إيران مستمرة في برنامجها النووي للتسلح. أرشيفية
إيران مستمرة في برنامجها النووي للتسلح. أرشيفية

بعد أشهر من المباحثات، لا تزال محادثات الاتفاق النووي تراوح مكانها، والتي كان آخرها اجتماعات جرت في العاصمة القطرية، الدوحة، أخيرا.

وأعربت الولايات المتحدة عن "خيبة أملها" لعدم إحراز "أي تقدم" في المفاوضات، كما حمّل المجتمع الدولي طهران مسؤولية "فشل المحادثات".

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى لوكالة رويترز إن "أي مؤشرات لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران باتت أسوأ"، مضيفا أن طهران "قدمت مطالب مبهمة، وطلبت أشياء لا علاقة لها بالاتفاق النووي، وأعادت فتح ملفات تم حسمها".

وشبه المسؤول الأميركي مفاوضات الدوحة بـ "تبادل المياه بأفضل أشكاله، والسير إلى الوراء بأسوئها"، مؤكدا أن "التوقعات بإحياء الاتفاق النووي باتت تسوء من يوم لآخر".

"اللاتفاق مع إيران"

المحلل السياسي، عامر سبايلة، يرى أن على الولايات المتحدة التعايش مع فكرة "اللاتفاق مع إيران" حول الملف النووي.

وأوضح في حديث لموقع "الحرة" أن "هذا الأمر يعني خسارة إيران للطرق الدبلوماسية، التي كانت تعول عليها للعودة للمجتمع الدولي"، مشيرا إلى أن استضافة الدوحة للمفاوضات كان أمرا إيجابيا يعول عليه لإجراء "مفاوضات مباشرة بين واشنطن وطهران".

من جانبه، قال المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني، علي رجب، إن "الإيرانيين يجيدون لعبة التفاوض وإطالة أمد المباحثات، إذ تطمح طهران للحصول على مكاسب كبيرة من خلال الضغط على واشنطن والقوى الغربية باستمرار برنامجها في تخصيب اليورانيوم".

وزاد رجب في رد على استفسارات "الحرة" أن استمرار "فشل المباحثات" يعني أن على واشنطن التعامل مع هذا الملف بمقاربة مختلفة بالعودة إلى "سياسة الضغط الأقصى" بفرض وتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران.

ويرى أن "فشل المحادثات" تتيح "لإسرائيل الضغط بشكل أكبر على الإدارة الأميركية للتخلي عن المسار الدبلوماسي مع طهران، والتوجه لخيارات أخرى لمنع إيران من الاستمرار في برنامجها النووي". 

وإلى جانب خيارات العقوبات الاقتصادية، لم يستبعد رجب إمكانية دراسة واشنطن للخيار العسكري من خلال "استهداف المنشآت الإيرانية النووية بضربات محدودة تعرقل الجهود النووية".

ونقلت رويترز عن علي فايز، وهو متخصص بالشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية أن "هناك تكلفة حقيقية لإعلان فشل المحادثات، وهي ترتفع مع كل محاولة دبلوماسية تفشل.. وسط تنامي وجود بدائل محفوفة بالمخاطر". 

وقال مسؤول إيراني للوكالة لم تذكر اسمه إن "اجتماع الدوحة وجه رسالة إلى دول الخليج. بأن إيران تؤمن بالدبلوماسية كحل لجميع القضايا على عكس ما تدعي إسرائيل". 

وأضاف "لسنا مستعجلين. إيران ستنجو بوجود الاتفاق أو من دونه. وبرنامجنا النووي يتقدم في كل يوم. الوقت في صالحنا. نريد صفقة تخدم مصالحنا الوطنية 100 في المئة".

من جانبه، أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، الخميس "تصميم" بلاده على مواصلة المفاوضات حول برنامجها النووي، بعد يومين من المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة التي جرت في الدوحة. 

وقال عبداللهيان في بيان بعد مكالمة هاتفية مع نظيره القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني: "نحن مصممون على مواصلة المحادثات حتى يتم التوصل إلى اتفاق واقعي".

التقارب العربي الإسرائيلي 

وأفاد تحليل رويترز أن "تقارب المحور العربي الإسرائيلي يمكن أن يدفع إيران أكثر للمحادثات النووية"، خاصة في ظل التوجهات لتوسيع اتفاقات السلام بين إسرائيل ودول عربية.

وكانت إسرائيل قد كررت تهديداتها بمهاجمة مواقع نووية إيرانية إذا فشلت الدبلوماسية في احتواء طموحات طهران النووية.

ويرى المحلل سبايلة أن "موقف طهران التفاوضي يشهد تراجعا خاصة مع التغييرات التي تحدث على صعيد المنطقة، وبالأخص في ظل التحالفات الخليجية وتوجهات توسيع دائرة السلام مع إسرائيل".

 بدوره يؤكد المحلل رجب أن الإيرانيين منزعجون "من التقارب الخليجي الإسرائيلي"، الأمر الذي قد يعني وضع "طهران في مواجهة في المنطقة".

وأضاف أن على واشنطن "التنبه لمساعي إيران في كسب الوقت من أجل تطوير سلاحها النووي، وفي الوقت ذاته، قد تفعل طهران أذرعها في ضرب أهداف ومصالح أميركية وإسرائيلية في المنطقة".

ونقلت رويترز عن محللين قولهم إن "تغير موازين القوى في الشرق الأوسط" بعد الحديث عن "تحالف عربي – إسرائيلي" محتمل يجب أن يدفع طهران إلى مواصلة المحادثات النووية مع القوى العالمية.

وأشارت الوكالة إلى أن السيناريو البديل لإيران "قد يكون حربا في منطقة تتطور فيها التحولات الجيوسياسية إلى تحالف تقوده واشنطن معاد لطهران" وفق ما قال مسؤولون إيرانيون.

سنام وكيل، محلل سياسي من مركز "تشاتام هاوس" البريطاني، قال لرويترز إن "طهران ستسعى لإضعاف أي تكتل إقليمي مناهض لطهران. وهي ستبحث عن طرق انتهازية لتقسيم دول المنطقة والتسلل إلى التحالف في حالة تطوره".

وقال مسؤول إيراني كبير للوكالة إن "المنطقة والتحالفات تتغير. إسرائيل تطبع العلاقات مع دول عربية ويؤيد الأميركيون هذه التطورات.. هذه تهديدات خطيرة يجب إحباطها. أعداؤنا يصلّون من أجل إنهاء المحادثات النووية، وهذا لن يحدث".

وقال ريتشارد ميلز، نائب المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، إن الولايات المتحدة، ما زالت مستعدة للعودة الكاملة إلى الاتفاق النووي، بينما  "إيران لم تبد حتى الآن أي حرص على إبرام الاتفاق".

وأضاف "نشعر بقلق إزاء خطوات اتخذتها طهران تقوض مراقبة الوكالة الدولية".

وكانت طهران أعلنت قبل أيام، أنها "ستغلق 27 كاميرا"، كانت تسمح للمفتشين الدوليين بمراقبة أنشطتها النووية، بعد أن تبنى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا ينتقد عدم تعاونها. 

وحذر المدير العام للوكالة، رافايل غروسي، من أنه "باتخاذ هذه القرارات، يصبح إحياء الاتفاق أكثر صعوبة".

والخميس، دعت فرنسا وبريطانيا وألمانيا الموقعة للاتفاق النووي الإيراني طهران إلى وقف التصعيد و"معاودة التعاون الكامل" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية غداة فشل المحادثات المتعددة الأطراف في الدوحة.

وفي مجلس الأمن الدولي، شددت الصين وروسيا، البلدان الآخران الموقعان الاتفاق النووي على أهمية الحفاظ عليه.

وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، عام 2018، في عهد رئيسها السابق، دونالد ترامب، وأعادت فرض عقوبات اقتصادية على طهران. 

وردت إيران بعد عام ببدء التراجع عن كثير من التزاماتها الأساسية، أبرزها مستويات تخصيب اليورانيوم.

الصواريخ الإيرانية قربية المدى قد تصيب المدنيين في مناطق حدودية في أوكرانيا. أرشيفية
الصواريخ الإيرانية قربية المدى قد تصيب المدنيين في مناطق حدودية في أوكرانيا. أرشيفية

تحذر واشنطن من أن إيران سلمت صواريخ قصيرة المدى إلى روسيا يمكن أن تستخدمها لضرب الأراضي الأوكرانية في غضون أسابيع.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، بات رايدر، في مؤتمر صحفي الثلاثاء إن الولايات المتحدة تؤكد التقارير التي تفيد أن إيران نقلت شحنات صواريخ "فتح 360" الباليستية قريبة المدى.

وأضاف أن استخدامها المتوقع خلال أسابيع من جانب موسكو ضد كييف، سيؤدي إلى "مقتل مزيد من المدنيين الأوكرانيين".

الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون أدانوا تزويد طهران لموسكو بالصواريخ، وهو ما تنفيه إيران.

وأشار وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، إلى أن عشرات الجنود الروس تدربوا في إيران على استخدام منظومة الصواريخ البالستية "فتح 360" التي يصل مداها إلى 120 كيلومترا.

وقال "لقد حذرنا إيران من أن هذا الإجراء سيشكل تصعيدا كبيرا".

صورة أرشيفية لأحد العناصر الموالية لروسيا في أوكرانيا

لماذا تحتاج موسكو لهذه الصواريخ؟

يبلغ مدى صواريخ "فتح 360" 75 ميلا (أي أكثر من 120 كلم)، مما يتيح للروس استخدامها، والاحتفاظ بالصواريخ الأكثر تقدما التي تمتلكها لاستخدامات أخرى، على ما أفاد رايدر.

ويشرح المتحدث باسم البنتاغون أن هذه الصواريخ "الباليستية قصيرة وقريبة المدى" سيتيح لروسيا "الحفاظ على قدراتها (من الصواريخ) طويل المدى للاستخدام في ساحة المعركة"، الأمر الذي يعني تعزيز ترسانة القوات الروسية.

ويتخوف رايدر أن هذه الصواريخ ستمنح القدرة لموسكو على "ضرب الأهداف.. لتشمل أهدافا مدنية".

استحواذ موسكو على الصواريخ الإيرانية "يكشف لمحة عن التفكير التكتيكي لروسيا، والتحديات العميقة التي تواجه آلة الحرب الروسية"، على ما نقل موقع "بريكنغ ديفنس" عن خبراء.

وقال جان لوب سمعان، الباحث في معهد الشرق الأوسط، للموقع إنه "على مدى العقدين الماضيين، طورت إيران واحدة من أكثر الترسانات للصواريخ الباليستية تقدما، والجزء الأكبر منها إما قصير أو متوسط المدى".

وأضاف أنه روسيا ستستخدم هذه الصواريخ "لإرهاق الأوكرانيين" خاصة في المناطق الحدودية بين البلدين.

ولكن حصول موسكو على صواريخ من إيران يكشف "دليلا على مشاكل الإنتاج الداخلي" بحسب سمعان، مشيرا إلى أن "الصناعات الدفاعية الروسية تكافح لمواكبة وتيرة إنتاج الأسلحة التي تستخدمها قواتها".

وقال بهنام بن طالبلو، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن  موسكو، رغم حصولها على الصواريخ الإيرانية، قلقة "بشأن فعاليتها خاصة بعد تمكن إسرائيل وحلفاؤها من القضاء عليها خلال الهجوم الذي أطلقته طهران في أبريل الماضي على إسرائيل".

وأوضح لموقع "بريكنغس ديفنس" إن صاروخ "فتح 360 من مجموعة الصواريخ الباليستية قصيرة المدى ذات المرحلة الواحدة التي تعمل بالوقود الصلب".

وأشار بن طالبو إلى أن كثيرا مما أطلقته إيران في أبريل الماضي كان "من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى التي تعمل بالوقود السائل، ولم يتم استخدامها من قبل في عمليات عسكرية إقليمية"، ولهذا هناك "فرق كبير في أداء هذه الصواريخ".

منظومة اس 400 الروسية

ما الذي ستحققه طهران من هذه الصفقة؟

وأفاد تقرير نشره "أتلاتنك كاونسل" أن الفائدة من صفقة إرسال صواريخ إيرانية لروسيا، قد تكون متبادلة، إذ تسعى طهران أيضا الحصول على أنظمة صواريخ دفاع جوي "أس-400"، وطائرات سوخوي الحربية.

ويشير إلى أن موسكو ستتعاون مع إيران، ولكنها لن ترغب في "نقل أسلحة إلى طهران من شأنها أن تضعف منافسيها، مثل السعودية أو الإمارات، وهو ما سيدفعهم إلى تقارب أكبر مع واشنطن وحتى إسرائيل".

ويوضح التقرير أن الصورة الأشمل تشير إلى أن التعاون بين روسيا والسعودية ضمن تحالف منتجي النفط، والذي يحافظ على أسعار مرتفعة للخام، يصب في النهاية أيضا في مصلحة إيران، وأن أي تخفيض على مستويات أسعار النفط ستضر بموسكو وطهران في الوقت ذاته.

وفي النهاية، حتى لو أرادات طهران الحصول على أسلحة روسية، فهي قد لا تكون تريدها على الفور، إذ أنها في كثير من الآحيان لا تباشر الأعمال العسكرية الإقليمية بشكل مباشر، وهي تفضل العمل من خلال وكلاء مثل حزب الله والحوثيين وميلشيات تابعة لها في العراق.

عقوبات غربية على إيران

تقايرر عدة عن نقل صواريخ من إيران إلى روسيا

وأعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء أنها فرضت مع دول حليفة، عقوبات على ست شركات إيرانية مرتبطة بتوريد مسيرات وصواريخ بالستية لروسيا، بالإضافة إلى 10 من مديريها وموظفيها.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان الثلاثاء إن شركة الطيران الوطنية الإيرانية "إيران إير" هي من بين الكيانات المستهدفة بهذه العقوبات، مضيفة أنه بالإضافة إلى ذلك "سيعلن الشركاء الدوليون إجراءات ستمنع بموجبها إيران إير من العمل على أراضيهم في المستقبل"، بحسب وكالة فرانس برس.

من جهتها، قالت بريطانيا إنها بدأت إنهاء "كل الخدمات الجوية المباشرة بين المملكة المتحدة وإيران".

وفي بيان مشترك، دانت الحكومات الفرنسية والألمانية والبريطانية الثلاثاء "قيام إيران بعملية تصدير صواريخ بالستية وحيازة روسيا صواريخ إيرانية"، معلنة أنها ستفرض عقوبات جديدة على طهران.

وقال دبلوماسيو الدول الثلاث في بيان مشترك "لدينا الآن تأكيد أن إيران قامت بعمليات نقل" للصواريخ، وأعلنوا أنهم سيتخذون "إجراءات فورية" تمس اتفاقات الخدمات الجوية الثنائية مع إيران. وأضافوا "سنعمل أيضا على فرض عقوبات على شركة الطيران الإيرانية".

قبل صدور الإعلان المشترك، نفى الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في منشور على منصة أكس هذه الاتهامات.

وكتب "نشر أخبار كاذبة ومضللة حول نقل أسلحة إيرانية إلى بعض الدول" هو "دعاية قبيحة وكذب"، قائلا إن هدفها إخفاء "أبعاد الدعم المسلح غير القانوني الذي تقدمه الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية للإبادة الجماعية في قطاع غزة" حيث تخوض إسرائيل حربا مع حركة حماس.