منظمة العفو الدولية قالت إن نحو خمسة آلاف سجين قتلوا في إيران في عام 1988
منظمة العفو الدولية قالت إن نحو خمسة آلاف سجين قتلوا في إيران في عام 1988

دعا المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، إلى إجراء تحقيق مستقل في إعدام آلاف السجناء السياسيين في إيران، عام 1988، ودور الرئيس الإيراني المنتخب، إبراهيم رئيسي، في تلك العمليات عندما كان مدعيا في ذلك الوقت، وكذلك دوره في أحداث عام 2019، وانتقد "التلاعب" الذي حدث في الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوزه بها.

وقال رحمن في مقابلة مع رويترز، الثلاثاء، إن مكتبه جمع على مر السنين الشهادات والأدلة، وكان مستعدة لمشاركتها إذا قام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو هيئة أخرى بإجراء تحقيق محايد.

وقال: "أعتقد أن الوقت قد حان، ومن المهم جدا الآن مع كون السيد رئيسي هو الرئيس (المنتخب) أن نبدأ التحقيق فيما حدث عام 1988 ودور الأفراد".

وقال إن التحقيق في مصلحة إيران يمكن أن يؤدي إلى إغلاق الملف لأسر الضحايا وإلا "ستكون لدينا مخاوف جدية للغاية بشأن هذا الرئيس والدور الذي تم الإبلاغ عنه والدور الذي لعبه تاريخيا في تلك الإعدامات".

وعبّر المسؤول الدولي عن قلقه إزاء التقارير التي تتحدث عن تدمير بعض "المقابر الجماعية" في إطار "التستر المستمر" على جرائم النظام.

وقال رحمن: "لقد أجرينا اتصالات مع جمهورية إيران الإسلامية، لأن لدينا مخاوف من أن هناك مرة أخرى سياسة لتدمير المقابر فعليا أو قد يكون هناك بعض النشاط لتدمير الأدلة على المقابر الجماعية". وأضاف "سأناضل من أجل تحقيق العدالة".

وكانت الأمينة العامة لمنظمة "العفو الدولية" أنييس كالامار، قد دعت في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال"، مجلس حقوق الإنسان والمجتمع الدولي إلى النظر في "آلية مستقلة" من أجل "تحقيق فعال" في ملف إعدام السجناء.

اعتقالات وترهيب

وندد رحمن بما أسماه "استراتيجيات مدروسة وتلاعبية تم تبنيها لاستبعاد المرشحين المعتدلين وضمان نجاح مرشح معين" في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها رئيسي وسط عزوف من الناخبين بسبب الصعوبات الاقتصادية والقيود السياسية.

وأضاف "كانت هناك اعتقالات وتم منع الصحفيين من طرح أسئلة محددة حول خلفية المرشح (رئيسي) وكان هناك ترهيب تجاه أي قضايا أثيرت حول دوره السابق وخلفيته".

تاريخ دموي وإنكار

ويخضع رئيسي، وهو قاض متشدد، لعقوبات أميركية بسبب دوره كواحد من أربعة قضاة أشرفوا على جرائم قتل سجناء، في عام 1988، وغالبيتهم من الجماعات المعارضة الذين اتهموا بالتمرد ضد النظام خلال الحرب العراقية الإيرانية. وقدّرت منظمة العفو الدولية عدد الذين أُعدموا بنحو خمسة آلاف، قائلة في تقرير عام 2018 إن "العدد الحقيقي قد يكون أعلى".

وشارك رئيسي أيضا في حملات قمع ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة عامي 2009 و2019.

وعلى الرغم من سجله الموثَّق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على مدى العقود الثلاثة الماضية، شغل رئيسي على مدار الـ18 شهرا الماضية منصب رئيس القضاء.

وفي أول مؤتمر صحفي بعد تعيينه رئيسا، قال رئيسي ردا على الاتهامات بارتكاب جرائم قتل وتعذيب أدت إلى وضعه على قائمة العقوبات الأميركية، عام 2019: "أنا فخور بكوني مدافعا عن حقوق الإنسان وأمن الناس وراحتهم كمدع عام أينما كنت". 

وأضاف أن "كل الأعمال التي قمت بها خلال فترة استلامي لمنصبي كانت دائما في اتجاه الدفاع عن حقوق الإنسان... اليوم في المنصب الرئاسي، أشعر بأنني مضطر للدفاع عن حقوق الإنسان".

"سياسة نظام"

وقال المحقق الدولي في حواره مع رويترز: "حجم الإعدامات (عام 1988) التي نسمعها تشير إلى أنها كانت جزءا من سياسة يتم اتباعها ... لم يكن مجرد شخص واحد".

وأوضح أنه لم يجر أيضا "تحقيق مناسب" في مقتل المتظاهرين، في نوفمبر 2019، في واحدة من أكثر الاضطرابات السياسية دموية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وقال: "حتى بالتقديرات المتحفظة يمكننا القول إن أكثر من 300 شخص قتلوا بشكل تعسفي وخارج نطاق القضاء، ولم يحاسب أحد ولا ولم يتم تعويض أحد".

وأضاف "هناك إفلات واسع النطاق ومنهجي من العقاب في البلاد على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، في الماضي وكذلك في الوقت الحاضر". 

ونقلت صحيفة التايمز مؤخرا شهادات سجناء سياسيين سابقين تحدثوا عن إشراف رئيسي الذي كان مدعيا على عمليات التعذيب والرجم والاغتصاب والرمي من المنحدرات والإعدام الجماعي للسجناء في ثمانينيات القرن الماضي. وقال سجين سابق إن رئيسي أمر بإلقاء شاب من فوق جبل، وأعدم آخر رغم أنه كان يعاني من الصرع.

إبراهيم رئيسي متهم بارتكاب جرائم خطيرة
"أمر برمي شاب من أعلى جبل".. شهادات توثق "انتهاكات" الرئيس الإيراني الجديد
كانت فريدة جودارزي، معتقلة في سجن غربي إيران عندما كان المدعي الشاب، إبراهيم رئيسي، مشرفا على عمليات الضرب والتعذيب للسجناء، وشاهدها وهي تتعرض للضرب بأسلاك الكهرباء والتعذيب، قبل أسبوع واحد من ولادتها طفلها

هروب السينما الإيرانية

في ربيع عام 2024، انتشر مقطع فيديو على نطاق عالمي، يظهر فيه المخرج الإيراني المعروف، محمد رسولوف، وهو يسير، على قدميه، في مناطق وعرة. 

يرصد المقطع رسولوف أثناء هروبه من إيران إلى تركيا بعد أن أصدرت السلطات الإيرانية بحقه حكما بالجلد والسجن ثماني سنوات بسبب أعماله السينمائية. 

بعد أيام من هروبه وحصوله على اللجوء في السويد، أطل رسولوف في مهرجان "كان" السينمائي، في حضور حمل رسالة قوية إلى النظام الحاكم في إيران. 

صفق المشاركون في المهرجان طويلا، وبحرارة، للمخرج الإيراني، بعد فوزه بجائزة "لجنة التحكيم" الخاصة، عن فيلمه "بذرة التين المقدس".

واكتسبت تلك اللحظة زخما إضافيا لحقيقة أن رسولوف كان قد صور وأنتج فيلمه الفائز في "كان" داخل إيران قبل هروبه، تحت رقابة مشددة، وملاحقة أمنية، وتهديد دائم بالاعتقال.

يقول كافيه عباسيان، وهو مخرج وخبير سينمائي إيراني لـ"الحرة" إن رسولوف أنجز فيلمه رغم كل العراقيل والضغوط التي تعرض لها داخل بلده. لكن الضغوط أجبرت عددا كبيرا من السينمائيين الإيرانيين على العزوف عن الإنتاج السينمائي.

إضافة إلى مزاياها  الفنية، تثير الأفلام الإيرانية في الخارج اهتماما كبيرا داخل المهرجانات وخارجها بسبب موضوعاتها التي غالبا ما تثير أسئلة حول الحرية والديمقراطية والاعتقال، ودور الدين في الحياة العامة.

القائمة لا تنتهي

يعتقد  عباسيان أن هروب غالبية العاملين الإيرانيين في قطاع السينما ساهم في جذب الاهتمام بالأفلام الإيرانية في الخارج. 

"برويس سياد، أحد أعظم صانعي الأفلام لدينا هرب من إيران. وعاد غلام علي عرفان إلى البلاد وأنتج بعض الأفلام، مُنعت جميعها. وكذلك رضا لاميزاده، لم يتمكن أيضا من مواصلة مسيرته المهنية فهرب من إيران. وكذلك نصرات حكيمي، وسوزان تسليمي وهي ممثلة إيرانية أيضا، وكثيرون غيرهم. أعني القائمة لا تنتهي".

فريدون جورك، مثل كثير من هؤلاء السينمائيين، اضطر إلى المغادرة عام 2002، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية طوال سنوات عمله في السينما داخل إيران. 

يقول جورك لـ"الحرة" إنه قضى أكثر من أربعين عاما يعمل في مختلف المجالات السينمائية في إيران. أخرج حوالي 25 فيلما، لكن أجبرته الاعتقالات والملاحقة المستمرة  له ولزوجته على الهروب من طهران.

"فررنا خوفا من أن نُعتقل مرة أخرى، ولجأنا إلى الولايات المتحدة، نعيش اليوم في لوس أنجلوس ونحاول إظهار بعض جرائم هذا النظام للناس، وشرحها لهم من خلال الصورة. فالصورة دائما تساعد أكثر على إبراز الحقيقة".

من سيئ إلى أسوأ

بدأت معاناة السينمائيين الإيرانيين تتعمق مع انتقال الحكم من الشاه محمد رضا بهلوي إلى روح الله الخميني.

قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت السينما الإيرانية تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكانت مهمتها الأولى، الإشراف والتدقيق في كل ما ينتجه السينمائيون، يقول جورك.

مع تربع الخميني على سدة الحكم، أصبحت الأمور أكثر سوءا. "فعندما جاء الخميني، كان أول تعليق له عن السينما بمثابة إهانة حقيقية للمجتمع الفني. قال الخميني 'نحن لسنا ضد السينما لكنه ضد الرذيلة'. أهان العاملين في مجال السينما علنا.

بعد هذا التصريح شرع أنصاره بإحراق دور السينما في جميع أنحاء البلاد.

أثناء تحقق فريق "الحرة" من معلومات جورك بشأن تصريح الخميني، وجدنا أنه يعود إلى فترة وجود الخميني في المنفى في فرنسا وقتها، ووجدنا تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عام 1978.

 يبين التقرير أن أول حادث عنف ضد العاملين في السينما  داخل إيران حريق أضرم في دار سينما مزدحمة في مدينة عبادان الإيرانية، وأسفر عن مقتل 377 شخصا على الأقل في واحدة من أسوأ الكوارث من نوعها في تاريخ إيران، بحسب وصف الصحيفة.

قُتل رواد السينما دهسا أو اختناقا أو أُحرقوا أحياء. ويكشف التقرير أن زعماء دينيين متطرفين ألقوا كلمات في تجمعات حاشدة في جميع أنحاء إيران، حثوا فيها الإيرانيين على أداء الصلاة في المساجد بدلا من مشاهدة الأفلام في السينما أو التلفزيون. 

يؤكد فريدون جورك، الذي عايش تلك الأحداث في إيران، أن المحكمة كشفت أن الخميني كان مسؤولا عن الحريق. 

"هذا العمل الشنيع كان من عمل الجمهورية الإسلامية"، يقول. 

الحديث عن الإبداع "سخف"

"منذ الثورة تصاعد العنف ضد العاملين في قطاع السينما،" يقول علي المقدم، وهو مخرج إيراني هرب أيضا من إيران في  أواخر عام 2027، بعد اعتقاله وسجنه عدة مرات. 

يشير المقدم إلى أن الحديث عن الإبداع تحت حكم الجمهورية الإسلامية يصبح سخيفا، لأن السلطات لا تسمح لأحد بالاجتهاد والإبداع. "الحكومة تريد فقط فرض رأيها على كل شيء، وهذا لا يتعلق بالسينما فقط، إنما يتعداه إلى الموسيقى، الكتابة والشعر والنحت".

حتى عام 2023، تجاوز عدد السينمائيين المعتقلين في إيران 150 شخصا، أودت السلطات معظمهم في سجن إيفين، سيء الصيت، الذي أصبح معروفا باسم "سجن الفنانين".

رغم تضييق السلطات على السينمائيين، يعد قطاع السينما داخل إيران من أكثر الصناعات نشاطا، بإنتاج يقارب مئة فيلم سنويا، لكن الغالبية العظمى من ذلك الإنتاج تقع ضمن دائرة البروباغندا الإعلامية. 

يقول المخرج الإيراني كافيه عباسيان لـ"الحرة" إن الحرس الثوري الإسلامي يملك شركة إنتاج تُسمى "المعهد الثقافي"، وهي تنتج، إضافة إلى الأفلام، مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية.

 "لدينا هنا ميليشيا إسلامية للإنتاج الإعلامي، تُوازي الجيش الإيراني، وهم يتفوقون على أي شركة إنتاج خاصة أخرى في إيران" يقول عباسيان، "يدفعون أجورا أعلى بكثير لمحترفي السينما والممثلين لإنتاج أفلامهم، ونتيجة لذلك تبدو أفلامهم رائعة، لكن السينما الإيرانية لها تاريخ طويل".

رغم القمع، واضطرار رسولوف وجورك، وعشرات السينمائيين إلى الهروب من إيران، معهم إبداعاتهم، تتواصل في القرى والمدن الإيرانية إنتاجات السينما المستقلة، و"هذا هو الأهم، هذا هو مستقبل إيران، هذا هو المستقبل الذي يهمنا"، يقول المخرج الإيران كافيه عباسيان لـ"الحرة" من منفاه البريطاني.