من الهجوم الذي استهدف شهر يناير مجمعا لوزارة الدفاع الإيرانية بأصفهان
من الهجوم الذي استهدف شهر يناير مجمعا لوزارة الدفاع الإيرانية بأصفهان

عادت الهجمات على المنشآت الإيرانية إلى دائرة الضوء بعد مرور شهر على عودة، بنيامين نتانياهو، إلى السلطة في إسرائيل على رأس أكثر حكومة يمينية بتاريخ البلاد، فيما نفت فيه الولايات المتحدة مشاركة قوات عسكرية أميركية بالعملية.

كانت وزارة الدفاع الإيرانية أعلنت، ليل السبت الأحد، أن دفاعاتها تصدت لهجوم بطائرات مسيرة على منشآت عسكرية بمحافظة أصفهان. 

ولم تقم طهران بإلقاء اللوم رسميا على إسرائيل في الهجوم الذي وصفه وزير الخارجية، حسين أمير عبداللهيان، بـ "الجبان" الذي يهدف إلى خلق "انعدام الأمن" في إيران. 

لكن التلفزيون الرسمي بث تصريحات للنائب، حسين ميرزاعي، قال فيها إن هناك "تكهنات قوية" بأن إسرائيل وراء العملية، بحسب رويترز.

وفي هذا السياق، أفاد مسؤولون أميركيون تحدثوا دون الكشف عن هويتهم بأن إسرائيل تقف خلف هذا الهجوم.

وقال مسؤول أميركي تحدث لصحيفة "واشنطن بوست" شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الضربة كانت على ما يبدو من عمل الجيش الإسرائيلي لكنهم لم يتمكنوا من تأكيد ذلك بشكل مستقل.

كذلك، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلا عن مسؤولين أميركيين وأشخاص مطلعين بأن عملية استهداف المجمع الدفاعي في إيران بطائرات بدون طيار نفذتها إسرائيل. وامتنع الجيش الإسرائيلي عن التعليق.

وتملك إسرائيل تاريخا حافلا في شن هجمات على منشآت البرنامج النووي الإيراني كجزء من حرب الظل المستمرة بين الخصمين الإقليميين، وهي حملة تصاعدت بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".

وعندما كان نتانياهو في منصبه سابقا، أشرف على سلسلة من الضربات الإسرائيلية على إيران باستخدام طائرات بدون طيار صغيرة مثل تلك التي استخدمت خلال الهجوم الأخير، وفقا لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين سابقين تحدثوا لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وقال مسؤول عسكري في المنطقة إنه بالنظر إلى موقع الضربة في وسط إيران وحجم الطائرات المسيرة، فمن المحتمل أن يكون الهجوم قد تم من داخل حدود إيران، وفق رويترز.

وتأتي الضربة الأخيرة في الوقت الذي يناقش فيه مسؤولون إسرائيليون وأميركيون طرقا جديدة لمكافحة عمليات إيران المزعزعة للاستقرار، بما في ذلك تعميق تعاونها العسكري مع روسيا، حسبما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وسافر مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، إلى إسرائيل في رحلة غير معلنة الأسبوع الماضي لمناقشة مسائل إيران وقضايا إقليمية أخرى، وفقا لأشخاص مطلعين على زيارته. 

وقالت وزارة الدفاع الإيرانية إن الانفجار تسبب في أضرار طفيفة فقط ولم تقع إصابات.

قال المحلل الاستخباراتي المستقل، رونين سولومون، إن الحجم الصغير للانفجار يشير إلى أن الهدف لم يكن مخزنا للذخيرة.

وأوضح لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن الهدف قد يكون مختبرا أو موقعا لوجستيا عسكريا.

كما أثارت أنباء هجوم السبت تعليقات من أوكرانيا، حيث تستخدم روسيا طائرات مسيرة إيرانية الصنع لمهاجمة المدنيين الأوكرانيين والبنية التحتية الحيوية بعيدا عن الخطوط الأمامية.

وغرد ميخايلو بودولاك، كبير مساعدي الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الأحد، قائلا إنها "ليلة متفجرة في إيران - تصنيع الطائرات بدون طيار والصواريخ ومصافي النفط. لقدر حذرناكم". وأضاف: "منطق الحرب لا يرحم وقاتل".

وقال الزميل الشريك بمعهد واشنطن في العاصمة، فرزين نديمي، "لا يبدو هناك صلة مباشرة بين أوكرانيا وهجوم السبت".

وأشار إلى أن إسرائيل كانت على الأرجح وراء الضربة، بالنظر إلى تاريخ الموساد "باستخدام طائرات بدون طيار لمهاجمة المواقع العسكرية والنووية الإيرانية". 

وقال إنه بالإضافة إلى التسبب في أضرار مادية، فإن هذه الهجمات تهدف إلى إرسال "رسالة إلى النظام في طهران مفادها أن (إسرائيل) لديها إمكانية الوصول إلى مواقعها الحساسة وأن دفاعاتها الجوية ليست منيعة".

في حديثه لـ "واشنطن بوست"، قال نديمي إن الموقع يحتوي على الأرجح على معلومات حساسة تتعلق بالتكنولوجيا النووية وبرنامج الأسلحة الإيرانية.

وفشلت المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران للعودة للاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي يفرض قيودا على برنامج البلاد النووي مقابل رفع العقوبات عنها وهي اتفاقية انسحب منها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عام 2018 بشكل أحادي، مما دفع طهران للتقدم في تخصيب اليورانيوم.

وبينما تصر إيران على أنها تطور قدرات نووية للأغراض السلمية، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، رافائيل غروسي، للمشرعين الأوروبيين الأسبوع الماضي إن طهران خصبت ما يكفي من اليورانيوم لصنع "عدة" أسلحة نووية.

وتمتلك إيران اليورانيوم عالي التخصيب أكثر مما كانت تمتلكه خلال سنوات التوترات التي سبقت الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وفقا لغروسي، الذي شدد على أنه على الرغم من قدراتها المتزايدة، فإن إيران لم تصنع سلاحا نوويا بعد.

وقال الخبير الإيراني بالجامعة الأميركية في بيروت، علي فتح الله نجاد، إنه يتوقع تكثيف "التخريب الإسرائيلي المزعوم لبرامج إيران العسكرية والنووية" بالنظر إلى الفرصة "القاتمة" لإحياء اتفاق 2015، بحسب "واشنطن بوست".

وتأتي هذه الضربة في إيران وسط عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو إلى منصبه من خلال ائتلاف يضم قوميين يهود من اليمين المتطرف ونشطاء مستوطنين وعنف متصاعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وقالت الزميلة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إيلي غيرانمايه، لصحيفة "واشنطن بوست"، "ربما توفر الولايات المتحدة لإسرائيل حيز تشغيلي أكبر لاستهداف إيران بالنظر إلى الجمود بشأن المحادثات النووية، بالإضافة إلى إحباط الغرب من إيران بشأن دعمها العسكري لروسيا خلال حرب أوكرانيا".

وقال المتحدث باسم البنتاغون الجنرال، باتريك رايدر، إن أي قوات عسكرية أميركية لم تشارك في ضربات بإيران دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل، بحسب رويترز.

وأضافت غيرانمايه أن ضربة السبت تشير إلى أن "بيبي عاد" في إشارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو.

FILE PHOTO: Military personnel stand guard at Iran's Isfahan nuclear facility
جنود إيرانيون يحرسون محطة أسفهان النووية.

نشرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاذفات من طراز بي-2 على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.

وقاذفات بي-2 هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي -إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل مؤقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه إيران.

والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئيا تحت الأرض مدفونا بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويا، مما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.

وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني "في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جدا تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي".

وأضاف برونك "سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".

ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حاليا بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.

وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيودا صارمة على أنشطة إيران النووية مما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل إيران تتخلى كثيرا عن قيوده.

والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وقال أيضا قبل أسبوعين "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف".

وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر إن "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه".

عملية كبرى محفوفة بالمخاطر

يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.

ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تقريبا تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو المقامة في عمق أحد الجبال.

ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حاليا إلا قاذفات بي-2 مثل تلك التي تم نقلها في الآونة الأخيرة إلى دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي لا تمتلكها إسرائيل.

وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، "إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل" لتدمير فوردو ونطنز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وقال إن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياما.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق "ربما تسبب ضربة أميركية ضررا أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلا من إبعادها عنها".

وأضاف "يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره".

ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة إيران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وقال محللون ومسؤولون إن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمرا وصعبا للغاية.

وقالت كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من انتشار الأسلحة "ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها".

وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطرا يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم في مواقع مثل نطنز وفوردو.

وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للزعيم الأعلى علي خامنئي، على موقع التواصل أكس الأسبوع الماضي "استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون".

وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.

وقال جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة".