تثير التوترات العسكرية بين إسرائيل من جهة، وإيران ووكلائها من جهة أخرى، مخاوف من اندلاع "حريق إقليمي" إذا ما استخدمت أسلحة نووية، فبعد أن كانت تعتمد على اشتباكات غير مباشرة، واغتيالات في نطاق ضيق، وصلت لحد الضربات المباشرة بين البلدين.
عندما أطلقت طهران برنامجها قبل نحو أربعة عقود للصواريخ الباليستية، وتنامت طموحاتها النووية، كان الهدف الأول حينها، مواجهة العراق الذي يقوده الرئيس الأسبق، صدام حسين، وبعدها إبراز نفسها كدولة قوية أمام الولايات المتحدة، لتتغير الآن وتصبح موجهة لـ"كراهية إسرائيل" بحسب تحليل نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.
ومنذ بداية شهر أبريل، تشهد المنطقة اشتباكات وصلت لحد الهجمات المباشرة من طهران لإسرائيل، فيما وقعت هجمات في مدينة أصفهان الإيرانية نسبت لإسرائيل من دون أن تعلن الأخيرة مسؤوليتها عنها بشكل مباشر، وهذا كله جاء بعد استهداف غارة للسفارة الإيرانية في دمشق مطلع أبريل الحالي.
وبعد الهجمات الأخيرة التي وقعت في إيران، لوح قيادي بالحرس الثوري الإيراني، أحمد حق طلب، بالقول إن إيران قد تراجع "عقيدتها النووية".
ونقلت وكالة تسنيم عن قائد هيئة حماية المنشآت النووية القول إن، تهديدات إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية تجعل من الممكن "مراجعة عقيدتنا وسياساتنا النووية والتحول عن اعتباراتنا السابقة".
وشنت إيران ليل منتصف أبريل هجوما على إسرائيل بمئات الطائرات المسيرة والصواريخ ردا على ضربة دمرت مبنى قنصليتها في دمشق وأودت بسبعة أفراد من الحرس الثوري بينهم ضابطان كبيران في الأول من أبريل. واتهمت طهران إسرائيل بشن الضربة.
وسمع دوي انفجارات في مدينة أصفهان الإيرانية، الجمعة، فيما وصفته مصادر بأنه هجوم إسرائيلي، لكن طهران قللت من شأن الواقعة.
وأكدت إسرائيل أنها تحتفظ بالحق "في حماية نفسها" ردا على الهجوم الإيراني، على رغم تأكيدها أنها تمكنت وحلفاء تتقدمهم الولايات المتحدة، من إسقاط غالبية الصواريخ والمسيّرات التي أطلقتها طهران.
وفي ظل التهديد الإسرائيلي بالرد على رغم الدعوات الدولية للتهدئة، شدد حق طالب على أنه "تم تحديد المراكز النووية للعدو الصهيوني"، مؤكدا أن "يدنا على الزناد لإطلاق الصواريخ القوية لإبادة الأهداف المحددة" في حال استهدفت إسرائيل منشآت إيرانية، حسب تعبيره.
الدمج بين "وكلاء طهران" و"النووي"
ولكن إيران لا تعمل بشكل منفرد، إذ أنها أدركت قدرتها على إلحاق الضرر بخصومها من دون تلقي اللوم، خاصة إذا ما نفذ الضربات وكلائها، إذ وفرت الصراعات العرقية والطائفية فرصة لطهران لإنشاء شبكة من الوكلاء والميليشيات يتوزعون في دول المنطقة.
وتستخدم إيران هؤلاء الوكلاء لاستهداف المصالح الأميركية والإسرائيلية، وحتى أنها ساعدت في تأجيج حروب في الشرق الأوسط بحسب الصحيفة.
الرد الإسرائيلي على الرد الإنتقامي الإيراني، اقتصر حتى الآن على هجمات في مدينة أصفهان حيث تمتلك إيران منشآت نووية وقاعدة جوية، ومن غير المعلومات ما إذا كان هذا الرد بأكمله، أو أنه حلقة أولى من سلسلة ردود ستنفذها إسرائيل، فيما يدعو المجتمع الدولي إلى التهدئة وضبط النفس خوفا من حرب مفتوحة في المنطقة.
ووسط التهديدات الإيرانية بأنها قد تراجع "عقيدتها النووية"، يحث التحليل المرشد الإيراني، علي خامنئي، على التساؤل عما إذا كان وضع طهران سيكون أفضل لو قامت بتجربة سلاحها النووي؟ فهل كانت إسرائيل ستهاجم إحدى مدنه مع احتمال ظهور سحابة دخان تصل لفوق تل أبيب؟، مشيرا إلى أن طهران قد ترى بأن "الجمع بين وكلائهم ووجود قنبلة نووية قد يفي بالغرض".
ماذا يعني استخدام النووي؟
ولفت التحليل الذي أعده، رويل مارك غيرشت، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وراي تاكيه، باحث في مجلس العلاقات الخارجية، إلى أن التقييمات الاستخباراتية الأميركية مرتاحة إلى استنتاج أن "إيران تستخدم برنامجها النووي لبناء نفوذها التفاوضي، والاستجابة للضغوط الدولية"، ليصبح هذا البرنامج أداة من أدوات الدبلوماسية الإيرانية.
ومنذ بدء الحرب في غزة، وتنامي العداء بين إسرائيل وإيران، فلا شيء أفضل من "الخوف" من استخدام كل طرف السلاح النووي، إذ أن استخدام مثل هذه الأسلحة سيؤدي إلى "تغيير الكثير" من الأمور وفقا للتحليل.
هناك تسع دول فقط حول العالم تمتلك أسلحة نووية وهي "روسيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، وبريطانيا، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية".
ويرجح خبراء امتلاك إسرائيل أسلحة ذرية، علما بأنها لم تنف أو تؤكد هذا الأمر. في المقابل، تتهم إسرائيل ودول غربية إيران بالسعي الى تطوير سلاح ذري، وهو ما تنفيه طهران على الدوام وتؤكد سلمية برنامجها النووي بحسب فرانس برس.
وبلغ مخزون إيران من اليورانيوم المخصب 5.5 طن في فبراير، وفقا لأحدث تقرير ربع سنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة التي تفتش منشآت التخصيب الإيرانية.
وتقوم إيران الآن بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 بالمئة، ولديها كمية من المواد المخصبة إلى هذا المستوى تكفي، في حالة تخصيبها بدرجة أكبر، لصنع "سلاحين نوويين"، وفقا للتعريف النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
بغض النظر عن برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، فهناك سؤال حول المدة التي ستستغرقها إيران لإنتاج الجزء الباقي من قنبلة نووية، وربما تصغيرها بما يكفي لوضعها ضمن منظومة إطلاق مثل الصواريخ الباليستية إذا أرادت ذلك. ويصعب تقدير ذلك لأنه من غير الواضح مدى المعرفة التي تمتلكها إيران، بحسب وكالة رويترز.
وتعتقد أجهزة المخابرات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كانت تمتلك برنامج أسلحة نووية منسقا أوقفته عام 2003. وخلصت الوكالة في تقريرها عام 2015 إلى أن إيران عملت على تطوير قطاعات من برنامج للتسليح النووي واستمر بعض العمل حتى أواخر عام 2009.
وتنفي طهران امتلاك برنامج أسلحة نووية على الرغم من أن الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي قال إنه إذا أرادت طهران ذلك "فلن يكون بوسع زعماء العالم منعنا".
وتختلف تقديرات المدة التي ستحتاجها إيران للحصول على سلاح نووي بين أشهر وعام تقريبا.
ويشير التحليل إلى أنه منذ السابع من أكتوبر صدمت الولايات المتحدة وإسرائيل بـ: هجمات حماس، والهجمات الإيرانية المباشرة على إسرائيل لأول مرة منذ 45 عاما من العداء بين الطرفين، وربما قد تكون المفاجأة التالية بحدوث "هزة زلزالية غير مبررة في إحدى صحارى إيران".
ويحذر التحليل الغرب من عدم التقليل من حاجة خامنئي إلى تحقيق "إرث مجيد"، وهو ما قد يدفعه للتفكير بشكل جديد "ما إذا كان من الأفضل اختبار السلاح النووي أم لا؟".
وفي مارس آذار 2023 شهد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة حينها الجنرال، مارك ميلي، أمام الكونغرس بأن حصول إيران على سلاح نووي سيستغرق عدة أشهر رغم أنه لم يذكر ما يستند إليه هذا التقييم.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها ربع السنوي الصادر في فبراير من هذا العام إن "التصريحات العلنية في إيران بشأن قدراتها التقنية على إنتاج أسلحة نووية تزيد من مخاوف المدير العام بشأن صحة واكتمال الإعلانات المتعلقة بالضمانات الإيرانية".
وقال دبلوماسيون إن تلك التصريحات شملت مقابلة تلفزيونية مع الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي شبه فيها إنتاج سلاح نووي بصنع سيارة وقال إن إيران تعرف كيف تصنع الأجزاء اللازمة.