قبل أربع سنوات، قتل قاسم سليماني بعدما عمل لعقدين من الزمن على توسيع نفوذ إيران في العالم العربي، في مهمة صعبة يعمل خلفه الآن، إسماعيل قآاني، على إتمامها لكن دون التسبب في انتقام أميركي مدمر، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
ونجح سليماني في وضع فيلق القدس على رأس شبكة من الميليشيات الإقليمية التي وسعت نفوذ إيران العسكري في جميع أنحاء العالم العربي قبل أن يقتل في بغداد بغارة أميركية بطائرة بدون طيار في 2020.
والرجل الذي خلفه مختلف تماما. تصفه الصحيفة بأنه "رجل الغرف الخلفية الغامض، الذي يواجه الآن مهمة جديدة صعبة: استخدام هذا الخليط من الجماعات المسلحة لتوسيع بصمة إيران دون إثارة انتقام مدمر من الولايات المتحدة.
ومنذ توليه قيادة فيلق القدس، عمل قاآني بهدوء على توحيد الميليشيات المختلفة التي تعمل تحت إشراف إيران من بغداد إلى البحر الأحمر، حيث خلقت ما تسميه الحكومة الأميركية الوضع الأكثر تقلبا في الشرق الأوسط منذ عقود.
من حركة التمرد الحوثية في اليمن إلى القوات شبه العسكرية الشيعية في سوريا والعراق، لدى عملاء ميليشيات قاآني القدرة على تأجيج سلسلة متتالية من الصراعات التي أثارها هجوم حماس في 7 أكتوبر، وجر الولايات المتحدة أكثر إلى المستنقع من خلال استهداف القواعد الأميركية، مثل الهجوم الذي قتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن قبل أكثر من أسبوع.
وعندما ردت الولايات المتحدة بضربات على الميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء سوريا والعراق خلال عطلة نهاية الأسبوع، كانت الرسالة موجهة مباشرة إلى قاآني: تراجع.
كان قتل الولايات المتحدة لسليماني محاولة لكسر سلسلة القيادة الممتدة من طهران إلى حلفائها المسلحين الذين يعملون من سوريا والعراق إلى اليمن ولبنان والأراضي الفلسطينية. لكنه لم يقلل من قدرتهم على قلب المنطقة. بل جعلهم أكثر حرية لتعطيل الشحن في البحر الأحمر، ومهاجمة إسرائيل وتشكيل تهديد متزايد للقوات الأميركية، وفق التقرير.
يقول حميد رضا عزيزي، زميل زائر وخبير في سياسات إيران الإقليمية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: "إذا كان الهدف هو تقليص سيطرة إيران على هذه الجماعات، فإن الولايات المتحدة حققت ذلك. ومن هنا تأتي المشكلة".
في الواقع، أمضى قائد فيلق القدس أسابيع منذ هجوم حماس على إسرائيل في رحلات مكوكية بين الميليشيات للتأكد من أن هجماتهم ضد إسرائيل والقواعد الأميركية لن تكون شديدة كي لا تشعل حربا إقليمية أوسع، وفقا لمسؤول أمني غربي ومسؤول لبناني كبير ومستشار للحرس الثوري الإيراني.
كان لسليماني دور فعال في تسليح وتدريب حلفاء إيران من الجهات الفاعلة غير الحكومية. يمكن القول إنه كان القائد الأكثر شهرة في المنطقة، مع هالة أسطورية تقريبا بين أتباعه وصورة عامة زرعتها القيادة الإيرانية كدليل على نفوذها المتزايد في الشرق الأوسط، بحسب التقرير.
يقول راي تاكيه، الخبير في الحرس الثوري الإيراني في مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أميركي "كان ينظر إلى سليماني على أنه شخصية لا تتكرر"،مضيفا "قاآني شخصية أقل من ذلك في الواقع".
ولد قاآني في أواخر خمسينيات القرن الماضي، بيروقراطي أمضى معظم حياته المهنية في الإشراف على مصالح إيران في أفغانستان ولا يتحدث العربية إلا قليلا.
وعلى عكس الشخصيات البارزة الأخرى في طهران، لا يبدو أنه لعب دورا نشطا في الثورة الإسلامية عام 1979، حيث انضم إلى الحرس الثوري، الذي تشكل للدفاع عن الحكام الجدد، بعد عام كامل، في عام 1980.
أصبح صديقا لسليماني في أوائل ثمانينيات القرن الماضي على الجبهة الجنوبية خلال حرب إيران مع العراق، وقال لاحقا إن القتال معا أقام صداقة عميقة بينهما.
في التسعينيات، في أعقاب الحرب، ارتقى قاآني في الرتب وكنائب لرئيس القوات البرية للحرس حول انتباهه إلى أفغانستان، حيث حارب مهربي المخدرات ودعم لاحقا التحالف الشمالي المناهض لطالبان ، الذي عمل مع الولايات المتحدة للإطاحة بطالبان في عام 2001.
وعندما حشد سليماني عشرات الآلاف من المقاتلين للدفاع عن النظام السوري ضد قوات الدولة الإسلامية خلال الحرب الأهلية هناك، ساعد قاآني في تجنيد الشيعة الأفغان للانضمام إلى صفوفهم.
ومع تراجع الحروب في العراق وسوريا، تغير دور شبكة الميليشيات الإيرانية. وأصبح العديد منها جزءا من النسيج السياسي، في لبنان، حيث حزب الله حزب سياسي وينظر إليه على أنه رادع ضد الهجمات من إسرائيل، وفي اليمن، حيث استولى الحوثيون على العاصمة وينظر إليهم على أنهم حكومة الأمر الواقع.
في العراق، اندمجت الميليشيات بشكل أعمق في النظام السياسي والأمني في البلاد، واكتسبت القوة للتأثير على السياسة الوطنية، بينما بقيت خارج سيطرة الدولة.
وقال تاكييه إنه في حين استخدم سليماني جاذبيته لتعبئة ما أسماه "محور المقاومة"، سعى قاآني إلى ربط حلفاء إيران المتباينين معا على المستوى العملياتي.
وقال: "وهذا يتطلب محادثة خلف الكواليس أكثر من عبادة شخصية مثل سليماني".
وقال آرش عزيزي، المؤرخ في جامعة كليمسون ومؤلف السيرة الذاتية عن سليماني، إن هذا ينطبق بشكل خاص على الميليشيات العراقية، التي ربما تكون الأكثر تقلبا من بين جميع القطع في شبكة فيلق القدس.
وأضاف: "لقد بنى سليماني علاقة معهم على مر السنين وكان يحظى باحترام كبير من قبلهم". و"يفتقر قاآني إلى الكاريزما وتاريخ العلاقة مع هذه الجماعات العراقية والعربية الأخرى، ونتيجة لذلك، يكافح قاآني أكثر في إبقاء الجماعات العراقية تحت السيطرة وبما يتماشى مع المحور الأوسع. نفس المشكلة موجودة في ما يتعلق بالحوثيين الذين هم أكثر استقلالية".
ومع اقتراب الشرق الأوسط مما يمكن أن يكون صراعا أوسع، يعمل قاآني ومسؤولون إيرانيون آخرون على ضمان عدم إثارة ميليشياتهم لمزيد من الهجمات.
بعد الهجوم في الأردن، سافر المسؤولون الإيرانيون إلى العراق لإخبار حلفائهم هناك أن الهجوم قد تجاوز الخط بقتل القوات الأميركية، وفقا لأحد كبار مستشاري الحكومة الإيرانية الذين شاركوا في الاجتماعات، بحسب الصحيفة.
يقول المسؤولون الأميركيون إنهم لم يروا بعد أدلة على أن إيران أمرت بالهجوم، ولن تكسب إيران أي شيء من قتل القوات الأميركية، حسبما قال عزيزي.
وقال: "كان الهدف منذ 7 أكتوبر هو إبقاء الجبهات الأخرى مشغولة لتوفير بعض التنفس لحماس، ولكن دون الدعوة إلى صراع أوسع أو هجوم أميركي". إنه لا يتناسب مع نمط التصعيد الإيراني، ولن يخدم أيا من أهداف إيران الاستراتيجية في الوقت الحالي".