إيران- كاميرات
ستتلقى النساء اللاتي تصورهن تلك الكاميرات من دون حجاب رسالة تحذيرية قبل اعتقالهن

قال خبراء إن الكاميرات التي قررت إيران نصبها في الشوارع، لرصد النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب قصد متابعتهن، واعتقالهن، مصنوعة في الصين.

ونقل تقرير لموقع قناة يورونيوز عن الزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها الولايات المتحدة، كريغ سينغلتون، قوله إن الكاميرات التي من المقرر "أن تحل محل شرطة الأخلاق" صنعت في الصين.

وقال سينغلتون، "يشتبه بشدة في أن تلك الكاميرات عالية التقنية جاءت فعلا من الصين".

وستتلقى النساء اللاتي تصورهن تلك الكاميرات من دون حجاب "رسالة نصية تحذيرية"، قبل معاقبتهن في حال تكرار ذلك، وفقا لما يقتضيه التشريع الإيراني المتشدد، بالخصوص.

اتفاقية سرية

بفضل اتفاقية تعاون سرية مدتها 25 عاما تم إبرامها في عام 2021، ساعدت بكين النظام الإيراني المحاصر، على بناء نظام مراقبة معقد، حيث وفرت له عدة شركات من الصين، تقنية التعرف على الوجوه خلال معاينة فيديو الحشود، ومتابعة الهواتف والرصد، بينما تلقى مسؤولون إيرانيون تدريبات على مسائل التحكم في الجماهير مثل "التلاعب بالرأي العام".

وفي حين أن المراقبة الحثيثة لنشاطات جميع سكان إيران البالغ عددهم 88 مليون نسمة في تنام خلال السنوات الأخيرة، إلا أن النساء مستهدفات بشكل خاص.

وقالت ميلودي كاظمي من منظمة Filterwatch، وهي مجموعة متابعة للرقابة على الإنترنت في إيران: "تستمر التكنولوجيا في تقييد حركة النساء في إيران وتمنعهن من التمتع بالحريات الأساسية، مثل الذهاب إلى الأماكن التي يرغبن فيها أو ارتداء الملابس كما يحلو لهن".

وتابعت في حديث للموقع الأوروبي "إنها تساهم في معاملتهم كمواطنات من الدرجة الثانية، مما يضع النساء عرضة للاعتقال أو الترهيب والتحرش".

وستساعد التكنولوجيا التي توفرها بكين النظام الديني في إيران على تشديد الخناق أكثر على النساء وفق سينغلتون، الذي أكد قائلا "في الوقت الحالي، تبدو هذه التقنيات ضرورية، وإن كانت غير كافية، للأنظمة الاستبدادية مثل إيران للقضاء تماما على جميع أشكال المعارضة".

ولعبت الأدوات الإلكترونية دورا مركزيا في حملة النظام القمعية على الاحتجاجات العام الماضي، حيث استخدم النظام الإيراني، مراقبة الهواتف المحمولة والإنترنت لتحديد المتظاهرين البارزين واعتقالهم.

وبحسب ما ورد، باعت الصين لطهران نظام مراقبة قويا قادرا على مراقبة اتصالات الخطوط الأرضية والهواتف المحمولة والإنترنت.

"لا شيء جديد"

تقول الناشطة الحقوقية ميلودي كاظمي إن مراقبة النساء والمواطنين عموما في إيران "تحدث منذ وقت طويل الآن"، حيث أن استخدام التكنولوجيا من أجل القمع "له تاريخ طويل في إيران".

وتابعت "لا ينبغي أن ننسى أن إيران استخدمت بالفعل تقنيات  وأساليب مبتكرة لقمع النساء والمعارضين".

ففي عام 2019، أنشأت الشرطة الإيرانية نظاما آليا للكاميرات لتحذير النساء من انتهاك قواعد اللباس في سياراتهن.

وتلقت المئات منهن، إثر ذلك، رسائل نصية تستدعيهن لما يسمى بشرطة الآداب. 

وتعيش إيران منذ سبتمبر 2022، على وقع احتجاجات شعبية مناهضة للحكومة بعد وفاة الشابة مهسا أميني البالغة 22 عاما، والتي تم القبض عليها بزعم انتهاك قواعد اللباس الصارمة في البلاد.

ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد الإيرانيات ممن يتحدّين قواعد اللباس الإجبارية، وهو ما تريد طهران مواجهته بمساعدة بكين.

"الاستبداد التكنولوجي الصيني"

إلى ذلك، لفت التقرير إلى أن العمل الوثيق بين الصين وإيران تحكمه المصالح وخص بالذكر المال، لكنه شدد على أن الصين تريد من وراء ذلك تجربة تقنياتها خارج حدودها.

وتشترك شركات المراقبة الصينية، مثل تياندي وهيكفيغن وداهوا، "باهتمام كبير" في البحث عن أسواق جديدة خارج الصين الرئيسية، التي أصبحت بالفعل "مشبعة" بأنظمة المراقبة المتطفلة، وفقا لسينغلتون.

وجزء من تلك الجهود تكمن في اختبار ما إذا كان يمكن نشر التكنولوجيا الصينية في الخارج.

يقول سينغلتون في الصدد "لقد تحولت إيران إلى حاضنة في الشرق الأوسط للاستبداد التكنولوجي الصيني، مما يسمح للشركات الصينية تجريب عملها في الخارج لتحديد مدى توافق منتجاتها مع الشبكات غير الصينية".

وأردف الرجل قائلا إن هناك دوافع جيوسياسية أيضًا، حيث تعتمد "طموحات بكين جزئيًا على تفوقها التكنولوجي".

يذكر أنه تم تطوير العديد من المعدات عالية التقنية أثناء قمع الصين لمسلمي الإيغور والأقليات العرقية الأخرى، وهو ما تصفه الولايات المتحدة بأنه عملية "إبادة جماعية". 

وشملت تلك الجهود، مراقبة النشاط على الهواتف الذكية وجمع البيانات الحيوية، بما في ذلك الحمض النووي وفصيلة الدم وبصمات الأصابع وتسجيلات الصوت وفحوصات تعابير الوجه.

وفي أواخر مارس، قال رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي إن "خلع الحجاب يرقى إلى العداء للقيم، وستعاقب من يرتكبن مثل هذا الشذوذ".

تم تكريس شرط ارتداء الحجاب في الأماكن العامة قانونيا بعيد الثورة الإسلامية عام 1979.

هروب السينما الإيرانية

في ربيع عام 2024، انتشر مقطع فيديو على نطاق عالمي، يظهر فيه المخرج الإيراني المعروف، محمد رسولوف، وهو يسير، على قدميه، في مناطق وعرة. 

يرصد المقطع رسولوف أثناء هروبه من إيران إلى تركيا بعد أن أصدرت السلطات الإيرانية بحقه حكما بالجلد والسجن ثماني سنوات بسبب أعماله السينمائية. 

بعد أيام من هروبه وحصوله على اللجوء في السويد، أطل رسولوف في مهرجان "كان" السينمائي، في حضور حمل رسالة قوية إلى النظام الحاكم في إيران. 

صفق المشاركون في المهرجان طويلا، وبحرارة، للمخرج الإيراني، بعد فوزه بجائزة "لجنة التحكيم" الخاصة، عن فيلمه "بذرة التين المقدس".

واكتسبت تلك اللحظة زخما إضافيا لحقيقة أن رسولوف كان قد صور وأنتج فيلمه الفائز في "كان" داخل إيران قبل هروبه، تحت رقابة مشددة، وملاحقة أمنية، وتهديد دائم بالاعتقال.

يقول كافيه عباسيان، وهو مخرج وخبير سينمائي إيراني لـ"الحرة" إن رسولوف أنجز فيلمه رغم كل العراقيل والضغوط التي تعرض لها داخل بلده. لكن الضغوط أجبرت عددا كبيرا من السينمائيين الإيرانيين على العزوف عن الإنتاج السينمائي.

إضافة إلى مزاياها  الفنية، تثير الأفلام الإيرانية في الخارج اهتماما كبيرا داخل المهرجانات وخارجها بسبب موضوعاتها التي غالبا ما تثير أسئلة حول الحرية والديمقراطية والاعتقال، ودور الدين في الحياة العامة.

القائمة لا تنتهي

يعتقد  عباسيان أن هروب غالبية العاملين الإيرانيين في قطاع السينما ساهم في جذب الاهتمام بالأفلام الإيرانية في الخارج. 

"برويس سياد، أحد أعظم صانعي الأفلام لدينا هرب من إيران. وعاد غلام علي عرفان إلى البلاد وأنتج بعض الأفلام، مُنعت جميعها. وكذلك رضا لاميزاده، لم يتمكن أيضا من مواصلة مسيرته المهنية فهرب من إيران. وكذلك نصرات حكيمي، وسوزان تسليمي وهي ممثلة إيرانية أيضا، وكثيرون غيرهم. أعني القائمة لا تنتهي".

فريدون جورك، مثل كثير من هؤلاء السينمائيين، اضطر إلى المغادرة عام 2002، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية طوال سنوات عمله في السينما داخل إيران. 

يقول جورك لـ"الحرة" إنه قضى أكثر من أربعين عاما يعمل في مختلف المجالات السينمائية في إيران. أخرج حوالي 25 فيلما، لكن أجبرته الاعتقالات والملاحقة المستمرة  له ولزوجته على الهروب من طهران.

"فررنا خوفا من أن نُعتقل مرة أخرى، ولجأنا إلى الولايات المتحدة، نعيش اليوم في لوس أنجلوس ونحاول إظهار بعض جرائم هذا النظام للناس، وشرحها لهم من خلال الصورة. فالصورة دائما تساعد أكثر على إبراز الحقيقة".

من سيئ إلى أسوأ

بدأت معاناة السينمائيين الإيرانيين تتعمق مع انتقال الحكم من الشاه محمد رضا بهلوي إلى روح الله الخميني.

قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت السينما الإيرانية تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكانت مهمتها الأولى، الإشراف والتدقيق في كل ما ينتجه السينمائيون، يقول جورك.

مع تربع الخميني على سدة الحكم، أصبحت الأمور أكثر سوءا. "فعندما جاء الخميني، كان أول تعليق له عن السينما بمثابة إهانة حقيقية للمجتمع الفني. قال الخميني 'نحن لسنا ضد السينما لكنه ضد الرذيلة'. أهان العاملين في مجال السينما علنا.

بعد هذا التصريح شرع أنصاره بإحراق دور السينما في جميع أنحاء البلاد.

أثناء تحقق فريق "الحرة" من معلومات جورك بشأن تصريح الخميني، وجدنا أنه يعود إلى فترة وجود الخميني في المنفى في فرنسا وقتها، ووجدنا تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عام 1978.

 يبين التقرير أن أول حادث عنف ضد العاملين في السينما  داخل إيران حريق أضرم في دار سينما مزدحمة في مدينة عبادان الإيرانية، وأسفر عن مقتل 377 شخصا على الأقل في واحدة من أسوأ الكوارث من نوعها في تاريخ إيران، بحسب وصف الصحيفة.

قُتل رواد السينما دهسا أو اختناقا أو أُحرقوا أحياء. ويكشف التقرير أن زعماء دينيين متطرفين ألقوا كلمات في تجمعات حاشدة في جميع أنحاء إيران، حثوا فيها الإيرانيين على أداء الصلاة في المساجد بدلا من مشاهدة الأفلام في السينما أو التلفزيون. 

يؤكد فريدون جورك، الذي عايش تلك الأحداث في إيران، أن المحكمة كشفت أن الخميني كان مسؤولا عن الحريق. 

"هذا العمل الشنيع كان من عمل الجمهورية الإسلامية"، يقول. 

الحديث عن الإبداع "سخف"

"منذ الثورة تصاعد العنف ضد العاملين في قطاع السينما،" يقول علي المقدم، وهو مخرج إيراني هرب أيضا من إيران في  أواخر عام 2027، بعد اعتقاله وسجنه عدة مرات. 

يشير المقدم إلى أن الحديث عن الإبداع تحت حكم الجمهورية الإسلامية يصبح سخيفا، لأن السلطات لا تسمح لأحد بالاجتهاد والإبداع. "الحكومة تريد فقط فرض رأيها على كل شيء، وهذا لا يتعلق بالسينما فقط، إنما يتعداه إلى الموسيقى، الكتابة والشعر والنحت".

حتى عام 2023، تجاوز عدد السينمائيين المعتقلين في إيران 150 شخصا، أودت السلطات معظمهم في سجن إيفين، سيء الصيت، الذي أصبح معروفا باسم "سجن الفنانين".

رغم تضييق السلطات على السينمائيين، يعد قطاع السينما داخل إيران من أكثر الصناعات نشاطا، بإنتاج يقارب مئة فيلم سنويا، لكن الغالبية العظمى من ذلك الإنتاج تقع ضمن دائرة البروباغندا الإعلامية. 

يقول المخرج الإيراني كافيه عباسيان لـ"الحرة" إن الحرس الثوري الإسلامي يملك شركة إنتاج تُسمى "المعهد الثقافي"، وهي تنتج، إضافة إلى الأفلام، مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية.

 "لدينا هنا ميليشيا إسلامية للإنتاج الإعلامي، تُوازي الجيش الإيراني، وهم يتفوقون على أي شركة إنتاج خاصة أخرى في إيران" يقول عباسيان، "يدفعون أجورا أعلى بكثير لمحترفي السينما والممثلين لإنتاج أفلامهم، ونتيجة لذلك تبدو أفلامهم رائعة، لكن السينما الإيرانية لها تاريخ طويل".

رغم القمع، واضطرار رسولوف وجورك، وعشرات السينمائيين إلى الهروب من إيران، معهم إبداعاتهم، تتواصل في القرى والمدن الإيرانية إنتاجات السينما المستقلة، و"هذا هو الأهم، هذا هو مستقبل إيران، هذا هو المستقبل الذي يهمنا"، يقول المخرج الإيران كافيه عباسيان لـ"الحرة" من منفاه البريطاني.