حاملة الطائرات يو أس أس أبراهام لينكون في الخليج- أرشيف
حاملة الطائرات يو أس أس أبراهام لينكون في الخليج- أرشيف

أثار اقتراح بريطاني تشكيل قوة بحرية بقيادة أوروبية لحماية سفن الشحن البحري عبر مضيق هرمز، تكهنات وتساؤلات حول احتمال تعارضها مع "العملية البحرية المتعددة الجنسيات" التي أعلنت الولايات المتحدة العمل على تطويرها في الخليج.

وحصل الاقتراح البريطاني الذي جاء بعد أيام على احتجاز إيران حاملة النفط "ستينا إيمبيرو" التي تملكها شركة سويدية وترفع علم المملكة المتحدة، على دعم أولي من فرنسا وإيطاليا والدنمارك وهولندا، وفق ما أفاد به دبلوماسيون أوروبيون رفيعو المستوى مساء الثلاثاء لوكالة رويتزر.

وأعربت كل من ألمانيا وإسبانيا والسويد وبولندا، عن اهتمامها بفكرة القوة، التي لن يشارك فيها حلف شمال الأطلسي.

وكان وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت قد قال خلال إعلان المقترح "سنسعى إلى تشكيل هذه القوة بالسرعة الممكنة.. ولن تكون جزءا من سياسة الضغوط القصوى الأميركية على إيران".

​الموقف البريطاني الذي يزداد تصلبا إزاء إيران، قد يؤدي إلى كسر الإجماع الأوروبي حولها، بحسب إلان بيرمان نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركية في واشنطن.

وعارضت الدول الأوروبية لحد الآن حملة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لممارسة الضغوط القصوى على طهران، وسعت لمواصلة العمل مع إيران. لكن عددا متزايدا من الدول ذاتها يتجه نحو "إدراك أن إيران ليست شريكا اقتصاديا أو سياسيا يوثق به" وفق بيرمان، الذي تابع أن تصرفات إيران البحرية في الآونة الأخيرة، قد تكون في نهاية المطاف "سوء تقدير خطير بدلا من النجاح الاستراتيجي الذي كان يأمله قادتها".

ووقعت عدة هجمات على ناقلات في مضيق هرمز منذ مايو وعززت الولايات المتحدة وجودها العسكري ردا على ما وصفته بمؤشرات على "تهديد قوي" من إيران.

أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في باريس يونس بلفلاح قال لـ"الحرة" إن مقترح نشر قوة أوروبية في الخليح، خطوة كبيرة بالنسبة للجانب الأوروبي الذي طالما دافع عن إيران وعن الاتفاق النووي. وأضاف أن التحالف في الملاحة البحرية "يحوّل الدور الأوروبي من وسيط في المفاوضات إلى طرف معني بالأزمة والملف الإيراني".

لكنه أشار إلى ضرورة الفصل بين الموقف البريطاني والموقف الأوروبي، موضحا أن بريطانيا دائما لديها علاقات استراتيجية وسياسية وعسكرية قوية مع أميركا، لكن الاتحاد الأوروبي ممثلا في فرنسا وألمانيا بدرجة أقل، كان يحاول أن يأخذ مسارا ثالثا عبر ترك جسور للحوار مع إيران وحتى الاستثمار في إيران، حسب تعبيره.

وتابع أن "إيران نفسها لا تريد اليوم المفاوضات، ونظامها يستعمل استراتيجيتين أساسيتين: التصعيد في التصريحات الإعلامية والسياسية مع الولايات المتحدة والمماطلة مع دول الاتحاد الأوروبي".

​​وكان وزير الخارجية الأميركي قد قال في مقابلة مع محطة WFTV 9 الاثنين، إن الولايات المتحدة تعمل على تشكيل تحالف يراقب مضيق هرمز للحفاظ على خطوط الشحن البحرية مفتوحة، تشارك فيه دول من مختلف أنحاء العالم. وقال "هذه هي الأنشطة الرادعة للحفاظ على السلام".

ودعت الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة الدول تحمل المسؤولية والمساهمة في ميزانيات متساوية في حلف شمال الأطلسي المخصصة لحفظ الأمن والسلم الدوليين.

وصرح نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال في سلاح الجو بول سلفا في يونيو، بأن البلدان التي تستفيد من حركة النفط في الخليج عليها أن تضطلع بدور نشط في أمنه. وأوضح أن الولايات المتحدة لا تعتمد عليه مثلما كان الوضع في أواخر الثمانينيات عندما أطلقت مهمة كبيرة لمرافقة ناقلة نفط.

لكن اقتراح تشكيل قوة أميركية وأخرى أوروبية، بالنسبة لرئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية في القاهرة محمد محسن أبو النور، يعطي انطباعا بـ"ازدواج في الجهود الأمنية الغربية ووجود مسارين مختلفين".

وقال أبو النور لـ"حرة" إن الجهود الغربية كانت موحدة في السابق، لكن الآن يبدو أن "أوروبا تريد أن تتخلص من عقدة أنها عالة على الولايات المتحدة وتتصرف بمعزل عن السياسة الأميركية"، متوقعا أن "لا يفيد هذا المشهد الغربيين أو السلم والأمن الدوليين بل يخدم السياسة الإيرانية".

تشكيل تحالفين منفصلين "لن يلقى ترحيبا من الرئيس ترامب" بحسب تقدير الكاتبة الصحفية الأميركية إليز لابوت، المتخصصة في الشؤون الدولية.

وقالت لابوت لـ"الحرة"، إن ترامب وإن كان يتحدث عن رفضه أن تكون أميركا شرطي العالم، إلا أنها تلعب دور الشرطي إن كان الأمر يتعلق بإيران، متابعة أنه "من دون الدعم الأميركي من غير المحتمل إنشاء قوة أوروبية. أميركا تريد وتفضل إنشاء تحالف أكبر ليوفر المال وتريد دائما أن تكون هي القائدة لهذه القوى".

​​​​الخبير العسكري السعودي أحمد الركبان، اعتبر أن وجود قوة أميركية وأخرى أوروبية "لا يعني تعارضا بل يجريان في آن واحد".

وأوضح لـ"الحرة" أن دول الخليج ترى أن القوتين ستعززان الأمن في المنطقة، و"تؤمن إيمانا كاملا بأن القوة الضاربة عندما تأتي، بمشاركة دول سيادية أوروبية إلى جانب أميركا، سيكون هناك تحول جذري في التعامل مع إيران".

سبب اقتراح بريطانيا إنشاء قوة بحرية بمعزل عن الولايات المتحدة يعود وفق المراسلة الدولية للإذاعة الوطنية الأميركية جاكي نورثم، إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحبت منه الولايات المتحدة قبل أكثر من عام وأتبعت خطوتها بعقوبات متزايدة على طهران.

وأوضحت نورثم أن الأوروبيين ودولا أخرى، لا يعجبهم الأمر إذ يرون أن إيران كانت ملتزمة بالاتفاق ويريدون الحفاظ عليه. وتابعت أن الأوروبيين لا يريدون أن يكونوا طرفا في "حملة الضغط الأقصى على إيران"، ويشعرون أن "سلوك إيران العدواني في الخليج يمكن إرجاعه إلى قرار إدارة ترامب الانسحاب من الصفقة النووية".

"إدارة ترامب لم تنظر إلى أوروبا على أنها لاعب مهم أو شريك بل اعتمدت سياسة أحادية في العديد من القضايا المهمة"، أضافت الباحثة في شاتام هاوس البريطانية سانام فاكيل للإذاعة الوطنية.

ولم تكشف وزارة الدفاع الأميركية التفاصيل عن القوة المقترحة في الخليج، باستثناء أنها ستحمل اسم عملية الحارس (Sentinel)، وأنها قد تضم سفنا على جانبي مضيق هرمز فضلا عن طائرات مسيرة للمراقبة.

مروحية أميركية تقلع من يو أس أس بوكسر
آلية متعددة الجنسيات لتأمين الملاحة في الخليج
أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) تطوير "عملية بحرية متعددة الجنسيات في الخليج باسم (الحارس)"، لزيادة المراقبة والأمن في المجاري المائية الرئيسية في الشرق الأوسط، وضمان حرية الملاحة فيها، في ضوء الأحداث الأخيرة بمنطقة الخليج.

​​والتقت الإدارة الأميركية يوم الجمعة ممثلين من 60 دولة تقريبا للحديث عن الأمر، وقال محلل للإذاعة الوطنية الأميركية إن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى دول في آسيا والشرق الأوسط.

وفيما يبحث المسؤولون الأوروبيون عن حلول عسكرية لأمن التجارة في الخليج، لم تغلق أبواب التفاوض مع طهران. وتستضيف فرنسا مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي يحمل على ما ذكرت وسائل إعلام إيرانية، رسالة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون من نظيره الإيراني. وتعقد الدول الموقعة على الاتفاق النووي اجتماعا جديدا في فيينا الأحد في محاولة لإنقاذه.

صورة للسجين السياسي والناشط العمالي الإيراني محمد داوري- وسائل إعلام إيرانية
صورة للسجين السياسي والناشط العمالي الإيراني محمد داوري- وسائل إعلام إيرانية

"ما شهدته خلال عملي الحقوقي مع السجناء في إيران، يشبه سجون الحجاج بن يوسف"، قال السجين السياسي والناشط العمّالي محمد داروي عبر رسالة مسجلة من أحد زنازين سجن "عادل آباد".

يقع السجن في مدينة شيراز جنوبي إيران، وهناك كما روى داوري "زنزانة تحت الأرض مكونة من 6 غرف تُعرف باسم القبو، ومرفق تعذيب سيء السمعة يُدعى (عنبر الإرشاد)"، كلاهما تم إخفاؤه عن المفتشين والزوار.

يوجه داوري (30 عاماً) رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يذكر فيها صنوف التعذيب التي تعرض لها، والتهديد بالاغتصاب.

كما انتقد السجين عدم الحصول على العلاج المناسب وعدم الاهتمام بالأوضاع الإنسانية للسجناء في هذا السجن.

نُشرت الرسالة الصوتية السبت على حسابه في إنستغرام، وتداولها نشطاء ومنصات إعلامية إيرانية.

بعد ذلك، تم نقل داروي إلى وجهة غير معلومة، بحسب ما ذكرت وكالة "هرانا" الحقوقية، الأحد.

 

"أنت سبب معاناتي"

سجن داوري مرات عدة وحاليا يقضي عقوبة بالسجن لمدة 3 سنوات منذ مايو 2024، بتهمة "إهانة خامنئي".

وقال في رسالته "أنا في السجن بسبب إهانتكم (خامنئي)، لذلك أحملكم مسؤولية كل المعاناة والمصاعب التي عانيت منها أنا وأسرتي خلال هذه الفترة".

وفي 23 ديسمبر الماضي، تم نقله لمركز التوقيف المعروف بـ"البلوك 100"، عبر إجباره على الصعود إلى سيارة، دون إعلامه بالوجهة أو توضيح السبب".

وخلال المسافة، تحولت السيارة لمركز تعذيب متنقل، وفق تعبير داوري، قال "تم تقييد يدي من الخلف وتكبيل قدمي بشدة لدرجة أن أطرافي أصيبت بالخدر والكدمات، ولا تزال آثارها واضحة بعد أكثر من 50 يوماً على ذلك. وتعرضت للضرب المتواصل".

حدث ذلك بعد أقل من شهر على وفاة والده.

أين حقوق الإنسان؟

في رسالته يُذكّر داوري المرشد الأعلى بتصريحات له عن "حقوق الإنسان" و"الأمن النفسي" التي لا معنى لها أو صدى داخل السجون.

"كنتَ تؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات ضد من يهددون الأمن النفسي للمجتمع، لكن قبل أن يمضي شهر على وفاة والدي، اختُطفت، تاركا عائلتي المفجوعة في قلق وعدم يقين. مرضت والدتي، وأصيبت شقيقتي بصدمة نفسية شديدة، وتعرضت للضرب العنيف لدرجة أن ضلوعي وصدري تعرضا للكدمات، ونزف أنفي، وأصيبت ساقاي بجروح، وتحطمت نظارتي"، قال داوري.

وتابع "لقد أهانوني وأذلوني، وهددوني بالاعتداء الجنسي باستخدام زجاجة صودا. لماذا؟ كانت المعاناة التي تعرضت لها شديدة لدرجة أنني لم أتمكن من تناول الطعام لعدة أيام. لا أتكلم عن ألمي الشخصي، لكن من يستطيع أن يفهم العذاب الذي تحملته عائلتي"؟

صورة للسجين السياسي والناشط العمالي الإيراني محمد داوري- وسائل إعلام إيرانية

ووجه سؤالا لخامنئي: "من هم المخالفون للأمن النفسي للمجتمع؟" مستعرضاً أبرز تجليات الأزمة الاقتصادية في إيران، حيث تعاني أشد آثارها الطبقة العاملة وجزء كبير من الطبقى الوسطى، وحيث لم يعد هناك أي "أمن نفسي".

بخصوص حقوق الإنسان، كان خامنئي وجّه القضاة لاحترام حقوق الإنسان الإسلامية والالتزام بها، لكن هذه الحقوق ،وفق داوري تمر "بوضع كارثي" أكثر من أي مكان.

وشبّهها بالفزاعة المهترئة التي لا تخيف حتى أضعف الطيور.

وقال السجين السياسي عبر رسالته المسجلة، إن المسؤولين عن استمرار الانتهاكات الحقوقية في السجون، يقومون بالوقت ذاته بمهاجمة إسرائيل، "للتغطية على اضطهادهم".

لكنّ أي شيء قد تفعله الجمهورية الإسلامية لتزيين صورتها في الخارج والظهور بمظهر القوي لا يمكنه إخفاء الضعف الداخلي. 

وكانت محامية داوري، فرشته تابانيان، أعلنت في يناير الماضي تعرض موكلها للتعذيب في مركز احتجاز إدارة المعلومات في شيراز، وقالت إن الطب الشرعي أكد وجود كدمات وجروح على الضلوع والصدر والساقين.

وعن هذا قال داوري إن القضاة لم يفعلوا أي شيء إزاء تقرير الطب الشرعي، بل على العكس "أسقطوا القضية وبرأوا الجلاد".

لذلك: "كيف يمكن للمرء أن يأمل في مثل هذا القضاء؟" تساءل داوري.

تهديد والده قبل وفاته 

في رسالته أيضاً، ذكر محمد داورني أنه تعرض للتعذيب خلال احتجازه عام 2018، آنذاك كان عمره 23 عاماً. 

وقال "اعتُقلت على يد ضباط الاستخبارات، وتعرضت للتعذيب ليلة كاملة. حيث تم تقييدي في وضعية أبولو، وجَلدي بالأسلاك على قدميّ، ثم تعليقي على الحائط حتى أعترف بتهمهم الملفقة".

وأشار داوري لمفارقة تُظهر أن طريقة التعذيب التي تعرض إليها هي نفسها التي تعرض لها زوار متحف "عبرت" الذي كان بالأساس سجناً في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، حيث عُذب معارضوه على يد قوات "السافاك".

وأكد داوري تعرض والده للتهديد على يد المخابرات في مدينة ياسوج: "استدعوا والدي المريض ليلا، وقالوا له إما أن يوافق ابنك على شروطنا أو نشنقه، وفي وقت آخر سنقتله بصبّ السم في كأسه".

وكان ردّ والده المريض بالسرطان ""أين غرفة الإعدام؟ حتى لو شنقته أمام عيني فلن أسمح لابني بالخضوع لمثل هذا الإذلال واللعب بشرفه وشرف عائلته".

توفي والده بعد ذلك، ولم يتمكن داوري من توديعه لمثواه الأخير.

تهمة "إهانة خامنئي" كلفت داوري 3 سنوات سجن، ثم عامين من منعه مغادرة البلاد عبر إلغاء جواز سفره، وعامين يُحرم فيهما من الخدمات الاجتماعية، مثلهما من استخدام مواقع التواصل.