هجرة متزايدة للأطباء في إيران (أرشيف)
هجرة متزايدة للأطباء في إيران (أرشيف)

أدت الظروف الاقتصادية الصعبة في إيران، إلى تزايد موجات هجرة الأطباء والعاملين في القطاع الصحي خلال السنوات الأخيرة، وفق تقرير لموقع "راديو أوروبا الحرة".

وقدرت وسائل إعلام إيرانية أن حوالي 16 ألف طبيب، بما في ذلك المتخصصين، غادروا البلاد منذ عام 2020، مما أدى إلى تحذيرات من حدوث أزمة في الرعاية الصحية.

وبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد وظروف العمل الصعبة، يدفع انعدام الحريات الاجتماعية والسياسية آلاف العاملين في هذا المجال إلى الهجرة.

وتسارعت وتيرة الهجرة بعد تفشي جائحة كورونا عام 2020، التي ألحقت خسائر فادحة بالعاملين في مجال الرعاية الصحية. وكانت إيران واحدة من الدول الأكثر تضررا في العالم، حيث سجلت أكثر من 146 ألف حالة وفاة.

كذلك، استهدفت السلطات الإيرانية، الأطباء بسبب علاجهم للأشخاص الذين تعرضوا لإصابات خلال المظاهرات المناهضة للنظام، والتي هزت البلاد بعد وفاة الشابة، مهسا أميني، في سبتمبر 2022 إثر احتجازها لدى شرطة الأخلاق، لانتهاكها قانون الحجاب الإلزامي في إيران.

وقال رئيس المجلس الطبي في إيران، محمد رئيس زاده، أمام حشد من الجراحين خلال وقت سابق من أغسطس الجاري: "هذا البلد يخلو من الأطباء".

وأضاف أن "الأجور المنخفضة دفعت الأطباء الإيرانيين للبحث عن رواتب أعلى في الخارج، خاصة في دول الخليج الغنية بالنفط".

وحذر المسؤولون من النقص الحاد في الأطباء على الرغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة قد اتخذت خطوات لوقف الهجرة الجماعية. وأشار بعض المسؤولين إلى أن البلاد قد تفكر في "جذب أطباء من الخارج".

وغادرت سبيده، وهي طبيبة إيرانية في منتصف العمر، البلاد للاستفادة من الأجور المرتفعة والظروف المعيشية الأفضل المتوفرة في الخارج.

وسافرت لأول مرة إلى عُمان للعمل هناك، قبل أن تنتقل الأم العازبة مؤخرا إلى فنلندا، حيث تعيش مع طفلها.

وقالت سبيده، التي لم تكشف عن اسمها الكامل بسبب مخاوف على سلامة عائلتها في إيران، لراديو "فاردا" التابع لـ "إذاعة أوروبا الحرة"، إن "ظروف العمل (في إيران) صعبة".

وأضافت: "لم يكن لدي الأمن (المالي) لإرسال طفلي إلى مدرسة جيدة. قالوا لطفلي أشياء لا أريد أن يسمعها"، في إشارة إلى المدارس الحكومية المتهمة بتعزيز الدعاية الأيديولوجية.

وأوضحت أن السنوات الأخيرة "شهدت تراجعا في الظروف المعيشية للأطباء، بسبب التضخم وانخفاض قيمة الريال". 

وأدت العقوبات الدولية وسوء الإدارة الحكومية إلى شل الاقتصاد الإيراني، وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وقالت سبيده أيضا إن "حملة القمع المتزايدة التي تشنها السلطات على النساء اللاتي ينتهكن قانون الحجاب الصارم في البلاد، تدفع بعض الطبيبات على وجه الخصوص إلى مغادرة وطنهن".

وتابعت: "تم القبض على العديد من زميلاتي بسبب الحجاب، بالرغم من أن إحداهن كانت طبيبة نسائية وجميع زبائنها من النساء".

واستطردت: "إننا نفقد العديد من الأطباء المتخصصين كل عام. إنهم الكنز الحقيقي لأمتنا".
 

هروب السينما الإيرانية

في ربيع عام 2024، انتشر مقطع فيديو على نطاق عالمي، يظهر فيه المخرج الإيراني المعروف، محمد رسولوف، وهو يسير، على قدميه، في مناطق وعرة. 

يرصد المقطع رسولوف أثناء هروبه من إيران إلى تركيا بعد أن أصدرت السلطات الإيرانية بحقه حكما بالجلد والسجن ثماني سنوات بسبب أعماله السينمائية. 

بعد أيام من هروبه وحصوله على اللجوء في السويد، أطل رسولوف في مهرجان "كان" السينمائي، في حضور حمل رسالة قوية إلى النظام الحاكم في إيران. 

صفق المشاركون في المهرجان طويلا، وبحرارة، للمخرج الإيراني، بعد فوزه بجائزة "لجنة التحكيم" الخاصة، عن فيلمه "بذرة التين المقدس".

واكتسبت تلك اللحظة زخما إضافيا لحقيقة أن رسولوف كان قد صور وأنتج فيلمه الفائز في "كان" داخل إيران قبل هروبه، تحت رقابة مشددة، وملاحقة أمنية، وتهديد دائم بالاعتقال.

يقول كافيه عباسيان، وهو مخرج وخبير سينمائي إيراني لـ"الحرة" إن رسولوف أنجز فيلمه رغم كل العراقيل والضغوط التي تعرض لها داخل بلده. لكن الضغوط أجبرت عددا كبيرا من السينمائيين الإيرانيين على العزوف عن الإنتاج السينمائي.

إضافة إلى مزاياها  الفنية، تثير الأفلام الإيرانية في الخارج اهتماما كبيرا داخل المهرجانات وخارجها بسبب موضوعاتها التي غالبا ما تثير أسئلة حول الحرية والديمقراطية والاعتقال، ودور الدين في الحياة العامة.

القائمة لا تنتهي

يعتقد  عباسيان أن هروب غالبية العاملين الإيرانيين في قطاع السينما ساهم في جذب الاهتمام بالأفلام الإيرانية في الخارج. 

"برويس سياد، أحد أعظم صانعي الأفلام لدينا هرب من إيران. وعاد غلام علي عرفان إلى البلاد وأنتج بعض الأفلام، مُنعت جميعها. وكذلك رضا لاميزاده، لم يتمكن أيضا من مواصلة مسيرته المهنية فهرب من إيران. وكذلك نصرات حكيمي، وسوزان تسليمي وهي ممثلة إيرانية أيضا، وكثيرون غيرهم. أعني القائمة لا تنتهي".

فريدون جورك، مثل كثير من هؤلاء السينمائيين، اضطر إلى المغادرة عام 2002، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية طوال سنوات عمله في السينما داخل إيران. 

يقول جورك لـ"الحرة" إنه قضى أكثر من أربعين عاما يعمل في مختلف المجالات السينمائية في إيران. أخرج حوالي 25 فيلما، لكن أجبرته الاعتقالات والملاحقة المستمرة  له ولزوجته على الهروب من طهران.

"فررنا خوفا من أن نُعتقل مرة أخرى، ولجأنا إلى الولايات المتحدة، نعيش اليوم في لوس أنجلوس ونحاول إظهار بعض جرائم هذا النظام للناس، وشرحها لهم من خلال الصورة. فالصورة دائما تساعد أكثر على إبراز الحقيقة".

من سيئ إلى أسوأ

بدأت معاناة السينمائيين الإيرانيين تتعمق مع انتقال الحكم من الشاه محمد رضا بهلوي إلى روح الله الخميني.

قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت السينما الإيرانية تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكانت مهمتها الأولى، الإشراف والتدقيق في كل ما ينتجه السينمائيون، يقول جورك.

مع تربع الخميني على سدة الحكم، أصبحت الأمور أكثر سوءا. "فعندما جاء الخميني، كان أول تعليق له عن السينما بمثابة إهانة حقيقية للمجتمع الفني. قال الخميني 'نحن لسنا ضد السينما لكنه ضد الرذيلة'. أهان العاملين في مجال السينما علنا.

بعد هذا التصريح شرع أنصاره بإحراق دور السينما في جميع أنحاء البلاد.

أثناء تحقق فريق "الحرة" من معلومات جورك بشأن تصريح الخميني، وجدنا أنه يعود إلى فترة وجود الخميني في المنفى في فرنسا وقتها، ووجدنا تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عام 1978.

 يبين التقرير أن أول حادث عنف ضد العاملين في السينما  داخل إيران حريق أضرم في دار سينما مزدحمة في مدينة عبادان الإيرانية، وأسفر عن مقتل 377 شخصا على الأقل في واحدة من أسوأ الكوارث من نوعها في تاريخ إيران، بحسب وصف الصحيفة.

قُتل رواد السينما دهسا أو اختناقا أو أُحرقوا أحياء. ويكشف التقرير أن زعماء دينيين متطرفين ألقوا كلمات في تجمعات حاشدة في جميع أنحاء إيران، حثوا فيها الإيرانيين على أداء الصلاة في المساجد بدلا من مشاهدة الأفلام في السينما أو التلفزيون. 

يؤكد فريدون جورك، الذي عايش تلك الأحداث في إيران، أن المحكمة كشفت أن الخميني كان مسؤولا عن الحريق. 

"هذا العمل الشنيع كان من عمل الجمهورية الإسلامية"، يقول. 

الحديث عن الإبداع "سخف"

"منذ الثورة تصاعد العنف ضد العاملين في قطاع السينما،" يقول علي المقدم، وهو مخرج إيراني هرب أيضا من إيران في  أواخر عام 2027، بعد اعتقاله وسجنه عدة مرات. 

يشير المقدم إلى أن الحديث عن الإبداع تحت حكم الجمهورية الإسلامية يصبح سخيفا، لأن السلطات لا تسمح لأحد بالاجتهاد والإبداع. "الحكومة تريد فقط فرض رأيها على كل شيء، وهذا لا يتعلق بالسينما فقط، إنما يتعداه إلى الموسيقى، الكتابة والشعر والنحت".

حتى عام 2023، تجاوز عدد السينمائيين المعتقلين في إيران 150 شخصا، أودت السلطات معظمهم في سجن إيفين، سيء الصيت، الذي أصبح معروفا باسم "سجن الفنانين".

رغم تضييق السلطات على السينمائيين، يعد قطاع السينما داخل إيران من أكثر الصناعات نشاطا، بإنتاج يقارب مئة فيلم سنويا، لكن الغالبية العظمى من ذلك الإنتاج تقع ضمن دائرة البروباغندا الإعلامية. 

يقول المخرج الإيراني كافيه عباسيان لـ"الحرة" إن الحرس الثوري الإسلامي يملك شركة إنتاج تُسمى "المعهد الثقافي"، وهي تنتج، إضافة إلى الأفلام، مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية.

 "لدينا هنا ميليشيا إسلامية للإنتاج الإعلامي، تُوازي الجيش الإيراني، وهم يتفوقون على أي شركة إنتاج خاصة أخرى في إيران" يقول عباسيان، "يدفعون أجورا أعلى بكثير لمحترفي السينما والممثلين لإنتاج أفلامهم، ونتيجة لذلك تبدو أفلامهم رائعة، لكن السينما الإيرانية لها تاريخ طويل".

رغم القمع، واضطرار رسولوف وجورك، وعشرات السينمائيين إلى الهروب من إيران، معهم إبداعاتهم، تتواصل في القرى والمدن الإيرانية إنتاجات السينما المستقلة، و"هذا هو الأهم، هذا هو مستقبل إيران، هذا هو المستقبل الذي يهمنا"، يقول المخرج الإيران كافيه عباسيان لـ"الحرة" من منفاه البريطاني.