمل لا إقليميا ولا دوليا وحتى داخل القيادة السعودية هناك خلاف كبير حول جدوى الحرب في اليمن
مصيب النعيمي

​​

وأضاف قائلا "في النهاية يجب أن تتوقف الحرب وستتوقف، خصوصا في ظل تدمير الكثير من البنى التحتية اليمنية، وهناك مشردين بالآلاف وهو وضع لا يحتمل لا إقليميا ولا دوليا، وحتى داخل القيادة السعودية هناك خلاف كبير حول جدوى الحرب في اليمن".

ويعتقد المتحدث أن السعودية تحتاج الآن إلى سيناريو لوقف الحرب، لأن السعودية ليس بإمكانها التراجع فجأة، وهو ما قد تراه السعودية فشلا في مهمتها، وبالتالي فإن المساعي الإيرانية ستكون مؤثرة بالتأكيد لوقف هذه الحرب.

أما بالنسبة للدكتور خاشقجي فإن شروط توقف الحرب السعودية في اليمن ثلاثة أولها على "الحوثيين أن يوقفوا حربهم ضد اليمنيين وثانيا أن ينسحبوا من المقار العسكرية وثالثا أن يسلموا المقار والأسلحة وما استولوا عليه للسلطة الشرعية اليمنية".

وبخصوص الدور الإيراني في إنهاء الحرب، أوضح خاشقجي أنه "إذا كانت إيران جادة فعلا في مساعي الحل السياسي، فهي تعلم مقدار تأثيرها على الحوثيين، عليهم أن يطلبوا منهم الانسحاب من المدن وتسليم المعسكرات للشرعية اليمنية، وتمكين الرئيس هادي من العودة إلى صنعاء آمنا مطمئنا، واستئناف جلسات الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة".

ويوافق الدكتور عادل الشرجبي على هذا الطرح، ويرى أن الحوثيين مكون أساسي في اليمن، ولابد أن يستسلموا إلى الشرعية، وألا يتحولوا إلى دولة موازية.

وحتى تضع الحرب أوزارها يشترط المتحدث على الحوثيين الخروج من المدن التي سيطروا عليها وإلغاء الإعلان الدستوري وكافة الإجراءات التي اتخذوها بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء وعدد من المدن اليمنية.

اهتمام إيراني

ومنذ اليوم الأول من الغارات السعودية وحتى قبلها وجد الحوثيون دعما كبيرا من إيران، خصوصا في ظل ما يعتبره الإيرانيون نجاحا في التوصل إلى اتفاق إطار مع الدول الغربية حول البرنامج النووي، الأمر الذي قد يضفي مخاوف متزايدة على الدول الخليجية من دور متعاظم لطهران في المنطقة.

ووظفت طهران منذ البداية كل أوراقها الدبلوماسية ضد التدخل السعودي في اليمن، واستمرت في دعوة المجتمع الدولي إلى إقناع السعودية بضرورة وقف عملياتها العسكرية، وذلك بالرغم من إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا فرض من خلاله حظرا على إمداد الحوثيين في اليمن بالسلاح.

ويدعو قرار مجلس الأمن المسلحين الحوثيين إلى الانسحاب من المواقع التي سيطرت عليها منذ بدء تقدمها في صيف 2014  انطلاقا من معاقلها في شمال البلاد قبل أن تتمكن من السيطرة على العاصمة صنعاء والوصول إلى عدن كبرى مدن الجنوب.

هذا القرار الذي رحبت به السعودية، رفضته إيران التي أصر وزير خارجيتها على التأكيد بأن بلاده ستستخدم نفوذها للتوصل لاتفاق سلام في اليمن وإنهاء الحملة الجوية عليه.

وكانت آخر تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني واضحة لدعم الحوثيين وانتقاد السعودية، إذ قال فيها "لماذا تمطر السعودية القنابل على رأس الشعب اليمني المظلوم وتستخدم الطائرات التي قدمتها لها الولايات المتحدة؟ لماذا تدمرين البنية التحتية لهذا البلد الضعيف؟ لماذا تدمرين المصانع وتقتلين الأطفال والنساء ؟هل تسعين إلى السيطرة على المنطقة؟".

ويشير استعمال روحاني لمصطلح السيطرة على المنطقة صراعا خفيا بين طهران والرياض، لا يتلفظ به مسؤولو البلدين علانية، غير أن الأزمة اليمنية بدأت تخرج إلى العلن بعض ما تضمره الدولتان من خلافات.

الحوثيين كانوا يعتقدون بأن إيران ستذهب بعيدا في مساعدتهم وحمايتهم من أي هجوم محتمل، بما في ذلك التدخل عسكريا إذا لزم الأمر، كرد فعل على العمليات العسكرية السعودية
عادل الشرجبي

​​

وفي هذا السياق يرى الدكتور عادل الشرجبي بأن الحوثيين كانوا يعتقدون بأن إيران ستذهب بعيدا في مساعدتهم وحمايتهم من أي هجوم محتمل، بما في ذلك التدخل عسكريا إذا لزم الأمر، كرد فعل على العمليات العسكرية السعودية.

غير أنه أشار إلى أن إيران "لا تستطيع دخول الحرب خصوصا في ظل تمكن السعودية من تشكيل تحالف قوي"

وأوضح أن إيران تعتبر الحوثيين مثل حزب الله في علاقتها بهم وتعتبرهم مكونا إيرانيا تعتمد عليه في تحقيق انتشار في المنطقة، وتستعملهم كقوة ضغط ضد السعودية. وقال أيضا "إيران كانت تعتقد أنها ستكون رقما صعبا في المنطقة من خلال تقوية الحوثيين".

إيران: حرب اليمن تخدم مصالح الأجانب

أما جمال خاشقجي فاختصر مسألة اهتمام إيران بالحوثيين بقوله إن طهران تدعمهم "بشكل أعمى ولا تنظر إلى الصورة بالكامل، فهي تدعم فريقا على فريق وهذا خطأ. إيران لا تملك أوراقا قوية في الصراع اليمني".

هذه الاتهامات رفضتها إيران على لسان سفيرها في الأمم المتحدة غلام علي خوشرو الذي أكد في رسالة وجهها إلى مجلس الأمن أن المحاولات الرامية للإيحاء بأن ما يحدث في اليمن "حرب بين السنة والشيعة ماهي إلا أجندات تخدم مصالح الأجانب".

وردا على الاتهامات التي طرحها ممثل اليمن في الأمم المتحدة بشأن تدخل إيران في الشؤون الداخلية لبلاده، قال خوشرو في رسالته إن هذه "الاتهامات مرفوضة من الأساس وأن العدوان السعودي على اليمن هو السبب في زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن وقد مهد أرضية لسيطرة الإرهابيين أمثال داعش على مناطق منها".

ويدعم مصيب النعيمي هذا الرأي بتأكيده أن هناك بعض المغالطة في ما يتعلق بدور إيران في اليمن. ويعتقد أن طهران تملك نفس الرؤية في الأزمات اللبنانية والسورية والعراقية.

وأضاف أن إيران لم تكن في أي حال محرضا لتأجيج الصراع العسكري، وإنما كان موقفها دائما طلب إنهاء العنف، خصوصا أن الصراع في اليمن هو "حراك بين الحكم السابق ومجموعات اعتقدوا أن حقوقهم كانت ضائعة، وطالبوا بانتخابات، وإيران أيدت هذا الطرح".

وختم قائلا إن كل ما يقال عن دور لإيران في اليمن، هو تبرير للتدخل العسكري للسعودية وحلفاءها الذين "يؤججون الصراعات المسلحة سواء في سورية أو دعم المسلحين والإرهابيين في العراق".

An Iranian cleric visits the Islamic Revolutionary Guard Corps (IRGC) Aerospace Force Museum in Tehran
مقتل أبرز القادة الإيرانيين تباعا جعل طهران تسرع وتيرة برنامجها النووي- رويترز

تبدو إيران التي تسعى جاهدة لامتلاك السلاح النووي، ضعيفة، ومرتبكة، بعد سلسلة الاستهدافات التي طالت مجموعة من قادتها وأبرز قيادات أذرعها في الشرق الأوسط، وفق تقارير متطابقة.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن الاختراقات الأمنية والاستخباراتية التي واجهتها إيران حديثا تمثل فشلا كارثيا على الصعيدين الاستخباراتي والأمني الإيراني، وتضع الحرس الثوري الإيراني في موقف محرج للغاية.

وكانت تلك الاختراقات وراء مقتل عدد من قادة إيران البارزين وقادة الفصائل الموالية لها في الشرق الأوسط.

ويعتقد المستشار السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، إيلان بيرمان، أن "قدرات الردع الإيرانية تآكلت".

وأوضح المتحدث خلال مداخلته في برنامج "الحرة الليلة" أن النظام الإيراني يواجه مشكلتين: الأولى أزمة الثقة داخل النظام نفسه، حيث يرى المسؤولون في طهران أن شبكة الوكلاء التي أنفقوا ربع قرن في بنائها والقدرات التي استثمروا الملايين فيها قد أصبحت مدمرة.

أما المشكلة الثانية فهي أزمة الثقة في صمود النظام نفسه إذ تعتمد العديد من مجموعات الوكلاء في المنطقة على إيران من أجل الدعم المالي والسياسي.

قرب نهاية الخطر الإيراني؟

رغم تراجع قدرة إيران الردعية، وفق وصف بيرمان، يرى بيير بيرتيلو، الباحث في معهد الاستشراف والأمن في أوروبا، أن زوال التهديد الإيراني ليس مرجحا حدوثه الآن.

وخلال مداخلته من باريس في البرنامج أشار بيرتيلو إلى أن بإمكان طهران إعادة علاقاتها مع وكلائها.

وقال هناك تفكير في إيران بضرورة الحفاظ على الأذرع، واستبعد فكرة أن تكون طهران في طريقها لقطع صلتها بالوكلاء في المنطقة.

وقتل العديد من القادة العسكريين الإيرانيين إثر هجمات استهدفتهم، أبرزهم اللواء محمد رضا زاهدي القائد البارز في فيلق القدس الإيراني الذي قتل في غارة جوية في دمشق في 1 أبريل 2024.

وتلا ذلك مقتل مجموعة من قيادات حزب الله اللبناني أبرزهم حسن نصر الله وفؤاد شكر وكذا هاشم صفي الدين.

واستهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب إيران وهو ما طرح أسئلة حول ما إذا كانت إيران تمر بأضعف مراحل أمنها القومي خصوصا في ظل تصاعد وتيرة التصعيد التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

هذه الوضعية جعلت إيران تسرع عملها النووي حتى تحتفظ بأوراق أكثر، وفق إيلان بيرمان.

لكن بيير بيرتيلو يقول إن العمل النووي ورقة قديمة استخدمتها طهران سابقا.

وتابع بأن الموضوع المهم الآن بالنسبة لإيران هو الإدارة الأميركية القادمة هل تصل إلى اتفاق معها أو إعلان القدرة على إنتاج قنبلة نووية أو اثنتين.

ويتهم المجتمع الدولي إيران بالسعي لامتلاك قنبلة ذرية، وتقول دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إنها تسعى بكل الوسائل لمنعها فيما تنفي طهران أنها تسعى لذلك.

وتبدي واشنطن ودول غربية مخاوف من أن تتمكن إيران من التوصل لصنع قنبلة نووية خصوصا عقب إعلانها أنها ستضع في الخدمة أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة.