الجيش الإيراني في طهران في 18 أبريل 2022
الجيش الإيراني في طهران في 18 أبريل 2022

أثارت الهجمات المتزامنة على أهداف ومنشآت إيرانية داخل إيران وخارجها، أسئلة بشأن الجهة المنفذة، وسط تصاعد للتوتر مع الغرب بسبب الملف النووي وتزويد طهران لروسيا بالأسلحة في حربها مع أوكرانيا، إضافة إلى قمع مظاهرات مناهضة للحكومة مستمرة منذ أشهر.

وليل السبت الأحد، استهدفت طائرات مسيرة مصنعا عسكريا بالقرب من مدينة أصفهان وسط إيران، وأعلنت طهران أن دفاعاتها تصدّت لهجوم الطائرات المسيرة، من دون وقوع إصابات.

ولم تحمل طهران أي جهة مسؤولية الهجوم، لكن التلفزيون الإيراني بث تصريحات للنائب، حسين ميرزاعي، قال فيها إن هناك "تكهنات قوية بأن إسرائيل وراء ذلك"، وفقا لـ"رويترز".

وقال مسؤول أميركي لـ"رويترز"، الأحد، إن "إسرائيل تقف على ما يبدو وراء هجوم بطائرات مسيرة على مصنع عسكري في إيران".

وأشار تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن الغارة "إسرائيلية وتمت بطائرة مسيرة استهدفت منشأة أسلحة إيرانية".

ونفذ جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد"، العملية في ساعة مبكرة من صباح الأحد واستهدفت الضربة موقعا لوزارة الدفاع الإيرانية، حيث أصابت مبنى في أربع مناطق مختلفة بضربات دقيقة، بحسب ما ذكرته مصادر لـ"وول ستريت جورنال".

ضربة إسرائيلية؟

لأكثر من مرة اتهمت طهران إسرائيل بالتخطيط لشن هجمات باستخدام عملاء "داخل إيران".

ويشير الخبير السياسي الإيراني، سعيد شاوردي، إلى أن "التحقيقات الرسمية الإيرانية لاتزال مستمرة لمعرفة الجهة الضالعة في الهجوم على المنشأة العسكرية بأصفهان".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يقول إن "إسرائيل هي المتهم الرئيسي"، مستشهدا باتهامات إيرانية سابقة لإسرائيل بالضلوع في هجمات بالداخل الإيراني.

وفي يوليو الماضي، قالت إيران إنها "اعتقلت مجموعة مخربة مؤلفة من نشطاء أكراد يعملون لصالح إسرائيل كانت تخطط لتفجير مركز صناعي دفاعي حساس" في أصفهان، وفقا لـ"رويترز".

ويقع عدد من المواقع النووية الإيرانية في إقليم أصفهان، من بينها نطنز الذي يقع في قلب برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، وفي 2021، اتهمت إيران إسرائيل بتنفيذ عملية تخريبية في هذا الموقع.

ووقع عدد من الانفجارات والحرائق حول منشآت عسكرية ونووية وصناعية إيرانية في السنوات القليلة الماضية، وفقا لـ"رويترز".

على جانب آخر، أحجم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على الضربة.

لكن إسرائيل تهدد منذ وقت طويل بالقيام بعمل عسكري ضد إيران إذا فشلت الدبلوماسية في الحد من برامج إيران النووية أو الصاروخية، وتتبع نهجا بالإحجام عن التعليق على وقائع بعينها.

وفي حديثه لموقع "الحرة"، لا يؤكد ولا ينفي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، ضلوع إسرائيل في العملية الأخيرة.

ويرجع مصري ذلك لعدم توافر معلومات دقيقة بهذا الشأن، لكنه يرجح "مشاركة إسرائيل جزئيا في تنفيذ العملية".

من جانبه، يرى المحلل العسكري والاستراتيجي المصري، العميد سمير راغب، أن "إسرائيل ضالعة في الهجوم"، مرجعا ذلك لعدة أسباب.

ولكن مصري يقول إن "إسرائيل ليست العدو الأوحد للنظام الإيراني".

"واستعدى النظام الإيراني الكثيرين، من الولايات المتحدة وحلفاءها، مرورا بالمعارضة الإيرانية في الداخل والتي أصبح لديها قاعدة حقيقية، وانتهاءً بأذربيجان التي تعرضت سفارتها لهجوم مسلح قبل أيام، إضافة إلى التدخلات الإيرانية في إقليم كردستان العراق وأوكرانيا"، وفقا لحديث مصري.

ويتابع: "لا أستبعد أن تكون هناك صلات بين عدد من هذه العناصر، بحكم تشابك المصالح وقد تكون إسرائيل شاركت جزئيا في تنفيذ العملية".

واعترفت إيران بإرسال طائرات مسيرة إلى روسيا لكنها تقول إنها وصلتها قبل أن تبدأ موسكو غزو أوكرانيا في ٢٤ فبراير العام الماضي.

وتنفي موسكو استخدام قواتها طائرات مسيرة إيرانية في أوكرانيا، رغم إسقاط عدد منها وانتشال بقاياها هناك.

والاثنين، انتقدت طهران إشارة ميخايلو بودولياك، مستشار الرئيس فولوديمير زيلينسكي، في تغريدة، إلى الهجوم على منشآت عسكرية في أصفهان. 

وكتب المستشار الأوكراني في تغريدة "ليلة متفجرة في إيران - إنتاج مسيرات وصواريخ ومصاف للنفط"، مضيفاً أن "أوكرانيا حذرتكم".

وتشهد المحادثات بين طهران والقوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015 جمودا منذ سبتمبر.

وكانت إيران قد وافقت بموجب ذلك الاتفاق على أن تحد من عملها النووي مقابل تخفيف العقوبات، وانسحبت واشنطن من الاتفاق في عام 2018 في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.

وتواجه إيران اضطرابات داخلية منذ شهور، وتتواصل الاحتجاجات في أرجاء البلاد منذ وفاة الشابة، مهسا أميني، في 16 سبتمبر بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في العاصمة طهران للاشتباه بانتهاكها قواعد اللباس الصارمة.

وأعلنت أذربيجان، الاثنين، أن سفارتها في إيران ستوقف "مؤقتاً" نشاطاتها، بعد ثلاثة أيام على استهدافها بهجوم أدى إلى مقتل شخص وإصابة اثنين، وفقا لـ"فرانس برس".

وقُتل موظف في السفارة على يد مسلّح اعتقلته الشرطة الإيرانية تذرّع بدوافع "شخصية"، لكنّ باكو ندّدت بالهجوم "الإرهابي" على بعثتها الدبلوماسية.

على جانب آخر، يرى شاوردي، أن "إسرائيل نفذت الهجوم ردا على استهداف إيران لمصالح إسرائيلية، وقيامها بعمليات في الداخل الإسرائيلي".

ويقول إن "إيران تقوم بعمليات بالداخل الإسرائيلي، لكنها لا تتبناها ولا تعلن رسميا عن تنفيذها"، مستشهدا بـ"اتهامات إسرائيلية سابقة في ذلك الشأن".

وفي مايو 2022، اتهم جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شاباك"، إيران باستخدام حساب وهمي على فيسبوك سعيا لحمل إسرائيليين على جمع معلومات لصالحها وإلحاق الضرر ببلادهم، وفقا لـ"فرانس برس".

وفي الشهر ذاته، قالت إسرائيل إن إيران أعدت خطة لاغتيال أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين في تركيا.

وأكدت إسرائيل أنها "أحبطت" محاولات إيرانية لـ"اغتيال جنرال أميركي في ألمانيا وصحفي في فرنسا ودبلوماسي إسرائيلي في تركيا".

وجاء في بيان لرئاسة الحكومة الإسرائيلية أن المخططات "أمرت بها وأعطت الموافقة على تنفيذها ومولتها القيادة العليا للنظام الإيراني وكان من المقرر أن ينفّذها الحرس الثوري الإيراني".

وفي نوفمبر 2022، اتّهمت إسرائيل إيران بالوقوف وراء ما قالتا إنها ضربة بمسيّرة على ناقلة محملة بالوقود يملكها رجل أعمال إسرائيلي قبالة سواحل عُمان، حسب "فرانس برس".

عقيدة الأخطبوط؟

في يوليو 2022، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، عن تطبيق إسرائيل استراتيجية جديدة لاستهداف إيران بشكل مباشر، باستخدام "عقيدة الأخطبوط"، وفقا لصحيفة "إيكومينست".

وتتمثل تلك العقيدة في مهاجمة إيران من الداخل لاستهداف "العقل المدبر" أو "رأس الهجمات" بدلا من التعامل مع الأذرع الإيرانية أو "المخالب".

وتهدف "عقيدة الأخطبوط" إلى نقل معركة إسرائيل ضد إيران إلى الأراضي الإيرانية بعد سنوات من استهداف عملاء إيرانيين ووكلاء طهران خارج البلاد في أماكن مثل سوريا، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في يوليو 2022.

وفي 2021، صعدت إسرائيل حملتها ضد إيران، بضربات بطائرات مسيرة صغيرة لضرب منشآت نووية إيرانية، وهجوم على قاعدة إيرانية للطائرات بدون طيار، بحسب "وول ستريت جورنال".

وفي 2022، ألقت إيران باللوم على إسرائيل في مقتل ضابط عسكري إيراني كبير في طهران اشتبه الإسرائيليون في أنه يدير فرق قتالية في الخارج تستهدف الإسرائيليين.

وفي سبتمبر 2022، أشار مدير الموساد، ديفيد بارنيا، إلى أن "إسرائيل سترد على إيران مباشرة إذا هاجمت الجماعات المدعومة من إيران إسرائيل أو الإسرائيليين"، وفقا لصحيفة "جوروزاليم بوست".

وقال "يجب على القيادة الإيرانية أن تفهم أن الهجمات ضد إسرائيل أو الإسرائيليين، بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الوكلاء، ستقابل برد مؤلم ضد المسؤولين، على الأراضي الإيرانية".

وهناك اتجاهان داخل إسرائيل بشأن التعامل مع إيران، الأول يتعلق بتنفيذ "عقيدة الأخطبوط" لاستهداف مخططي الهجمات الإيرانية، وكذلك مواجهة قرار طهران بتجاهل التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

ويرى راغب أن "الضربة الإسرائيلية ضد المصنع الإيراني جاءت في إطار عقيدة الأخطبوط".

ويقول إن "وتيرة تنفيذ تلك العقيدة قد تصاعد خلال الفترة الأخيرة، رغم اختلاف الآليات وسبل وأدوات التنفيذ بين حكومة إسرائيلية وأخرى".

ومن جانبه، يؤكد مصري أن "إسرائيل ماضية على طريق احتواء الخطر الإيراني بشتى الوسائل". ويقول "إنه لم يحدث أي جديد على صعيد الملف النووي، فليس لدي أدنى شك في أن الوضع قابل للتصعيد".

لكن على جانب آخر، يرى شاوردي أن "عقيدة الأخطبوط مجرد كلام على ورق، ولم تتمكن إسرائيل من تنفيذها". ويقول إن إسرائيل لن تتمكن من استهداف "إيران لما تمتلكه من قوة عسكرية هائلة".

لكنه يشير إلى "تصاعد وتيرة المحاولات الإسرائيلية لاستهداف وإضعاف إيران رغم تعاقب الحكومات داخل إسرائيل"، معتبرا أن تلك المحاولات "كللت بالفشل".

استراتيجية إسرائيلية ثنائية؟

من بين العديد من الصراعات في الشرق الأوسط، فإن الصراع بين إيران وإسرائيل هو الأكثر احتمالًا للانفجار، ولسنوات، انخرط الجانبان في "حرب ظل"، حيث هاجم كل منهما الآخر بهدوء في البر والجو والبحر، وفي بعض الحالات بالوكالة، وفقا لتحليل لصحيفة "واشنطن بوست".

وسعا الجانبان إلى "تجنب الاشتباكات المفتوحة التي قد تخاطر بالتصعيد إلى حرب شاملة"، لكن في الآونة الأخيرة، أصبحت الاشتباكات "أكثر وضوحا".

ولذلك يؤكد راغب أن إسرائيل تتبع "استراتيجية ثنائية في مواجهة إيران"، تتعلق الأولى بضرب واختراق العمق الإيراني والثانية باستهداف وكلاء طهران في سوريا والعراق وغيرهما من الدول.

ويستشهد راغب في حديثه بهجمات وقعت، الاثنين الماضي، واستهدفت عناصر إيرانية في شرق سوريا، ويقول إن "إسرائيل تقف خلفها".

والاثنين، قُتل 11 مقاتلا من المجموعات الموالية لإيران جراء ثلاث استهدافات جوية منفصلة طالت في أقل من 24 ساعة شاحنات في شرق سوريا بعد عبورها تباعاً من الجانب العراقي، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي قال إنها كانت تقل أسلحة.

وتعد المنطقة الحدودية بين شرق سوريا والعراق من أبرز مناطق نفوذ إيران والمجموعات الموالية لها في سوريا، وبينها فصائل عراقية. 

وعلى مر سنوات تعرضت شاحنات كانت تقلّ أسلحة وذخائر ومستودعات ومواقع عسكرية تابعة لتلك المجموعات إلى ضربات جوية، بينها ما أعلنت عنه واشنطن وأخرى نُسبت إلى إسرائيل، وفقا لـ"فرانس برس".

ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع لقوات النظام وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله، ونادراً ما تؤكّد تنفيذ الضربات، لكنها تكرر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.

ويقول شاوردي إن "إسرائيل هي من استهدفت العناصر الموالية لإيران في شرق سوريا بسبب قلقها من تواجد طهران هناك".

ووفقا لحديثه فإن "إسرائيل دأبت على استهداف عناصر وفصائل موالية لطهران في سوريا لكنها لم تستطيع منع إيران من البقاء هناك".

لكن على جانب آخر، لا يؤكد ولا ينفي مئير مصري "ضلوع إسرائيل في الهجوم".

مرحلة جديدة من الصراع؟

لو كانت إسرائيل مسؤولة عن الهجمات، فستكون هذه هي "الضربة الإسرائيلية الأولى" على إيران ووكلائها في عهد الحكومة الجديدة برئاسة، بنيامين نتانياهو، منذ عودته إلى المنصب الشهر الماضي على رأس الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.

ولذلك يتحدث راغب عن دخول المواجهات بين إسرائيل وإيران إلى "مرحلة جديدة"، لكن يشير إلى أنها ستكون وفقا لقواعد "الاشتباك القديمة" بين البلدين.

من جانبه، يقول مصري إن "إسرائيل مستمرة في سياستها بخصوص التهديدات الإيرانية المختلفة". ويتحدث عن وجود "إجماع داخلي إسرائيلي بشأن النهج المُتبع ضد إيران منذ عام 2012 على الأقل".

ولذلك فإن "عودة نتانياهو إلى الحكم لا ولن تؤثر على المنحى الاستراتيجي لإسرائيل بخصوص إيران"، وفقا لحديث مصري.

أما شاوردي، فقال إن إيران سترد على الهجمات الإسرائيلية، مهما كانت "النتائج والتباعات".

ويشير إلى أن "الهجمات الإسرائيلية لا تؤثر على خطط إيران في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة والبرنامج النووي".

ويرى أن حكومة نتانياهو " لا تستطيع الدفع نحو حرب ولن تقدم على التصعيد تجاه إيران"، ويقول إن "العالم لا يريد شن حرب شاملة ضد طهران".

ويتحدث عن "مغبة شن حرب إسرائيلية موسعة ضد إيران، ما قد يتسبب في إشعال منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ويؤدي لكوارث كبيرة"، على وصفه.

يشير سعيد شاوردي إلى أن "إيران ترد دائما على الهجمات الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة".

وحسب حديثه، فإن طهران ترد على الهجمات "بشكل غير محسوس"، مؤكدا أن "إيران ردت وسترد في المستقبل على أي عمل عدائي تقوم به إسرائيل".

ويؤكد أن إسرائيل لم تقوم حتى الآن بعمل كبير داخل إيران، ولم تعلن عن مسؤوليتها عن الهجمات أو تتبناها، لكنها "تضرب وتهرب"، ولذلك تستخدم إيران نفس الطريقة، على حد تعبيره.

ويقول إن في حال وقوع تصعيد متبادل "سترد إيران ليس فقط من داخل الأراضي الإيرانية لكن من عدة جهات، ما سيؤدي لحرب شاملة وكبيرة بالمنطقة".

من جانبه، يستعبد مصري أن ترد إيران على الهجمات الإسرائيلية، ويقول إن "طهران تسعى لكسب الوقت، حتى تتمكن من الوصول إلى هدفها، وهو حيازة السلاح النووي".

ويستبعد راغب "سيناريوهات التصعيد المتبادل"، ويقول إن "إسرائيل وإيران لن يدخلا في مواجهة مباشرة أو حرب موسعة".

ويرى أن إسرائيل وإيران "لا يرغبان" في الدخول بصراع عسكري مباشر شامل، مرجحا استمرار "حروب الظل دون تصعيد".

FILE PHOTO: Military personnel stand guard at Iran's Isfahan nuclear facility
جنود إيرانيون يحرسون محطة أسفهان النووية.

نشرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاذفات من طراز بي-2 على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.

وقاذفات بي-2 هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي -إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل مؤقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه إيران.

والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئيا تحت الأرض مدفونا بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويا، مما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.

وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني "في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جدا تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي".

وأضاف برونك "سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".

ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حاليا بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.

وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيودا صارمة على أنشطة إيران النووية مما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل إيران تتخلى كثيرا عن قيوده.

والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وقال أيضا قبل أسبوعين "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف".

وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر إن "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه".

عملية كبرى محفوفة بالمخاطر

يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.

ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تقريبا تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو المقامة في عمق أحد الجبال.

ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حاليا إلا قاذفات بي-2 مثل تلك التي تم نقلها في الآونة الأخيرة إلى دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي لا تمتلكها إسرائيل.

وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، "إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل" لتدمير فوردو ونطنز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وقال إن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياما.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق "ربما تسبب ضربة أميركية ضررا أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلا من إبعادها عنها".

وأضاف "يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره".

ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة إيران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وقال محللون ومسؤولون إن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمرا وصعبا للغاية.

وقالت كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من انتشار الأسلحة "ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها".

وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطرا يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم في مواقع مثل نطنز وفوردو.

وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للزعيم الأعلى علي خامنئي، على موقع التواصل أكس الأسبوع الماضي "استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون".

وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.

وقال جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة".