المرشد الأعلى الإيراني يحضر اجتماعا مع أفراد القوات الجوية في طهران
القدرات العسكرية التي سيمنحها الذكاء الاصطناعي لطهران تثير القلق

لم تخف إيران أنها تخطط للاستثمار بكثافة في الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحسين قدراتها العسكرية، واتجهت إلى القطاع الخاص الإيراني في خطوة يعتقد أنها ستعزز اقتصادها المتدهور.

وينقل تقرير من شبكة "فوكس نيوز" أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، التقى الأحد مع شركات القطاع الخاص للإعلان عن نية طهران الاستثمار في الأعمال الرقمية.

وادعى رئيسي أن هذه الخطوة لن تساعد فقط في تطوير قدرات إيران في الذكاء الاصطناعي، بل ستساعد في تحقيق هدفه المتمثل في تنمية الاقتصاد بنسبة 8 في المئة، وفقا لما ذكرته وكالة تسنيم للأنباء الموالية للحكومة.

ومع ذلك، لا يزال الخبراء متشككين بشأن ما إذا كانت هذه الخطوة ستحل بالفعل مشاكل إيران الاقتصادية، وقالوا إنهم أكثر قلقا بشأن القدرات العسكرية التي سيمنحها الذكاء الاصطناعي لطهران.

وتصدرت إيران عناوين الصحف خلال الأشهر الأولى من غزو روسيا لأوكرانيا عندما اتهمها البيت الأبيض بـ "إهداء" موسكو طائرات بدون طيار، كما استعملت الأسلحة الجوية الفتاكة في مناطق أخرى مثل اليمن والعراق وسوريا حيث تقيم الميليشيات المدعومة من إيران. 

"ليس من السهل عليهم دائما بناء كل شيء محليا"، بحسب ما قال سيث فرانتزمان، مؤلف كتاب "حروب الطائرات بدون طيار: الرواد، آلة القتل، الذكاء الاصطناعي والمعركة من أجل المستقبل" لفوكس نيوز.

وأضاف الزميل المساعد في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، "لكن عندما يتعلق الأمر الذكاء الاصطناعي، فإن لديهم إمكانية الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر. هذا هو نوع التكنولوجيا التي يمكنهم الاستثمار فيها لأنها لا تتطلب استيراد محركات صواريخ معقدة".

إذ يمكن "القيام بذلك محليا إذا كان لديك نظام بيئي عالي التقنية"، مشيرا إلى قدرة إيران على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للوصول إلى التكنولوجيات.

وتحرك إيران لتعزيز قدراتها العسكرية دون الاعتماد على واردات المنتجات لا يزيد من مكانة طهران الأمنية في القطاع الدولي فحسب، بل سيمكنها أيضا من دعم الجهات الفاعلة الأجنبية والميليشيات المسلحة والمنظمات الإرهابية التي تشكل تهديدات أمنية للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

وقال الخبير الإيراني والزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، بهنام بن تالبلو لفوكس نيوز "إنهم يتطلعون إلى توسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لإنشاء منصات من شأنها أن تكون أكثر قابلية للتطبيق أو الاستخدام المباشر للنظام".

وأضاف إنه في حين أن طهران ستوسع على الأرجح كيفية استخدامها الذكاء الاصطناعي كأداة للقمع الرقمي، فإن قلقه الرئيسي هو "كيف ستواصل إيران القتال بثمن زهيد باستخدام الذكاء الاصطناعي". 

وأوضح الخبير الإيراني أن نية إيران دمج الذكاء الاصطناعي عسكريا مع صواريخ كروز والطائرات بدون طيار، إلى جانب حملات القرصنة والتزييف العميق لنشر المعلومات المضللة، تعطي نظرة ثاقبة على "فسيفساء القدرات" التي ستحاول طهران توظيفها ضد المجتمع الدولي.

وبصرف النظر عن التهديد العسكري الذي يشكله الاستثمار الإيراني في الذكاء الاصطناعي، هناك أيضا عواقب جيوسياسية، كما أوضح فرانتزمان قائلا "الاستثمار في التكنولوجيا يمكن أن يساعد إيران على الالتفاف على العقوبات".

وحذر الخبيران من أن طهران، التي تمثل بالفعل مصدر قلق أمني رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لن تكون قادرة على توسيع التهديد الذي تشكله على الغرب إلا من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي.

هروب السينما الإيرانية

في ربيع عام 2024، انتشر مقطع فيديو على نطاق عالمي، يظهر فيه المخرج الإيراني المعروف، محمد رسولوف، وهو يسير، على قدميه، في مناطق وعرة. 

يرصد المقطع رسولوف أثناء هروبه من إيران إلى تركيا بعد أن أصدرت السلطات الإيرانية بحقه حكما بالجلد والسجن ثماني سنوات بسبب أعماله السينمائية. 

بعد أيام من هروبه وحصوله على اللجوء في السويد، أطل رسولوف في مهرجان "كان" السينمائي، في حضور حمل رسالة قوية إلى النظام الحاكم في إيران. 

صفق المشاركون في المهرجان طويلا، وبحرارة، للمخرج الإيراني، بعد فوزه بجائزة "لجنة التحكيم" الخاصة، عن فيلمه "بذرة التين المقدس".

واكتسبت تلك اللحظة زخما إضافيا لحقيقة أن رسولوف كان قد صور وأنتج فيلمه الفائز في "كان" داخل إيران قبل هروبه، تحت رقابة مشددة، وملاحقة أمنية، وتهديد دائم بالاعتقال.

يقول كافيه عباسيان، وهو مخرج وخبير سينمائي إيراني لـ"الحرة" إن رسولوف أنجز فيلمه رغم كل العراقيل والضغوط التي تعرض لها داخل بلده. لكن الضغوط أجبرت عددا كبيرا من السينمائيين الإيرانيين على العزوف عن الإنتاج السينمائي.

إضافة إلى مزاياها  الفنية، تثير الأفلام الإيرانية في الخارج اهتماما كبيرا داخل المهرجانات وخارجها بسبب موضوعاتها التي غالبا ما تثير أسئلة حول الحرية والديمقراطية والاعتقال، ودور الدين في الحياة العامة.

القائمة لا تنتهي

يعتقد  عباسيان أن هروب غالبية العاملين الإيرانيين في قطاع السينما ساهم في جذب الاهتمام بالأفلام الإيرانية في الخارج. 

"برويس سياد، أحد أعظم صانعي الأفلام لدينا هرب من إيران. وعاد غلام علي عرفان إلى البلاد وأنتج بعض الأفلام، مُنعت جميعها. وكذلك رضا لاميزاده، لم يتمكن أيضا من مواصلة مسيرته المهنية فهرب من إيران. وكذلك نصرات حكيمي، وسوزان تسليمي وهي ممثلة إيرانية أيضا، وكثيرون غيرهم. أعني القائمة لا تنتهي".

فريدون جورك، مثل كثير من هؤلاء السينمائيين، اضطر إلى المغادرة عام 2002، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية طوال سنوات عمله في السينما داخل إيران. 

يقول جورك لـ"الحرة" إنه قضى أكثر من أربعين عاما يعمل في مختلف المجالات السينمائية في إيران. أخرج حوالي 25 فيلما، لكن أجبرته الاعتقالات والملاحقة المستمرة  له ولزوجته على الهروب من طهران.

"فررنا خوفا من أن نُعتقل مرة أخرى، ولجأنا إلى الولايات المتحدة، نعيش اليوم في لوس أنجلوس ونحاول إظهار بعض جرائم هذا النظام للناس، وشرحها لهم من خلال الصورة. فالصورة دائما تساعد أكثر على إبراز الحقيقة".

من سيئ إلى أسوأ

بدأت معاناة السينمائيين الإيرانيين تتعمق مع انتقال الحكم من الشاه محمد رضا بهلوي إلى روح الله الخميني.

قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت السينما الإيرانية تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكانت مهمتها الأولى، الإشراف والتدقيق في كل ما ينتجه السينمائيون، يقول جورك.

مع تربع الخميني على سدة الحكم، أصبحت الأمور أكثر سوءا. "فعندما جاء الخميني، كان أول تعليق له عن السينما بمثابة إهانة حقيقية للمجتمع الفني. قال الخميني 'نحن لسنا ضد السينما لكنه ضد الرذيلة'. أهان العاملين في مجال السينما علنا.

بعد هذا التصريح شرع أنصاره بإحراق دور السينما في جميع أنحاء البلاد.

أثناء تحقق فريق "الحرة" من معلومات جورك بشأن تصريح الخميني، وجدنا أنه يعود إلى فترة وجود الخميني في المنفى في فرنسا وقتها، ووجدنا تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عام 1978.

 يبين التقرير أن أول حادث عنف ضد العاملين في السينما  داخل إيران حريق أضرم في دار سينما مزدحمة في مدينة عبادان الإيرانية، وأسفر عن مقتل 377 شخصا على الأقل في واحدة من أسوأ الكوارث من نوعها في تاريخ إيران، بحسب وصف الصحيفة.

قُتل رواد السينما دهسا أو اختناقا أو أُحرقوا أحياء. ويكشف التقرير أن زعماء دينيين متطرفين ألقوا كلمات في تجمعات حاشدة في جميع أنحاء إيران، حثوا فيها الإيرانيين على أداء الصلاة في المساجد بدلا من مشاهدة الأفلام في السينما أو التلفزيون. 

يؤكد فريدون جورك، الذي عايش تلك الأحداث في إيران، أن المحكمة كشفت أن الخميني كان مسؤولا عن الحريق. 

"هذا العمل الشنيع كان من عمل الجمهورية الإسلامية"، يقول. 

الحديث عن الإبداع "سخف"

"منذ الثورة تصاعد العنف ضد العاملين في قطاع السينما،" يقول علي المقدم، وهو مخرج إيراني هرب أيضا من إيران في  أواخر عام 2027، بعد اعتقاله وسجنه عدة مرات. 

يشير المقدم إلى أن الحديث عن الإبداع تحت حكم الجمهورية الإسلامية يصبح سخيفا، لأن السلطات لا تسمح لأحد بالاجتهاد والإبداع. "الحكومة تريد فقط فرض رأيها على كل شيء، وهذا لا يتعلق بالسينما فقط، إنما يتعداه إلى الموسيقى، الكتابة والشعر والنحت".

حتى عام 2023، تجاوز عدد السينمائيين المعتقلين في إيران 150 شخصا، أودت السلطات معظمهم في سجن إيفين، سيء الصيت، الذي أصبح معروفا باسم "سجن الفنانين".

رغم تضييق السلطات على السينمائيين، يعد قطاع السينما داخل إيران من أكثر الصناعات نشاطا، بإنتاج يقارب مئة فيلم سنويا، لكن الغالبية العظمى من ذلك الإنتاج تقع ضمن دائرة البروباغندا الإعلامية. 

يقول المخرج الإيراني كافيه عباسيان لـ"الحرة" إن الحرس الثوري الإسلامي يملك شركة إنتاج تُسمى "المعهد الثقافي"، وهي تنتج، إضافة إلى الأفلام، مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية.

 "لدينا هنا ميليشيا إسلامية للإنتاج الإعلامي، تُوازي الجيش الإيراني، وهم يتفوقون على أي شركة إنتاج خاصة أخرى في إيران" يقول عباسيان، "يدفعون أجورا أعلى بكثير لمحترفي السينما والممثلين لإنتاج أفلامهم، ونتيجة لذلك تبدو أفلامهم رائعة، لكن السينما الإيرانية لها تاريخ طويل".

رغم القمع، واضطرار رسولوف وجورك، وعشرات السينمائيين إلى الهروب من إيران، معهم إبداعاتهم، تتواصل في القرى والمدن الإيرانية إنتاجات السينما المستقلة، و"هذا هو الأهم، هذا هو مستقبل إيران، هذا هو المستقبل الذي يهمنا"، يقول المخرج الإيران كافيه عباسيان لـ"الحرة" من منفاه البريطاني.