الانتخابات الإيرانية سجلت نسب مشاركة متدنية
الانتخابات الإيرانية سجلت نسب مشاركة متدنية

أغلقت صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة في إيران، مساء الجمعة، حيث ادعى مسؤولون أن نسبة المشاركة في جميع أنحاء البلاد كانت منخفضة بشكل قياسي، وبلغت 40.6٪.

وبعد عشر ساعات من التصويت، بلغت نسبة المشاركة 27% فقط، وفي طهران بلغت 12% فقط بعد ثماني ساعات، قبل أن تظل صناديق الاقتراع مفتوحة بشكل غير متوقع لمدة ساعتين إضافيتين، وفقا لما ذكرته صحيفة "الغارديان".

وتوقع مسؤولون أن يكون الرقم النهائي أعلى من 42.5% المسجلة في آخر مرة تم فيها التنافس على المقاعد البرلمانية، في عام 2020، لكن النسبة كانت أقل من ذلك.

وقالوا إن العدد الإجمالي للمشاركين بلغ نحو 25 مليون شخص، بعد زيادة متأخرة في مدة التصويت بفضل إبقاء صناديق الاقتراع مفتوحة لفترة أطول.

وقد ركز النظام الإيراني على زيادة نسبة الإقبال في الانتخابات لتخطي أرقام عام 2020، وهي أدنى مستوى تاريخي، لأنه يعتقد أن المشاركة السياسية القوية من شأنها أن تضحد الادعاءات بأنه فاقد للشرعية، أو غير قادر على الوفاء بالمتطلبات الأساسية للشعب الإيراني وتحقيق التقدم الاقتصادي والتطلعات الشعبية، وفقا للصحيفة.

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات عام 2016 نحو 62%.

ومن المؤكد أن المتشددين المنقسمين على نحو متزايد سوف يشددون قبضتهم على البرلمان وعلى مجلس الخبراء، وهو الهيئة التي تتألف من 88 عضواً والمكلفة بتعيين المرشد الأعلى التالي عند وفاة، علي خامنئي.

وتقول الصحيفة إنه تم استبعاد العديد من الإصلاحيين من الترشح، مما جعل الانتخابات صورية في نظر العديد من الناخبين الذين يعتقدون بالفعل أن البلاد لا يديرها السياسيون بل فروع الأجهزة الأمنية والجيش.

وأظهرت استطلاعات داخلية أجريت عبر الهاتف قبل 24 ساعة من الاقتراع أن ثلاثة أرباع السكان لا ينوون التصويت وأن 16% فقط كانوا يخططون للقيام بذلك. وقال ثلاثة أرباع الذين شملهم الاستطلاع إنهم لن يصوتوا بسبب معارضة النظام أو بسبب عدم وجود انتخابات حرة ونزيهة.

وسيكون التحدي الذي قد يواجهه النظام في الأيام المقبلة هو ما إذا كان سينشر نتائج دقيقة للإقبال، إذ أظهرت أن حوالي ثلث السكان فقط صوتوا، ورفض الثلثان المشاركة عبر البقاء في بيوتهم.

وشارك ملايين الإيرانيين، الجمعة، في انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة، في عملية اقتراع يبقى الرهان الرئيسي فيها نسبة المشاركة في ظل توجه المحافظين إلى الاحتفاظ بمقاليد الحكم، وفقا لفرانس برس.

وتعتبر هذه الانتخابات اختبارا للسلطة لأنها الأولى منذ الحركة الاحتجاجية الواسعة التي هزت البلاد عقب وفاة الشابة، مهسا أميني، في سبتمبر 2022، بعيد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لعدم الالتزام بقواعد اللباس الصارمة.

إضافة إلى انتخابات مجلس الشورى (البرلمان)، دُعي أكثر من 61 مليون ناخب (من إجمالي 85 مليون مواطن) للإدلاء بأصواتهم لاختيار أعضاء مجلس خبراء القيادة المسؤول عن تعيين المرشد الأعلى.

وبعدما كان مقررا أن تغلق في الساعة 18:00 (15:30 بتوقيت غرينتش)، أغلقت مراكز الاقتراع عند منتصف الليل (20:30 ت غ) "بالنظر إلى الإقبال الكبير في البلاد"، وفق وزارة الداخلية.

وبلغت نسبة المشاركة "أكثر من 40 في المئة" وفقا لوكالة أنباء فارس، مشيدة "بفشل خطة مقاطعة الانتخابات التي أثارها أعداء أجانب".

وبعد الظهر، رحبت السلطات بالمشاركة "الجيدة" في مراكز الاقتراع البالغ عددها 59 ألفا.

وأكد، هادي طحان نظيف، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور المسؤول عن تنظيم الاقتراع، أن نسبة المشاركة "أعلى" من تلك المسجلة في الانتخابات السابقة عام 2020 التي أجريت خلال أزمة كوفيد.

قبل أربع سنوات، لم يتجاوز عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم 42,57%، وهو أدنى معدل منذ الإعلان عن الجمهورية الإسلامية عام 1979، بحسب الأرقام الرسمية.

يتوقع أن تعلن، الأحد، نتائج انتخابات مجلس الشورى التي يشارك فيها عدد قياسي من المرشحين بلغ 15200 مرشح، على أن ينعقد المجلس في مايو المقبل.

وطبقا للتقاليد، افتتح المرشد الأعلى، علي خامنئي، عمليات الاقتراع بالإدلاء بصوته بعيد الساعة الثامنة صباحا (4:30 ت غ).

وفي تصريح مقتضب، دعا الإيرانيين إلى "التصويت فور الإمكان"، بعدما دعا، الأربعاء، إلى مشاركة كثيفة في التصويت محذرا من أنه "إذا كانت الانتخابات ضعيفة فلن يستفيد أحد وسيتضرر الجميع".

وعرض التلفزيون الحكومي بعد ذلك صورا لمراكز اقتراع حيث اصطف نساء ورجال بهدوء، بشكل منفصل، للإدلاء بأصواتهم. وأفاد صحفي في وكالة فرانس برس بانتشار قوات الأمن بأعداد كبيرة في وسط طهران.

"عدم رضا"

في مركز اقتراع جنوبي طهران، قالت مرادياني، وهي مدرّسة تبلغ 35 عاما، لفرانس برس إنها أدلت بصوتها لأن "المرشد الأعلى قال إن المشاركة واجبة على الجميع. مثل الصلاة".

لكن بالنسبة إلى العديد من الإيرانيين، فإن الهم الرئيسي حاليا هو الاقتصاد، في ظل نسبة تضخم عالية جدا تقارب 50 في المئة.

في هذا الإطار، أشار هاشم، الفنان البالغ 32 عاما من خوزستان (جنوب غرب)، إلى أن "كثيرا من الناس لا يدلون بأصواتهم لأنهم غير راضين عن الوضع السياسي والاقتصادي (...) مع ارتفاع الأسعار كل يوم".

من جهتها، قالت هانا (21 عاما)، وهي طالبة من كردستان (غرب) تقاطع الانتخابات "لو أدليت بصوتي، ما الفائدة؟ المسؤولون المنتخبون لا يحترمون وعودهم".

وتكتسب مسألة المشاركة في الانتخابات في إيران أهمية كبرى، إذ تقدمها السلطات على أنها دليل لشرعيتها على الساحة الدولية في ظل التوترات الجيوسياسية، وفقا لفرانس برس.

وقال خامنئي، الأربعاء، خلال استقباله في طهران جمعا من الشبان الذين أتيح لهم الاقتراع للمرة الأولى إن "أعداء إيران يترقبون عن كثب حضور الشعب الإيراني" مضيفا "إذا رأى العدو ضعفا في الإيرانيين (...) فإنه سيهدد الأمن القومي".

وتابع أن "أميركا وسياسات معظم الأوروبيين وسياسات الصهاينة الخبيثين والرأسماليين وأصحاب الشركات الكبرى في العالم الذين يتابعون قضايا إيران لدوافع وأسباب مختلفة (...) هم الأكثر خشية من حضور الناس في الانتخابات ومن القوة الشعبية لإيران".

من جانبه، اعتبر الحرس الثوري الإيراني أن "المشاركة القوية" من شأنها أن تمنع "التدخلات الأجنبية" المحتملة في سياق الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة حماس المدعومة من إيران.

وكانت الولايات المتحدة قالت، الخميس، إنها "لا تتوقع" أن تكون الانتخابات الإيرانية "حرة ونزيهة".

المحافظون في السلطة

ومن غير المتوقع حدوث أي تغيير في التوازن السياسي داخل المجلس، وفق خبراء.

ففي ظل غياب منافسة فعلية من الإصلاحيين والمعتدلين، سيستمر معسكر الأغلبية المكون من جماعات محافظة ومحافظة متشددة، في السيطرة إلى حد كبير على مجلس الشورى، كما هو الحال في المجلس المنتهية ولايته. وسيعزز الاقتراع هيمنة المحافظين الواسعة الذي يشغلون فيه حاليا أكثر من 230 مقعدا من أصل 290.

وتم تهميش المعسكر الإصلاحي والمعتدل منذ انتخابات 2020 وهو لا يأمل سوى بحصد بعض المقاعد بعدما استبعد مجلس صيانة الدستور عددا كبيرا من مرشحيه.

من جهة أخرى، سيعزز المحافظون أيضا سيطرتهم على مجلس خبراء القيادة، وهي هيئة مؤلفة من 88 عضوا من رجال الدين يُنتخبون لمدة ثماني سنوات بالاقتراع العام المباشر، تقوم باختيار المرشد الأعلى الجديد وتشرف على عمله وعلى إمكان إقالته.

وتنافس في هذه الانتخابات 144 مرشحا جميعهم من الرجال، فيما رفضت ترشيحات شخصيات بارزة، وفي طليعتها الرئيس السابق المعتدل، حسن روحاني (2013-2021)، الذي أُبطل ترشيحه لمجلس الخبراء رغم أنه عضو فيه منذ 24 عاما.

وقال روحاني، الأربعاء، إن التصويت يجب أن يقدم عليه "أولئك الذين يحتجون على الوضع الراهن" و"يريدون المزيد من الحرية".

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟