يبدو أن الأطماع الإيرانية الشيعية في العراق لم تبدأ بعد الثورة الإسلامية عام 1979 فقط، بل قبل ذلك بسنوات. وهذا الأمر تكشفه وثائق تعود لعام 1965 من الأرشيف الوطني الإسرائيلي.
الوثائق كتبها الممثل الإسرائيلي في طهران آنذاك، مئيرعزري، بعد لقائه بالسفير الإيراني الجديد في بغداد، مهدي بيراشتة. بحسب تقرير نشره موقع أتلانتيك كاونسل.
وتقول الوثائق إن السفير الإيراني في بغداد في تلك الفترة قدم تقريرا عن أنشطته بين الشيعة العراقيين.
وقال إن ذلك تضمن زيارة أسبوعية لمدينتي النجف وكربلاء المقدستين، وتقديم رشى لرجال الدين العراقيين وتشجيعهم على زيارة السفارة والقنصليات الإيرانية في العراق.
ويقول تقرير أتلانتيك كاونسل، وهو مؤسسة بحثية مقرها العاصمة الأميركية واشنطن، إن طموحات إيران الإقليمية، فضلا عن برنامجها النووي، لم تبدأ بالثورة الإسلامية عام 1979. علاوة على ذلك، فإن الاضطراب السياسي في العالم العربي منذ عام 2011 لم يفتح سوى فرصا جديدة لإيران لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال الاستفادة من نقاط ضعف الدول العربية.
ويضيف أن المكاسب التي حققها النظام السوري- بمساعدة فيلق الحرس الثوري الإسلامي وروسيا – وهزيمة القوات العراقية لداعش، زودت طهران بمزيد من فرص لتوسيع قبضتها على سوريا والعراق.
صورة قاتمة لطموح إيران
مع كل ذلك، يرسم التقرير صورة قاتمة لوضع طهران في المنطقة، ويقول إنه في كل شهر يمر، تفقد إيران قبضتها على المنطقة ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على طهران والتي ضربت الإرهابيين بشدة وقيدت بشكل كبير "مغامرات إيران العسكرية" في المنطقة، حسب التقرير.
ويوضح التقرير أن نجاح إسرائيل في منع إيران من ترسيخ نفسها في سوريا وتعزيز ترسانة حزب الله العسكرية، كان له أيضا دور في إضعاف النفوذ الإيراني بالمنطقة.
تبع ذلك التظاهرات الشعبية في لبنان والعراق والتي أشارت إلى أن "إيران تخسر الشرق الأوسط". ثم حدثت احتجاجات نوفمبر 2019 في إيران، مما زاد الأمل بإمكانية تغيير النظام.
أما اغتيال رئيس فيلق القدس قاسم سليماني في يناير بضربة أميركية، فقد كان بمثابة صفعة قوية لخطط إيران للسيطرة الإقليمية.
ويشير التقرير إلى فيروس كورونا كأحدث تهديد مفترض لهيمنة إيران الإقليمية، إذ يرى أنه أسهم في إبطاء أنشطة إيران الخبيثة عبر الشرق الأوسط.
إن وجود روسيا والولايات المتحدة وتركيا في سوريا يحد أيضا من قدرة إيران على تعزيز نفوذها في سوريا، حسب التقرير.
بالإضافة إلى ذلك ، أثار تدخل إيران الواسع في الشؤون الداخلية لبغداد ودمشق وبيروت معارضة سياسية وعامة متنامية في العالم العربي.
وقد أدت استثمارات إيران الضخمة خارج حدودها، على حساب معالجة مشاكل مواطنيها، إلى مزيد من الانتقادات الداخلية في إيران، ما عزز الأمل بإمكانية سقوط النظام.
لقد حلت أزمة كورونا على إيران في وقت عصيب جدا بالنسبة لها، فقد أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 وإعادة فرض العقوبات، إلى تفاقم مشاكل إيران مما دفع بالاقتصاد الإيراني إلى أزمة غير مسبوقة.
وأدى الانخفاض الحاد الأخير في أسعار النفط بسبب حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها إيران.
ووجه مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ضربة قوية لقدرة إيران على تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط على المدى القصير على الأقل، حسب التقرير.
ومع ذلك، يشير تقرير أتلانتيك كاونسل إلى أن إيران لا يزال لديها القدرة على الثبات وتحويل نقاط ضعها إلى فرص للبقاء، بل وزيادة نفوذها أيضا عبر تكييف استراتيجياتها لمواجهة التحديات الجديدة.
إعادة تقييم
ويقول التقرير إن النشاط الإيراني الأخير في العراق وسط تصاعد التوتر بين القوات الأميركية والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، فضلا عن التطورات السياسية في بغداد، يشير إلى أن طهران تعيد تقييم مهامها وتعديل طريقة عملها بطريقة تسمح لها بتحقيق مصالحها مثل إجبار الولايات المتحدة على الانسحاب من العراق.
في 9 أبريل، أعلن رئيس الوزراء العراقي المكلف عدنان الزرفي انسحابه من دور تشكيل حكومة جديدة بعد مقاومة شديدة من الأحزاب السياسية المدعومة من إيران، متهمة إياه بأنه "عميل أميركي".
ووفقا لذلك عيّن الرئيس العراقي برهم صالح رئيس المخابرات العراقية مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء.
في الأسابيع القليلة الماضية، واصلت إيران جهودها للتأثير على عملية تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، في ضوء مخاوفها من احتمال نجاح الزرفي في تشكيل حكومة جديدة.
الشئ المؤكد، حسب التقرير، هو أن الكاظمي ليس الشخص الذي يرغب الإيرانيون في رؤيته رئيسا لوزراء العراق. ولكن عندما اضطرت طهران للاختيار بينه وبين الزرفي، تمكن الإيرانيون من توحيد القوى السياسية الرئيسية في العراق ضد السياسي الذي يُنظر إليه على أنه أكبر تهديد لمصالحهم.
هذه المرة ، لم ينفذ قاسم سليماني جهود إيران للتأثير بنجاح على العملية السياسية في العراق. بل قام بتنفيذها سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، الذي زار بغداد الشهر الماضي والتقى بالكاظمي. وقائد قوة القدس الجديد، إسماعيل قاآني، الذي زار بغداد الأسبوع الماضي.
لقد واجهت إيران بالتأكيد العديد من التحديات في الداخل والخارج، ولكن مثلما لا يتراجع نفوذها الإقليمي بهذه السرعة، لا يرجح أن ينهار نظامها أو اقتصادها في القريب العاجل، حسب تقرير أتلانتيك كاونسل.
دولة معقدة
ويشدد التقرير على أن إيران دولة معقدة ولها تاريخ طويل ومجموعة متنوعة من مراكز القوة.
ولهذا السبب بالتحديد هي تحتاج إلى تحليل رصين ومسؤول على أساس التأكيدات القائمة، بدلا من انتهاج أساليب مقلقة تتجاهل نقاط ضعفها، بحسب التقرير.