An Iranian woman holds a placard reading in Farsi "Your mistake was unintentional, your lie was intentional" during a…
شهدت الأشهر الماضي تظاهرات شعبية أكثر من مرة ضد النظام في إيران

"تغيير النظام في إيران" ربما تعد "عبارة مسمومة" في واشنطن، خاصة وأنها ربما تستحضر صورا لحرب العراق حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها غارقة هناك.

ولذا فإن على الولايات المتحدة تغيير النظام في طهران، ولكن ليس بالطريقة العسكرية، فالمطلوب تغيير سلوك رجال الدين القائمين على إدارة الدولة، بحسب مجلة فورين أفيرز.

تحت عنوان "الثورة الإيرانية القادمة" نشرت المجلة تحليلا تشرح فيه كيف أن تغيير النظام في إيران ليس فكرة راديكالية على الإطلاق، ولكن هذا لا يعني أن الغزو العسكري هو الحل، إنما على الولايات المتحدة استخدام كل ما يمكنها لتقويض نظام الحكم في البلاد، وتوفير الفرصة للإصلاحيين لاستلام الدفة هناك.

ولكن انتظار تحول رجال الدين القائمين على إدارة الدولة إلى فكر آخر أمر مستبعد، وتغيير القادة في طهران ربما لا يعني انتفاء خطر التهديدات الإيرانية على المصالح الأميركية.

ولهذا، تقول المجلة إن على الولايات المتحدة أن تقدم العون للمعارضين والمنشقين الإصلاحيين عن النظام، خاصة وأن النظام هناك أضعف مما يعتقد الكثير من المحللين الغربيين.

وليس مطلوبا من الولايات المتحدة الإطاحة بالنظام في إيران بقدر ما يمكن أن تسهم في جعل انهياره ممكنا، خاصة مع حملات ضغط خارجية وداخلية من قبل المقاومة، إذ أن العديد من الإيرانيين متعطشون لقيادة أفضل.

وتضيف أنه ومنذ أربعة عقود حاول كل رئيس أميركي تقريبا الوصول إلى توافق مع إيران، والتي تراوحت ما بين سياسيات الحديث مع قادتهم من دون جدوى لتطوير خارطة طريق لانفراج العلاقات مع طهران، وحتى وصلت إلى عقد صفقة معهم للتخفيف من العقوبات والتي لم تحسن إيران استخدامها.

في 2018 ضاقت الولايات المتحدة ذرعا بسلوكيات إيران سواء في الداخل أو في الشرق الأوسط، ما دعا الإدارة الأميركية إلى الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم بين الدول الكبرى وإيران، وفرضت واشنطن عقوبات أشد على طهران، تبعتها العديد من التحركات الدولية.

40 عاما من توتر العلاقات الأميركية - الإيرانية

الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد أمر مطلع العام بقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بسبب سلوكياته الإرهابية التي أربكت الشرق الأوسط، ولكن مع ذلك لا يزال يريد عقد صفقة مع إيران وهو أول رئيس أميركي يقترح الاجتماع وجها لوجه مع قادتهم.

ولكن حتى إذا تم التوصل لصفقة مع طهران، فإن جميع الإدارات الأميركية فشلت في إدراك أن السلطة الحالية هناك في جوهرها منظمة ثورية، وهي لا تزال ترفض التصرف باعتدال في سلوكياتها والتعامل بواقعية مع مختلف الأمور الداخلية والخارجية.

زعيم الثورة أية الله الخميني، جعل من هيكل السلطة فيها لا يعتمد أيا من المبادئ العلمانية حيث يستخدم نسخة مسيسة من الغطاء الديني والذي يتناقض مع تعاليم الإسلام أحيانا، ليبقي نموذجا من الحكم الديني بحجة تحقيق إرادة الله على الأرض.

ويقاوم النظام في إيران ووكلائه المتشددون أية جهود إصلاحية سواء كانت من رؤساء الحكومات أم البرلمانات، وحتى أنها لم تكتف بذلك بل قامت بتصدير الثورة ووتسببت في عدم استقرار دول المنطقة، وحاولت إيجاد كيانات تعمل بذات النموذج الإيراني في المنطقة، والترويج أن الولايات المتحدة تسعى لاستغلال موارد المنطقة من أجل تعظيم مكاسب الغرب الإمبريالي ودعم الكيان الصهيوني، ويعتبر أن مقاومة أميركا والغرب تعتبر أمرا إلزاميا.

من هنا نجد أن إيران بإداراتها الحالية لن تتطور أبدا وستبقى تبحث عن وجود خلاف سياسي مع الولايات المتحدة، ولن تسمح بتشكل أي معارضة داخل البلاد، ولن تتخلى عن طموحاتها النووية.

ولهذا فإن على الولايات المتحدة لحماية مصالحها ومنطقة الشرق الأوسط وحتى الشعب الإيراني، القيام بكل ما هو ممكن لإضعاف النظام هناك وتعزيز المعارضة، وليس مهمتها البحث في اختيار كيفية إسقاط النظام ولكن عليها إضعافه فقط.

حاليا يواجه النظام في إيران طريقا مسدودا حيث الشعب فقد إحساسه بالخوف وأصبح يواجه الأجهزة الأمنية في الشارع، ولكن لا أحد متأكد كيف سيبدو المستقبل ما بعد ذلك.

خلال التسعينات أحبط النظام حركة الإصلاح حيث كان يسعى قادتها مثل عبد الله نوري ومصطفى تاج زاده وسعيد حجاريان للنضال داخل إيران من أجل حكومة تخضع للمساءلة، فيما لا تزال شخصيات معارضة مثل مير حسين موسوي ومهدي كروبي يعانون من الإقامة الجبرية في البلاد.

النظام الحالي تعاني شرعيته من التصدع، خاصة بعدما أثبت أنه يقتل المدنيين بقصف الطائرة الأوكرانية المدنية، أو حتى بالسماح بتفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد، ما أدى إلى تصاعد الغضب من جميع مستويات القيادة لديهم.

المساعدة الأميركية الحقيقة، ليس بقيام الولايات المتحدة باستبدال القائمين على النظام إنما بمساعدة الإيرانيين أنفسهم على تحدي النظام وتغييره، الأمر الذي يتطلب برنامجا للعمل السري ومساعدة عناصر داخل المجتمع المدني الإيراني التي تعارض شرعية النظام الحالي، خاصة النقابات العمالية والمجموعات الطلابية وتحشيد الإعلام الدولي لتغطية ما يحصل داخل البلاد.

والمساعدة السرية ليست الطريقة الوحيدة أمام الولايات المتحدة إذا عليها بتقديم الدعم المالي المباشر للنقابات، وجعلها قادرة على اتخاذ قرارات ترتبط بوقف النشاط الاقتصادي وشل حركة النظام اقتصاديا.

ويرى تحليل فورين أفيرز أن على الولايات المتحدة تكثيف الجهود الإعلامية في مواجهة الدعاية الإيرانية وفعل المزيد لتوفير معلومات دقيقة للشعب هناك، مشيرة إلى أن وسائل إعلامية ناطقة بالفارسية ستكون الأكثر رواجا مثل راديوا فاردا ومواقع استطاعت أن تصل إلى نحو ربع البالغين في البلاد، ولكن يجب تكثيف هذه السياسيات من أجل إنشاء جيل جديد في البلاد اعتمادا على منصات مختلفة بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي.

ويختم التحليل أن تغيير النظام في إيران لا يعني حل مشاكل الشرق الأوسط، ولكنه خطوة هامة لتمكين الشعب الإيراني من الحصول على حكومة يستحقها بعيدا عمن يقودون البلد بنهج خاطئ منذ 40 عاما.

تعهدت إيران بالرد على مقتل هنية على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.
تعهدت إيران بالرد على مقتل هنية على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.

ذكرت صحيفة "هآرتس" في تحليل لها أنه في مواجهة المصاعب الداخلية الكبيرة، أصبح القتال في غزة ولبنان عبئاً متزايداً على إيران، رغم تعهدها سابقًا بالرد على مقتل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.

وترى أن إيران تخشى أن تأتي سياسة "معادلة الرد" التي ابتكرتها مع وكلائها ضد إسرائيل بنتائج عكسية، فتجرها إلى صراع إقليمي قد يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية الشديدة التي تواجهها بالفعل ويعيق جهود الحكومة الجديدة في متابعة إعادة التأهيل الداخلي.

وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أن إيران قلقة وحذرة إزاء التطورات في الشرق الأوسط، وتسعى إلى انتهاج سياسة حذرة تهدف، على الأقل علناً، إلى تجنب حرب شاملة، والتي من المرجح أن تتركز حول لبنان.

وترى طهران أن "حلقة النار" التي خلقتها للدفاع عن نفسها قد تأتي بنتائج عكسية وتضر ليس فقط بلبنان، أهم أصولها الإقليمية، بل وأيضاً بنفسها.

وأوضحت "هآرتس" أنه في أول اجتماع بين المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، والحكومة التي شكلها الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، ذكر خامنئي أولويتين وطنيتين رئيسيتين هما، خفض التضخم وخفض الأسعار.

وشرح بزشكيان ما تعنيه هذه الأوامر عملياً في أول مقابلة إعلامية له، حيث قال إنه يأمل في تعزيز النمو الاقتصادي إلى ثمانية في المئة وخفض التضخم بنسبة 30 في المائة.

وأضاف أنه لتحقيق هذا الهدف، تحتاج إيران إلى استثمارات بقيمة 200 مليار دولار. وتابع أن نصف هذا المبلغ يمكن أن يأتي من المستثمرين ورجال الأعمال المحليين. لكن النصف الآخر، أي نحو 100 مليار دولار، لابد أن يأتي من الخارج. وبعبارة أخرى، من دون إنهاء العقوبات المفروضة على إيران، لن تتمكن من تحقيق هذا الهدف.

وعلى عكس كبار المسؤولين الإيرانيين الآخرين، بما في ذلك خامنئي نفسه، لا يخفي بيزيشكيان الضرر الهائل الذي ألحقته العقوبات وما زالت تلحقه بالاقتصاد الإيراني، أو حقيقة أن "اقتصاد المقاومة"، المصطلح الذي صاغه خامنئي لتبرير التقشف الشديد لمقاومة العقوبات، ينعكس سلباً على الحكومة، لأنه يضر بأفقر الإيرانيين. ولا تُحس نتائج هذه السياسة على المستوى الكلي فقط.

وذكرت الصحيفة أنه قبل وقت قصير من بدء العام الدراسي، أصدرت وزارة التعليم الإيرانية بيانات مقلقة تُظهر أن 167 ألف طالب في المدارس الابتدائية تركوا الدراسة. ويبدو أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

ووفقًا للتقديرات التي أصدرها مركز أبحاث البرلمان الإيراني، ترك حوالي مليون طالب النظام المدرسي على كل مستوى في عام 2023.

وعلاوة على ذلك، قالت وزارة التعليم إن المدارس تعاني من نقص 176 ألف معلم. وتحاول الحكومة في اللحظة الأخيرة توظيف المعلمين المتقاعدين أو المعلمين المتدربين الذين لم يكملوا بعد شهاداتهم الدراسية.

وتظهر بيانات أخرى أصدرتها لجنة التعليم في البرلمان أن نحو 14 مليون طالب ينتمون إلى أسر تعاني من صعوبات في توفير احتياجاتهم الأساسية، وهذا يعني أن العديد منهم مجبرون على الذهاب إلى العمل بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.

كما لم يكن لدى وزارة الصحة أي أخبار جيدة لتشاركها. فمنذ الثاني من أغسطس، أضربت الممرضات في أغلب المدن الإيرانية للمطالبة بأجور وظروف عمل أفضل. ويردن تعديل رواتبهن وفقاً للتضخم، الذي يتجاوز حالياً 40%. كما يطالبن بتعيين المزيد من الممرضات، ودفع أجور العمل الإضافي وتعويض نفقات السفر.

ووفقاً للمجلس الأعلى لنظام التمريض، يهاجر ما بين 150 و200 ممرضة من إيران كل شهر، ويقول نحو 20% من طلاب مدارس التمريض إنهم ينوون مغادرة البلاد.

وأشارت الصحيفة أن ما سبق ليس سوى مثالين رئيسيين لكيفية تأثير هذه الأزمة ليس فقط على نوعية حياة العمال الإيرانيين اليوم، بل وأيضاً على الجيل القادم.

وأوضحت الصحيفة أن الممرضات والمعلمين وغيرهم من المهنيين لا يهتمون بالقضايا السياسية الكبرى أو الخطط الانتقامية ضد إسرائيل لاغتيالها زعيم حماس السابق إسماعيل هنية، مشيرة إلى أن ما يحدث داخليا يهز صورة نظام خامنئي.

وترى أن بزشكيان، الذي انتُخِب بفضل أصوات الإصلاحيين، على دراية تامة بحقل الألغام السياسي هذا، إذ يسير عبره بحذر شديد، وفي الوقت الحالي، أكسبه هذا دعم خامنئي.

والضغط الداخلي ظهرت آثاره في تصريح خامنئي، في إشارة إلى الغرب عموماً وأميركا على وجه الخصوص، والذي قال فيه: "علينا أن نشك في العدو، ولكن لا يوجد عائق أمام إجراء مفاوضات معه"، على افتراض أن المفاوضات تخدم مصالح البلاد. وتم تفسير هذا التصريح على أنه ضوء أخضر لبيزيشكيان وحكومته لاتخاذ خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تخفيف العقوبات أو حتى إزالتها بالكامل.

والواقع أن بيزيشكيان أرسل بالفعل خلال الفترة القصيرة منذ توليه منصبه تلميحات إلى أنه ينوي التفاوض مع الدول الغربية، وحتى مع الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة.

وهذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال أن تقدم إيران مخططاً جديداً لبرنامجها النووي يكون مقبولاً لدى الغرب عموماً، ولدول الموقعين على الاتفاق النووي الأصلي مع إيران (أميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين) على وجه الخصوص.

وأوضحت الصحيفة أنه ربما يكون بيزيشكيان أكثر وضوحاً بشأن هذه القضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد في نيويورك في غضون أسبوعين.