الفنان الإيراني حاجي بور
الفنان الإيراني حاجي بور | Source: Social Media

باتت أغنية الفنان الإيراني، شيروين حاجي بور، بمثابة "النشيد غير الرسمي" للاحتجاجات الإيرانية المستمرة والتي تطالب بإسقاط النظام في الجمهورية الإسلامية، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".

ونشر المطرب أغنية "براي" على حسابه على إنستغرام يوم 28 سبتمبر. وحصدت أكثر من 40 مليون مشاهدة، وفقا للخبير في الأمن السيبراني الإيراني، أمين سباتي، في الوقت الذي أجبرت السلطات حاجي بور على إزالته واعتقاله في اليوم التالي.

وحوّل حاجي بور شعارات وتغريدات متعلقة بالاحتجاجات الشعبية التي عمت مدن إيرانية عدة في أعقاب مقتل الشابة، مهسا أميني، إلى أغنية، نشرها أولا عبر حسابه الشخصي بتطبيق إنستغرام قبل أن تحذف.

كما لا تزال موجودة في حسابه في يوتيوب. وحظيت الأغنية بنحو نصف مليون مشاهدة منذ نشرها يوم 27 سبتمبر.

وتظهر الأغنية مفردات مثل الفساد والرقابة والتمييز بين الجنسين والتدهور البيئي والكوارث الوطنية مثل الانقراض الوشيك للفهد الفارسي وإسقاط طائرة ركاب أوكرانية عام 2020.

كما تقول الأغنية "بسبب المرأة، الحياة، الحرية"، وهي هتافات يطلقها المحتجون في الشوارع عندما يقولون "آزادي" باللغة الفارسية والتي تعني الحرية.

كانت منظمة "إيران هيومان رايتس" الحقوقية قد أفادت في الأسبوع الماضي، بأن السلطات الإيرانية قبضت على الفنان، شيروين حاجي بور، الذي حصد مقطعه الموسيقي الداعم للاحتجاجات الشعبية ملايين المشاهدات.

وفقا للإيرانيين الذين قابلتهم صحيفة "واشنطن بوست"، فإن الأغنية تعطي صوتا للمشاعر التي أثارت غضبا واسع النطاق وأكبر الاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ سنوات.

واندلعت الاحتجاجات وهي الأوسع منذ 2019، إثر وفاة، مهسا أميني، وهي كردية إيرانية تبلغ من العمر 22 عاما، في 16 سبتمبر بعد ثلاثة أيام على توقيفها من جانب شرطة الأخلاق بسبب قواعد اللبس الإسلامي.

وذكرت الصحيفة الأميركية أن حاجي بور، 25 عاما، أفرج عنه بكفالة، الثلاثاء، وفقا لوسائل إعلام رسمية إيرانية. ولم يرد محاميه على طلبات صحيفة "واشنطن بوست" للتعليق. 

في منشور على موقع إنستغرام بعد إطلاق سراحه، شكر حاجي بور مؤيديه وعبر عن حبه لإيران، متعهدا بعدم المغادرة.

قال سعيد سوزانغار، المدير الإداري لشركة التكنولوجيا في طهران، البالغ من العمر 34 عاما، "إن اعتقال شيروين (جعل) الأغنية أكثر شهرة لأن الظلم الناتج عن هذا الفعل أثار غضب الناس". 

وتابع: "هذه الأغنية أبدية ونشيد الثورة، وبغض النظر عن مدى محاولة النظام منع تشغيلها، ستسمع أكثر".

وأضاف سوزانغار: "لم يتمكن جيلي من العيش بحرية في هذا البلد. أريد أن تُعفى الأجيال القادمة من التعذيب النفسي والعاطفي الذي عشناه".

وذكر في حديثه للصحيفة الأميركية أن اثنين من أصدقائه قد اعتقلا للتو "لنشرهما معلومات عن الاحتجاجات"، وأنه لا يعرف مكانهما.

وقالت الزميلة البارزة في المجلس الأطلسي، هولي داغريس، "حتى لو ماتت هذه الاحتجاجات غدا، فإن أغنية حاجي بور ستستمر في كونها شكلا من أشكال التحدي وستُسمع في كل احتجاج قادم".

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟