شرطية في "شرطة الأخلاق الإيرانية تتحدث مع شابتين حول لباسهن في طهران.
شرطية في "شرطة الأخلاق الإيرانية تتحدث مع شابتين حول لباسهن في طهران.

أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، فرض عقوبات على "شرطة الأخلاق" الإيرانية وعلى عدد من القادة الأمنيين المسؤولين عن ممارسة "العنف بحق المتظاهرين"، على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني بعد اعتقالها.

وأعلنت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، في بيان، أن هذه العقوبات تستهدف "شرطة الأخلاق الإيرانية وكبار المسؤولين الأمنيين المسؤولين عن هذا القمع".

البيان قال إن هذه الحزمة الجديدة من العقوبات تستهدف سبعة من كبار قادة المنظمات الأمنية الإيرانية، وأبرزها شرطة الآداب، ووزارة الاستخبارات والأمن، والقوات البرية للجيش، وقوات الباسيج، وقوات إنفاذ القانون.

وعادت انتهاكات "شرطة الأخلاق" الإيرانية لتهز المجتمع الإيراني بعد وفاة أميني بعد احتجازها بذريعة ارتدائها الحجاب "بطريقة خاطئة"، ما أثار احتجاجات واسعة واجهتها السلطات الإيرانية بالغاز المسيل للدموع.

وتوفيت الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عاما)، الجمعة، بعد دخولها في غيبوبة إثر توقيفها، الأربعاء، على يد شرطة الأخلاق في طهران، وفق ما أفادت عائلتها والتلفزيون الرسمي.

واندلعت احتجاجات في عدة مدن إيرانية منذليل الجمعة، بعد إعلان وفاة أميني، حيث هتفت الحشود "الموت للديكتاتور" و"الموت لخامنئي"، في إشارة إلى المرشد الأعلى لإيران، وفقا لمقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

وحتى الآن، قُتل 17 شخصا في إيران منذ اندلاع الاحتجاجات قبل ستة أيام، وفق ما نقلته "فرانس برس" عن التلفزيون الرسمي، الخميس.

وأعلنت القناة أن "17 شخصا من بينهم متظاهرين وشرطيين لقوا حتفهم في أحداث الأيام الأخيرة"، وفقا لـ" فرانس برس".

وتأتي وفاة أميني وسط جدل متنام داخل إيران وخارجها بشأن السلوك القمعي لـ"شرطة الأخلاق".

ما هي شرطة الأخلاق؟

اسمها بالفارسية "كشت إرشاد"، أي دوريات الإرشاد، وتعمل عمل شرطة "الحسبة" لدى تنظيم داعش الإرهابي"، وهي مكلفة بتطبيق تفسيرات النظام الصارمة لمفهوم الأخلاق الإسلامية.

ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979 كان في إيران أشكال مختلفة من "شرطة الأخلاق"، ولكن "كشت إرشاد" تأسست في 2007، وهي حاليا الوكالة الرئيسية المكلفة بإنفاذ مدونة قواعد السلوك الإسلامية الإيرانية في الأماكن العامة.

وبعد الثورة الإسلامية، ألزم القانون جميع النساء بغض النظر عن الجنسية أو المعتقدات الدينية بوضع حجاب يغطي الرأس والرقبة.

ينصب تركيز شرطة الأخلاق الإيرانية على ضمان الالتزام بالحجاب، وهي قواعد إلزامية تتطلب من النساء تغطية شعرهن وأجسادهن ومنع استخدام مستحضرات التجميل.

وتشمل القواعد التي تفرضها تغطية الرأس إلى أقصى حد ممكن، وارتداء ملابس فضفاضة، خاصة في حرارة الصيف، وتطال إجراءاتها أيضا الرجال بتسريحات شعر ترى أنها "غربية".

تحظى بسلطة فرض غرامات وبدعم البسيج

وبموجب القانون الإيراني، يحق لعناصر شرطة الأخلاق توجيه الاتهامات وفرض غرامات أو حتى اعتقال من تعتقد أنهن يخالفن "القواعد".

وبموجب إصلاحات يفترض أن تدخل حيز التنفيذ هذا العام، سيتم نشر 7000 عميل سري من "كشت إرشاد" للإبلاغ عن التجاوزات للشرطة، التي ستقرر ما إذا كانت ستتخذ إجراء ما، وفق تقرير لشبكة "بي بي سي".

وتحظى شرطة الأخلاق بدعم من ميليشيا البسيج الإيرانية، وفق تقرير الشبكة، ويُعتقد أن جماعة "كشت إرشاد" تستقطب الكثير من أفرادها من البسيج، وهي وحدة شبه عسكرية متشددة. وتشمل أيضا العديد من النساء.

وكان الرئيس السابق، حسن روحاني، أعرب عن معارضته لـ "كشت إرشاد"، لكن الدستور الإيراني لا يمنحه نفوذا يذكر على قوات الأمن.

ويقول علي رجب، الإعلامي المتخصص في الشأن الإيراني، في حديث لموقع "الحرة" "الشرطة الدينية هي جزء من أدوات النظام الإيراني لقمع الشعب وخاصة المرأة، التي تعد المحرك الأبرز للثورات في آخر عقدين".

ويشير رجب إلى أنه "منذ انتخابات 2009، التي خسرها حسين موسوي، كانت المرأة الإيرانية في مقدمة الاحتجاجات، ولذلك صعد النظام من استخدام الشرطة الدينية وهي أكثر  نفوذا، وهي صورة أخرى لشرطة الحسبة لدى داعش، ويمكن القول إن النظام الإيراني يهدف من الشرطة الدينية وضع المرأة تحت سطوة القانون الدائم وتوجيه تهديد لها  في أي وقت".

وتقول صحيفة "الغادريان" إنه بعد نهاية الدراسة في الجامعات والمدارس ودخول الصيف، تركز شرطة الأخلاق عملها على أماكن وقوف السيارات في الأماكن العامة، وينتشر عناصرها بشكل أكبر لمراقبة مدى الالتزام بقواعد اللباس العام.

وتشير الصحيفة إلى أن شرطة الأخلاق الإيرانية تخلت إلى حد ما عن ملاحقة الرجال بسبب الأساور وقصات الشعر غير العادية، وتحولت إلى فرقة مخصصة في استهداف النساء بشكل حصري تقريبا.

وخلال عهد خاتمي في أواخر التسعينيات وبداية 2000، تراجعت سطوة شرطة الأخلاق، لكنها سرعان ما عادت أقوى مع الرئيس الأسبق، أحمدي نجاد، وتزايد عددها، وبدأت تلاحق النساء حتى على طلاء الأظافر.

انتقاد نادر من الإعلام

وتثير شرطة الأخلاق انتقادات في إيران. وفي خطوة نادرة انتقدت صحف إيرانية، السبت، شرطة الأخلاق في البلاد بعد انتشار مقطع فيديو لامرأة تتوسل إطلاق سراح ابنتها.

وظهرت الانتقادات مع عودة النقاش العام حول الحجاب إلى الظهور بعد أن ذكرت وسائل الإعلام المحلية تدابير قد تشير إلى ضوابط أكثر صرامة.

ويتابع علي رجب في حديثه لموقع "الحرة" قوله: "تصبح المراجع الدينية المتشددة أكثر قلقا من ثورات النساء ضد الحجاب، والتي تكررت كثيرا في العقد الأخير"، مضيفا أن "الشرطة الدينية، يدافع عنها أصحاب المصالح في النظام بأنها تواجه التهديد الناعم للثقافة الغربية والانحلال الاخلاقي هي نفسها ترتكب جرائم اخلاقية بحق النساء".

وأصبح ضباط الأخلاق أقل ظهورا بعد وصول الرئيس المعتدل حسن روحاني إلى السلطة في عام 2013، لكنهم سرعان ما عادوا  مع وصول المحافظ إبراهيم رئيسي إلى المنصب.

وفي يوليو، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لامرأة تقف أمام إحدى عربات شرطة الأخلاق وهي تطالب بالإفراج عن ابنتها، وظلت المرأة المحجبة متمسكة بالمركبة حتى بعد انطلاقها قبل أن تُفلِتها بعد زيادة سرعتها.

وفي يوليو أيضا اختفت الشابة الإيرانية سبيدي راشنو بعد دخولها في جدل داخل حافلة في طهران مع امرأة اتهمتها بنزع حجابها.

واحتجزت سبيدي لدى الحرس الثوري قبل أن تظهر على شاشة التلفزيون تدلي باعترافات، الأمر الذي اعتبره نشطاء اعترافا قسريا قبل الإفراج عنها بكفالة أواخر أغسطس.

آخر ضحايا شرطة الأخلاق، مهسا أميني (22 عاما)، فكانت تزور طهران مع عائلتها عندما أوقفتها الأربعاء وحدة الشرطة المكلفة فرض قواعد اللباس الصارمة على النساء، بما في ذلك اشتراط تغطية شعرهن بحجاب. وقالت شرطة طهران، الخميس، إن مهسا أميني أوقفت مع نساء أخريات لتلقي "ارشادات" بشأن قواعد اللباس، وزعمت أن الفتاة "عانت فجأة من مشكلة في القلب... ونقلت على الفور إلى المستشفى".

ويرى رجب علي في حديثه لموقع "الحرة" إن مقتل مهسا "يشير إلى أن النظام يرتكب جرائمه بحق الشعب الإيراني باسم الدين.. وهو ليس إلا وسيلة لبقاء العائلات الحاكمة في طهران في الحكم.. إذا كانت الشرطة الدينية معنية بشكل خاص بالنساء والحجاب فهي مرفوضة من السواد الاعظم من الشعب الإيراني".

وذكرت وكالة فارس للأنباء أن جثمان الفتاة دفن صباح، السبت، في مسقط رأسها، ساغيز، على بعد 460 كيلومترا من طهران في إقليم كردستان، وأطلقت قوات الأمن، السبت، الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين على شرطة الأخلاق وممارساتها القمعية.

إيران

لأكثر من عقدين، حوّل النظام الإيراني الفضاء السيبراني إلى ساحة معركة، لا لمواجهة هجمات إلكترونية قادمة من الخارج، بل لإحكام السيطرة على الشعب الإيراني. 

منذ تأسيسها مركز جرائم الإنترنت في عام 2000، أنشأت إيران أحد أكثر أنظمة الرقابة الرقمية تشددا في العالم. 

في إيران اليوم، لا يعني النشاط الإلكتروني احتمال التعرض لتوبيخ أو غرامة، بل قد يعني الاعتقال، والتعذيب، أو حتى الإعدام.

أمة تحت المجهر

كل مستخدم للإنترنت في إيران مشتبه فيه. إذ تحجب السلطات المنصات الناقدة للنظام، والمرتبطة بالمعارضة، وحتى تلك التي تروّج للثقافة الغربية، وما يعتبره سدنة النظام مخالفا للشريعة. 

لكن حجب المحتوى ليس سوى إجراء أولي في منظومة قمع معقدة تديرها أجهزة أمنية ضخمة تشمل شرطة الإنترنت (فتا)، وجهاز الاطلاعات "الشرطة السرية"، وهيئات مثل المجلس الأعلى للفضاء السيبراني.

هذه الأجهزة لا تكتفي بالمراقبة.

في العام الماضي، تصاعدت وتيرة الاعتقالات بحق ناشطين ومدونين وأصحاب أعمال صغيرة. وفي أبريل، شهدت الحملة تصعيدا غير مسبوق، إذ داهمت القوات الأمنية منازل، وصادرت هواتف وحواسيب، واعتقلت مواطنين بتهم فضفاضة، مثل "نشر القيم الغربية" أو "التجسس لصالح إسرائيل والولايات المتحدة" أو "محاربة الله".

أصوات من الظل

خلال العمل على هذا التقرير، تمكنت قناة "الحرة" من التواصل مع "مهرداد"، اسم مستعار لناشط حقوقي في طهران، وكان أحد الإيرانيين، الذي طالتهم حملات القمع الإلكترونية التي تشنها السلطات الإيرانية ضد الناشطين على الإنترنت.

احتُجز مهرداد على مدى أسبوع، تعرض خلاله إلى التعذيب الجسدي والنفسي. 

"عرضوا عليّ منشوراتي على مواقع التواصل"، قال. وهي منشورات تنتقد الاعتداءات على حقوق الإنسان وتدعم احتجاجات النساء ضد الحجاب الإجباري. 

"اتهموني بإرسال تقارير إلى منظمات دولية. كانوا يعرفون كل شيء".

حتى أفراد أسرته استُجوبوا. وتكررت المداهمات اليومية. أُطلق سراحه فقط بعد توقيعه على تعهّد خطي بعدم ممارسة أي نشاط حقوقي، تحت التهديد بالإعدام.

"أنا لستُ حرا،"يقول.

"أتوقع عودتهم لاعتقالي في أي لحظة".

القمع شامل

القمع الإلكتروني في إيران لا يستهدف المعارضين السياسيين فحسب. 

"آريا"، صاحبة حساب لبيع مستحضرات تجميل على السوشل ميديا. فرت من طهران إلى كردستان - العراق بعد أن أغلق النظام صفحتها التجارية على فيسبوك وإنستغرام بحجة "نشر منتجات تخدش الحياء". احتجزتها الاستطلاعات "المخابرات" لثلاثة أيام تعرضت خلالها للتعذيب، ثم أُطلقوا سراحها بعد دفعها 5 مليارات تومان غرامة.

حتى الفنانين لم يُستثنوا. في أبريل، استُدعي مغني الراب الإيراني عماد قوّدل وأُجبر على التعهد بعدم نشر أي محتوى معارض على وسائل التواصل. كتب على إنستغرام: "أبلغوني أنهم سيصادرون صفحتي إن خالفت التعهّد".

وتنفذ الشرطة السيبرانية بالتنسيق مع الاطلاعات الإيرانية غالبية عمليات واعتقال الناشطين. وبحسب شهادات معتقلين سابقين تحدث معهم موقع "الحرة"، يجري عناصر الاطلاعات تحقيقات مكثفة مع المعتقلين في بادئ الأمر، ثم يحولونهم إلى الشرطة السيبرانية التي تواصل التحقيق معهم، ومن ثم تطلق سراحهم أو تحولهم إلى المحاكم التي تفرض عليهم عقوبات قد تصل إلى الإعدام إذا كانت تهمهم التجسس أو الانتماء إلى تنظيم معارض.

مشروع الإنترنت الوطني

بالتوازي مع القمع، توسّع إيران مشروع "شبكة الإنترنت الوطنية"، شبكة مغلقة بالكامل تحت سيطرة الدولة، تقيد الوصول إلى المواقع العالمية وتُطبق سياسات النظام في الحجب والمراقبة.

يقول نشطاء سياسيون إن هذه الشبكة لا تهدف فقط للسيطرة على المحتوى، بل لعزل الشعب وتجريم التواصل.

وبحسب منظمة هانا، التي تعنى بحقوق الإنسان في كردستان إيران، راقبت شرطة الإنترنت أكثر من 9800 موقع خلال العام الماضي، واتهمت 1700 منها بـ"أنشطة إجرامية".

الاقتصاد الرقمي يختنق

لكن هذا العزل له ثمن. أصحاب المشاريع، والمستقلون، والشركات الرقمية تضرروا بشدة. العديد من المنصات أُغلقت، والعائدات انهارت. "بدلا من أن تكون الفضاءات الرقمية منصة للتنمية، يعتبرها النظام تهديدا للأمن القومي"، يقول حميد بهرامي، رئيس منظمة هانا.

المقاومة خلف الجدار

رغم الخطر، لا تزال المقاومة الرقمية في إيران مستمرة. يستخدم النشطاء برامج VPN وتطبيقات مشفرة لتوثيق الانتهاكات. لكنها ممارسة محفوفة بالمخاطر. فالقانون الإيراني يجرم استخدام هذه الأدوات، ويعاقب عليه بالسجن أو الغرامات أو حظر السفر.

ورغم هذا، فإن أصوات ناشطين مثل مهرداد وآريا لا تزال تُسمع من خلف الجدار، لتقول للعالم إن جيلا بأكمله لا يزال يتحدث، ولا يزال يُرعب النظام الحاكم بالإصرار على نقل الحقيقة.