الطبيب الناشط الإيراني فرهاد ميثمي
Imprisoned Iranian activist Farhad Meysami, who is reported to have gone on a hunger strike, is seen at Rajai Shahr prison in Karaj, Iran, in this social media image released on February 2, 2023. Mohammad Moghimi/via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED…

طاويا ذراعيه حول جسده ومستلقيا على ما يبدو أنه سرير مستشفى، هكذا ظهر طبيب إيراني في أحد سجون إيران، ليثير غضبا على تعامل النظام الإيراني مع الاحتجاجات المستمرة منذ مقتل الشابة، مهسا أميني، على يد شرطة "الأخلاق" في البلاد.

والطبيب هو، فرهاد ميثمي (53 عاما)، مسجون منذ 2018 لدعمه ناشطات رفضن سياسة فرض الحجاب، وفق ما كشف محاميه.

وميثمي الذي بدأ إضرابه عن الطعام في السابع من أكتوبر احتجاجا على حملة قمع حكومية على المتظاهرين سقط فيها قتلى، أظهرته صورة  أخرى واقفا وضلوعه وعظامه بارزة.

وأثارت الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي غضبا وتحذيرات من أنه يواجه خطر الموت. 

وفي رسالة نشرتها الخدمة الفارسية في هيئة الإذاعة البريطانية(بي.بي.سي)، أعلن ميثمي ثلاثة مطالب وهي وضع حد لعمليات الإعدام والإفراج عن السجناء السياسيين والمدنيين ووقف "مضايقات فرض الحجاب". 

وكتب محاميه على تويتر أنه فقد 25 كيلوغرام من وزنه جراء الإضراب عن الطعام.

وكتب روبرت مالي المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران على تويتر "صور مروعة للدكتور فرهاد ميثمي، المدافع الشجاع عن حقوق المرأة المضرب عن الطعام في السجن".

وقال إن "النظام الإيراني حرمه ظلما هو وآلاف السجناء السياسيين الآخرين من حقوقهم وحريتهم. والآن يهدد حياته ظلما".

ونشر مغردون فيديو يظهر الطبيب قبل اعتقاله، ويظهر في صحة جيدة.

لكن القضاء الإيراني نفى ما قيل عن دخول ميثمي في إضراب عن الطعام وقال إن الصور التي انتشرت انتشارا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي تعود إلى أربع سنوات مضت عندما أضرب فعلا وقتها عن الطعام.

ولإثبات هذا نشر موقع نادي المراسلين الشباب للأنباء، وهو وكالة أنباء شبه رسمية يديرها طلاب، ما قال إنها أحدث صورة لميثمي والتي لا يبدو فيها هزيلا وشوهد جالسا على أرضية زنزانته وبجواره كيس للرقائق على ما يبدو. ولم يتسن لرويترز التأكد من تاريخ التقاط الصور. 

الناشط الإيراني فرهاد ميثمي قبل أن تظهر عليه علامات الهزال بسبب ظروف اعتقاله والإضراب عن الطعام

ودعت منظمة العفو الدولية "أمنيستي" السلطات الإيرانية إلى الإفراج عن ميثمي بدون شروط.

وتشهد إيران اضطرابات على مستوى البلاد منذ وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر أيلول أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بما شكل أقوى تحد للجمهورية الإسلامية منذ الثورة في عام 1979. وتقول جماعات حقوقية إن أكثر من 500 متظاهر قتلوا وألقت السلطات القبض على نحو 20 ألفا.

وأعدمت السلطات أربعة على الأقل شنقا، بحسب القضاء الإيراني. وكتب المحامي محمد موغيمي على تويتر "حياة موكلي فرهاد ميثمي في خطر... لقد أضرب عن الطعام احتجاجا على أعمال القتل الأخيرة في الشوارع على يد الحكومة" وأشار إلى أنه فقد 52 كيلوغراما من وزنه. 

إيران

لم يُسمح لأم بيجمان فاتحي برؤية ابنها قبل إعدامه، العام الماضي، إلا لعشر دقائق، يروي شقيقها عباس مولود لموقع "الحرة".

"لم نتسلم جثته حتى الآن"، يقول.

قصة فاتحي ليست فردية. 

منذ تأسيس نظام "ولاية الفقيه" عام 1979، امتنعت السلطات الإيرانية عن تسليم جثث النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين أعدمتهم أو ماتوا تحت التعذيب، ولا توفر لأسرهم معلومات عن أماكن دفنهم.

ولم تحظ الأسر بلحظة وداع، ولا تزال، منذ سنين، تبحث عن إجابة.

يحظر القانون الإيراني الدفن في المقابر الرسمية دون تصريح خطي من "الجهات المختصة". ويواجه من يقوم بدفن ذويه بشكل غير قانوني تهما قد تؤدي إلى السجن أو الغرامة أو كليهما، خاصة إذا كان المتوفى قد أعدم نتيجة تهمة سياسية أو أمنية.

منذ سنين طويلة، تحاول عائلات السجناء السياسيين استعادة جثامين أحبائها المعدومين، من دون طائل.

في يناير 2024، أعدمت السلطات الإيرانية بيجمان فاتحي وثلاثة نشطاء آخرين هم وفاء آذربار، ومحسن مظلوم، ومحمد فرامرزي، بتهمة التعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي.

تقول عائلاتهم، إن التهم ملفقة، والاعترافات التي بثها التلفزيون الرسمي، انتُزعت تحت التعذيب.

وتؤكد العائلات أن أبناءها لم يُعتقلوا في محافظة أصفهان كما زعمت السلطات، بل في مدينة أورمية شمال غربي إيران. ولم يعلموا باعتقالهم إلا بعد عامين من اختفائهم، من خلال تقرير تلفزيوني بث اعترافاتهم القسرية.

"حاولنا خلال الفترة الماضية بشتى الطرق لاسترداد جثة بيجمان ورفاقه أو حتى معرفة مكان دفنهم، لكن السلطات لا تسلم جثث المعدومين السياسيين لذويهم بأي شكل من الأشكال"، يقول مولود عباس.

ولا يقتصر الأمر على النشطاء السياسيين، بل يشمل مقاتلي البيشمركة من الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، الذين يُقتلون خلال اشتباكات مع القوات الإيرانية.

وتشير تقارير نشطاء معارضين إلى أن السلطات الإيرانية دأبت، منذ أكثر من 46 عاما، على دفن السجناء السياسيين، وضحايا التعذيب، والمعارضين، في مقابر جماعية متوزعة في محافظات إيرانية مختلفة، بما في ذلك العاصمة طهران التي تضم "مقبرة خاوران" الشهيرة.

وبحسب تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية، جرّفت السلطات مقبرة خاوران عدة مرات خلال العقود الماضية لطمس معالم شاهد مادي على جرائم النظام.

وتشير المنظمة إلى أن السلطات لا تزال تُخفي مصير العديد من الضحايا أو أماكن دفنهم، حتى اليوم.

في أبريل الماضي، ذكرت المنظمة، في تقرير، أن عدد الإعدامات في إيران ارتفع من 853 في عام 2023 إلى 972 في عام 2024، بزيادة قدرها 119 حالة، معظمها طالت أشخاصا شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للنظام مثل حركة "المرأة، الحياة، الحرية".

في عام 2018، أُعدمت السلطات الإيرانية رامين بناهي، شقيق الناشط الكردي رفيق حسين بناهي.

رغم محاولاتها، لم تتمكن أسرة رامين حتى اليوم من الوصول إلى قبره.

"نعتقد أن السبب في إخفاء الجثث هو آثار التعذيب على أجسادهم. النظام يخشى من توثيق الجرائم من خلال العائلات والمنظمات الحقوقية"، يقول رفيق بناهي.

وتخشى السلطات من تحول الجنازات إلى تظاهرات احتجاجية ضد النظام، أو تصبح قبور المعدومين مواقع رمزية للمقاومة، يعتقد رفيق.

امتناع السلطات من تسليم جثة المعدوم لأسرته تعمق معاناتها، وتجعلها عرضة لعذاب نفسي مرير بسبب حالة عدام اليقين: هل أعدموه أم ما زال حيا؟!

توجه السلطات الإيرانية إلى المعتقلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان تهما فضفاضة مثل "محاربة الله" المعروفة أيضا بـ"المحاربة" أو "الفساد في الأرض" أو التعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، قبل إصدار أحكام الإعدام عبر المحاكم الثورية التي لا توفر الحد الأدنى من شروط العدالة.

في كردستان الإيرانية، تعتبر منظمة "هانا" الحقوقية هذه الممارسات من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها منهجية.

يقول رئيس المنظمة، حميد بهرامي، إن "هذا السلوك لا يمثل فقط انتهاكًا واضحًا للحقوق، بل هو شكل من أشكال التعذيب النفسي الممنهج لعائلات الضحايا وللمجتمع بأسره".

ويشير بهرامي إلى المجازر الجماعية التي وقعت في عام 1988 كأبرز مثال على هذه السياسة. حينها، أعدمت السلطات آلافا من السجناء السياسيين في مختلف السجون، ودفنتهم في مقابر جماعية سرية.

حتى اليوم، لا تعرف عائلاتهم أماكن دفنهم.

وأشار إلى قضية المصارع الإيراني نافيد أفكاري، الذي أُعدم في 2020 بعد اتهامات مشكوك في صحتها، ودُفن ليلا في مكان سري.

ولفت بهرامي إلى أن قوات الأمن دفنت العديد من المتظاهرين الذين قُتلوا خلال احتجاجات 2019 و2022 بشكل سري، ومنعت عائلاتهم من إقامة مراسم تشييع أو دفن علنية.

وفي نوفمبر الماضي، كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن السلطات الإيرانية نفذت حزمة من أحكام الإعدام استهدفت سجناء سياسيين، ومواطنين من الأقليات العرقية، وأجانب.

وقالت ناهد نقشبندي، الباحثة في شؤون إيران في المنظمة إن "السلطات الإيرانية تستخدم عقوبة الإعدام كأداة للترهيب، خصوصا ضد الأقليات والمعارضين السياسيين بعد محاكمات غير عادلة".

واعتبرت نقشبندي أن المحاكم الثورية تمثل "أداة قمع ممنهج" تنتهك أبسط الحقوق وتصدر أحكام الإعدام دون ضمانات قانونية حقيقية.

ودعت المجتمع الدولي إلى إدانة هذا النهج بوضوح، وممارسة الضغوط لوقف الإعدامات في إيران.

أما بالنسبة لعائلات مثل عائلة عباس وبناهي، فإن الإدانة الدولية لم تعد مطلبا حقوقيا فحسب، بل حاجة إنسانية ملحّة، بحثا عن الحقيقة، أي عن قبر في أصقاع إيران الواسعة.