مطالب بتخفيف الأعباء الاقتصادية على المتضررين بقرارات النظام التقشفية
مطالب بتخفيف الأعباء الاقتصادية على المتضررين بقرارات النظام التقشفية

مع ازدياد احتقان الوضع الاجتماعي في إيران، وتوالي تحذيرات مسؤوليين في النظام والمعارضة من مغبة الإبقاء على الوضع الاجتماعي على ما هو عليه في ظل استمرار جائحة كورونا، يطرح السؤال حول ما ينتظر النظام من قبل شرائح واسعة في البلد تضررت قبل وأثناء الجائحة. 

صحيفة "إيران فوكس"، المعارضة والمختصة في الشأن الإيراني، ذكرت في تقرير بعنوان "الوضع الاجتماعي في إيران قنبلة موقوتة"، ان الوضع السياسي المضرب واقتصاد البلد المنهار بسبب العقوبات، والمجتمع المتضرر من قرارات وسياسات النظام التقشفية خاصة بعد تفشي "كوفيد19"، كلها تدفع البلاد إلى المزيد من الاضطرابات والاحتجاجات، وقالت  إن النظام "لن يكون قادراً على قمعها".

وذكرت في تقرير تحليلي، ان الوضع بدأت مؤشراته من السجون الإيرانية، بعد أن أفلح العشرات من المعتقلين أغلبهم سياسيين، في التمرد والهروب من السجن، مشيرة إلى ان سياسات النظام "ستكون لها عواقب وخيمة على البلد". 

هذه التحذيرات وردت في وقت سابق، على لسان برلمانيين إصلاحيين مستبعدين من العمل البرلماني، مثل مهدي عياطي، النائب السابق في البرلمان الإيراني، الذي حذر من إفلاس النظام الاقتصادي وخطر التمرد في البلاد، قائلاً "إن هذه المشاكل الاقتصادية قد تستمر، تهدد في اضطرابات اجتماعية".

 

البلاد واقفة على ركبتيها

وأشار في تصريحات حديثة بحسب الصحيفة، إلى أن "الإفلاس الاقتصادي لإيران، سيجعل البلاد واقفة على ركبتيها مهددة بالسقوط"، مضيفا ان مع تردي الوضع إثر "كورونا"، تم إغلاق جميع الوظائف في صناعة السياحة، وتعطل اقتصاد العديد من المتاجر والمراكز الترفيهية، ودخلت مهن النقل في ركود، وهو ما يضع النظام على فوهة بركان. 

وكتبت صحيفة "Mostaghel" الإيرانية، ان إغلاق العديد من القطاعات الإنتاجية، أدى إلى بطالة وانخفاض لدخل الأسر الإيرانية، مشيرة في ملف لها، السبت، إلى ان الوضع الحالي "قد يكون فحما يشعل احتجاجات اجتماعية يصعب وقفها". 

وصحيفة "Shargh" الإيرانية التي تديرها الدولة، كتبت تقريرا تعرب فيه "تخوفها" من عواقب "انتشار البطالة والكساد الاقتصادي ونمو الواردات وتعميق الانقسام الطبقي في المجتمع"، كونها عوامل "تغضب شرائح واسعة من المتضررين الإيرانيين وتدفعهم إلى المواجهة مع النظام في الشارع". 

 

تخوف من عصيان مدني

مسؤول إيراني سابق، هو غلام رضا أنصاري، حاكم "مزانداران" سابقا، قال هو الآخر، "إن أزمة كورونا إلى جانب الضرر الذي تلحقه بصحة المجتمع، لها أيضًا عواقب اجتماعية واقتصادية بعيدة المدى، والتي يمكن أن تكون أكثر خطورة بكثير من المرض نفسه، خاصة إذا طالعنا الأزمات للعام الماضي (احتجاجات ضد زيادة أسعار الوقود)". 

ووجه آخر للنظام، هو نعمت أحمدي، أحد المحامين للحكومة، طالب بحسب "إيران فوكس"، الحكومة الإيرانية، برفع الحد الأدنى لأجور الموظفين الصغار، وإلا "ستواجه الحكومة عصيانا مدنيا". 

وأيضا، مرتضى موبلاغ، النائب السياسي والأمني ​​السابق لوزارة الداخلية، قال إن "الوضع الحالي صعب للغاية لدرجة أن المشاكل الاجتماعية والأمنية ليست فقط لظروف الأزمة الصحية ولكن أيضًا هي مقدمة لمشاكل اجتماعية معقدة". 

تعهدت إيران بالرد على مقتل هنية على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.
تعهدت إيران بالرد على مقتل هنية على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.

ذكرت صحيفة "هآرتس" في تحليل لها أنه في مواجهة المصاعب الداخلية الكبيرة، أصبح القتال في غزة ولبنان عبئاً متزايداً على إيران، رغم تعهدها سابقًا بالرد على مقتل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.

وترى أن إيران تخشى أن تأتي سياسة "معادلة الرد" التي ابتكرتها مع وكلائها ضد إسرائيل بنتائج عكسية، فتجرها إلى صراع إقليمي قد يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية الشديدة التي تواجهها بالفعل ويعيق جهود الحكومة الجديدة في متابعة إعادة التأهيل الداخلي.

وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أن إيران قلقة وحذرة إزاء التطورات في الشرق الأوسط، وتسعى إلى انتهاج سياسة حذرة تهدف، على الأقل علناً، إلى تجنب حرب شاملة، والتي من المرجح أن تتركز حول لبنان.

وترى طهران أن "حلقة النار" التي خلقتها للدفاع عن نفسها قد تأتي بنتائج عكسية وتضر ليس فقط بلبنان، أهم أصولها الإقليمية، بل وأيضاً بنفسها.

وأوضحت "هآرتس" أنه في أول اجتماع بين المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، والحكومة التي شكلها الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، ذكر خامنئي أولويتين وطنيتين رئيسيتين هما، خفض التضخم وخفض الأسعار.

وشرح بزشكيان ما تعنيه هذه الأوامر عملياً في أول مقابلة إعلامية له، حيث قال إنه يأمل في تعزيز النمو الاقتصادي إلى ثمانية في المئة وخفض التضخم بنسبة 30 في المائة.

وأضاف أنه لتحقيق هذا الهدف، تحتاج إيران إلى استثمارات بقيمة 200 مليار دولار. وتابع أن نصف هذا المبلغ يمكن أن يأتي من المستثمرين ورجال الأعمال المحليين. لكن النصف الآخر، أي نحو 100 مليار دولار، لابد أن يأتي من الخارج. وبعبارة أخرى، من دون إنهاء العقوبات المفروضة على إيران، لن تتمكن من تحقيق هذا الهدف.

وعلى عكس كبار المسؤولين الإيرانيين الآخرين، بما في ذلك خامنئي نفسه، لا يخفي بيزيشكيان الضرر الهائل الذي ألحقته العقوبات وما زالت تلحقه بالاقتصاد الإيراني، أو حقيقة أن "اقتصاد المقاومة"، المصطلح الذي صاغه خامنئي لتبرير التقشف الشديد لمقاومة العقوبات، ينعكس سلباً على الحكومة، لأنه يضر بأفقر الإيرانيين. ولا تُحس نتائج هذه السياسة على المستوى الكلي فقط.

وذكرت الصحيفة أنه قبل وقت قصير من بدء العام الدراسي، أصدرت وزارة التعليم الإيرانية بيانات مقلقة تُظهر أن 167 ألف طالب في المدارس الابتدائية تركوا الدراسة. ويبدو أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

ووفقًا للتقديرات التي أصدرها مركز أبحاث البرلمان الإيراني، ترك حوالي مليون طالب النظام المدرسي على كل مستوى في عام 2023.

وعلاوة على ذلك، قالت وزارة التعليم إن المدارس تعاني من نقص 176 ألف معلم. وتحاول الحكومة في اللحظة الأخيرة توظيف المعلمين المتقاعدين أو المعلمين المتدربين الذين لم يكملوا بعد شهاداتهم الدراسية.

وتظهر بيانات أخرى أصدرتها لجنة التعليم في البرلمان أن نحو 14 مليون طالب ينتمون إلى أسر تعاني من صعوبات في توفير احتياجاتهم الأساسية، وهذا يعني أن العديد منهم مجبرون على الذهاب إلى العمل بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.

كما لم يكن لدى وزارة الصحة أي أخبار جيدة لتشاركها. فمنذ الثاني من أغسطس، أضربت الممرضات في أغلب المدن الإيرانية للمطالبة بأجور وظروف عمل أفضل. ويردن تعديل رواتبهن وفقاً للتضخم، الذي يتجاوز حالياً 40%. كما يطالبن بتعيين المزيد من الممرضات، ودفع أجور العمل الإضافي وتعويض نفقات السفر.

ووفقاً للمجلس الأعلى لنظام التمريض، يهاجر ما بين 150 و200 ممرضة من إيران كل شهر، ويقول نحو 20% من طلاب مدارس التمريض إنهم ينوون مغادرة البلاد.

وأشارت الصحيفة أن ما سبق ليس سوى مثالين رئيسيين لكيفية تأثير هذه الأزمة ليس فقط على نوعية حياة العمال الإيرانيين اليوم، بل وأيضاً على الجيل القادم.

وأوضحت الصحيفة أن الممرضات والمعلمين وغيرهم من المهنيين لا يهتمون بالقضايا السياسية الكبرى أو الخطط الانتقامية ضد إسرائيل لاغتيالها زعيم حماس السابق إسماعيل هنية، مشيرة إلى أن ما يحدث داخليا يهز صورة نظام خامنئي.

وترى أن بزشكيان، الذي انتُخِب بفضل أصوات الإصلاحيين، على دراية تامة بحقل الألغام السياسي هذا، إذ يسير عبره بحذر شديد، وفي الوقت الحالي، أكسبه هذا دعم خامنئي.

والضغط الداخلي ظهرت آثاره في تصريح خامنئي، في إشارة إلى الغرب عموماً وأميركا على وجه الخصوص، والذي قال فيه: "علينا أن نشك في العدو، ولكن لا يوجد عائق أمام إجراء مفاوضات معه"، على افتراض أن المفاوضات تخدم مصالح البلاد. وتم تفسير هذا التصريح على أنه ضوء أخضر لبيزيشكيان وحكومته لاتخاذ خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تخفيف العقوبات أو حتى إزالتها بالكامل.

والواقع أن بيزيشكيان أرسل بالفعل خلال الفترة القصيرة منذ توليه منصبه تلميحات إلى أنه ينوي التفاوض مع الدول الغربية، وحتى مع الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة.

وهذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال أن تقدم إيران مخططاً جديداً لبرنامجها النووي يكون مقبولاً لدى الغرب عموماً، ولدول الموقعين على الاتفاق النووي الأصلي مع إيران (أميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين) على وجه الخصوص.

وأوضحت الصحيفة أنه ربما يكون بيزيشكيان أكثر وضوحاً بشأن هذه القضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد في نيويورك في غضون أسبوعين.