عناصر "شرطة الأخلاق" يعود لهم صلاحية توجيه الاتهامات وفرض العقوبات
عناصر "شرطة الأخلاق" يعود لهم صلاحية توجيه الاتهامات وفرض العقوبات

"شرطة الأخلاق لم تذهب حتى تعود"، هذا ما يؤكده عدد من النشطاء الإيرانيين الذين تحدث معهم موقع "الحرة"، بعد إصابة الإيرانية، أرميتا غاراواند، بجروح خطرة خلال مشاجرة اندلعت بينها وبين شرطيات في مترو الأنفاق بالعاصمة الإيرانية طهران.

وفي وقت نفت السلطات الإيرانية وقوع أي احتكاك بين غاراواند وعناصر من أجهزة رسمية، مؤكدة أنها "فقدت الوعي" لانخفاض ضغط الدم، قالت منظمة هنجاو الحقوقية إن الفتاة، البالغة من العمر 16 عاما، دخلت في غيبوبة بعد تعرضها "لاعتداء".

كما قالت المنظمة، على منصة إكس، إن قوات الأمن قبضت على شاهين أحمدي والدة الفتاة، دون أن يصدر أي تأكيد رسمي حتى الآن بشأن الاعتقال.

وعبر ناشطون عن غضبهم إزاء الحادثة التي تأتي بعد أيام قليلة على الذكرى السنوية الأولى لوفاة مهسا أميني، وقالت الناشطة مسيح علي نجاد، على أكس، إن الفتاة تقبع الآن في المستشفى في حال غيبوبة بعد مواجهة مع "شرطة الأخلاق".

والمثير أن السلطات الإيرانية كانت قد أعلنت وسط احتدام الاحتجاجات على مقتل أميني العام الماضي عن حل شرطة الأخلاق، ولكن يؤكد نشطاء في المقابل أن هذا الجهاز لايزال يمارس نشاطه ولكن تحت مسميات أخرى.

عودة شرطة الأخلاق؟

وفي هذا السياق، تقول الناشطة السياسية الإيرانية المقيمة في لندن، ليلى جزايري، إن النظام الإيراني يستخدم "شرطة الأخلاق" لقمع النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الإلزامي".

وهذه القاعدة "موجودة دائما ولم يتم إلغاؤها أبدا"، لكن بعد انتفاضة سبتمبر 2022، التي استمرت عدة أشهر، غير النظام تكتيكاته، وفق حديثها لموقع "الحرة".

وبدأت شرطة الأخلاق في مضايقة الفتيات الصغيرات في المدارس عن طريق تسميم التلميذات لعدة أشهر، على حد قولها.

وتؤكد جزايري، أن السلطات الإيرانية أدخلت "شرطة الحجاب" الجديدة ونشروا قوات قمعية في محطات مترو الأنفاق لترهيب وقمع النساء، والهجوم الوحشي الأخير على الفتاة نفذته تلك القوات.

في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، على منصة إكس، الخميس، إن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا "تبدي قلقا غير صادق بشأن النساء والفتيات الإيرانيات".

ومن جانبه، يشير المعارض الإيراني المقيم في لندن، وجدان عبدالرحمن، إلى أن تصريحات السلطات الإيرانية حول إلغاء شرطة الأخلاق بعد الاحتجاجات التي اندلعت إثر وفاة الشابة، مهسا أميني، كانت "كاذبة وليس لها أي أساس من الصحة".

وفي ديسمبر 2022، قال المدعي العام في إيران، محمد جعفر منتظري، إن "شرطة الأخلاق ليس لها علاقة بالقضاء وألغاها من أنشأها"، كما أفادت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية (إسنا)، وقتها.

و"شرطة الأخلاق لم تلغى من الأساس"، وشاركت بقوة في قمع الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة أميني، في 16 سبتمبر 2022 بعد أيام على توقيفها على خلفية انتهاكها قواعد اللباس الصارمة في إيران، حسبما يوضح عبدالرحمن.

ويشدد المعارض الإيراني أن قوات "شرطة الأخلاق" انشغلت خلال الفترة الماضية بقمع الاحتجاجات، وبعد الانتهاء من التنكيل بالمحتجين عاودت الظهور مرة أخرى لتمارس المزيد من "التسلط على النساء"، وتفتش السيدات في القطارات والمطارات ومحطات المترو.

ومن جهته، يؤكد المحلل السياسي الإيراني المقيم في ستوكهولم، نوري آل حمزة، أن "شرطة الأخلاق لم تلغى"، لكن تم رفع "شعاراتها من السيارات التابعة لها وملابس عناصرها".

ومازال عمل شرطة الأخلاق "مستمرا"، لكن عناصرها يتنكرون في ملابس مدنية ويتحركون في محطات المترو والحافلات والقطارات والأسواق، ويهاجمون النساء، وفق حديثه لموقع "الحرة".

ويرى آل حمزة أن السلطات الإيرانية سعت لـ"إبعاد اسم شرطة الأخلاق" عن الرأي العام، وبذلك قامت بـ"عملية خبيثة"، بإلباسهم ملابس مدنية تقليدية لكنهم يمارسون "نفس المهام السابقة".

وكل ما تغير هو "إزالة الشعار"، لكن المهام والمسؤوليات "لم تتغير"، حسبما يشير المحلل السياسي الإيراني المقيم في ستوكهولم.

ما هي شرطة الأخلاق؟

سيدة إيرانية تبكي في سيارة شرطة الأخلاق عقب اعتقالها- صورة أرشيفية.

ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979 كان في إيران أشكال مختلفة من "شرطة الأخلاق".

في العام 2006، بدأت شرطة الأخلاق دورياتها بعدما أنشأها المجلس الأعلى للثورة الثقافية في عهد الرئيس الأسبق المحافظ، محمود أحمدي نجاد، (2005-2013)، من أجل "نشر ثقافة الأدب والحجاب"، وفق وكالة "فرانس برس".

واسمها بالفارسية "غاشت إرشاد"، أي دوريات الإرشاد، وهي مكلفة بتطبيق تفسيرات النظام الصارمة لمفهوم الأخلاق وبإنفاذ مدونة قواعد السلوك الإسلامية الإيرانية في الأماكن العامة.

وبموجب القانون الإيراني، يحق لعناصر شرطة الأخلاق توجيه الاتهامات وفرض غرامات أو حتى اعتقال من تعتقد أنهن يخالفن "القواعد".

وتحظى شرطة الأخلاق بدعم من ميليشيا البسيج الإيرانية، ويُعتقد أن جماعة "غاشت إرشاد" تستقطب الكثير من أفرادها من تلك المليشيا، وهي وحدة شبه عسكرية متشددة، وتشمل أيضا العديد من النساء، وفق تقرير سابق لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

حوادث مستمرة؟

وفقا لمنظمة "هينغاو"، فإن الفتاة، أرميتا غاراواند، البالغة من العمر 16 عاما أصيبت بجروح خطرة خلال مشاجرة اندلعت بينها وبين شرطيات في شرطة الأخلاق في مترو الأنفاق بالعاصمة الإيرانية.

وأصبحت قضية هذه الفتاة محور نقاشات عديدة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تم تداول مقطع فيديو يظهر، بحسب البعض، الشابة التي بدا أنها غير محجبة تُدفع من قبل شرطيات إلى داخل قطار المترو، قبل أن تسقط أرضا ويتم نقلها بعيدا من دون أن يتحرك جسمها الذي بدا أشبه بلوح خشبي.

وتنحدر الفتاة من مدينة كرمانشاه، في غرب إيران ذي الأغلبية الكردية، وتعيش في طهران، بحسب "هنغاو".

وتذكر هذه الواقعة بوفاة الشابة الكردية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعد أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق على خلفية انتهاكها قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق خلّف احتجاجات واسعة في إيران

ولذلك تشير ليلى جزايري إلى أن النظام الإيراني يستهدف النساء على وجه التحديد كـ"وسيلة لقمع وبث الخوف في المجتمع من أجل منع الانتفاضات".

وينبع هذا النهج القمعي من كراهية النظام الإيراني العميقة للنساء، وفق الناشطة السياسية الإيرانية المقيمة في لندن.

وترى أن النظام الإيراني يستخدم "فرض الحجاب الإلزامي" كأداة، لترهيب النساء وخلق الخوف على نطاق واسع داخل المجتمع.

وتماشيا مع هذه الاستراتيجية، حدثت زيادة في عمليات الإعدام التي تهدف إلى خلق جو من الرعب وردع الاحتجاجات العامة، حيث تم إعدام أكثر من 530 شخصا منذ بداية العام، حسبما توضح.

وتشدد على أن المرأة تشكل نصف المجتمع، ولذلك يفرض النظام الإيراني "قوانين همجية" لاستخدام العنف بشكل منهجي، وخلق جو من الخوف والرعب في جميع أنحاء إيران من أجل السيطرة على النصف الآخر من المجتمع.

ويخدم غرض السلطات الإيرانية في "السيطرة على السخط العام ضد النظام ومنع الانتفاضات من الحدوث"، بحسب الناشطة السياسية الإيرانية المقيمة في لندن.

ومن جانبه، يؤكد وجدان عبدالرحمن أن النظام الإيراني يعتبر أن "الحجاب الإلزامي والزي الإسلامي"، هو المظهر الوحيد المتبقي من شعارات الجمهورية الإسلامية.

ويرى النظام الإيراني أن "التدين الظاهري" المتعلق بالحجاب واللباس الإسلامي هو "خط أحمر"، ليستمر في ممارسة "سطوته الدينية" على الإيرانيين، وفق عبدالرحمن.

ويتفق معه نوري آل حمزة الذي يشير إلى أن "الإيرانيات يناضلن من أجل حقوقهن في اختيار ملابسهن"، في مواجهة "وصاية النظام".

وإذا تخلت السلطات الإيرانية عن "فرض الوصاية الدينية"، فهي ستفقد "سطوتها" على الشارع الذي يناضل سياسيا واجتماعيا بهدف إزاحة النظام، حسبما يؤكد المحلل السياسي الإيراني المقيم في ستوكهولم.

العنف سلاح الشرطة الإيرانية في قمع تظاهرات 2009. أرشيفية
صورة أرشيفية لعناصر من الشرطة الإيرانية (فرانس برس)

اعتقلت السلطات الإيرانية 10 نساء من الديانة البهائية في سلسلة مداهمات منزلية "مروعة"، وفق ما أعلنت منظمة "الجماعة البهائية الدولية" التي تمثل مصالح تلك الأقلية على مستوى العالم، الأربعاء.

وأوضحت المنظمة في بيان أن قوات الأمن نفّذت عمليات الاعتقال دون أوامر قانونية أو إشعارات مسبقة، حيث تسللت العناصر إلى منازل النساء بتسلق الجدران، أو عبر التظاهر بأنهم عمال مرافق، مما أثار استياء الجيران. 

وأشارت إلى أن النساء خضعن لتفتيش وصفته بـ"المهين والمؤلم".

النساء المعتقلات يواجهن اتهامات تشمل الانخراط في أنشطة تعليمية ودعائية "منحرفة"، والتي تعتبرها السلطات الإيرانية مخالفة للشريعة الإسلامية. 

ومع ذلك، أوضحت سيمين فاهاندي، ممثلة البهائيين في الأمم المتحدة بجنيف، أن "الجريمة المزعومة هي مجرد خدمة مجتمعاتهن المحلية".

يُشار إلى أن إيران تتيح حرية العبادة لبعض الأقليات الدينية كالمسيحيين واليهود والزرادشتيين، لكنها لا تعترف بحقوق أتباع الطائفة البهائية. وترى السلطات الإيرانية البهائيين كزنادقة و"جواسيس"، خاصة مع وجود مقرهم التاريخي العالمي في مدينة حيفا بإسرائيل.

ويعتبر البهائيون من أكبر الأقليات الدينية غير المسلمة في إيران، لكنهم يواجهون اضطهادًا واسعًا يشمل الاعتقالات، وتقييد الحريات، ومنع الوصول إلى التعليم والعمل، وفق تقارير حقوقية دولية.