بايدن لم يذكر إيران على الإطلاق خلال خطابه عن حالة الاتحاد للعام الثاني على التوالي
بايدن لم يذكر إيران على الإطلاق خلال خطابه عن حالة الاتحاد للعام الثاني على التوالي

للعام الثاني على التوالي لم يتطرق الرئيس الأميركي جو بايدن للملف الإيراني خلال خطابه عن حالة الاتحاد، وهي خطوة تسلط الضوء على التغييرات التي طرأت على سياسات الولايات المتحدة تجاه إيران، منذ تولي الديمقراطيين إدارة البيت الأبيض في 2021.

لم يذكر بايدن إيران على الإطلاق على الرغم من أنه نطق 9191 كلمة، وهو رقم قياسي لخطاب حالة الاتحاد الذي استمر لنحو ساعة و13 دقيقة.

خلال العام الماضي، شهدت إيران احتجاجات غاضبة بعد مقتل مهسا أميني سقط خلالها المئات بين قتيل وجريح نتيجة القمع الحكومي، وفقا لمنظمات حقوقية.

وعلى الرغم من أن إدارة البيت الأبيض والرئيس بايدن أكدا في أكثر من مناسبة دعمها للاحتجاجات ووقوفهما مع الشعب الإيراني في مساعيه للحصول على حقوقه الأساسية، إلا أن تجاهل ما يجري من إيران في خطاب حالة الاتحاد أثار حفيظة مراقبين إيرانيين وآخرين مقربين من الحزب الجمهوري.

ترى الباحثة في الشأن الإيراني منى السيلاوي أن "المعارضة الإيرانية متعودة على مواقف الديموقراطيين تجاه الحكومة الإيرانية".

وتضيف السيلاوي في حديث لموقع "الحرة" أن "بايدن ونتيجة الخلافات مع السعودية في قضايا النفط، كان يأمل في الحصول على صفقة مع طهران من أجل توازن الطاقة في العالم".

وتشير السيلاوي إلى أنه "وعلى الرغم من كل تصرفات النظام الإيراني حاول الديمقراطيون أن لا يحتكوا مع طهران حتى يتركوا المجال مفتوح للمناقشات بشأن الاتفاق النووي".

أما فيما يتعلق بموقف الشعب الإيراني، تبين السيلاوي أن الإيرانيين "غضوا النظر منذ سنوات بشأن حصولهم على الحماية الأميركية، لإنهم باتوا يدركون أن الديمقراطيين يتبعون سياسة احتواء النظام".

كذلك وصف الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بهنام بن طالبلو عدم ذكر "الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم والتي تعمل على تطوير برنامجها النووي وتصدير طائرات مسيرة للروس، في خطاب حالة الاتحاد بإنه تجاهل صارخ من قبل البيت الأبيض"، بحسب "فوكس نيوز".

ونقلت فوكس أيضا عن المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية والذي عمل أيضا مسؤولا في مجلس الأمن القومي فريد فليتز القول إن "خطاب الرئيس بايدن عن حالة الاتحاد كان ضعيفا للغاية فيما يتعلق بالأمن القومي، ولم تكن هناك إشارة إلى إيران على الرغم من تعزيز برنامجها النووي وبيعها أسلحة لروسيا".

وأعرب مدير السياسات في منظمة "متحدون ضد إيران النووية" جيسون برودسكي عن خيبة أمله "لأن الرئيس لم يذكر إيران". 

وأضاف أن "من المهم أن ندرك أن التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة لا تأتي فقط من روسيا والصين، لإن النظام الإيراني رعى محاولات خطف واغتيال لمواطنين أميركيين على الأراضي الأميركية".

بالمقابل دافعت الخبيرة في الشؤون الإيرانية الزميلة البارزة في مركز ستيمسون في واشنطن باربارا سلافين عن غياب إيران عن خطاب حالة الاتحاد، وذكرت أن الرئيس الأميركي بالكاد تحدث عن مواضيع تهم السياسة الخارجية، ومنها أوكرانيا.

وقالت سلافين لموقع "الحرة" إن خطاب بايدن "كان مكرسا بشكل أكبر للقضايا الداخلية التي تؤثر على الأميركيين بشكل يومي، كما أنه كان بمثابة انطلاقة ناعمة لحملة إعادة انتخابه".

وأضافت سلافين، وهي المديرة السابقة لمبادرة مستقبل إيران في المعهد الأطلسي، أن عدم ذكر إيران في خطاب حالة لن يؤثر على سياسة الولايات تجاه إيران قائلة: أن "الولايات المتحدة تعتمد سياسة احتواء معدلة، تركز على إدانة أفعال إيران وفرض عقوبات عليها، لكن في ظل انفتاح مستمر على الدبلوماسية إذا أبدت إيران أي اهتمام بذلك.

ولم تمض سوى ساعات قليلة على انتهاء خطاب حالة الاتحاد، حتى سارعت مجموعة مكونة من أكثر من 160 عضوا في الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري في مجلس النواب لتقديم قرار يدعو لدعم رغبة الشعب الإيراني في إقامة نظام ديمقراطي علماني ومحاسبة قادة إيران على انتهاكات حقوق الإنسان.

وقال النائب الجمهوري توم مكلينتوك في مؤتمر صحافي، الأربعاء، إنه بهذا القرار يضيف الممثلون المنتخبون للشعب الأميركي أصواتهم إلى الدعوات المتزايدة المطالبة بالحرية والعدالة في إيران".

وأضاف أن "حزبينا منقسمان حول العديد من القضايا، ولكن ليس بشأن إيران".

كذلك كررت النائبة الديموقراطية شيلا جاكسون لي، ذات النقطة وقالت خلال المؤتمر: "ليس لدينا خلاف على السؤال والجواب: متى يجب أن تكون إيران حرة؟ والجواب الآن".

ويعترف القرار بأن الشعب الإيراني، الذي شارك في احتجاجات الشوارع المناهضة للحكومة على مستوى البلاد منذ شهور "يرفض الدكتاتورية والاستبداد الديني" من خلال "الدفاع بشكل شرعي عن حقوقه في الحرية ضد القمع" من أجل إقامة دولة "ديمقراطية وعلمانية وغير نووية ". 

كما يدعو الإجراء الولايات المتحدة إلى العمل مع حلفائها لمحاسبة النظام الإيراني على "الأنشطة الخبيثة" المختلفة، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان.

ومنذ توليه السلطة في يناير 2021 لم يذكر بايدن إيران في خطابه الذي ألقاه عن حالة الاتحاد في 2022 وكذلك الذي جرى هذا الأسبوع.

ونفت الباحثة الأميركية أن تكون هناك أي علاقة للأمر بالاتفاق النووي، لكنها أشارت إلى أن "غياب إيران عن خطاب حالة الاتحاد خلال عهد بايدن تعني أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال مهمة، لكنها لم تعد في صلب سياسات الولايات المتحدة".

وتتابع أن "الرسالة التي تريد واشنطن إرسالها من ذلك تتمثل في أن دول المنطقة يجب أن تعمل معا.. الولايات المتحدة سوف تساعد، ولكن أيام تغيير النظام على الأرض قد ولت".

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟