ما هو مصير خامنئي البالغ من العمر 81 عاما
ما هو مصير خامنئي البالغ من العمر 81 عاما

حروب الظل، حملات المنطقة الرمادية، كلها استراتيجيات تتبعها إسرائيل في مواجهة إيران في دول الشرق الأوسط، بحيث تحقق أهدافها السياسية والعسكرية المنشودة من دون التصعيد مع طهران.

تقرير صدر عن مركز أبحاث "الأمن الأميركي الجديد" والذي مقره واشنطن، يوصي الإدارة الأميركية باتباع هذه الاستراتيجيات في التصدي لإيران في الشرق الأوسط، والاعتماد بشكل كبير على النموذج الإسرائيلي في ذلك، وفق ما نشرت صحيفة واشنطن بوست.

ويشير إلى أنه لطالما نفذت إسرائيل حملات وهجمات عسكرية استهدفت فيها شبكة عملاء ومصالح طهران المسلحين في الشرق الأوسط، ولكنها كانت تبقي نفسها تحت الرادار من دون أي تصعيد مع إيران، إذ أجرت إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية 200 غارة جوية على أهداف تابعة لإيران في سوريا ولكنها لم تدخل في مواجهة لا مع النظام في سوريا ولا مع إيران.

ويؤكد التقرير أن اتباع استراتيجية مماثلة من قبل الولايات المتحدة في التعامل مع الهجمات في ضرب أهداف إيران ومصالحها في الشرق الأوسط سيكون أفضل من الاستراتيجية المتبعة حاليا، بما في ذلك الهجمة التي نفذتها طائرات درون في مطلع يناير والتي قتل فيها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

ايلان غولدنبرغ، أحد الخبراء العسكريين وعمل في البنتاغون وفي الخارجية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما قال إن اتباع مثل هذه الاستراتيجيات سيحقق للولايات المتحدة ما تريده ولكنه سيحد من وقوع حرب شاملة، كما أنه سيمكن القادة من إدارة التبعات على ما يحصل بطريقة أفضل.

المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران ربما تعد الأكثر وضوحا في عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيما يستعد البنتاغون لشن هجمات إضافية على الميليشيات المدعومة من طهران والموجودة في العراق.

في البداية كان ترامب يتبع استراتيجية وضع ضغوط قصوى على إيران ومعاقبتها من خلال اقتصادها، ورغم سلسلة هجمات نفذتها إيران في الشرق الأوسط إلا أن الرد عليهم كان بخطوات عسكرية مدروسة وعن بعد، والتي تضمنت هجمات إلكترونية.

وحتى بعد هجوم استهدف منشآت نفطية سعودية التي تعد حليفا قويا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلا أنها لم ترد عسكريا بشكل مباشر، ولكن هذا الموقف تغير بعد مقتل مقاول أميركي في هجوم صاروخي بالعراق أواخر ديسمبر، والتي تبعها هجمات وضربات مختلفة على أهداف داخل العراق وسوريا لميليشيات مرتبطة مباشرة بطهران.

وبعد ذلك تبعها توترات انتهت بقتل سليماني مهندس الإرهاب في العراق وسوريا، وتبعها إطلاق صواريخ على قواعد عراقية تضم جنود أميركيين وإصابة أكثر من 100 منهم.

ويرى التقرير أن طبيعة الرد من كلا الطرفين تظهر وجود انقسامات في داخل الإدارة الأميركية حيث يدعو مسؤولون إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشددا تجاه طهران ووكلائها ويرى أخرون بضرورة عدم التصعيد العسكري بهذه الطريقة، واتباع مقاربة شبيهة جدا بما تتبعه إسرائيل.

إسرائيل قامت باستهداف مواقع إيرانية في سوريا المجاورة لها بعدما حاولت إنشاء قواعد ومراكز قيادة مختلفة هناك، حيث قامت بإسقاط أكثر من 2000 ذخيرة في عام 2018 على أهداف لإيران في سوريا لوحدها، ولكن لم تصل إلى مرحلة المواجهة كما حصل مع الولايات المتحدة.

ووصف التقرير أن هذه الاستراتيجية بالناجحة إذا أنها كانت تحقق أهدافها بضرب مراكز إيرانية وبالوقت ذاته لم تتحمل اللوم وكانت تنكر مسؤوليتها أحيانا، وهو ما جعل القادة الإيرانيين عاجزين عن الرد بقوة.

وفي الوقت الذي كان يغرد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد كل عملية، كانت إسرائيل تقوم بضرباتها وتقيم المخاطر لكل عملية لوحدها وإبقاء مساحة كافية للمناورة، وبالنهاية فإنك لا تحتاج إلى إظهار كل قوتك العسكرية لتكون قويا.

ويعترف التقرير أن بعض جوانب الحملات التي تجريها إسرائيل ليست ممكنة للولايات المتحدة، فهي لديها معلومات استخباراتية كافية حول الميلشيات الإيرانية فيما كانت أميركا تصب كل اهتمامها على تنظيم داعش.

مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق خلّف احتجاجات واسعة في إيران
مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق خلّف احتجاجات واسعة في إيران

بين مضايقات لعائلات الضحايا وغياب محاسبة المسؤولين وتزايد عمليات الإعدام، يجد مناهضو السلطات في إيران أنفسهم أمام واقع قاتم بعد عامين على اندلاع الاحتجاجات التي أعقبت وفاة، مهسا أميني، وكانوا يأملون في أن تشكل نقطة تحول بعد أكثر من أربعة عقود على قيام الجمهورية الإسلامية.

وفي 16 سبتمبر 2022، توفيت الشابة الكردية الإيرانية عن 22 عاما، بعد أيام من توقيفها لدى شرطة الأخلاق في طهران على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة.

وشكلت وفاة أميني شرارة احتجاجات كانت من الأكبر منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وعلى رغم تراجعها الملحوظ بعد أشهر على اندلاعها، يتمسك الناشطون والمعارضون في الخارج بفكرة أن هذه التحركات تركت بصمة دامغة في المجتمع الإيراني.

وكانت النساء محور الاحتجاجات، وانتفضن خلالها بوجه إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام الإسلامي، وهي إلزامية الحجاب. قامت العديد منهن بخلعه وإحراقه في مشاهد لم تعهدها شوارع طهران ومدن كبرى. ورأى محللون أن الاحتجاجات كانت من أكبر التحديات التي واجهتها الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها.

واعتبرت السلطات أن معظم التحركات "أعمال شغب" تغذيها أطراف غربية أو معادية للثورة، وقمعتها بشدة. وبحسب منظمة العفو الدولية، استخدمت قوات الأمن الإيرانية الأسلحة النارية لمواجهة المحتجين.

وتقول منظمات حقوقية إن 551 شخصا قتلوا خلال الاحتجاجات، في حين تؤكد السلطات أن عشرات من عناصر قوات الأمن لقوا حتفهم كذلك. وتم توقيف آلاف الأشخاص، بحسب الأمم المتحدة.

وبعد مرور عامين، تؤكد منظمات حقوقية أن السلطات تواصل قمع أي تحرك.

وأعلن القضاء الإيراني في أغسطس تنفيذ حكم الإعدام بحق غلام رضا رسائي بعد إدانته بقتل ضابط في الحرس الثوري طعنا "خلال التظاهرات غير المشروعة في نوفمبر 2022".

وارتفع بذلك إلى عشرة عدد الذين تم إعدامهم بتهم متصلة بالاحتجاجات.

وتحذر منظمات حقوقية من أن طهران تستخدم العقوبة القصوى كأداة ترهيب.

وبحسب منظمة "حقوق الانسان في إيران" ومقرها النروج، نفذت سلطات الجمهورية الإسلامية 402 حكما بالاعدام خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، منها 100 على الأقل في أغسطس.

وقالت نائبة مدير منظمة العفو للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ديانا الطحاوي، إن "عددا لا يحصى من الأشخاص في إيران ما زالوا يعانون من عواقب القمع الوحشي الذي مارسته السلطات".

 "تعنيف الناس مرتين"  

وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تعرض أفراد عائلات عشرات من الذين قتلوا أو أعدموا أو سجنوا على هامش الاحتجاجات، للتهديد أو المضايقة أو حتى التوقيف بناء على اتهامات باطلة.

وقالت الباحثة في "هيومن رايتس ووتش"، ناهيد نقشبندي، "تعنف السلطات الإيرانية الناس مرتين، مرة بإعدام أو قتل أحد أفراد أسرتهم، ومرة باعتقال أحبائهم بسبب مطالبتهم بالمساءلة".

ومن بين الموقوفين، ما شاء الله كرمي، والد محمد مهدي كرمي الذي أعدم في يناير 2023، وكان في الثانية والعشرين من العمر. وحكم على الوالد بالسجن ستة أعوام في مايو، وتسعة أعوام في حكم ثان في أغسطس.

وأسست الاحتجاجات لتغيير بدا جليا في بعض أنحاء طهران والمدن الكبرى، وهو تخلي العديد من النساء عن الحجاب أو تغطية شعرهن في الأماكن العامة.

وشددت السلطات القيود لضبط الالتزام بوضع الحجاب، مثل استخدام كاميرات مراقبة في الشوارع.

وأفادت منظمة العفو بأن السلطات أطلقت، في أبريل 2024، حملة "خطة نور"، زادت على إثرها "بشكل ملحوظ" الدوريات الأمنية بمختلف أشكالها "لفرض الحجاب الإلزامي". 

وأوضحت أن "القمع شمل مطاردات خطرة بالسيارات لتوقيف السائقات على الطريق، والمصادرة الجماعية لمركباتهن".

واتهم خبراء في الأمم المتحدة السلطات هذا الأسبوع بـ"تكثيف" قمعها للنساء، مشيرين إلى أن "قوات الأمن صعدت أكثر أنماط العنف الجسدي القائمة أساسا، بما في ذلك الضرب والركل وصفع النساء والفتيات اللواتي يعتبر أنهن فشلن في الامتثال إلى قوانين وقواعد الحجاب الإلزامي".

ولفتت منظمة العفو إلى تقارير عن مطاردة عناصر الشرطة في شمال إيران في يوليو، سيارة كانت بداخلها أريزو بدري (31 عاما) بغية مصادرتها تنفيذا لعقوبة سابقة مرتبطة بالحجاب. 

وأشارت الى أنهم أطلقوا النار على السيارة، ما أدى لإصابة بدري بالشلل.

وعلى رغم أن مهمة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة خلصت في مارس إلى أن العديد من الانتهاكات خلال حملة القمع ترقى إلى مستوى جرائم ضد الانسانية، لم تتم محاسبة أي مسؤول.

"تحولات جوهرية" مقبلة؟

ويرى محللون أنه على رغم تمكن السلطات بقيادة المرشد الأعلى، علي خامنئي، من تجاوز التهديد الذي مثلته قضية مهسا أميني، إلا أن الاحتجاجات أدت لتغيير جذري في المجتمع الإيراني.

وقالت رويا برومند "العديد من الشابات ما زلن يرفعن لواء التحدي".

وأضافت المؤسسة المشاركة لمركز عبد الرحمن بورومند المعني بحقوق الإنسان في إيران، ومقره واشنطن، أن "قيادة الجمهورية الإسلامية لم تتمكن بعد عامين من الاحتجاجات، من إعادة الوضع القائم الى سابق عهده أو استعادة مشروعيتها المفقودة".

ورأت مجموعات حقوقية أن إعدام رسائي في أغسطس، بعد أيام من تولي الإصلاحي مسعود بزشكيان منصب رئيس الجمهورية، يؤشر الى أن السلطات لا تعتزم تغيير نهجها المتعلق بتطبيق عقوبة الإعدام.

من جهة أخرى، كشفت الاحتجاجات اختلافات كبيرة في صفوف المعارضة في المنفى، في ظل غياب مجموعة موحدة قادرة على استثمار هذه التحركات سياسيا في الداخل أو الخارج.

وباءت بالفشل كل المحاولات لإيجاد صيغة قابلة للحياة بين مجموعات متباعدة من الملكيين والقوميين والليبراليين.

وقال الأستاذ الزائر في جامعة بوسطن الأميركية، آرش عزيزي إن التحركات الاحتجاجية "هزت النظام الإيراني حتى العظم وأكدت خيبة الأمل الكبيرة للإيرانيين من الواقع الراهن".

وأشار مؤلف كتاب "ما يريده الإيرانيون" إلى أن التحركات "أظهرت كذلك الإفلاس المطلق لبدائل المعارضة".

وأضاف "ما زلت أعتقد بأن إيران لن تعود إلى ما قبل 2022. وخلال السنوات القليلة المقبلة، ستشهد الجمهورية الإسلامية على الأرجح تحولات جوهرية".