في وسط طهران.. أرشيفية
في وسط طهران.. أرشيفية

سلط الضوء مجددا على ملف الحجاب في إيران هذا الأسبوع بعدما أعلنت السلطات عودة "شرطة الأخلاق" للشوارع، بالإضافة لقيامها بفرض عقوبات مرتبطة بالحجاب على ممثلة بارزة، ومهرجان سينمائي.

والأحد من الأسبوع الماضي، أعلنت الشرطة الإيرانية استئناف الدوريات لمعاقبة النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب في الأماكن العامة، واللواتي يزداد عددهن، وذلك بعد عشرة أشهر على وفاة مهسا أميني.

وبعدما تعرضت شرطة الأخلاق لانتقادات كثيرة، اختفت إلى حد كبير من الشوارع في الأشهر الأخيرة. وكان مزيد من النساء يخرجن من دون حجاب، خصوصا في طهران والمدن الكبرى.

والأربعاء الماضي حُكم على الممثلة الإيرانية الشهيرة أفسانه بايغان بالسجن عامين مع وقف التنفيذ لظهورها في أماكن عامة من دون الحجاب الإلزامي في الجمهورية الإسلامية.

كذلك مُنعت الممثلة، البالغة من العمر 61 عاما، من مغادرة إيران واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعامين.

وبعدها حظرت السلطات الإيرانية مهرجانا سينمائيا ظهر فيه ملصق ترويجي لممثلة لا ترتدي الحجاب، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

وقالت الشبكة إن الملصق الترويجي كان لفيلم وفاة يزدغرد" من بطولة الممثلة سوزان تسلمي، وتدور أحداثه في عام 1982، أي "قبل أن يصبح الحجاب إلزاميا في جميع أنحاء إيران".

وعادة ما يشار إلى أن الحجاب فرض في إيران عام 1979 بعد إسقاط الخميني لحكم نظام الشاه، لكن هذا الأمر غير دقيق، وفقا لمصادر غربية متعددة.

ففي تقرير مفصل بشأن الحجاب في إيران، ذكرت جامعة "إيسكس" البريطانية أن السلطات الإيرانية فرضت الحجاب على النساء بشكل رسمي في أبريل من عام 1983، أي بعد أربع سنوات من الثورة الإسلامية.

وقال التقرير إن البرلمان الإيراني أقر في ذلك التاريخ قانونا يلزم جميع النساء في إيران بارتداء الحجاب في الأماكن العامة، بما في ذلك غير المسلمات والأجنبيات اللواتي يزرن إيران. 

وقبل ذلك كان الخميني قد شدد أن النساء يجب أن يلتزمن بقواعد اللباس الإسلامي وذلك بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة الإيرانية، مما أثار احتجاجات عارمة في أنحاء متفرقة بالبلاد، وفقا لتقرير نشره موقع "يورونيوز" الأسبوع الماضي.

ودفعت الاحتجاجات الحكومة الإيرانية آنذاك إلى القول إن تصريحات خميني كانت مجرد "توصية" ليست ملزمة، وذلك في مسعى منها لتهدئة الشارع.

وعلى مر السنين، أدخلت السلطات الإيرانية المزيد من التعديلات على قانون فرض الحجاب، إذ بدأت بتطبيق العقوبة الجنائية لمن يخالفن القانون في تسعينيات القرن الماضي. وتراوحت العقوبات بين السجن والغرامة.

لكن بدءا من يناير عام 2018 صدرت تعليمات جديدة خففت من ذلك، ولم تعد النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب يواجهن الغرامة أو السجن، بل كن يجبرن على حضور دروس لـ "تعليم الإسلام".

وفي مثل هذه الحالات، عادة ما تقوم شرطة الأخلاق بمرافقة النساء إلى سيارة شرطة ثم إلى فصل دراسي، حيث يُطلب منهن بعد ذلك التوقيع على تعهد بعدم ارتكاب جريمة "الحجاب غير اللائق" مرة أخرى.

وتم تطبيق هذا الإجراء في العاصمة طهران فقط، ومع ذلك تحدثت تقارير أن النساء اللواتي كن ينتهكن قواعد اللباس بشكل متكرر تعرضن لإجراءات قانونية.

ورغم التهديد بالاعتقال، تعارض ملايين النساء الإيرانيات الحجاب، إذ يرتدينه بشكل فضفاض حول رؤوسهن أو على أكتافهن فقط.

وفي عام 2022، جرى تشديد الإجراءات مرة أخرى، وبدأت شرطة الأخلاق باعتقال العديد من النساء المخالفات، وضربهن حتى الموت كما حصل معا مهسا أميني في سبتمبر من ذات العام.

وكانت أميني، الشابة الكردية الإيرانية التي تبلغ 22 عاما، قد تمّ توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لانتهاكها قواعد اللباس الصارمة.

وقُتل مئات الأشخاص، بينهم عشرات من عناصر قوات الأمن، على هامش احتجاجات اندلعت بعد وفاة أميني.

وأوقفت السلطات آلاف الأشخاص ونفّذت حكم الإعدام بحق سبعة منهم في قضايا متصلة بالاحتجاجات.

ما بعد خامنئي

بحركات بطيئة - مدروسة - يسير، عادة، رافعا يديه في إيماءة روتينية بينما يهتف الحشد باسمه. فصاحب الثمانين عاما، لا يزال ينشب قبضته بقوة في صولجان السلطة، بوصفه "المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية". 

لكن خلف طقوس التعظيم هذه، يزداد السؤال وضوحا يوما بعد يوم: من بعد خامنئي؟ 

أو، بالأحرى، ماذا بعده؟

في نظام يركّز السلطة في يد رجل واحد، لن يكون رحيل هذا الرجل مجرد تغيير في القيادة. خامنئي ليس فقط رأس النظام والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بل هو القول الفصل في السياسات الخارجية، وشؤون الأمن والدفاع، وهو المحور الروحي - السياسي الذي تدور حوله كل مؤسسات الجمهورية الإسلامية. 

غيابه لا يترك فراغا فحسب، بل قد يزلزل أسس النظام.

الحاكم الأوحد

منذ أن أصبح المرشد الأعلى عام 1989، أعاد خامنئي تشكيل منصب ولاية الفقيه ليصبح مؤسسة شخصية أكثر من كونه منصبا دينيا تقليديا. فقد تحول من مجرد دور ديني إلى مركز ثقل لكل مؤسسات القوة في الدولة، بدءا من الحرس الثوري الإيراني ومجلس صيانة الدستور، وصولا إلى القضاء والمؤسسات الدينية.

يقول نظام مير محمدي، الباحث القانوني والمحلل في الشأن الإيراني، في حديث مع "الحرّة"، إن القيادة في إيران تتجاوز بكثير المسائل الدينية. 

"المرشد يلعب دورا لا غنى عنه في إدارة الأزمات، واحتواء الخلافات الحزبية، ورسم الخطوط الحمراء في السياسة الخارجية والأمنية. وأي فراغ في هذا المنصب قد يشكل تهديدا حقيقيا للنظام"، حسب قوله.

وعلى الرغم من أن المادة 107 من الدستور الإيراني تنص على أن مهمة اختيار المرشد تقع على عاتق مجلس خبراء القيادة، أظهرت التجارب التاريخية أن عملية اختيار خليفة للمرشد غالبا ما افتقرت إلى السلاسة والشفافية.

المنافسات الخفية، وتدخل الأجهزة الأمنية، وصراع الأجنحة السياسية، كلها عوامل تؤثر في عملية الاختيار. كما أن التعديلات الدستورية لعام 1989، التي مهدت لتولي خامنئي منصبه رغم محدودية مؤهلاته الدينية آنذاك، أظهرت كيف يمكن تكييف هذا المنصب تبعا للظروف السياسية، وفقا لمحمدي.

الدستور والسياسة

من الناحية الدستورية، فإن مجلس خبراء القيادة، المؤلف من رجال دين منتخبين من قبل الشعب، هو الجهة المخولة باختيار المرشد الجديد في حال وفاة أو استقالة أو عزل المرشد الحالي. لكن محمدي يشدد على أن هذه العملية غالبا ما تكون عرضة لتدخلات من الحرس الثوري، ومكتب القائد، ومجلس صيانة الدستور، ومؤسسات أخرى.

وفي حالة خامنئي، تم تعديل هيكل القيادة ليناسبه. فالتغييرات الدستورية في عام 1989 ألغت شرط أن يكون المرشد مرجعا دينيا، واكتفت بأن يكون مجتهدا فقهيا. ويُنظر إلى هذه التعديلات على نطاق واسع باعتبارها ترتيبات سياسية كان الغرض منها تمكين خامنئي من تولي المنصب. وبهذا، تحولت ولاية الفقيه من نظرية فقهية إلى منصب سياسي شخصي.

"لم يبن هذا المنصب على أصول الفقه الشيعي التقليدية، بل جاء نتيجة تحول سياسي وأمني يهدف إلى تكييف المنصب مع خصوصيات وظروف خامنئي وقتها".

ويضيف محمدي أن النموذج القيادي الحالي أصبح مرتبطا تماما بشخص خامنئي. رحيله قد لا يؤدي فقط إلى أزمة في الخلافة، بل إلى انهيار الإطار الفكري والتنظيمي الذي بُني عليه النظام".

سيناريوهات الخلافة

رغم وضوح المسار الدستوري، فإن هناك عدة سيناريوهات محتملة. يرى بعض المحللين أن خامنئي ربما يسعى، بشكل غير رسمي أو حتى رسمي، إلى تعيين خليفة أو نائب قبل وفاته، مستفيدا من تجربة عزل آية الله منتظري في أواخر الثمانينيات.

وتشير تقارير إلى وجود لجان سرية داخل مجلس خبراء القيادة، وتصريحات لبعض أئمة الجمعة حول قائمة من المرشحين المحتملين، كلها تؤكد أن ترتيبات معينة قد بدأت بالفعل. ومن بين الأسماء المطروحة بشكل متكرر:

ـ صادق آملي لاريجاني: الرئيس السابق للسلطة القضائية وعضو مجلس صيانة الدستور.

ـ سيد حسن خميني: حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، وله بعض الميول الإصلاحية.

ـ عبد الله جوادي آملي ومحمد مهدي ميرباقري: فقيهان بارزان لهما حضور ديني واسع.

ـ علي لاريجاني: سياسي مخضرم ورئيس سابق لمجلس الشورى.

ولكن في السنوات القليلة الماضية، برز اسم آخر بقوة: عليرضا أعرافي.

صعود عليرضا أعرافي

ولد أعرافي عام 1959، ويشغل حاليا عدة مناصب حساسة ومؤثرة، فهو مدير الحوزات العلمية في البلاد، وعضو مجلس صيانة الدستور، ونائب رئيس مجلس خبراء القيادة، وممثل محافظة طهران في المجلس. كما شغل منصب إمام جمعة مدينة قم، وكان رئيسا لجامعة المصطفى العالمية.

يتمتع أعرافي بخلفية دينية وأكاديمية قوية، وله علاقات واسعة داخل الحوزات العلمية، ويُعد عضوا بارزا في رابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم، وهي واحدة من أكثر الهيئات الدينية تأثيرا في البلاد.

يؤكد محمدي أن أعرافي يُعتبر شخصية مقربة من "بيت القائد"، وله حضور فاعل داخل مؤسسات النظام، لا سيما مجلس صيانة الدستور ومجلس خبراء القيادة. 

ويضيف أن إسناد مهمة قراءة رسائل خامنئي الرسمية إليه في المناسبات الوطنية يعد إشارة واضحة إلى الثقة التي يحظى بها من أعلى هرم في السلطة.

لكن رغم هذه "المؤهلات"، يواجه أعرافي تحديات كبيرة، أبرزها غياب الكاريزما الشعبية، وافتقاره إلى الدعم من الشبكات العسكرية والأمنية التي تدعم مرشحين آخرين. ومع ذلك، يُنظر إليه كخيار توافقي محتمل، خاصة في حال فشل الأجنحة المتصارعة في التوافق على مرشح بعينه "من أبناء أو مقربين مباشرين من خامنئي".

المعضلة الوراثية

من أكثر الأسماء إثارة للجدل في ملف الخلافة هو مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى. وعلى الرغم من تداوله خلف الكواليس كمؤثر قوي، تثير فكرة وراثة المنصب حساسية شديدة داخل النظام.

يشير المعارض الإيراني سنابرق زاهدي إلى أن ترشيح مجتبى سيُفسر على أنه تحويل للنظام إلى ملكية دينية مقنّعة، وهو ما يُفقده شرعيته الثورية. 

ويقول زاهدي: "بمجرد أن بدأ الحديث عن مجتبى كخليفة محتمل، تعالت الأصوات بأن النظام بات وراثيا".
لهذا، يستبعد إمكانية تعيينه خليفة لأبيه.

أزمة تتجاوز شخص المرشد

في جوهرها، لا تتعلق أزمة الخلافة فقط بمن سيقود، بل بشكل القيادة نفسها بعد خامنئي. ففي ظل تصاعد الغضب الشعبي، والتدهور الاقتصادي، والضغوط الإقليمية والدولية، فإن مصير الجمهورية الإسلامية على المحك.

ورغم محاولات النظام للتحكم في المسار، إلا أن الرأي العام قد يؤثر بشكل غير مباشر على المناخ السياسي العام. فالدستور لا يمنح الشعب دورا مباشرا في اختيار المرشد، لكن كما أظهرت الاحتجاجات الأخيرة، فإن الشارع الإيراني قادر على فرض معادلات جديدة.

ويحذر محمدي قائلا: "إذا فشلت الأجنحة المختلفة في التوصل إلى توافق، فقد تواجه البلاد فراغا في السلطة، أو حتى أزمة شرعية كبرى. مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي وانهيار الهيكل الحالي، وبداية مرحلة جديدة في تاريخ إيران".

نهاية حقبة؟

على مدى عقود، اعتمدت الجمهورية الإسلامية على سلطة رجل واحد. ومع تقدمه في السن، تقترب لحظة حاسمة قد تكون الأهم في تاريخ النظام. فهل سينجح في اجتياز هذا المنعطف التاريخي دون اهتزاز؟ أم أن وفاة خامنئي ستكون بداية لانهيار المنظومة، وصعود بدائل ديمقراطية أو هياكل حكم جديدة؟

بينما يتواصل الهتافات باسمه، يرفع خامنئي يديه مجددا بالحركة الروتينية ذاتها، وهو يدرك، ربما، أن النظام الذي أمسك بخيوطه طوال عقود، سيواجه قريبا أصعب اختبار لوجوده.