صورة من الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي
صورة من الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي

اتهم الجيش الإسرائيلي الخميس إيران بتكثيف الجهود الرامية لإقامة منشآت للصواريخ دقيقة التوجيه لجماعة حزب الله في لبنان.

وقال اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس المتحدث باسم الجيش في إفادة للصحفيين "ما نراهم يفعلونه هو تسريع الخطى... بصفة عامة".

وتابع "هذا يعني... الإسراع من حيث المباني والمرافق والمواقع ومنشآت التحويل والتصنيع، وهذا يعني المزيد من الأشخاص والعناصر المشاركة في ذلك. المزيد من المواقع".

وبحسب الجيش الإسرائيلي فإن إيران بدأت تخطط للمشروع بمعية حزب الله في خضم الحرب الأهلية السورية ما بين عامي 2013 و2015.

وقال الجيش الإسرائيلي: "بدأت إيران بمحاولات لنقل صواريخ دقيقة جاهزة للاستخدام إلى منظمة حزب الله في لبنان عبر الأراضي السورية" مؤكدا أنه "تم إحباط معظم هذه المحاولات".

وقررت إيران في عام 2016 إحداث تغيير جوهري في طرق عملها، بعدم نقل صواريخ كاملة وانما نقل صواريخ جاهزة للاستخدام إلى حزب الله اللبناني عبر الأراضي السورية، حسب الجيش الإسرائيلي.

أما عن دور حزب الله في المخطط فكشف الجيش الإسرائيلي أن الحزب بدأ بتأهيل  مواقع داخل لبنان بما فيها في العاصمة بيروت بتعاون مع جهات إيرانية مثل فيلق القدس التابع للحرس الثوري.

مسار نقل المواد

وأكد الجيش الإسرائيلي أن عملية نقل المواد لتركيب الصواريخ تمر عبر ثلاثة مراحل، الأولى برا والثانية جوا والثالثة بحرا.

المحور البري يبدأ من سوريا إلى لبنان عبر المعابر الرسمية للدولة اللبنانية، ثم تأتي المرحلة الثانية من خلال رحلات مدنية تهبط في مطار الحريري الدولي في بيروت، قبل أن يتم النقل بحرا من خلال مرفأ بيروت.

وخلال السنوات 2016 و2017 و2018 واجهت إيران وحزب الله صعوبات في تطبيق خطة تحويل الصواريخ وأخفقتا في تحقيق الهدف المنشود، لكن إيران وحزب الله يسعيان التسريع في المشروع من خلال محاولة إنشاء مواقع إنتاج وتحويل على الأراضي اللبنانية في عدة مناطق.

إسرائيل تكشف أسماء المتورطين في المشروع

وفي سياق الكشف عن الشخصيات البارزة المتورطة في المشروع كشف الجيش الإسرائيلي عن بعض الأسماء من حزب الله والحرس الثوري الإيراني.

  •  العميد محمد حسين زادة حجازي، وهو قائد فيلق لبنان في قوة القدس الذي يقود مشروع الصواريخ الدقيقة، ويعتبر ضابطا رفيع المستوى في الحرس الثوري الذي يعمل مباشرة تحت قائد فيلق القدس قاسم سليماني. كجزء من مهمته يقود القوات الإيرانية المعتمدة بشكل دائم في لبنان.
  •  العقيد مجيد نواب، وهو المسؤول التكنولوجي للمشروع والذي يعمل تحت توجيهات فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني. يعتبر مهندسا خبيرا في مجال صواريخ أرض أرض ويشرف على الجوانب التكنولوجية للمشروع. يتابع ويشرف بشكل فعال على مواقع مشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان.
  •  العميد على أصغر نوروزي، ويشغل منصب رئيس الهيئة اللوجيستية في الحرس الثوري المسؤول عن نقل المواد والمعدات اللوجيستية من إيران الى سوريا ومن هناك الى مواقع الصواريخ الدقيقة في لبنان.
  •  فؤاد شكر، وهو من كبار قادة حزب الله والذي يقود مشروع الصواريخ الدقيقة في التنظيم. يعتبر شكر مستشارا كبيرا للأمين العام لحزب الله وعضو الهيئة العليا في حزب الله. ويندرج شكر في قائمة المطلوبين لدى وزارة الخارجية الأميركية والتي تعرض خمسة ملايين دولار لمن ينقل معلومات تساعد في تقديمه للعدالة.

هروب السينما الإيرانية

في ربيع عام 2024، انتشر مقطع فيديو على نطاق عالمي، يظهر فيه المخرج الإيراني المعروف، محمد رسولوف، وهو يسير، على قدميه، في مناطق وعرة. 

يرصد المقطع رسولوف أثناء هروبه من إيران إلى تركيا بعد أن أصدرت السلطات الإيرانية بحقه حكما بالجلد والسجن ثماني سنوات بسبب أعماله السينمائية. 

بعد أيام من هروبه وحصوله على اللجوء في السويد، أطل رسولوف في مهرجان "كان" السينمائي، في حضور حمل رسالة قوية إلى النظام الحاكم في إيران. 

صفق المشاركون في المهرجان طويلا، وبحرارة، للمخرج الإيراني، بعد فوزه بجائزة "لجنة التحكيم" الخاصة، عن فيلمه "بذرة التين المقدس".

واكتسبت تلك اللحظة زخما إضافيا لحقيقة أن رسولوف كان قد صور وأنتج فيلمه الفائز في "كان" داخل إيران قبل هروبه، تحت رقابة مشددة، وملاحقة أمنية، وتهديد دائم بالاعتقال.

يقول كافيه عباسيان، وهو مخرج وخبير سينمائي إيراني لـ"الحرة" إن رسولوف أنجز فيلمه رغم كل العراقيل والضغوط التي تعرض لها داخل بلده. لكن الضغوط أجبرت عددا كبيرا من السينمائيين الإيرانيين على العزوف عن الإنتاج السينمائي.

إضافة إلى مزاياها  الفنية، تثير الأفلام الإيرانية في الخارج اهتماما كبيرا داخل المهرجانات وخارجها بسبب موضوعاتها التي غالبا ما تثير أسئلة حول الحرية والديمقراطية والاعتقال، ودور الدين في الحياة العامة.

القائمة لا تنتهي

يعتقد  عباسيان أن هروب غالبية العاملين الإيرانيين في قطاع السينما ساهم في جذب الاهتمام بالأفلام الإيرانية في الخارج. 

"برويس سياد، أحد أعظم صانعي الأفلام لدينا هرب من إيران. وعاد غلام علي عرفان إلى البلاد وأنتج بعض الأفلام، مُنعت جميعها. وكذلك رضا لاميزاده، لم يتمكن أيضا من مواصلة مسيرته المهنية فهرب من إيران. وكذلك نصرات حكيمي، وسوزان تسليمي وهي ممثلة إيرانية أيضا، وكثيرون غيرهم. أعني القائمة لا تنتهي".

فريدون جورك، مثل كثير من هؤلاء السينمائيين، اضطر إلى المغادرة عام 2002، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية طوال سنوات عمله في السينما داخل إيران. 

يقول جورك لـ"الحرة" إنه قضى أكثر من أربعين عاما يعمل في مختلف المجالات السينمائية في إيران. أخرج حوالي 25 فيلما، لكن أجبرته الاعتقالات والملاحقة المستمرة  له ولزوجته على الهروب من طهران.

"فررنا خوفا من أن نُعتقل مرة أخرى، ولجأنا إلى الولايات المتحدة، نعيش اليوم في لوس أنجلوس ونحاول إظهار بعض جرائم هذا النظام للناس، وشرحها لهم من خلال الصورة. فالصورة دائما تساعد أكثر على إبراز الحقيقة".

من سيئ إلى أسوأ

بدأت معاناة السينمائيين الإيرانيين تتعمق مع انتقال الحكم من الشاه محمد رضا بهلوي إلى روح الله الخميني.

قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت السينما الإيرانية تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكانت مهمتها الأولى، الإشراف والتدقيق في كل ما ينتجه السينمائيون، يقول جورك.

مع تربع الخميني على سدة الحكم، أصبحت الأمور أكثر سوءا. "فعندما جاء الخميني، كان أول تعليق له عن السينما بمثابة إهانة حقيقية للمجتمع الفني. قال الخميني 'نحن لسنا ضد السينما لكنه ضد الرذيلة'. أهان العاملين في مجال السينما علنا.

بعد هذا التصريح شرع أنصاره بإحراق دور السينما في جميع أنحاء البلاد.

أثناء تحقق فريق "الحرة" من معلومات جورك بشأن تصريح الخميني، وجدنا أنه يعود إلى فترة وجود الخميني في المنفى في فرنسا وقتها، ووجدنا تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عام 1978.

 يبين التقرير أن أول حادث عنف ضد العاملين في السينما  داخل إيران حريق أضرم في دار سينما مزدحمة في مدينة عبادان الإيرانية، وأسفر عن مقتل 377 شخصا على الأقل في واحدة من أسوأ الكوارث من نوعها في تاريخ إيران، بحسب وصف الصحيفة.

قُتل رواد السينما دهسا أو اختناقا أو أُحرقوا أحياء. ويكشف التقرير أن زعماء دينيين متطرفين ألقوا كلمات في تجمعات حاشدة في جميع أنحاء إيران، حثوا فيها الإيرانيين على أداء الصلاة في المساجد بدلا من مشاهدة الأفلام في السينما أو التلفزيون. 

يؤكد فريدون جورك، الذي عايش تلك الأحداث في إيران، أن المحكمة كشفت أن الخميني كان مسؤولا عن الحريق. 

"هذا العمل الشنيع كان من عمل الجمهورية الإسلامية"، يقول. 

الحديث عن الإبداع "سخف"

"منذ الثورة تصاعد العنف ضد العاملين في قطاع السينما،" يقول علي المقدم، وهو مخرج إيراني هرب أيضا من إيران في  أواخر عام 2027، بعد اعتقاله وسجنه عدة مرات. 

يشير المقدم إلى أن الحديث عن الإبداع تحت حكم الجمهورية الإسلامية يصبح سخيفا، لأن السلطات لا تسمح لأحد بالاجتهاد والإبداع. "الحكومة تريد فقط فرض رأيها على كل شيء، وهذا لا يتعلق بالسينما فقط، إنما يتعداه إلى الموسيقى، الكتابة والشعر والنحت".

حتى عام 2023، تجاوز عدد السينمائيين المعتقلين في إيران 150 شخصا، أودت السلطات معظمهم في سجن إيفين، سيء الصيت، الذي أصبح معروفا باسم "سجن الفنانين".

رغم تضييق السلطات على السينمائيين، يعد قطاع السينما داخل إيران من أكثر الصناعات نشاطا، بإنتاج يقارب مئة فيلم سنويا، لكن الغالبية العظمى من ذلك الإنتاج تقع ضمن دائرة البروباغندا الإعلامية. 

يقول المخرج الإيراني كافيه عباسيان لـ"الحرة" إن الحرس الثوري الإسلامي يملك شركة إنتاج تُسمى "المعهد الثقافي"، وهي تنتج، إضافة إلى الأفلام، مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية.

 "لدينا هنا ميليشيا إسلامية للإنتاج الإعلامي، تُوازي الجيش الإيراني، وهم يتفوقون على أي شركة إنتاج خاصة أخرى في إيران" يقول عباسيان، "يدفعون أجورا أعلى بكثير لمحترفي السينما والممثلين لإنتاج أفلامهم، ونتيجة لذلك تبدو أفلامهم رائعة، لكن السينما الإيرانية لها تاريخ طويل".

رغم القمع، واضطرار رسولوف وجورك، وعشرات السينمائيين إلى الهروب من إيران، معهم إبداعاتهم، تتواصل في القرى والمدن الإيرانية إنتاجات السينما المستقلة، و"هذا هو الأهم، هذا هو مستقبل إيران، هذا هو المستقبل الذي يهمنا"، يقول المخرج الإيران كافيه عباسيان لـ"الحرة" من منفاه البريطاني.