محادثات فيينا
إدارة الرئيس جو بايدن تسعى للعودة الى الاتفاق

عدد تحليل نشرته مجلة "فورن أفيرز" الأميركية الخطوات التي يجب على الولايات المتحدة أن تتخذها في حال فشلت محادثات العودة للاتفاق النووي مع إيران.

وقال التحليل الذي كتبته كل من المستشارة في مركز الحوار الإنساني ومقره سويسرا فاريا فانتابي والأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز فالي نصر، إن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط المقررة هذا الشهر تأتي في لحظة حساسة وسط محاولات أخيرة لإحياء الاتفاق النووي.

ومؤخرا سرّعت طهران برنامجها النووي وباتت قريبة من أن تصبح دولة على عتبة نووية، بالمقابل زادت إسرائيل من وتيرة استهداف إيران سواء من خلال عمليات اغتيال طالت شخصيات أمنية بارزة أو علماء نوويين أو عبر زيادة التنسيق الأمني مع الدول العربية لمواجهة أنشطة طهران.

يرى التحليل أن هذه التطورات تعمل على تقويض خطط واشنطن الخاصة بالشرق الأوسط والمتعلقة بالعودة للاتفاق النووي، مشيرا إلى أنه وفي حال فشلت في ذلك فيبدو أنها مستعدة لتبني نهج إسرائيل الحالي لاحتواء إيران.

ويتابع التحليل أن هذا النهج يستلزم من واشنطن تشديد الخناق الاقتصادي حول عنق إيران من خلال إجبارها على الخروج من سوق النفط. 

ويعني ذلك أن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل في تنفيذ هجمات داخل إيران وفي جهودها لنسج تحالف من الدول العربية لاحتواء طهران، وفقا للتحليل. 

الأخطبوط الإسرائيلي

لطالما تعهدت إسرائيل بأنها لن تسمح لإيران بأن تصبح قوة نووية، وتعتقد تل أبيب أن العودة إلى الاتفاق النووي سيمنح إيران المزيد من الموارد لمواصلة طموحاتها النووية والإقليمية.

تبنت إسرائيل مؤخرا استراتيجية "الإخطبوط" الرامية ليست فقط لتقويض جهود توقيع اتفاق نووي مع طهران وتخريب البرنامج النووي الإيراني، ولكن تقويض النظام الإيراني بأكمله.

شملت هذه الاستراتيجية، بحسب التحليل، عمليات تخريب واغتيالات وحرب إلكترونية وهجمات ضد أفراد عسكريين إيرانيين وبنية تحتية، بالإضافة إلى شن هجمات ضد وكلاء طهران في العراق ولبنان وسوريا. 

النهج الجديد، الذي يتجاوز استهداف المنشآت النووية للتركيز بشكل أوسع على النظام الإيراني ذاته، كان أقل قابلية للتنبؤ به وأكثر عدوانية وأكثر تعقيدا من الحملات الإسرائيلية السابقة، وفق التحليل. 

ويؤكد أن الجهود الأميركية ستكون حاسمة خلال الأسابيع المقبلة لمنع حرب الظل بين إيران وإسرائيل من الخروج عن السيطرة، حيث يمكن أن تنفجر الهجمات المتصاعدة من قبل إسرائيل والوكلاء الإيرانيين في مواجهة أكبر، مما يؤجج التوترات من بلاد الشام إلى شبه الجزيرة العربية. 

من شأن هذا التصعيد أن يطيل أمد الأزمات السياسية في العراق ولبنان، وحتى في اليمن الذي يشهد هدنة هشة، وكذلك إعادة إشعال الصراع في سوريا. 

ويبين التحليل أن هذا يعني أن الولايات المتحدة ستتراجع للخلف وتجبر على التعامل مع المنطقة في الوقت الذي ترغب فيه في التركيز على روسيا والصين.

لتجنب هذه النتائج، يجب على إدارة بايدن وضع خطوط حمراء مع الحكومة الإسرائيلية والإصرار على حدود الهجمات الاستفزازية، يقول التحليل.

وكذلك يجب على الولايات المتحدة أن تضع خطوطا عريضة لاستراتيجية استقرار الشرق الأوسط، لا تستند فقط إلى الاحتواء والمواجهة مع إيران أو تأمين خفض قصير الأجل لأسعار النفط، بل انشاء إطار دائم لمنع الصراع. 

يعتقد كاتبا التحليل أن الطريقة الأكثر فعالية للقيام بذلك هي إبرام صفقة نووية جديدة مع إيران، ربما لن تحقق ما يكفي لإرضاء إسرائيل، ولن توقف أنشطة الحرس الثوري الإيراني ووكلائه في المنطقة، لكنها، مع ذلك، ستبقي على موقفها تجاه برنامج إيران النووي بطريقة تجعل التحرك الإسرائيلي العاجل غير ضروري. 

وهذا من شأنه أن يقلل من احتمالية قيام إيران بأعمال انتقامية في المنطقة، بما في ذلك ضد الناقلات ومنشآت النفط، والتي يمكن أن تهدد أسواق الطاقة العالمية.

وكانت الولايات المتحدة أبدت، الأربعاء، "خيبة أملها" لعدم إحراز "أي تقدم" في المفاوضات غير المباشرة التي جرت بينها وبين إيران منذ الثلاثاء في العاصمة القطرية بهدف إحياء الاتفاق الذي أبرم في 2015 في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن "المحادثات غير المباشرة في الدوحة انتهت" و"نشعر بخيبة أمل لأن إيران رفضت، مرة أخرى، الاستجابة بشكل إيجابي لمبادرة الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لم يتم إحراز أي تقدم".

وأضاف أن المحادثات فشلت لأن "إيران أثارت نقاطا لا علاقة لها بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي لاتفاق 2015) وهي لا تبدو مستعدة لاتخاذ القرار الجوهري بشأن ما إذا كانت تريد إحياء الاتفاق أم دفنه".

وأتى تصريح المتحدث الأميركي بعيد إعلان منسق الاتحاد الأوروبي في المفاوضات مع إيران إنريكي مورا أن محادثات الدوحة لم تسفر عن "التقدم" الذي يأمله الاتحاد.

وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق حول الملف النووي الإيراني في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب وأعادت فرض عقوبات اقتصادية على طهران. وردت إيران ببدء التراجع عن كثير من التزاماتها الأساسية، أبرزها مستويات تخصيب اليورانيوم.

وتسعى إدارة الرئيس جو بايدن للعودة الى الاتفاق، معتبرة أن هذا المسار هو الأفضل مع الجمهورية الاسلامية رغم إعرابها عن تشاؤم متنام في الأسابيع الأخيرة.

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟