شكل جديد من أشكال الاحتجاج انتشر في إيران مؤخرا على خلفية رقصة على أنغام موسيقى شعبية أداها رجل يبلغ من العمر سبعينا عام في شمال إيران وأثارت غضب السلطات الإيرانية.
بدأ كل شيء في أواخر نوفمبر عندما نشر صادق بوقي، الذي يمتلك كشكاً صغيراً في سوق السمك بمدينة رشت الشمالية، على حسابه في إنستغرام مقطع فيديو يظهر فيه وهو يرقص ويشجع الآخرين الذين تجمعوا حوله للانضمام إليه.
انتشر مقطع الفيديو بشكل لافت على وسائل التواصل الاجتماعي داخل إيران وخارجها بعد أن عمد منسق أغاني معروف يدعى محمد أغابور لإعادة نشر ريمكس للأغنية مع فيديو للرقص الأصلي.
وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" فقد انتشرت الرقصة بشكل لافت في جميع انحاء إيران، حيث ظهرت مقاطع مماثلة لرجال ونساء من جميع الأعمار وهم يؤدون نفس الحركات الراقصة.
كان الناس يرقصون في الشوارع وفي المحال التجارية والملاعب والفصول الدراسية ومراكز التسوق والمطاعم وصالات الألعاب الرياضية والحفلات وفي كل مكان آخر يتجمعون فيه، بحسب الصحيفة.
وتضيف أن حركة المرور في نفق رئيسي على الطريق السريع توقفت في طهران عندما قام مجموعة من الأشخاص بالرقص بنفس الطريقة على أنغام الأغنية.
كذلك ظهرت فتيات شابات بشعر مكشوف وهن يرقصن في حدائق عامة، فيما أدى شبان آخرون الرقصة على طريقة الهيب هوب.
"رسالة قوية"
تنقل الصحيفة عن محمد أغابور في مقابلة من طهران القول إن "من الواضح أن الانضمام إلى اتجاه الرقص هذا يبعث برسالة قوية بأنها طريقة للاحتجاج والمطالبة بالحرية والسعادة."
في معظم البلدان، لا يعتبر الرقص والغناء في الأماكن العامة من المحرمات، لكن في إيران، يُحظر الرقص في الأماكن العامة، وخاصة على النساء وبين الرجال والنساء.
ورغم أن تطبيق هذه القاعدة يتم تحديه بانتظام من قبل الإيرانيين، إلا أن السلطات كان تتعامل بتعسف واضح مع المخالفين.
ونادرا ما تتحول أغنية أو رقصة واحدة إلى عمل جماعي من أعمال العصيان المدني في إيران.
ويرى مدير المركز الأحوازي للدراسات الاستراتيجية حسن راضي أن الموسيقى والرقص والغناء متجذرة بعمق في الثقافة الإيرانية، وقد باءت محاولات رجال الدين لإلغائها أو الحد منها بالفشل منذ سيطرتهم على حكم البلاد قبل نحو 43 عاما.
ويضيف راضي في حديث لموقع "الحرة" أن "التفاعل الواسع مع المقطع الراقص يؤشر لتصاعد الغضب في الشارع الإيراني تجاه النظام الإيراني والازدراء الشعبي من سياسات النظام الاقتصادية والأمنية".
ويبين راضي أن "المواطن الإيراني بات يبحث عن أي فرصة للتعبير عن رفضه وعدم رضاه عن الأوضاع في إيران بشكل عام".
وتقول الصحيفة إن صادق بوقي، وهو لقب أطلقه عليه السكان المحليون في مدينة رشت وهو مشتق من كلمة فارسية تعني مكبر الصوت، أبلغ وسيلة إعلام محلية أن هدفه من الرقص كان "إسعاد الناس وأن يغيروا مزاجهم".
بعد انتشار الفيديو أقدمت السلطات على اعتقال مجموعة مكونة من 12 رجلا ظهروا في المقطع المصور وأغلقت صفحاتهم على إنستغرام وأزالت الفيديو من عدة مواقع إلكترونية.
وعلى صفحة بوقي على موقع إنستغرام، والتي كان عدد متابعيها آنذاك نحو 128 ألف شخص، ظهر شعار السلطة القضائية بدلا من صورته الشخصية، وكذلك اختفت جميع منشوراته، وبدلا من ذلك، ظهر منشور واحد تابع للسلطة القضائية يقول إنه "تم إغلاق هذه الصفحة لإنشائها محتوى إجراميا" وتم التعامل مع الشخص الذي شارك في النشاط.
وتنقل الصحيفة عن شخص مقرب من بوقي، كان مطلعا على تفاصيل الاعتقالات وطلب عدم نشر اسمه حفاظا على أمنه، في مقابلة هاتفية من رشت إن قسم المخابرات المحلية التابع للحرس الثوري قام باستدعاء الرجال وبعد ذلك استجوبهم لعدة ساعات.
وأضاف "لقد عصبوا أعينهم وضربوهم وهددوا باتخاذ إجراءات قانونية ضدهم وأجبروا على التوقيع على تعهد بأنهم لن يغنوا ويرقصوا علنا مرة أخرى".
وأكد كذلك احتجاز بوقي لعدة ساعات وجرى اتهامه بالتحريض ضد الحكومة"، مضيفا أنه "في إطار حملة القمع، حشدت الشرطة موسيقيي الشوارع الذين كانوا يؤدون عروضهم في رشت، واعتقلت بعضهم وصادرت آلاتهم الموسيقية".
انتشرت أخبار الاعتقالات كالنار في الهشيم في جميع أنحاء إيران مما أدى إلى تأجيج موجة من الغضب.
ونشر العديد من الأشخاص رسائل غاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي اتهموا فيها الحكومة بمحاربة "السعادة".
وقالوا إن السلطات سارعت إلى اعتقال المواطنين فقط لمجرد تعبيرهم عن الفرح، لكنها فشلت في اعتقال المسؤولين المتهمين بالفساد المستشري.
وأصبحت احتجاجات الرقص مؤثرة للغاية، وفقا للصحيفة، التي ذكرت أن الصفحة الرسمية باللغة الفارسية للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، والتي تضم ما يقرب من 4 ملايين متابع، نشرت مجموعة من مقاطع الفيديو لبعض نجوم وفرق كرة القدم الإيرانية وهم يرقصون ويهتفون على أنغام الأغنية.
دعوة للتغيير
وعلى إثر ذلك تراجعت السلطات عن حملتها وأصدرت الشرطة في مقاطعة كيلان بيانا يوم الاثنين نفت فيه اعتقال بوقي.
كذلك تم استعادة صفحته على إنستغرام بكل منشوراتها السابقة الخاصة بالرقص والغناء.
ولدى بوقي الآن ما يقرب من مليون متابع على صفحته على إنستغرام، وقد أشاد به العديد من الإيرانيين باعتباره بطلا قوميا أثار عن غير قصد دعوة متجددة للتغيير.
ويشير راضي إلى أن الثورات والانتفاضات في إيران عادة ما تبدأ بشكل عفوي نتيجة اغتيال شخص ما كما حصل مع مهسا أميني أو نتيجة رفض لسياسة معينة.
يشبه راضي ما يجري حاليا في إيران بأنه رفض لما يريده النظام "وربما يتطور الأمر وتكون هناك ردة فعل شعبية واصطدام يؤدي إلى انتفاضة مشابهة لانتفاضة العام الماضي".
وتوفيت الشابة الإيرانية مهسا أميني عن عمر يناهز 22 عاما في 16 سبتمبر 2022، بعد ثلاثة أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران على خلفية عدم التزامها القواعد الصارمة للباس في الجمهورية الإسلامية.
وأطلقت وفاتها احتجاجات واسعة مناهضة للقادة السياسيين والدينيين في إيران، وأصبحت أميني رمزا للنضال ضد فرض الحجاب. وأدى قمع هذه الاحتجاجات إلى مقتل المئات كما أوقفت السلطات آلاف الأشخاص.