العضوان في مجلس صيانة الدستور في إيران محمد يزدي وصادق لاريجاني يتوسطهما المرشد علي خامنئي
العضوان في مجلس صيانة الدستور في إيران محمد يزدي وصادق لاريجاني يتوسطهما المرشد علي خامنئي

تلقت نواة النظام الإيراني ضربة موجعة بعد كشف سلسلة من قضايا الفساد المالي التي تورط فيها كبار المسؤولين والمؤسسات الحساسة التي تدير البلاد. 

وحين ضاق الخناق على النخبة الدينية والسياسية في البلاد، خرج رجال دين بإدانات لما تشهده نواة الحكم الصلبة من فساد واصفين ما يحدث بـ"العار على رجال الدين والنظام"، وفق تقرير لموقع "راديو فردا" سلط الضوء على قضايا الفساد التي كشف عنها مؤخرا في إيران.

في الأسبوعين الماضيين وجه العضوان في مجلس صيانة الدستور الإيراني محمد يزدي وصادق لاريجاني، لبعضهما البعض تهما بالتورط في فساد مالي وبالجهل الديني.

التراشق بين الرجلين تضمن تهما تتعلق بالنزاهة تجاوزتهما وطاولت مجلس صيانة الدستور الذي يعتبر أعلى أجهزة الدولة ثقة من قبل المرشد علي خامنئي.

رجل الدين المتشدد آية الله ناصر مكارم الشيرازي طلب من رجلي الدين وعضوي مجلس صيانة الدستور، محمد يزدي، وصادق لاريجاني، إنهاء هذا العار الذي جلبوه للعلماء والنظام.

ومجلس صيانة الدستور يشرف على عمل مجلس الشورى الإسلامي أو البرلمان الإيراني، إذ لا يخرج قانون من الشورى إلا بموافقة مجلس صيانة الدستور.

فساد الاستخبارات

​​​

 

ملف فساد آخر تورطت فيه وزارة الاستخبارات الإيرانية، بعد الكشف عن تورط الجهاز في قضيتي فساد مالي في قطاع البتروكيماويات، والبنك المركزي وسوق الفوركس.

وقد تورط في القضية آية الله صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية، والذي لم تتشوه صورته فقط كرجل دين، بل هددت أفعاله المستقبل السياسي لشقيقه، علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، فضلا عن تشويه صورة خامنئي الذي عينه في ذلك المنصب المهم.

ويقول تقرير موقع "راديو فردا" إن الكشف عن قضايا فساد في الآونة الأخيرة قد تكون خدعة من طرف خامنئي لإحكام السيطرة على الفساد المتفشي في النظام والذي يغذيه جشع النخبة الحاكمة.

ويؤيد هذه النظرية وجود شخصية مثل علي رضا زاكاني في موقع قريب من خامنئي، والذي أشار سابقا إلى تورط جهاز الاستخبارات في ملفات فساد بقطاع البتروكيماويات، والذي بيع جزء منه إلى شخصيات سياسية مؤثرة.

وقد اعترفت الوزارة سابقا بدورها في قضية فساد بلغت قيمة الأموال فيها نحو 160 مليون دولار، سواء في سوق فوركس والبنك المركزي، فيما اتهم زاكاني الاستخبارات بالتورط في قضية فساد أخرى في قطاع البتروكيماويات تصل قيمتها إلى 6 مليارات دولار.

قطاع السيارات "مافيا قوية"

​​​

 

وكشف البرلمان الإيراني عن أن صناعة السيارات في إيران تعاني من فساد مالي واسع الانتشار.

وقال النائب بالبرلمان بهرام بارسايي السبت، "إن انتشار الفساد المالي حول صناعة السيارات في إيران إلى مافيا قوية".

وأضاف بارسايي لوكالة إسنا الإيرانية، أنه تم صرف نحو 250 مليون دولار من أجل تصميم صندوق سيارة خاص بسيارة بيجو الفرنسية من طراز 206، والتي حصلت إيران على توكيل بتصنيعها من جانب الشركة الإيرانية.

وقال بارسايي "الأجدر استغلال تلك الأموال في إنشاء خط تصنيع جديد"، مضيفا أن "بيجو 206 تصنع في فرنسا، لكنهم أضافوا صندوقا خلفيا جديدا في إيران، وأعادوا تسميتها بـ SD".

يشار إلى أن مصنعين للسيارات في إيرانية مدينة بنحو تسعة مليارات دولار للبنوك الإيرانية، وسبعة ملايين ونصف المليون دولار لمصنعي أجزاء السيارات، حسب تقرير "راديو فردا".

هروب السينما الإيرانية

في ربيع عام 2024، انتشر مقطع فيديو على نطاق عالمي، يظهر فيه المخرج الإيراني المعروف، محمد رسولوف، وهو يسير، على قدميه، في مناطق وعرة. 

يرصد المقطع رسولوف أثناء هروبه من إيران إلى تركيا بعد أن أصدرت السلطات الإيرانية بحقه حكما بالجلد والسجن ثماني سنوات بسبب أعماله السينمائية. 

بعد أيام من هروبه وحصوله على اللجوء في السويد، أطل رسولوف في مهرجان "كان" السينمائي، في حضور حمل رسالة قوية إلى النظام الحاكم في إيران. 

صفق المشاركون في المهرجان طويلا، وبحرارة، للمخرج الإيراني، بعد فوزه بجائزة "لجنة التحكيم" الخاصة، عن فيلمه "بذرة التين المقدس".

واكتسبت تلك اللحظة زخما إضافيا لحقيقة أن رسولوف كان قد صور وأنتج فيلمه الفائز في "كان" داخل إيران قبل هروبه، تحت رقابة مشددة، وملاحقة أمنية، وتهديد دائم بالاعتقال.

يقول كافيه عباسيان، وهو مخرج وخبير سينمائي إيراني لـ"الحرة" إن رسولوف أنجز فيلمه رغم كل العراقيل والضغوط التي تعرض لها داخل بلده. لكن الضغوط أجبرت عددا كبيرا من السينمائيين الإيرانيين على العزوف عن الإنتاج السينمائي.

إضافة إلى مزاياها  الفنية، تثير الأفلام الإيرانية في الخارج اهتماما كبيرا داخل المهرجانات وخارجها بسبب موضوعاتها التي غالبا ما تثير أسئلة حول الحرية والديمقراطية والاعتقال، ودور الدين في الحياة العامة.

القائمة لا تنتهي

يعتقد  عباسيان أن هروب غالبية العاملين الإيرانيين في قطاع السينما ساهم في جذب الاهتمام بالأفلام الإيرانية في الخارج. 

"برويس سياد، أحد أعظم صانعي الأفلام لدينا هرب من إيران. وعاد غلام علي عرفان إلى البلاد وأنتج بعض الأفلام، مُنعت جميعها. وكذلك رضا لاميزاده، لم يتمكن أيضا من مواصلة مسيرته المهنية فهرب من إيران. وكذلك نصرات حكيمي، وسوزان تسليمي وهي ممثلة إيرانية أيضا، وكثيرون غيرهم. أعني القائمة لا تنتهي".

فريدون جورك، مثل كثير من هؤلاء السينمائيين، اضطر على المغادرة عام 2002، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية طوال سنوات عمله في السينما داخل إيران. 

يقول جورك لـ"الحرة" إنه قضى أكثر من أربعين عاما يعمل في مختلف المجالات السينمائية في إيران. أخرج حوالي 25 فيلما، لكن أجبرته الاعتقالات والملاحقة المستمرة  له ولزوجتهعلى الهروب من طهران.

"فررنا خوفا من أن يتم القبض علينا مرة أخرى، ولجأنا إلى الولايات المتحدة، نعيش اليوم في لوس أنجلوس ونحاول إظهار بعض جرائم هذا النظام للناس، وشرحها لهم من خلال الصورة. فالصورة دائما تساعد أكثر على إبراز الحقيقة".

من سيئ إلى أسوأ

بدأت معاناة السينمائيين الإيرانيين تتعمق مع انتقال الحكم من الشاه محمد رضا بهلوي إلى روح الله الخميني.

قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت السينما الإيرانية تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكانت مهمتها الأولى، الإشراف والتدقيق في كل ما ينتجه السينمائيون، يقول جورك.

مع تربع الخميني على سدة الحكم، أصبح الأمور أكثر سوءا. "فعندما جاء الخميني، كان أول تعليق له عن السينما بمثابة إهانة حقيقية للمجتمع الفني. قال الخميني 'نحن لسنا ضد السينما لكنه ضد الرذيلة'. أهان العاملين في مجال السينما علنا.

بعد هذا التصريح شرع أنصاره بإحراق دور السينما في جميع أنحاء البلاد.

أثناء تحقق فريق "الحرة" من معلومات جورك بشأن تصريح الخميني، وجدنا أنه يعود إلى فترة وجود الخميني في المنفى في فرنسا وقتها، ووجدنا تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عام 1978.

 يبين التقرير أن أول حادث عنف ضد العاملين في السينما  داخل إيران حريق أضرم في دار سينما مزدحمة في مدينة عبادان الإيرانية، وأسفر عن مقتل 377 شخصا على الأقل في واحدة من أسوأ الكوارث من نوعها في تاريخ إيران، بحسب وصف الصحيفة.

قُتل رواد السينما دهسا أو اختناقا أو أُحرقوا أحياء. ويكشف التقرير أن زعماء دينيين متطرفين ألقوا كلمات في تجمعات حاشدة في جميع أنحاء إيران، حثوا فيها الإيرانيين على أداء الصلاة في المساجد بدلا من مشاهدة الأفلام في السينما أو التلفزيون. 

يؤكد فريدون جورك، الذي عايش تلك الأحداث في إيران، أن المحكمة كشفت أن الخميني كان مسؤولا عن الحريق. 

"هذا العمل الشنيع كان من عمل الجمهورية الإسلامية"، يقول. 

الحديث عن الإبداع "سخف"

"منذ الثورة تصاعد العنف ضد العاملين في قطاع السينما،" يقول علي المقدم، وهو مخرج إيراني هرب أيضا من إيران في  أواخر عام 2027، بعد اعتقاله وسجنه عدة مرات. 

يشير المقدم إلى أن الحديث عن الإبداع تحت حكم الجمهورية الإسلامية يصبح سخيفا، لأن السلطات لا تسمح لأحد بالاجتهاد والإبداع. "الحكومة تريد فقط فرض رأيها على كل شيء، وهذا لا يتعلق بالسينما فقط، إنما يتعداه إلى الموسيقى، الكتابة والشعر والنحت".

حتى عام 2023، تجاوز عدد السينمائيين المعتقلين في إيران 150 شخصا، أودت السلطات معظمهم في سجن إيفين، سيء الصيت، الذي أصبح معروفا باسم "سجن الفنانين".

رغم تضييق السلطات على السينمائيين، يعد قطاع السينما داخل إيران من أكثر الصناعات نشاطا، بإنتاج يقارب مئة فيلم سنويا، لكن الغالبية العظمى من ذلك الإنتاج تقع ضمن دائرة البروباغندا الإعلامية. 

يقول المخرج الإيراني كافيه عباسيان لـ"الحرة" إن الحرس الثوري الإسلامي يملك شركة إنتاج تُسمى "المعهد الثقافي"، وهي تنتج، إضافة إلى الأفلام، مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية.

 "لدينا هنا ميليشيا إسلامية للإنتاج الإعلامي، تُوازي الجيش الإيراني، وهم يتفوقون على أي شركة إنتاج خاصة أخرى في إيران" يقول عباسيان، "يدفعون أجورا أعلى بكثير لمحترفي السينما والممثلين لإنتاج أفلامهم، ونتيجة لذلك تبدو أفلامهم رائعة، لكن السينما الإيرانية لها تاريخ طويل".

رغم القمع، واضطرار رسولوف وجورك، وعشرات السينمائيين على الهروب من إيران، معهم إبداعاتهم، تتواصل في القرى والمدن الإيرانية إنتاجات السينما المستقلة، و"هذا هو الأهم، هذا هو مستقبل إيران، هذا هو المستقبل الذي يهمنا"، يقول المخرج الإيران كافيه عباسيان لـ"الحرة" من منفاه البريطاني.