أحمدي نجاد بعد تقديم أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية الإيرانية
أحمدي نجاد بعد تقديم أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية الإيرانية

بعد استبعاده في المرتين السابقتين من السباق الانتخابي، عاد الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، للترشح مجددا للرئاسة في اقتراع مقرر أن تشهده البلاد في 28 يونيو المقبل.

وذهب نجاد إلى مقر وزارة الداخلية التي تستقبل أوراق الترشح لتقديم طلبه، الأحد، معلنا رغبته في العودة لرئاسة البلاد بشعار "الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون".

لكن نجاد يواجه تدقيقا، كما هو الحال بالنسبة لبقية المرشحين، الذين تبقى عملية مصادقة ترشحهم للرئاسة رهنا بمجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضوا.

وذكرت رويترز أن مجلس صيانة الدستور سيعلن قائمة المرشحين النهائية في 11 يونيو، علما بأن الاثنين هو آخر موعد لتقديم طلب الدخول في السباق الانتخابي.

وكان الرئيس الأسبق من ضمن العديد من المرشحين الذين استبعدهم المجلس عن انتخابات 2021 التي فاز بها الرئيس الراحل، إبراهيم رئيسي، كما استُبعد في السابق عن انتخابات العام 2017 بعد عام من تحذير المرشد الأعلى، علي خامنئي، له من أن دخول المنافسة "ليس في مصلحته ومصلحة البلاد".

ويتوجه الإيرانيون إلى مراكز الاقتراع في 28 يونيو لاختيار رئيس جديد للبلاد، بعد مقتل الرئيس المتشدد رئيسي في حادث تحطم مروحيته في 19 مايو.

موافقة مستبعدة

وتظل مسألة تجاوز نجاد لمرحلة اعتماد مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون غير واضحة حتى الآن.

وتوقع الباحث السياسي الإيراني، سعيد شاوردي، استبعاد المجلس لنجاد من قائمة المرشحين النهائية بسبب "مواقفه" السابقة.

وفي حديثه لموقع "الحرة"، أشار شاوردي إلى أن المجلس "ربما يفتح لنجاد صفحة بيضاء جديدة" من خلال "غض الطرف عن مواقفه المشاكسة وتصريحاته الاستفزازية" في السنوات الماضية.

لكن وسائل إعلام محلية ومحللين استبعدوا احتمال موافقة مجلس صيانة الدستور كليا على ترشح نجاد، الذي لا يزال يتمتع بتأييد واسع في بعد أكثر من عقد على خروجه من الحكم.

وقال المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية، جعفر الهاشمي، إن نجاد يصر على ترشحه للمرة الثالثة "لأسباب شخصية تتعلق بالحفاظ على قاعدته الشعبية".

وأضاف الهاشمي في تصريحات لموقع "الحرة" أن "كل القرائن توحي بأن هناك محاولة لمنعه وصده من الترشح، لا سيما أن أحد مستشاريه ظهر للعلن بعد وفاة رئيسي وصرح بأن القيادة العليا هي رأس المشكلة في إيران والعائق الحقيقي لتحقيق أي تقدم وهنا يشير لخامنئي".

وتابع: "يظل نجاد غير متسق مع سياسية خامنئي ويحاول أن يصبح ندا له وهذا يكفي لعدم قبول ترشحه".

وقال الهاشمي إن "أحمدي نجاد طموحاته أكبر من المناصب الوزارية ما يدفعه لمحاولات الاحتفاظ بقاعدته الشعبية ويرحلها للمستقبل لضمان حياته السياسية حتى بعد وفاة خامنئي".

ووصل أحمدي نجاد للسلطة في إيران عندما انتُخب رئيسا لولايتين متتاليتين من العام 2005 إلى العام 2013، في حقبة شهدت توترات مع الغرب خصوصا بشأن برنامج إيران النووي وتصريحاته النارية ضد إسرائيل.

وفي حقبته أيضا، كان أول رئيس إيراني يزور العراق ومصر منذ الثورة الإسلامية التي جلبت رجال الدين الشيعة للحكم في طهران عام 1979.

وقال شاوردي إن نجاد عندما جاء في عام 2005 للمرة الأولى وفاز في الانتخابات الرئاسة "كان شخصا مقربا من المحافظين وشخصية مدعومة من الحرس الثوري وقوات الباسيج ومن القيادة العليا وخامنئي نفسه ومن شريحة كبيرة من المجتمع".

وركز الإصلاحيون السابقون، بحسب المحلل الإيراني، على الحريات والقضايا الاجتماعية بدلا من الاقتصاد، وهذا ما جعل الناخبين يتجهون لنجاد على اعتبار أنهم وجدوا فيه "المواطن البسيط".

خلافات مع المرشد

وكان خامنئي دعم نجاد بعد أن أثارت إعادة انتخابه في 2009 احتجاجات قُتل فيها عشرات واعتقل مئات الأشخاص في إيران، مما هز صورة النخب الحاكمة، قبل أن تتمكن قوات الأمن بقيادة الحرس الثوري الإيراني من قمع الاضطرابات، بحسب رويترز.

ويستذكر شاوردي الخلافات بين نجاد والمحافظين التي "بدأت عام 2010 بسبب اختلافات على تشكيل الحكومة الجديدة" قبل أن تصل ذروتها في نهاية ولايته الثانية عام 2013.

ولاحقا، نشأ خلاف بين أحمدي نجاد وخامنئي بعد أن دعا الرئيس الأسبق صراحة إلى فرض ضوابط على سلطة المرشد الأعلى المطلقة، وفقا لرويترز.

وفي 2018، وفي انتقاد نادرا ما يوجه لخامنئي، كتب أحمدي نجاد إليه يدعوه إلى إجراء انتخابات "حرة"، بحسب الوكالة ذاتها.

وقال الهاشمي إن أحمدي نجاد "كان ذا جرأة في مناكفة رأس السلطة في إيران وحتى الوزارات المخصصة لخامنئي مثل الاستخبارات".

واستطرد بقوله: "استطاع (أحمدي نجاد) أن يحافظ على قاعدته الشعبية ويراهن عليها على أمل أن يفتح له المجال مستقبلا ... كان يركز على الفئات المحرومة في خطاب شعبوي يدغدغ فيه مشاعرهم واستطاع على صعيد الداخل أن يحول بعض المخصصات بشكل مباشر للشريحة الفقيرة ... وبهذه الطريقة استطاع أن يلعب على وتر شريحة جدا كبيرة من القرويين والريفيين والفقراء من الناس الذين لا يهمهم الخطاب الأوسع بقدر ما يهم من يسعفهم في قوتهم اليومي".

ومع ذلك، يشير شاوردي إلى أن نجاد كان "هادئا" خلال العامين الماضيين دون أن يخلق توترات أو سجالات داخل المجتمع، بحسب تعبيره.

وقال: "يمكن بهذا الهدوء أن يريد ألا يسبب لنفسه مشاكل حتى يحصل على الأهلية ... ولكن هناك ملفات كثيرة لدى مجلس صيانة الدستور سيفتحها بوجه أحمدي نجاد".

"قضية صعبة جدا"

يشرح شاوردي كيف يدقق مجلس صيانة الدستور في إيران على أوراق المرشحين قائلا إنه "لا يعمل وفق مزاجه، بل هو هيئة مستقلة لا يتدخل أحد في سلطتها بما في ذلك خامنئي".

ومضى بقوله: "المجلس يراقب مواقف الأشخاص المرشحين وهل هم مؤيدون لنظام الحكم أم ليسوا كذلك؟ وهنا الاختلافات في الأفكار السياسية لا يمنع المرشح من المضي قدما، بل إن المقصود هو الإيمان بنظام ولاية الفقيه".

وتابع: "كذلك، يتم مراقبة المرشح من خلال سلطات البلاد المختلفة إذا ما كان هناك إدانة على المرشح بالفساد أو إذا ما ارتكب عملا ينافي الأمن القومي ومصلحة البلاد ... كما يتم النظر في أن يكون لدى المرشح الكفاءة والخبرة والتجربة للإدارة شؤون البلاد".

وحتى إذا ما رفض مجلس صيانة الدستور مرشحا معينا من دخول السباق النهائي، فإن المرشح يحق له الطعن في ذلك القرار على أن يبت المجلس مرة أخرى في قراره بمراجعة المعلومات وتدقيقها جيدا، حسبما ذكر شاوردي.

وفُتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، الخميس الماضي، على أن يُقفل الاثنين، حيث من المتوقع أن يترشح رئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف، كما توقع شاوردي.

وقدمت شخصيات بارزة أخرى ترشيحها، من بينها رئيس البرلمان السابق السياسي المعتدل، علي لاريجاني والمحافظ المتشدد سعيد جليلي الذي كان مفاوضا في الملف النووي وسبق له الترشح في الانتخابات الأخيرة قبل الانسحاب لصالح رئيسي خلال الأمتار الأخيرة.

وحتى إذا ما تمكن أحمدي نجاد من تجاوز عقبة مجلس صيانة الدستور، فإنه "سيواجه تحديات" في سبيل وصوله للسلطة، كما يعتقد شاوردي.

وقال إن "الظروف الآن متغيرة عما كان عليه الوضع في 2005 ... لو تجاوز هذه العقبة، فإن لديه (نجاد) تحديات كثيرة من ضمنها منافسون أقوياء جدا مثلا محمد باقر قاليبات حتى وإن لم يقدم ترشحه حتى الآن".

كذلك، يملك سعيد جليلي وعلي لاريجاني حظوظا، بالإضافة إلى توقعات بترشيح إصلاحيين، على الرغم من أن حماس الإصلاحيين ليس قويا حتى الآن، وفقا للمحلل الإيراني شاوردي.

وأشار إلى أن كل تلك الظروف "تجعل مسألة نجاح أحمدي نجاد وفوزه بالانتخابات (إذا حصل على الأهلية) قضية صعبة جدا".

FILE PHOTO: Military personnel stand guard at Iran's Isfahan nuclear facility
جنود إيرانيون يحرسون محطة أسفهان النووية.

نشرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاذفات من طراز بي-2 على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.

وقاذفات بي-2 هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي -إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل مؤقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه إيران.

والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئيا تحت الأرض مدفونا بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويا، مما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.

وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني "في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جدا تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي".

وأضاف برونك "سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".

ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حاليا بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.

وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيودا صارمة على أنشطة إيران النووية مما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل إيران تتخلى كثيرا عن قيوده.

والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وقال أيضا قبل أسبوعين "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف".

وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر إن "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه".

عملية كبرى محفوفة بالمخاطر

يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.

ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تقريبا تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو المقامة في عمق أحد الجبال.

ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حاليا إلا قاذفات بي-2 مثل تلك التي تم نقلها في الآونة الأخيرة إلى دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي لا تمتلكها إسرائيل.

وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، "إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل" لتدمير فوردو ونطنز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وقال إن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياما.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق "ربما تسبب ضربة أميركية ضررا أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلا من إبعادها عنها".

وأضاف "يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره".

ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة إيران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وقال محللون ومسؤولون إن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمرا وصعبا للغاية.

وقالت كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من انتشار الأسلحة "ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها".

وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطرا يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم في مواقع مثل نطنز وفوردو.

وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للزعيم الأعلى علي خامنئي، على موقع التواصل أكس الأسبوع الماضي "استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون".

وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.

وقال جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة".