برج آزادي في طهران بات رمزا للحرية التي يتطلع لها الإيرانيون
برج آزادي في طهران بات رمزا للحرية التي يتطلع لها الإيرانيون

منذ اندلاع المظاهرات في منتصف الشهر الماضي، لجأ المحتجون في إيران لأنواع مختلفة من الفنون للتعبير منددين بقمع النظام الإيراني.

وخرجت المظاهرات في أعقاب وفاة الشابة، مهسا أميني، بعد احتجازها لدى شرطة الأخلاق بسبب قواعد اللباس الإسلامي الصارمة للبلاد.

وقادت النساء التحرك حتى أنهن خلعن الحجاب وأشعلن النار فيه واستخدمن هتافات "المرأة الحياة الحرية" و"الموت للديكتاتور"، وهي تحركات وشعارات رُددت وتكررت في مختلف أنحاء العالم. 

ولأن حركة الاحتجاجات الأخيرة ارتبطت بشكل وثيق بالمرأة، رسم المصمم الإيراني، جالز، لوحة تضامنية بعنوان "المرأة الحياة الحرية" من خلال دمج برج آزادي، أو (برج الحرية) بلوحة "الرقص" للفنان الفرنسي، هنري ماتيس.

وقال جالز إن "هذه هي الصورة الوحيدة لحرية إيران" بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.

ومن خلال الجمع بين صورة البرج وراقصات ماتيس وشعار الاحتجاج "المرأة الحياة الحرية" الذي يعد محوريا في الحركة الاحتجاجية، أراد جالز أن يكمل الشعور بالحرية مستعينا بأجساد نساء يرقصن عاريات أمام البرج الشهير في العاصمة، طهران.

وسرعان ما بدأ الفنانون الإيرانيون حول العالم في الاستجابة للتظاهرات ودعمها. ففي الشهر الماضي، حث المخرج، أصغر فرهادي، الحائز جائزة أوسكار مرتين، الناس في جميع أنحاء العالم على "التضامن" مع المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع في إيران.

وقال فرهادي في رسالة بالفيديو على إنستغرام "هنّ يبحثن عن حقوق بسيطة، لكنها أساسية حرمتهنّ منها الدولة لسنوات".

قبل أسبوعين، وفي شكل جديد للاحتجاج، عمل فنانون على صباغة مياه النوافير بطهران إلى لون الدم الأحمر لتعكس القمع المميت الذي يعاني منه المتظاهرون.

وعلى تويتر وصف نشطاء النوافير ذات المياه الحمراء بأنها "أعمال فنية" بعنوان "طهران مغطاة بالدماء"، مشيرين إلى أنها من تنفيذ فنان مجهول.

وفي حسابها على تويتر نشرت قناة "1500 تصوير" التي تعنى برصد الانتهاكات في الجمهورية الإسلامية، مشاهد نوافير تحوّلت مياهها إلى اللون الأحمر.

ونشرت القناة الإيرانية ذاتها، مقطع فيديو لنساء إيرانيات من قومية البلوش، حيث يظهر في الفيديو كفوف أربع نساء تتحدث إحداهن باللغة الفارسية ورسمن على كفوفهن نقشا بالحناء شعار الاحتجاجات "المرأة الحياة الحرية".

وذكرت القناة أن النساء كان يقلن في الفيديو: "نحن نساء البلوش لسنا في الشوارع، لكننا نشارككم الألم والمعاناة".

وباتت أغنية الفنان الإيراني، شيروين حاجي بور، بمثابة "النشيد غير الرسمي" للاحتجاجات الإيرانية المستمرة والتي تطالب بإسقاط النظام في الجمهورية الإسلامية، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".

ونشر المطرب الأغنية بعنوان "براي" على حسابه على إنستغرام يوم 28 سبتمبر. 

وحصدت أكثر من 40 مليون مشاهدة، وفقا للخبير في الأمن السيبراني الإيراني، أمين سباتي، في الوقت الذي أجبرت السلطات حاجي بور على إزالتها واعتقلته في اليوم التالي قبل إطلاق سراحه.

وحوّل حاجي بور شعارات وتغريدات متعلقة بالاحتجاجات الشعبية التي عمت مدن إيرانية عدة في أعقاب مقتل الشابة أميني إلى أغنية، نشرها أولا عبر حسابه الشخصي بتطبيق إنستغرام قبل أن تحذف ثم نشرها عبر يوتيوب وحظيت بأكثر من 700 ألف مشاهدة.

وأنشدت الحشود التي خرجت في برلين، السبت، دعما للتظاهرات في إيران بهذه الأغنية أيضا.

الفنانة الإيرانية، مهدية فرهادكياي، كانت لها مشاركة تم تداولها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن رسمت الأميرة على لعبة الورق وهي تحاول قص شعرها بمقص.

قبل أسبوعين أيضا، وردا على القمع الذي تعرض لها طلاب جامعة الشريف للتكنولوجيا في طهران،  جاءت فتاتان إلى حديقة الطلاب وربطتا أحبالا على الأشجار ذات أطراف مصبوغة باللون الأحمر، في إشارة إلى عمليات الإعدام شنقا المفروض من قبل سلطات الدولة  التي تعدم عددا من الأشخاص سنويا أكثر من أي بلد في العالم باستثناء الصين، وفقا لفرانس برس.

ورسمت الفنانة، عطية سهرابي، المقيمة في نيويورك حاليا، عددا من التصميمات الرسوم المتحركة، وكلها تشترك في شيء واحد: الصورة المفعمة بالحيوية للرياح التي تهب على شعر المرأة.

ومنذ انتقالها إلى نيويورك من طهران، شعرت سهرابي بأنها أكثر قدرة على إنتاج العمل الفني الذي تريده مع التركيز على النساء بعيدا عن قوانين الرقابة التي يفرضها النظام. 

وبينما تشعر بالحزن وهي تراقب قمع الاحتجاجات في إيران، قالت لصحيفة "الغارديان" إن "هناك طاقة تجلب الأمل. مهما حدث سيكون هناك تغيير".

يذكر أن القضاء الإيراني وجه اتهامات لأكثر من 300 شخص في طهران شاركوا في الاحتجاجات عقب وفاة أميني، ويواجه أربعة "مثيري شغب" منهم تهما قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وفق ما نقلته فرانس برس عن الإعلام المحلي.

وأدت حملة قمع الاحتجاجات إلى مقتل 122 شخصا على الأقل من بينهم أطفال، وفق منظمة حقوق الإنسان في إيران التي تتخذ من أوسلو مقرّا لها.

مظاهرات مناهضة للنظام الإيراني في 2009.

وسط تكرار إغلاق المؤسسات الحكومية والتعليمية والمرافق العامة في غالبية المدن الإيرانية خلال الأشهر الماضية، تتفاوت ذرائع النظام الإيراني بين ارتفاع نسبة التلوث وترشيد استخدام الطاقة، بينما يُرجع معارضون أسباب هذه الإجراءات إلى محاولات السلطات وأد أي "انتفاضة شعبية" تكون الجامعات والمدارس مهدا لها.

ومنذ نهاية سبتمبر الماضي، تشهد أكثر من 22 محافظة إيرانية من أصل 31 إغلاقًا متكررًا للمراكز الحكومية والعامة، في حين أصدرت السلطات قرارات تقضي بالدراسة عن بعد في المدارس.

وأعلنت وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا الإيرانية الدراسة عن بعد في الجامعات حتى نهاية الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي الحالي.

وتتفاقم أزمة الطاقة الكهربائية في إيران منذ الصيف الماضي، حيث بدأت السلطات بجدولة كهرباء المنازل وفق نظام الساعتين، وترشيد إنارة الشوارع، بالإضافة إلى جدولة كهرباء المؤسسات الصناعية في البلاد.

الفساد وسوء الإدارة

يرى السياسي الأميركي من أصول إيرانية، بيجان كيان، أن أزمة الطاقة في ظل نظام الجمهورية الإسلامية تفاقمت بسبب الفساد وسوء الإدارة الفادح، مما ترك إيران في حالة من الفوضى.

يؤكد كيان، الذي كان عضوًا في فريق الانتقال الرئاسي للرئيس دونالد ترامب خلال انتخابات عام 2016، أن فشل الحكومة في الحفاظ على البنية التحتية الحيوية أدى إلى انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، ونقص حاد في الغاز، وانعدام كفاءة الطاقة على نطاق واسع.

وفي حديث مع موقع "الحرة"، أشار كيان إلى أن شرائح واسعة من الإيرانيين تواجه البرد القارس في الشتاء الحالي دون تدفئة كافية، وهو انعكاس قاتم لنظام يعطي الأولوية لبقائه على رفاهية شعبه.

وأضاف أن "قرار النظام بإغلاق المدارس بحجة الحفاظ على الطاقة يؤكد بشكل أكبر عجزه عن إدارة الأزمات بشكل فعال. وفي الوقت ذاته، سيتسبب تعطيل القطاعات التعليمية بتوسيع فجوة التفاوت المجتمعي وفرض عبء غير مبرر على الأسر التي تكافح بالفعل من أجل تلبية احتياجاتها".

وفق إحصائيات غير رسمية، تعتمد إيران بأكثر من 80% على الغاز الطبيعي كمصدر لتوليد الطاقة في البلاد، بينما تعتمد أكثر من 90% من المنازل الإيرانية على الغاز في التدفئة.

طالب الرئيس الإيراني، مسعود بزيشكيان، في ديسمبر الماضي الإيرانيين بخفض درجة التدفئة بما لا يقل عن درجتين للحفاظ على الوقود وضمان الإمداد للجميع، وهو ما يؤكد عمق أزمة الوقود في إيران واختلال التوازن في الطاقة، بالإضافة إلى النقص الحاد في الكهرباء والغاز.

تمويل الميليشيات على حساب رفاهية الإيرانيين

أكد الناشط السياسي الإيراني المعارض، آراش همديان، لموقع "الحرة" أنه "رغم الوضع الرهيب والمأساوي الذي يعيشه الإيرانيون، لا يزال النظام يستخدم الأموال والموارد الإيرانية لإرسالها إلى وكلائه وحلفائه خارج إيران. دائمًا ما يكون الإيرانيون هم الضحايا الأوائل لهذا النظام".

وأشار همديان إلى أن النظام الحاكم في إيران لن يصلح الأوضاع، بل يبذل يوميًا المزيد من الجهد لاستقطاع قوت الشعب الإيراني وإرساله إلى أذرعه لنشر أيديولوجيته المتطرفة في العالم.

وأد الانتفاضة الشعبية

يشكك إيرانيون معارضون، التقاهم موقع "الحرة"، في تبريرات النظام لإغلاق المؤسسات الحكومية والعامة بشكل شبه مستمر، معتبرين أنها ليست ناجمة عن ارتفاع التلوث أو نقص في إمدادات الغاز.

يرى هؤلاء أن أحد أبرز أسباب الإغلاق هو خشية النظام من اندلاع انتفاضة شعبية ضده، قد تكون الجامعات مركزها، خاصة مع تراجع نفوذه في المنطقة إثر سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وخسائر وكيله الأبرز في المنطقة، حزب الله اللبناني.

أشار الناشط السياسي الكردي المعارض، هيرش بالاني، إلى أن نظام ولي الفقيه يعترف، من خلال رئيسه ورئيس البرلمان والعديد من مسؤوليه، بأنه غير قادر على حل أزماته الاقتصادية والسياسية والأمنية.

قال بالاني لموقع "الحرة": "إلى جانب أزمة الوقود، النظام في إيران غير قادر على توفير رواتب الموظفين العموميين. تسبب هذا في ازدياد استياء الناس من النظام، الذي يعتبره الإيرانيون فاقدًا للشرعية".

ولفت إلى أن النظام يخشى كثيرًا من الفشل في الداخل والخارج، وأن أداته الوحيدة المتبقية هي القمع والترهيب، حيث يستخدم الإغلاق كنوع من القمع والتقييد ضد الإيرانيين.

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت في تقريرها العالمي لعام 2025 الذي نشر في 16 يناير الحالي، أن "السلطات الإيرانية واصلت قمعها الوحشي والموجه، رغم وعود الرئيس الإيراني الجديد بالتغيير".

وفق التقرير، كانت إيران من بين الدول الخمس التي شهدت أكبر عدد من عمليات الإعدام في 2023. واستمر هذا التوجه في 2024، حيث أُعدم أكثر من 400 شخص في النصف الأول من العام.