اتهامات للسلطات الإيرانية بقتل الفتاة نيكا شكارامي
السلطات الإيرانية ادعت أن شاهكرامي انتحرت | Source: Social Media

أظهر تحليل نشرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية بالاعتماد على لقطات مصورة وشهود عيان تعرض المراهقة الإيرانية نيكا شاهكرامي للملاحقة والاحتجاز من قبل قوات الأمن الإيرانية في الليلة التي زعمت فيها السلطات أنها سقطت من فوق سطح في حادث غير متصل بالاحتجاجات.

وقالت الشبكة إن عشرات مقاطع الفيديو وإفادات شهود العيان الحصرية لها تشير إلى أن شاهكرامي تعرضت للمطاردة والاحتجاز من قبل قوات الأمن الإيرانية في 20 سبتمبر الماضي وسط ذروة الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية وفاة مهسا أميني. 

قالت لادان، وهي إحدى شهود العيان الرئيسيين، للشبكة إنها شاهدت شاهكرامي محتجزة أثناء الاحتجاجات من قبل عدة ضباط أمن يرتدون ملابس مدنية وضعوها في سيارة.

وأكد سبعة أشخاص يعرفون شاهكرامي تحدثوا للشبكة أنها ظهرت في مقطع مصور تم تصويره مساء ذلك اليوم وهي تركض وسط ازدحام للسيارات، فيما كان عناصر من شرطة مكافحة الشغب يجرون دوريات في المنطقة على دراجات نارية.

في اليوم ذاته ظهرت شاهكرامي في مقطع مصور وهي ترتدي ملابس سوداء وتقف فوق صندوق قمامة مقلوب ملوحة بحجابها قبل أن تحرقه وسط هتافات "الموت للديكتاتور".

وقالت شاهدة أخرى تدعى دينا، كانت قد أمضت بعض الوقت في الاحتجاج وهي تسير بجانب شاهكرامي، إنها شاهدت الضحية أمام محطة وقود قريبة من جامعة طهران حيث تجمع المتظاهرون بعد فرارهم من الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الأمن. 

وقال شاهد آخر يدعى رضا إنه رأى "بأم عينه قوات الأمن وهي تضرب النساء بالهراوات وتعتقل العديد منهن قبل أن تضعهن في مركبات تابعة للشرطة".

وتقول الشبكة إن العديد من إفادات شهود العيان ومقاطع الفيديو تعد بمثابة دليل على أن شاهكرامي كانت في طليعة الاحتجاجات في اليوم الذي تدعي فيه السلطات أنها سقطت من فوق مبنى.

وتضيف أن مقاطع الفيديو التي تم التحقق منها وتحديد موقعها الجغرافي بواسطة الشبكة أثبتت أن الفتاة كانت على قيد الحياة قبل أن تتم محاصرتها من قبل قوات الأمن من ثلاث جهات.

وتؤكد الشبكة أنها طلبت، الأربعاء، من الحكومة الإيرانية التعليق على الأدلة في هذا التحقيق لكنها لم تتلق أية إجابات.

بالمقابل وفي اليوم ذاته، نقل تقرير إعلامي إيراني عن المدعي العام في طهران القول إن شاهكرامي ماتت انتحارا. 

وادعت السلطات الإيرانية أنه تم العثور على جثة شاهكرامي في الجزء الخلفي من فناء أحد المباني في طهران صبيحة يوم 21 سبتمبر. 

وتقول الشبكة إن لقطات كاميرات مراقبة نشرتها السلطات أظهرت شخصا ملثما قالوا إنها شاهكرامي تدخل مبنى غير مأهول ولا يزال قيد الإنشاء في طهران.

وذكرت الشبكة أن السلطات لم تسمح لوالدتها بالتعرف على جثتها إلا بعد 8 أيام من مقتلها. ونقلت عن والدتها القول إنها لا تعتقد أن الشخص الملثم هي ابنتها. وأشارت إلى أنها تعتقد أن شاهكرامي قُتلت على يد السلطات، لكن السلطات لم تقل قط ما إذا كانت الفتاة محتجزة لديها في أي وقت.

وقال المدعي العام في طهران في البداية إنها توفيت بعد أن ألقيت من سطح المبنى، وإن وفاتها "لا علاقة لها بالاحتجاجات" في ذلك اليوم، ولكن رغم اعترافه بأنها قُتلت، إلا أنه لم يقل ما إذا كان هناك مشتبه بهم رهن تحقيق. 

وأفادت وسائل إعلام حكومية أنها "سقطت"، لكنها لم تقدم أدلة لدعم الادعاء بأن الأمر كان نتيجة حادث، وكذلك لم تشرح السلطات أبدا سبب دخول دخولها لهذا المبنى بمفردها.

وأطلقت وفاة مهسا أميني (22 عاما) وهي محتجزة لدى شرطة الأخلاق شرارة احتجاجات في أنحاء إيران مستمرة منذ نحو سبعة أسابيع، في مظاهرات شكلت أكبر تحد منذ سنوات لرجال الدين الذين يحكمون إيران.

واعتقلت الشرطة أميني في طهران 13 سبتمبر بسبب "ملابسها غير اللائقة" وتوفيت بعد ثلاثة أيام.

وقالت وسائل إعلام إيرانية رسمية إن تقريرا لطبيب شرعي إيراني نفى أن تكون وفاة مهسا أميني نجمت عن ضربات على الرأس والأطراف وهي محتجزة لدى شرطة الأخلاق، وربط وفاتها بمشكلات صحية كانت لديها.

لكن والدها أكد أن جثتها كانت تحمل آثار كدمات في الساق وحمل الشرطة مسؤولية وفاتها.

وتقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن العشرات قتلوا وأصيب المئات واعتقل الآلاف في حملة قمع شنتها قوات الأمن للاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة أميني. ونددت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بهذه الحملة.

إيران

لم يُسمح لأم بيجمان فاتحي برؤية ابنها قبل إعدامه، العام الماضي، إلا لعشر دقائق، يروي شقيقها عباس مولود لموقع "الحرة".

"لم نتسلم جثته حتى الآن"، يقول.

قصة فاتحي ليست فردية. 

منذ تأسيس نظام "ولاية الفقيه" عام 1979، امتنعت السلطات الإيرانية عن تسليم جثث النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين أعدمتهم أو ماتوا تحت التعذيب، ولا توفر لأسرهم معلومات عن أماكن دفنهم.

ولم تحظ الأسر بلحظة وداع، ولا تزال، منذ سنين، تبحث عن إجابة.

يحظر القانون الإيراني الدفن في المقابر الرسمية دون تصريح خطي من "الجهات المختصة". ويواجه من يقوم بدفن ذويه بشكل غير قانوني تهما قد تؤدي إلى السجن أو الغرامة أو كليهما، خاصة إذا كان المتوفى قد أعدم نتيجة تهمة سياسية أو أمنية.

منذ سنين طويلة، تحاول عائلات السجناء السياسيين استعادة جثامين أحبائها المعدومين، من دون طائل.

في يناير 2024، أعدمت السلطات الإيرانية بيجمان فاتحي وثلاثة نشطاء آخرين هم وفاء آذربار، ومحسن مظلوم، ومحمد فرامرزي، بتهمة التعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي.

تقول عائلاتهم، إن التهم ملفقة، والاعترافات التي بثها التلفزيون الرسمي، انتُزعت تحت التعذيب.

وتؤكد العائلات أن أبناءها لم يُعتقلوا في محافظة أصفهان كما زعمت السلطات، بل في مدينة أورمية شمال غربي إيران. ولم يعلموا باعتقالهم إلا بعد عامين من اختفائهم، من خلال تقرير تلفزيوني بث اعترافاتهم القسرية.

"حاولنا خلال الفترة الماضية بشتى الطرق لاسترداد جثة بيجمان ورفاقه أو حتى معرفة مكان دفنهم، لكن السلطات لا تسلم جثث المعدومين السياسيين لذويهم بأي شكل من الأشكال"، يقول مولود عباس.

ولا يقتصر الأمر على النشطاء السياسيين، بل يشمل مقاتلي البيشمركة من الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، الذين يُقتلون خلال اشتباكات مع القوات الإيرانية.

وتشير تقارير نشطاء معارضين إلى أن السلطات الإيرانية دأبت، منذ أكثر من 46 عاما، على دفن السجناء السياسيين، وضحايا التعذيب، والمعارضين، في مقابر جماعية متوزعة في محافظات إيرانية مختلفة، بما في ذلك العاصمة طهران التي تضم "مقبرة خاوران" الشهيرة.

وبحسب تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية، جرّفت السلطات مقبرة خاوران عدة مرات خلال العقود الماضية لطمس معالم شاهد مادي على جرائم النظام.

وتشير المنظمة إلى أن السلطات لا تزال تُخفي مصير العديد من الضحايا أو أماكن دفنهم، حتى اليوم.

في أبريل الماضي، ذكرت المنظمة، في تقرير، أن عدد الإعدامات في إيران ارتفع من 853 في عام 2023 إلى 972 في عام 2024، بزيادة قدرها 119 حالة، معظمها طالت أشخاصا شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للنظام مثل حركة "المرأة، الحياة، الحرية".

في عام 2018، أُعدمت السلطات الإيرانية رامين بناهي، شقيق الناشط الكردي رفيق حسين بناهي.

رغم محاولاتها، لم تتمكن أسرة رامين حتى اليوم من الوصول إلى قبره.

"نعتقد أن السبب في إخفاء الجثث هو آثار التعذيب على أجسادهم. النظام يخشى من توثيق الجرائم من خلال العائلات والمنظمات الحقوقية"، يقول رفيق بناهي.

وتخشى السلطات من تحول الجنازات إلى تظاهرات احتجاجية ضد النظام، أو تصبح قبور المعدومين مواقع رمزية للمقاومة، يعتقد رفيق.

امتناع السلطات من تسليم جثة المعدوم لأسرته تعمق معاناتها، وتجعلها عرضة لعذاب نفسي مرير بسبب حالة عدام اليقين: هل أعدموه أم ما زال حيا؟!

توجه السلطات الإيرانية إلى المعتقلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان تهما فضفاضة مثل "محاربة الله" المعروفة أيضا بـ"المحاربة" أو "الفساد في الأرض" أو التعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، قبل إصدار أحكام الإعدام عبر المحاكم الثورية التي لا توفر الحد الأدنى من شروط العدالة.

في كردستان الإيرانية، تعتبر منظمة "هانا" الحقوقية هذه الممارسات من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها منهجية.

يقول رئيس المنظمة، حميد بهرامي، إن "هذا السلوك لا يمثل فقط انتهاكًا واضحًا للحقوق، بل هو شكل من أشكال التعذيب النفسي الممنهج لعائلات الضحايا وللمجتمع بأسره".

ويشير بهرامي إلى المجازر الجماعية التي وقعت في عام 1988 كأبرز مثال على هذه السياسة. حينها، أعدمت السلطات آلافا من السجناء السياسيين في مختلف السجون، ودفنتهم في مقابر جماعية سرية.

حتى اليوم، لا تعرف عائلاتهم أماكن دفنهم.

وأشار إلى قضية المصارع الإيراني نافيد أفكاري، الذي أُعدم في 2020 بعد اتهامات مشكوك في صحتها، ودُفن ليلا في مكان سري.

ولفت بهرامي إلى أن قوات الأمن دفنت العديد من المتظاهرين الذين قُتلوا خلال احتجاجات 2019 و2022 بشكل سري، ومنعت عائلاتهم من إقامة مراسم تشييع أو دفن علنية.

وفي نوفمبر الماضي، كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن السلطات الإيرانية نفذت حزمة من أحكام الإعدام استهدفت سجناء سياسيين، ومواطنين من الأقليات العرقية، وأجانب.

وقالت ناهد نقشبندي، الباحثة في شؤون إيران في المنظمة إن "السلطات الإيرانية تستخدم عقوبة الإعدام كأداة للترهيب، خصوصا ضد الأقليات والمعارضين السياسيين بعد محاكمات غير عادلة".

واعتبرت نقشبندي أن المحاكم الثورية تمثل "أداة قمع ممنهج" تنتهك أبسط الحقوق وتصدر أحكام الإعدام دون ضمانات قانونية حقيقية.

ودعت المجتمع الدولي إلى إدانة هذا النهج بوضوح، وممارسة الضغوط لوقف الإعدامات في إيران.

أما بالنسبة لعائلات مثل عائلة عباس وبناهي، فإن الإدانة الدولية لم تعد مطلبا حقوقيا فحسب، بل حاجة إنسانية ملحّة، بحثا عن الحقيقة، أي عن قبر في أصقاع إيران الواسعة.