أجهزة طرد مركزي داخل مفاعل نووي إيراني
أجهزة طرد مركزي داخل مفاعل نووي إيراني

كريم مجدي

18 منشأة نووية وتسع منشآت غير نووية في إيران تخضع لعملية مراقبة معقدة تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث تشرف على تفتيشها للتحقق من مدى التزام إيران بالاتفاق النووي.

لكن، يبدو أن إيران بدأت بالتملص من بنود الاتفاقية، إذ كشف دبلوماسيان يعملان في الوكالة عن وجود آثار لليورانيوم لم تقدم إيران أي تفسير لها حتى الآن.

وكانت رويترز أول من ذكر في أبريل أن الوكالة التي تشرف على تنفيذ الاتفاق النووي فتشت الموقع في خطوة قالت إنها تقوم بها "عند الضرورة فقط" وتم أخذ عينات بيئية لتحليلها.

وذكرت وسائل إعلامية أميركية وإسرائيلية آنذاك أن العينات كشفت عن آثار مواد مشعة وهو نفس اللفظ الذي استخدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقال الدبلوماسيان إن آثار اليورانيوم هذه هي نفس العنصر الذي تقوم إيران بتخصيبه وأحد عنصرين انشطاريين يمكن استخدامهما في صنع قنبلة نووية. وقال دبلوماسي إن اليورانيوم ليس من النوع عالي التخصيب، أي أنه لم يتم تنقيته إلى المستوى المطلوب لصنع أسلحة.

وتتم عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفق معايير عالية، تتطلب فحوصات آنية داخل المنشآت وأخرى يتطلب فحصها بالمعمل.

وبحسب كلسي دافنبورت، مديرة مركز سياسة عدم الانتشار بجمعية الحد من التسلح، فإن هناك مواقع في إيران تخضع لمراقبة على مدار 24 ساعة.

وأضافت دافنبورت لشبكة CGTN أن هناك فرقا تجري تفتيشا بشكل مستمر في إيران، للتحقق من امتثالها للاتفاق النووي الذي وقع في عام 2015 بين دول 5+1 وإيران (قبل أن تنسحب الولايات المتحدة في 2018).

وترتكز مهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراقبة تخصيب اليورانيوم. تلك العملية التي ينتج عنها الوقود لتشغيل المفاعلات النووية وصناعة الأسلحة النووية.

وتقيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية باستمرار مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب وتحسب عدد أجهزة الطرد المركزي، إلا أن إيران أعلنت خرقها مؤخرا.

وكانت إيران قد أعلنت السبت بدء تشغيل أجهزة متطورة للطرد المركزي، وهو ما قالت إنه سيؤدي إلى زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب.

وبحسب البيانات المنشورة على موقع الوكالة، فقد تم تركيب كاميرات مراقبة تغطي المؤسسات الخاضعة للرقابة بنسبة 89 بالمئة، وذلك في الفترة بين 2013 و2017.

وقد وصل عدد المفتشين التابعين للوكالة في إيران إلى 1500 في عام 2013، فيما بلغ نحو 3 آلاف في عام 2017.

ما هي الأجهزة التي يستخدمها المفتشون؟

​​

 

 

يستخدم المفتشون أكثر من 100 جهاز تندرج تحت نظام  Non destructive analysis ​​ NDA خلال زياراتهم للمنشآت الخاضعة للتفتيش، والتي تستخدم لرصد أشعة "غاما" والنيوترونات التي تعد دليلا على وجود إشعاع نووي.

كما تعتمد الوكالة في عمليات التفتيش على طريقة أخرى تدعى Destructive analysis، والتي تقوم فيها على سحب عينات نووية سواء بلوتونيوم أو يورانيوم من مكان التفتيش وإرساله إلى المعمل لفحصها.

نظام مراقبة ngss يستخدم في مراقبة المنشآت النووية

 

هذه أهم الأدوات التي يستخدمها المفتشون:

​​

 

 

- العينات: يقوم المفتشون بجمع بعض التراب من المنشأة النووية للكشف عن أي نظائر نووية بداخلها، وذلك عن طريق قطعة قطنية.

- أدوات تحليل متعددة القنوات (MCAs): هي أدوات محمولة يستخدمها مفتشو الوكالة لتسجيل مستوى الطاقة الصادرة عن المواد المشعة، إذ يوجد جهاز مخصص لقياس أشعة "غاما" والنظائر المشعة والنيوترون، وذلك من خلال قياس البلوتونيوم الذي تنتجه المفاعلات.

ويستطيع هذا الجهاز البحث عن مصادر الإشعاع وتحديد مكانها، وإظهار النتائج على الشاشة ويعتبر هذا الجهاز مؤشرا جيدا في كشف الوقود النووي المعالج، كما أن هناك نوع آخر يسمى منظار أشعة "غاما"، والمخصص لقياس اليورانيوم والكشف عما إذا ما كان قد تم تخصيبه أم لا، ويمكنه إعطاء نتائج دقيقة.

أحد الأجهزة المستخدمة في الكشف عن أشعة الغاما

- كاشفات السبائك: يستخدم المفتشون بعض المعادن الغريبة غير المنتشرة لقياس نسب الإشعاعات خلال التفتيش، مثل عنصر الزركونيوم، إذ يمكن لهذا العنصر أن يكشف عن مواد اليورانيوم المخصب من خلال توليد أشعة اكس والتي تخترق الجسم الذي يتم الكشف عليه.

جهاز لفحص المواد من خلال إصدار أشعة اكس

- أدوات التفتيش الطبيعية: بالرغم من الجهود المضنية التي تتطلبها عملية إخفاء الآثار النووية، فإنها على الأرجح ستترك أثرا في الطبيعة مثل المياه، ويستخدم المفتشون نظام يدعى "مراقبة المياه" والذي يحلل المياه من خلال الفلاتر، ويمكن لهذا التحليل أن يكشف عن أصغر مواد نووية ممكنة موجودة في المياه.

وتفحص الوكالة الهواء والخضروات للكشف عن الترتيوم، وهو عبارة عن هيدروجين مشع، وإذا عثر على الترتيوم في المياه أو الهواء فإنه إشارة إلى وجود عمليات تفاعلية نووية.

FILE PHOTO: Military personnel stand guard at Iran's Isfahan nuclear facility
جنود إيرانيون يحرسون محطة أسفهان النووية.

نشرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاذفات من طراز بي-2 على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.

وقاذفات بي-2 هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي -إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل مؤقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه إيران.

والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئيا تحت الأرض مدفونا بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويا، مما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.

وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني "في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جدا تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي".

وأضاف برونك "سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".

ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حاليا بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.

وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيودا صارمة على أنشطة إيران النووية مما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل إيران تتخلى كثيرا عن قيوده.

والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وقال أيضا قبل أسبوعين "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف".

وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر إن "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه".

عملية كبرى محفوفة بالمخاطر

يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.

ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تقريبا تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو المقامة في عمق أحد الجبال.

ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حاليا إلا قاذفات بي-2 مثل تلك التي تم نقلها في الآونة الأخيرة إلى دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي لا تمتلكها إسرائيل.

وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، "إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل" لتدمير فوردو ونطنز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وقال إن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياما.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق "ربما تسبب ضربة أميركية ضررا أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلا من إبعادها عنها".

وأضاف "يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره".

ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة إيران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وقال محللون ومسؤولون إن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمرا وصعبا للغاية.

وقالت كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من انتشار الأسلحة "ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها".

وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطرا يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم في مواقع مثل نطنز وفوردو.

وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للزعيم الأعلى علي خامنئي، على موقع التواصل أكس الأسبوع الماضي "استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون".

وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.

وقال جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة".