ناقلة نفط إيرانية- أرشيف
ناقلة نفط إيرانية- أرشيف

فرضت وزارة الخزانة الأميركية الأربعاء عقوبات على شبكة واسعة من شركات الشحن البحري وأشخاص ضالعين في تهريب النفط لـ"فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني وحزب الله لمصلحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

والشبكة يقودها قائد فيلق القدس قاسم سليماني ويشرف عليها وزير النفط الإيراني السابق رستم قاسمي وتضم 40 فردا وشركة وناقلة نفط موزعين على الهند ولبنان وسنغافورة والإمارات وقناة السويس وغيرها.

من بين أعضاء هذه الشبكة محمد قصير - علي قصير (العمود الفقري للشبكة) ومحمد البزال وهم أعضاء في حزب الله إضافة إلى شمس الله أسدي.

من بين الشركات مجموعة مهدي التي تتخذ من الهند مقرا لها ورئيسها علي زهير. والشبكة باعت نفطا للنظام السوري هذا العام بحوالي نصف مليار دولار.

وقال الممثل الأميركي إلى إيران براين هوك، في مؤتمر صحفي، الأربعاء، إن "فيلق القدس يمارس تحركات سرية لنقل النفط الإيراني"، وأن إيران حاولت تهريب النفط على أنه نفط عراقي.

وأكد هوك على أن الضغوطات الأميركية على إيران تهدف إلى دفعها للمفاوضات، مضيفا أن "وجودنا خارج الاتفاقية النووية يساعدنا على تحقيق أهدافنا بشكل أفضل". 

مكافآت وتحذير

وزارة الخزانة أصدرت تعليمات جديدة  لشركات الشحن البحري تحذرهم من مخاطر الإنخراط مع شبكات نفط غير شرعية مثل شبكة فيلق القدس في الحرس الثوري.

وستعلن الخارجية الأميركية عن منح مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار لأي شخص يدلي بمعلومات تتعلق بشبكات تهريب النفط الإيراني. 

وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشن إن إجراءات الوزارة ضد شبكة النفط المترامية الأطراف توضح بشكل جلي أن أولئك الذين يشترون النفط الإيراني يدعمون بشكل مباشر الذراع العسكري والإرهابي لإيران وفيلق القدس

وأضاف منوشن أن خطواتنا خلال الأسبوعين الأخيرين يجب أن تكون "تحذيرا قويا" لكل من يفكر في بيع نفط الحرس الثوري الإيراني، بأن "عواقب سريعة" ستواجهه.

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في تغريدة، الأربعاء: "الحرس الثوري الإيراني يستخدم شبكة شحن مضللة لنقل مئات الملايين من الدولارات بالنفط الإيراني إلى نظام الأسد القاتل ومنظمة حزب الله الإرهابية الإيرانية"، وأضاف: "اليوم اتخذت الولايات المتحدة إجراءات ضد هذه الشبكة المترامية الأطراف".

وكانت الخزانة الأميركية أعلنت الجمعة الماضية إدراج ناقلة النفط الإيرانية "أدريان داريا 1" المتهمة بمحاولة تهريب نفط إلى سوريا على قائمتها السوداء وفرض عقوبات على قبطانها.

وقال سيغال ماندلكر، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية "إن سفنا مثل أدريان داريا 1، تمكّن الحرس الثوري الإيراني من شحن ونقل كميات كبيرة من النفط التي يحاول إخفاءها وبيعها بصورة غير مشروعة لتمويل أنشطة النظام الخبيثة ونشر الإرهاب".

ويشرف كبار المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني على تصدير النفط الإيراني منذ فترة طويلة، بطرق ملتوية، ويرسلونه إلى النظام السوري أو وكلائه في المنطقة، وفق بيان الخزانة الأميركية.

وفرضت الولايات المتحدة، قبل أسابيع عقوبات على كل رئيس كتلة حزب الله في البرلمان محمد رعد والنائب أمين شري بسبب "استغلال النظام السياسي والمالي" اللبناني لصالح حزبهما وإيران الداعمة له. وقبل أيام أعلنت فرض عقوبات على "جمال تراست بنك" اللبناني لدعمه حزب الله.

ناشطة من جماعة فيمن خلال احتجاج أمام السفارة الإيرانية في برلين - رويترز
ناشطة من جماعة فيمن خلال احتجاج أمام السفارة الإيرانية في برلين - رويترز

خوفا من الوقوع مجددا في براثن "الإرهاب الجنسي"، فرت الشابة بريتان من إيران، إلا أن الكوابيس أصرت على اللحاق بها إلى كردستان العراق، حيث تستيقظ كل صباح على مشاهد الانتهاكات الصارخة التي تعرضت لها في سجون النظام الإيراني.

"لا تمر ليلة إلا وأستيقظ فيها بسبب الكوابيس المرعبة، وهي تجسد مشاهد التعذيب والاغتصاب التي تعرضت لها على أيدي عناصر (الاطلاعات) الاستخبارات الإيرانية أثناء فترة اعتقالي لديهم"، تقول بريتان (اسم مستعار) لموقع "الحرة".

واعتقلت أجهزة الأمن بريتان، وهي شابة كردية إيرانية، أول مرة في سبتمبر 2022 أثناء مشاركتها في الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي شهدتها إيران عقب وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني.

أميني توفيت بعد تعرضها للضرب على يد شرطة الآداب الإيرانية، بحجة عدم الالتزام بالحجاب الذي يفرضه النظام على الإيرانيات منذ استيلائه على الحكم في إيران عام 1979.

واعتُقلت بريتان لساعات في ساحة الاحتجاج بمدينة مهاباد في كردستان إيران، شمال غرب البلاد، بعد سقوط لثامها أثناء مهاجمة عناصر الأمن المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي عليهم.

وبعد ذلك، نقلها عناصر الاستخبارات إلى داخل إحدى مركباتهم، حيث خضعت لتحقيق قبل أن يتم إطلاق سراحها.

لكن بعد مرور عام على الاحتجاجات، اقتحمت قوة من الاطلاعات مكونة من 12 عنصرًا في سبتمبر 2023 منزل بريتان واعتقلوها.

ونُقلت بريتان إلى فرع اطلاعات بمدينة رضائية "أرومية"، حيث احتُجزت في سجن الفرع لأسابيع دون إبلاغ والدتها أو أي فرد من عائلتها بمكان الاعتقال، ومُنعت من توكيل محامٍ للدفاع أو إجراء أي اتصالات.

وتضيف بريتان، البالغة من العمر 27 عامًا: "خلال فترة اعتقالي في فرع الاطلاعات، تعرضت إلى كافة صنوف التعذيب من الضرب والصعق بالكهرباء والخنق والإغراق...".

ولم يكتفِ السجانون بذلك، بل تعرضت بريتان أيضًا للاغتصاب بشكل مستمر خلال كل وجبة تعذيب، فـ"ما واجهته من اغتصاب واعتداءات جنسية من قبل عناصر الاطلاعات الإيرانية كان بشعًا للغاية، لا تستطيع ذاكرتي محو تلك المشاهد"، تقول الشابة.

وفي ديسمبر 2023، أصدرت "منظمة العفو الدولية" تقريرًا أكدت فيه أن الأجهزة الأمنية الإيرانية "استخدمت الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي لترهيب المتظاهرين السلميين ومعاقبتهم إبان انتفاضة (المرأة – الحياة – الحرية) التي اندلعت عام 2022".

ووثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية و"بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في إيران" استخدام السلطات الإيرانية العنف القمعي الشديد في مناطق الأقليات العرقية.

بعد عدة أسابيع من الاعتقال في فرع الاطلاعات، نُقلت بريتان إلى سجن نساء رضائية. وبعد محاولات عائلتها ودفع أموال طائلة، أطلقت المحكمة الخاصة بالاطلاعات سراحها مقابل كفالة مالية بمبلغ 15 مليار تومان لحين محاكمتها.

وتمكنت عائلتها فيما بعد، وعقب محاولات عديدة، من خفض قيمة الكفالة إلى 5 مليارات تومان، لكن مأساة بريتان لم تتوقف.

وتقول بريتان: "خلال فترة إطلاق سراحي المؤقت، اعتقلني عناصر الاطلاعات ثلاث مرات بحجة التحقيق معي، وخلال كل فترة اعتقال من هذه الفترات تعرضت لكافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وكسروا إحدى ساقي وإحدى يدي أثناء التعذيب...".

و"كانوا يعتدون عليّ جسديًا ويغتصبونني بشكل جماعي عدة مرات مع كل وجبة تحقيق"، تضيف الشابة الكردية الإيرانية.

لم يتوقف عناصر الاطلاعات عند اغتصاب بريتان وتعذيبها الشديد، بل كانوا يهددونها بافتعال تهمة لوالدتها واعتقالها هي الأخرى.

وقالت: "حاولوا معرفة إلى أي حزب من الأحزاب الكردية أنتمي، من أجل محاكمتي بتهمة (الإفساد في الأرض) وعقوبتها الإعدام".

وبعد كل وجبة تحقيق وتعذيب، كانت تُحتجز بريتان بشكل انفرادي لمدة أسبوع وتُمنع من مواجهة محاميها.

فـ"بعد كل تحقيق، يحتجزونني في غرفة بشكل انفرادي وأنا منهارة القوى والدماء تسيل من كل أجزاء جسدي، ويدخلون مجموعة من النساء التابعات للاطلاعات إلى داخل السجن على أنهن سجينات ويفتعلن شجارًا، ومن ثم يبرحاني ضربًا، كي يظهروا أنني تعرضت لإصابات بالغة إثر شجار في السجن وليس بالتعذيب".

استمرت فترة اعتقال بريتان أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وبعد الإفراج المؤقت عنها أبلغها المحامي بأن النظام سيعيد اعتقالها مجددًا وسيحاكمها بالسجن المؤبد وستُنقل إلى سجن "إيفين" سيئ السمعة.

لذلك قررت الهروب برفقة والدتها، واجتازتا الحدود الإيرانية العراقية مع أحد أقاربها عبر الطرق الجبلية الوعرة والمحفوفة بالخطر، ونجحتا في الوصول إلى كردستان العراق.

لم تكن بريتان الفتاة الوحيدة التي تعرضت للتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي داخل المعتقل، فجميع النساء المعتقلات معها في السجن تعرضن لما تعرضت له، لكنها لا تزال تتذكر إحدى الفتيات التي صادفتها عدة مرات في غرف الاعتقال، التي كانت تجمعهما بعد التعذيب.

لكنها لم تتمكن من التواصل معها إلا مرة واحدة وبسرعة، لأن الحراس كانوا يمنعون أي تواصل بين المعتقلات داخل السجن.

وتبين بريتان: "هذه الفتاة كانت قد اعتُقلت بنفس تهمتي وهي المشاركة في التظاهرات، لكنها في البداية نجحت في الهرب إلى كردستان العراق، وقبل اعتقالها كانت تعيش في محافظة السليمانية، حيث اعتقلتها الاطلاعات الإيرانية في السليمانية وأعادتها إلى المعتقل في إيران".

لم تتسنَّ لبريتان معرفة عنوان الفتاة وعائلتها للتواصل معهم عند خروجها من المعتقل، وكانت تلك آخر مرة ترى فيها تلك الفتاة.

وعلى الرغم من تواجدها في كردستان العراق، فإنها لا تزال تخشى من الحرس الثوري الإيراني والاطلاعات الإيرانية من كشف موقعها واعتقالها مجددًا وإعادتها إلى إيران، لذلك اختارت إخفاء هويتها.

وتقول: "أعيش في حالة من الخوف الدائم، أخاف من التعرض للاختطاف من قبل النظام الإيراني".

وتعرب بريتان عن تمنياتها بألا تذهب تضحياتها وتضحيات الشعوب في إيران سدى، مطالبة المجتمع الدولي بتوفير الحماية الكاملة للإيرانيين من النظام الحاكم في طهران.

فهذا النظام، وفق بريتان، لا يتوانى عن استخدام كافة الوسائل للبطش بمعارضيه وبكافة من يقف بوجه انتهاكاته لحقوق الإنسان واعتدائه على الشعوب في إيران.