على اليمين نساء يتظاهرن ضد فرض الحجاب عام 1979/ وعلى اليسار نساء إيرانيات عام 1936 بعد قرار كشف حجاب
على اليمين نساء يتظاهرن ضد فرض الحجاب عام 1979/ وعلى اليسار نساء إيرانيات عام 1936 بعد قرار كشف حجاب

"موقع الحرة"/ كريم مجدي

لم يكن رضا بهلوي شاه إيران قادرا على إخفاء إعجابه برئيس الجمهورية التركية الوليدة مصطفى كمال أتاتورك، والذي أحدث ثورة اجتماعية قوض بها الإرث العثماني الإسلامي في سنوات قليلة، ونقل البوصلة إلى أوروبا وأنهى الهيمنة الثقافية الشرقية على تركيا التي استمرت لقرون.

إعجاب بهلوي بصديقه أتاتورك لم يكن يخلو من الغيرة، فالمنافسة كانت محتدمة بين الرجلين في مضمار التحديث الأوروبي. وفي إطار هذا السباق، اتخذ الشاه الإيراني قرارا ثوريا في الثامن من كانون الثاني/يناير من العام 1936 عرف بـ"كشف حجاب".

مرسوم الشاه الجديد يقضي بمنع جميع أشكال الحجاب وبعض ملابس الرجال التقليدية ذو الطابع الديني، بل وإجبارهم على ارتداء القبعات الأوروبية. وقد قوبل القرار بترحيب من فئات ورفض من أخرى.

الشاه الإيراني رضا بهلوي مع مجموعة من النساء الإيرانيات اللواتي ارتدين قبعات غربية

​​

لباس النساء الإيرانيات بعد قرار الشاه

​​​​بعد 43 عاما من قرار الشاه، وفي الثامن من أذار/مارس من عام 1979 (بعد الثورة الإسلامية)، طغى على  العاصمة طهران مشهد مغاير تمثل في خروج ما يقرب من 100 ألف امرأة إلى الشارع اعتراضا على قرار الحكومة الإسلامية الجديدة بضرورة تغطية النساء لرؤوسهن عند الخروج من المنزل.

​​

​​كانت هذه بداية لسلسلة من القوانين والقرارات أصدرها النظام الإيراني التي تنتهك حقوق المرأة عقب الثورة في 1979.

بعد ذلك ألغت الحكومة قانون حماية الأسرة الذي أقر في عام 1967، والذي كان يقضي بوضع  حد أدنى لسن الزواج، ونزع حق الطلاق من الزوج ومنحه إلى المحكمة، وتقييد تعدد الزوجات.

وبعد 40 عاما، لا تزال المرأة الإيرانية تواجه صنوفا من التمييز والتهميش على جميع المستويات، فضلا عن فرض قيود على حريتها الشخصية، فلا يمكن للنساء في إيران مزاولة بعض المهن أو الرياضات أو ممارسة أنواع من الفنون بحجة التحريم الديني.

سياسيا، همش النظام دور المرأة الإيرانية في الحياة السياسة مقارنة بنظيراتها في الدول الأخرى، إذ لا تتواجد وزيرة واحدة في حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني الحالية، فيما يعتبر ارتدادا حتى عن سياسة الرئيس المحافظ السابق أحمدي نجاد، والذي قد عين وزيرة في عهده.​​

​​وكانت محصلة ثورة 1979 والتي تصادف ذكراها السنوية في  11 شباط/فبراير- ترسيخ حكم ديني جديد قضى على الكثير من الحريات الشخصية والعامة.

السجن والتعذيب

بعد الثورة، شاركت النساء الإيرانيات في الحركات الاحتجاجية المناهضة لحكم الخميني. السلطات قمعت النساء وزجت بهن في السجون ليتعرضن لتعذيب ومعاملة قاسية، وتشير منظمات إيرانية معارضة ودولية حقوقية إلى وفاة عدد كبير من النساء تحت التعذيب خاصة في سجن إيفين سيء السمعة.

شيرين ناريمان، إيرانية سجنت في أوائل الثمانينيات بعد أن نشطت في الحركات الاحتجاجية ضد حكم الخميني. في هذا الفيديو تروي تجربتها في سجن إيفين سيء السمعة:

​​

الحجاب الإجباري

صحيح أن الحجاب الإجباري فرض في عام 1979، إلا أن عملية الفرض تمت على مرحلتين. الأولى كانت في نفس عام الثورة، عندما فرض على النساء ارتداء الحجاب عند خروجهن إلى الشوارع، وارتدائه في المؤسسات الحكومية.

القرار قوبل بالرفض، ففي الثامن  أذار/مارس 1979، خرجت آلاف النساء إلى شوارع طهران احتجاجا على القرار وانضم إليهم رجال من جميع الأعمار والمجالات سواء من فئة الطلبة أو الأطباء أو المحامين، وأضرب كثيرون في طهران عن العمل احتجاجا على القرار.

أما المرحلة الثانية فكانت في عام 1983، عندما أقر قانون تجريم عدم ارتداء الحجاب، ووصلت العقوبة إلى الحبس مدة شهرين و74 جلدة، وقد احتجت الإيرانيات حينها بالنزول إلى الشوارع مرتدين ملابس سوداء.

تحاول الإيرانيات مقاومة فرض الحجاب من خلال وضع غطاء لا يغطي الرأس كاملا والذي أسمته وسائل الإعلام الإيرانية الموالية للحكومة باسم "بد حجاب" أو الحجاب السيء، فيما تقوم أخريات بتظاهرات مناهضة للحجاب الإجباري تنتهي غالبا باعتقالهن.

​​تظاهرة ضد الحجاب

أصبحت صورة المتظاهرة الإيرانية التي وقفت بشعرها في شارع الثورة بطهران في عام 2017، رمزا لحملات رفض الحجاب الإجباري التي لا تزال مستمرة حتى هذه اللحظة، وقد اعتقلت السلطات الإيرانية مؤيدي هذه الحملة مثل الناشطة والمحامية نسرين ستوده.

اقرأ أيضا.. صاحبة فكرة خلع الحجاب بإيران لموقع 'الحرة': لقد نجحنا

الفتاة التي أصبحت رمزا وهي تخلع حجابها وسط طهران احتجاجا على إلزامية الحجاب

​​يذكر أن المركز الإيراني للدراسات الاستراتيجية التابع لمكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد كشف في تقرير له عن أن 49.8 من الرجال والنساء في إيران يعتبرون الحجاب أمرا شخصيا لا يجب على السلطات التدخل فيه.

اقرأ أيضا: تقرير إيراني حول نسبة رافضي الحجاب.. ناشطة: مناورة من النظام

قيود على الرياضة

بسبب القيود على زي المرأة، فإن النساء قد منعن من المشاركة في بعض المسابقات الرياضية مثل السباحة والفنون القتالية، أما الرياضات الأخرى فقد أجبرت المرأة على ارتداء أزياء محتشمة، حتى في رياضة الروكبي.

وفي عام 2016، استنكر مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ركوب النساء للدراجات وعلق قائلا "ركوب النساء للدراجات في الأماكن العامة دائما ما يلفت أنظار الرجال ويضع المجتمع في خطر الفساد والتحريض، هذا مخالف لعفة النساء ويجب أن يتوقف".

وقد تعرضت الحكومة الإيرانية لانتقادات عالمية بسبب منعها دخول النساء إلى المدرجات الرياضية، إذ هددت الفيفا الاتحاد الإيراني لكرة القدم بعقوبات في حال منعها دخول النساء الإيرانيات إلى المدرجات، وقد سمحت إيران العام الماضي بدخول النساء للمدرجات على استحياء، وقد كان معظمهن من أقارب اللاعبين وموظفات اتحاد كرة القدم الإيراني.

لم تسلم المحكّمات أيضا من التضييق، فبسبب سروالها القصير (الشورت)، واجهت المحكّمة الإيرانية مهسا قرباني تعنتا من جانب اتحاد الكرة الإيراني عن طريق محاولة منعها من التحكيم في البطولات الدولية، إلا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ساند المحكمة قرباني بقوة.

مهسا قرباني

​​

اقرأ أيضا: بالحجاب و'الشورت'.. محكّمة تضع اتحاد الكرة الإيراني في أزمة
 

الفنون

يعتبر الدخول في عالم الفن محرما على نساء إيران، وبعد الثورة لم يسمح للنساء بالغناء بمفردهن أو في حفلات، ولذلك غادرت كثير من الفنانات البلاد بعد عام 1979، ومن أبرزهن المغنية الشهيرة غوغوش.

وكانت وزارة الإرشاد الإيرانية قد علقت نشاط فرقة "حميد عسغري" الموسيقية في الثالث من شباط/فبراير 2019، بسبب غناء امرأة على المسرح لبعض ثوان.

​​لاعبة الجيتار نيجين بارسا أثناء غنائها مع المغني حميد عسغري، وذلك قبل تعليق نشاط الفرقة

اقرأ أيضا: امرأة غنت على مسرح إيراني 

ولا تعد هذه السابقة الأولى، فقد علقت إيران العديد من الفرق الفنية التي تتضمن عناصر نسائية، مثل وقف نشاط المطرب علي قيصري الذي شاركته الغناء هاله سفيزاده.

ويشمل التضييق إزالة إعلانات الأعمال الفنية التي تتضمن نساء في بعض المدن الإيرانية، ففي آب/أغسطس العام الماضي أزالت بلدية مدينة مشهد صورة الممثلة ناسرين مقانلو من إعلان مسرحية "دبوتات" التي تقوم ببطولتها، كان معلقا في إحدى شوارع المدينة.

اقرأ أيضا: أزالوا صورتها لأنها امرأة.. فنانة تنتقد 'الفقر الثقافي' في إيران

​​الممثلة الإيرانية شیده رحمانی تحتج على الحجاب الإجباري في عام 1979، لكنها أجبرت على ارتدائه لاحقا

 

في العام الماضي، أطلق مجموعة من الفنانين وسما باسم #أنا_والرقابة، حيث سرد العاملون بمجال الإعلام الصعوبات التي تواجههم فيما يخص الرقابة الحكومية على الأعمال الفنية، والتي شملت قيودا شديدة على ظهور المرأة في هذه الأعمال، مثل تثبيت الحجاب بشريط لاصق، ومنع وضع مساحيق التجميل أو الكشف عن العنق، وارتداء سراويل سميكة تحت معاطف الممثلات.

وشملت القيود أمور غريبة كعدم الصياح أو الصفير، أو الضحك عاليا، أو إلقاء النكات، أو عدم صعود الدرج، أو الإمساك بثمار كالموز أو الخيار خلال العمل الفني.

An Iranian cleric visits the Islamic Revolutionary Guard Corps (IRGC) Aerospace Force Museum in Tehran
مقتل أبرز القادة الإيرانيين تباعا جعل طهران تسرع وتيرة برنامجها النووي- رويترز

تبدو إيران التي تسعى جاهدة لامتلاك السلاح النووي، ضعيفة، ومرتبكة، بعد سلسلة الاستهدافات التي طالت مجموعة من قادتها وأبرز قيادات أذرعها في الشرق الأوسط، وفق تقارير متطابقة.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن الاختراقات الأمنية والاستخباراتية التي واجهتها إيران حديثا تمثل فشلا كارثيا على الصعيدين الاستخباراتي والأمني الإيراني، وتضع الحرس الثوري الإيراني في موقف محرج للغاية.

وكانت تلك الاختراقات وراء مقتل عدد من قادة إيران البارزين وقادة الفصائل الموالية لها في الشرق الأوسط.

ويعتقد المستشار السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، إيلان بيرمان، أن "قدرات الردع الإيرانية تآكلت".

وأوضح المتحدث خلال مداخلته في برنامج "الحرة الليلة" أن النظام الإيراني يواجه مشكلتين: الأولى أزمة الثقة داخل النظام نفسه، حيث يرى المسؤولون في طهران أن شبكة الوكلاء التي أنفقوا ربع قرن في بنائها والقدرات التي استثمروا الملايين فيها قد أصبحت مدمرة.

أما المشكلة الثانية فهي أزمة الثقة في صمود النظام نفسه إذ تعتمد العديد من مجموعات الوكلاء في المنطقة على إيران من أجل الدعم المالي والسياسي.

قرب نهاية الخطر الإيراني؟

رغم تراجع قدرة إيران الردعية، وفق وصف بيرمان، يرى بيير بيرتيلو، الباحث في معهد الاستشراف والأمن في أوروبا، أن زوال التهديد الإيراني ليس مرجحا حدوثه الآن.

وخلال مداخلته من باريس في البرنامج أشار بيرتيلو إلى أن بإمكان طهران إعادة علاقاتها مع وكلائها.

وقال هناك تفكير في إيران بضرورة الحفاظ على الأذرع، واستبعد فكرة أن تكون طهران في طريقها لقطع صلتها بالوكلاء في المنطقة.

وقتل العديد من القادة العسكريين الإيرانيين إثر هجمات استهدفتهم، أبرزهم اللواء محمد رضا زاهدي القائد البارز في فيلق القدس الإيراني الذي قتل في غارة جوية في دمشق في 1 أبريل 2024.

وتلا ذلك مقتل مجموعة من قيادات حزب الله اللبناني أبرزهم حسن نصر الله وفؤاد شكر وكذا هاشم صفي الدين.

واستهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب إيران وهو ما طرح أسئلة حول ما إذا كانت إيران تمر بأضعف مراحل أمنها القومي خصوصا في ظل تصاعد وتيرة التصعيد التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

هذه الوضعية جعلت إيران تسرع عملها النووي حتى تحتفظ بأوراق أكثر، وفق إيلان بيرمان.

لكن بيير بيرتيلو يقول إن العمل النووي ورقة قديمة استخدمتها طهران سابقا.

وتابع بأن الموضوع المهم الآن بالنسبة لإيران هو الإدارة الأميركية القادمة هل تصل إلى اتفاق معها أو إعلان القدرة على إنتاج قنبلة نووية أو اثنتين.

ويتهم المجتمع الدولي إيران بالسعي لامتلاك قنبلة ذرية، وتقول دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إنها تسعى بكل الوسائل لمنعها فيما تنفي طهران أنها تسعى لذلك.

وتبدي واشنطن ودول غربية مخاوف من أن تتمكن إيران من التوصل لصنع قنبلة نووية خصوصا عقب إعلانها أنها ستضع في الخدمة أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة.