الاحتجاجات عادت إلى العديد من المدن الإيرانية
الاحتجاجات عادت إلى العديد من المدن الإيرانية

هزت الاحتجاجات إيران مرة أخرى ليلة الخميس بعد أن تراجعت في الأسابيع الأخيرة، ودعا المتظاهرون إلى الإطاحة بالنظام، وفق ما أظهرت مقاطع فيديو على الإنترنت، الجمعة.

وخرجت المظاهرات، بمناسبة مرور 40 يوما على إعدام اثنين من المحتجين الشهر الماضي، في العديد من المدن بما في ذلك العاصمة طهران، وبدأت ليلة الخميس واستمرت حتى الليل. 

وأعدمت السلطات الإيرانية، محمد مهدي كرامي، ومحمد حسيني، شنقا في 8 يناير. وأعدم اثنان آخران في ديسمبر.

ودانت السلطات الإيرانية كرامي، بطل الكاراتيه البالغ من العمر 22 عاما، وحسيني بقتل أحد أفراد ميليشيا قوات الباسيج شبه العسكرية.

وقالت منظمة العفو الدولية إن المحكمة التي دانت كرامي اعتمدت على اعترافات قسرية. وقال محامي حسيني إن موكله تعرض للتعذيب.

وأظهرت مقاطع فيديو، الجمعة، مظاهرات في عدة أحياء في طهران وكذلك في مدن كرج وأصفهان وقزوين ورشت وأراك ومشهد وسنندج وقروه وإيزه في محافظة خوزستان.

وتمكنت رويترز من التأكد من ثلاثة من مقاطع الفيديو عن الاحتجاجات في زاهدان وواحد منها في طهران.

وأظهر مقطع فيديو على الإنترنت يزعم أنه من مدينة مشهد الشيعية المقدسة في شمال شرق البلاد محتجين يهتفون "أخي الشهيد، سنثأر لدمك".

وأظهرت مقاطع فيديو أخرى احتجاجات كبيرة يوم الجمعة في زاهدان، عاصمة إقليم سيستان-بلوشستان الجنوبي الشرقي، موطن الأقلية البلوشية في إيران.

وبالتزامن مع ذلك، قال القضاء الإيراني إن محكمة أقالت وسجنت قائد شرطة متهم باغتصاب فتاة.

وكان الحادث فجر الغضب قبل احتجاجات 30 سبتمبر الماضي، و التي قمعتها السلطات في زاهدان وقتل فيها 66 شخصا على الأقل وفقا لمنظمة العفو الدولية.

وتراجعت الاحتجاجات في الأسابيع الأخيرة، ربما بسبب عمليات الإعدام أو حملة القمع، لكن أعمال العصيان المدني استمر.

وتردد صدى الاحتجاجات والهتافات الليلية في جميع أنحاء طهران ومدن أخرى.

ويكتب شبان شعارات ليلا تندد بالنظام أو يحرقون لوحات إعلانية أو لافتات موالية للحكومة على الطرق السريعة الرئيسية. وتظهر النساء غير المحجبات في الشوارع ومراكز التسوق والمتاجر والمطاعم على الرغم من تحذيرات المسؤولين.

ووقفت العديد من النساء من بين عشرات السجناء المفرج عنهم مؤخرا دون حجاب أمام الكاميرات.

ورغم ذلك لم تتراجع السلطات عن سياسة الحجاب الإلزامي، وفي الأسابيع الأخيرة، أفادت وسائل إعلام إيرانية بإغلاق العديد من الشركات والمطاعم والمقاهي لعدم التزامها بقواعد الحجاب.

وفي الأسبوع الماضي، دعا مسؤولون إيرانيون النقابات العمالية إلى تطبيق قانون الحجاب بصرامة في المتاجر والشركات في طهران.

والشهر الماضي، تم تحذير الطالبات اللواتي يرتدين الحجاب"بشكل غير لائق"، وهددن بمنعهن من دخول جامعة طهران، وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن حوالي 50 طالبة منعن من دخول جامعة أورميا في الشمال الغربي لخرقهن قواعد الحجاب.

وبدأت الاحتجاجات في البلاد في سبتمبر الماضي بعد وفاة الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق.

وأسفرت الاحتجاجات عن مقتل أكثر من 500 محتج منذ سبتمبر أيلول بينهم 71 قاصرا، فيما اعتقل ما يقرب من 20 ألف شخص. وفق حقوقيين، وتم شنق ما لا يقل عن أربعة أشخاص، وفقا للقضاء.

FILE PHOTO: Military personnel stand guard at Iran's Isfahan nuclear facility
جنود إيرانيون يحرسون محطة أسفهان النووية.

نشرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاذفات من طراز بي-2 على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.

وقاذفات بي-2 هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي -إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل مؤقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه إيران.

والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئيا تحت الأرض مدفونا بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويا، مما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.

وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني "في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جدا تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي".

وأضاف برونك "سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".

ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حاليا بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.

وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيودا صارمة على أنشطة إيران النووية مما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل إيران تتخلى كثيرا عن قيوده.

والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وقال أيضا قبل أسبوعين "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف".

وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر إن "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه".

عملية كبرى محفوفة بالمخاطر

يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.

ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تقريبا تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو المقامة في عمق أحد الجبال.

ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حاليا إلا قاذفات بي-2 مثل تلك التي تم نقلها في الآونة الأخيرة إلى دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي لا تمتلكها إسرائيل.

وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، "إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل" لتدمير فوردو ونطنز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وقال إن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياما.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق "ربما تسبب ضربة أميركية ضررا أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلا من إبعادها عنها".

وأضاف "يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره".

ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة إيران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وقال محللون ومسؤولون إن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمرا وصعبا للغاية.

وقالت كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من انتشار الأسلحة "ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها".

وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطرا يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم في مواقع مثل نطنز وفوردو.

وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للزعيم الأعلى علي خامنئي، على موقع التواصل أكس الأسبوع الماضي "استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون".

وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.

وقال جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة".