تنطلق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، الجمعة، لاختيار خلفا للرئيس إبراهيم رئيسي الذي لقي مصرعه في حادث مروحية الشهر الماضي، وذلك بدعم عدد من الإصلاحيين للمرشح مسعود بازشكيان.
ورأى محللون أن فرص بازشكيان قد تكون قائمة بالفعل، حال تحركت ما توصف "بالكتلة الرمادية"، وكان هناك إقبال كبير في الانتخابات، في وقت انتقد المرشد الإيراني علي خامنئي، بشكل غير مباشر، المرشح الإصلاحي، ومن قال إنهم "يعتقدون أن كل ما هو جيد يأتي من أميركا".
وكان آخر الداعمين لبازشكيان، الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، إذ دعا إلى التصويت لصالحه معرباً عن أمله بأن يتمكن من تحسين العلاقات مع الدول الغربية.
ونقلت وكالة فرانس برس، أن روحاني قال في مقطع فيديو، الأربعاء، إن بازشكيان يتمتع بعدة "مزايا مثل النزاهة والشجاعة والوفاء تجاه الأمة"، تمكنه أن يصبح رئيساً للجمهورية، مضيفًا: "أطلب ممن يريدون إرساء علاقات بناءة مع العالم والاعتدال التصويت لصالح الدكتور مسعود بازشكيان".
ويبلغ المرشح الإصلاحي 69 عاماً، وهو أحد المرشحين الثلاثة الأوفر حظاً، في حين أن المرشحين الرئيسيين الآخرين هما رئيس البرلمان المحافظ، محمد باقر قاليباف، والآخر المتشدد سعيد جليلي، الذي قاد التفاوض مع القوى الكبرى بشأن الملف النووي.
وحصل بازشكيان، الثلاثاء، بالفعل على دعم الرئيس الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي.
واعتبر الباحث السياسي، حسن المصطفى، في حديثه للحرة، أن دعم خاتمي لبازشكيان ترجع أهميته إلى أنه "لا يزال يحظى بشعبية كبيرة لدى التيار الإصلاحي وهذه الشعبية يسعى لأن تكون محفزا لهذا التيار لمشاركة أوسع في الانتخابات".
خامنئي.. وخلافات قديمة
ودعا خامنئي في خطاب، الثلاثاء، بمناسبة عيد الغدير، إلى "أقصى حد" من الإقبال على الانتخابات الرئاسية "للتغلب على العدو"، منددا بالسياسيين الذين وصفهم بأنهم يؤمنون بأن كل شيء جيد يأتي من الولايات المتحدة، وفق أسوشيتد برس.
وأضافت الوكالة أنه رغم عدم ذكر أي مرشح بعينه، يبدو أن تعليقات المرشد تقوض بشكل مباشر ترشيح الإصلاحي الوحيد في السباق، بازشكيان.
ولطالما حث الأخير، خلال خطاباته، على ضرورة عودة إيران إلى الاتفاق النووي لعام 2015 وزيادة تواصلها مع الغرب.
وقال المحلل السياسي الخبير بالشؤون الإيرانية، جعفر الهاشمي، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن خامنئي لديه شريحة كبيرة من المجتمع الإيراني من المتشددين لديهم توجهات واضحة، مضيفًا أن خطابه "عبارة عن توجيه أو إشارة لهم بشأن من سيصوتون له".
وأضاف أنه "عادة في الانتخابات يكون المرشح الذي يشير إليه خامنئي هو الفائز".
من جانبه اعتبر المصطفى أن "هناك تباينا فكريا واضحا ما بين خامنئي وخاتمي تعود جذوره لأيام قائد الثورة الخميني، حين كان لكل واحد منهما مسارا مختلفا، وكان الخميني هو من يضبط إيقاع الاختلاف بين التيارين.
وتابع، في حديثه للحرة، أنه في غياب الخميني "لم تعد هناك شخصية قادرة على إيجاد التوازن بين هذه القوى، خصوصا مع تركز الصلاحيات التي منحها الدستور الإيراني بيد مرشح المرشد، مما يجعل خاتمي والإصلاحيين يستنجدون بالشعب الإيراني، ويوجهون له خطابات من أجل أن يكون رأي الشعب هو الميزان".
ولفت إلى أن بازشكيان أكد ضرورة إحياء الاتفاق النووي "وهو الأمر الذي لا يريد المرشد أن يتم وفق ما يعتبره تنازلا من إيران للولايات المتحدة، أو تفريطا فيما يراه حقوقا أساسية للدولة".
"إصلاح ولكن"
وخلال مقطع الفيديو، الذي دعم فيه مرشح الإصلاحيين، ركز روحاني على رغبة بازشكيان في إحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015 مع الدول الكبرى، الذي مهد لتحسين العلاقات مع الغرب خلال ولايته.
وانسحبت الولايات المتحدة من هذا الاتفاق في 2018 في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي فرض عقوبات شديدة على إيران، ولاتزال المفاوضات لإحياء الاتفاق تراوح مكانها.
وقال روحاني: "يتعين علينا التصويت لصالح شخص مصمم على إلغاء أي عقوبة على الشعب الإيراني".
وعلى النقيض، خلال خطاب خامنئي (85 عاما)، كانت الهتافات لا تتوقف عن القول "الموت لأميركا. الموت لإسرائيل"، مما جعل المرشد يحث الحشود على الهدوء، وفق فرانس برس.
ويرى الهاشمي أن الإصلاحيين يحاولون "التغيير لكنهم يدركون أن المشكلات القائمة غير قابلة للعلاج في ظل المنظومة الحاكمة، ولا يسمح لهم بالتصريح بشأن الأمر لأن ذلك سيقود إلى طردهم من الساحة السياسية".
وأوضح في حديثه للحرة: "يركزون على مطالب معينة ويتوقفون عند سقف ما، وتحدث بازشكيان عن أنه لن يغير شيئا، وسنكون ضمن استراتيجية القيادة في إيران"، مضيفًا أن خامنئي يدرك ذلك وأوصل رسالته إلى المصوتين ومنهم الداعمين للإصلاحيين بأنه "حتى لو منحتم صوتكم لهم، فأن لهم أسقف معينة".
وبحسب أسوشيتد برس، فقد عبر الناخبون في جميع أنحاء طهران عن لامبالاة واسعة النطاق بشأن الانتخابات، في حين تواجه إيران وضعا اقتصاديا سحقته العقوبات الغربية واحتجاجات واسعة النطاق مناهضة للحكومة في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد وفاة مهسا أميني عام 2022، ورفض نساء ارتداء الحجاب الإلزامي في البلاد.
هل ينجح بازشكيان؟
وقال محللون إن عبور بازشكيان للمرحلة الأولى من الانتخابات ودخوله في جولة ثانية، سيكون حافزا كبيرا لما يمكن وصفها بالكتلة الرمادية التي تتردد في المشاركة في الانتخابات.
وقال المحلل السياسي هاشمي: "يريد خامنئي عدم مشاركة الكتلة الرمادية، لأنها لو صوتت لصالح الإصلاحيين سيكون هناك واقع جديد في إيران، في وقت يرغب أن يكون هناك رئيس خاضع لسياساته".
ونقلت أسوشيتد برس أيضًا عن محللين، أن بازشكيان بحاجة إلى إقبال واسع على التصويت في الانتخابات "وهو أمر غير مرجح نظرا لحالة اللامبالاة السائدة في البلاد".
وأشارت الوكالة إلى أن حملة المرشح الإصلاحي ركزت، حتى الآن، على جذب أصوات الشباب والنساء والأقليات العرقية في إيران.
ويرى الهاشمي أنه إلى الآن "لا توجد مؤشرات على أن الإصلاحيين نجحوا في تحريك المياه الراكدة ودفع الكتلة الرمادية للتصويت"، مشيرًا إلى موقف فائزة هاشمي رفسنجاني، الابنة الثانية للرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997) التي تقبع في السجن بتهمة "تحريض مثيري الشغب على الاحتجاج في الشوارع".
وقال للحرة إن موقفها، كشخصية إصلاحية بارزة، بأنها لن تشارك في الانتخابات "يعني أن هناك نخبا إصلاحية لم تقتنع بعد بالمشاركة، وتدرك أنه لن تكون هناك مشاركة واسعة".
بدوره أوضح المصطفى أنه حال وصلت نسبة المشاركة، كما المتوقع في حدود 50 بالمئة، "فإن حظوظ المرشح الإصلاحي سوف تكون أقل من بقية المنافسين المتشددين، وتحديدا جليلي وقاليباف، لأنه في حال الذهاب لجولة ثانية فإنه على الأغلب سيكون فيها المرشح الإصلاحي مع أحد المتشددين وحينها سيصوت الأصوليون لمرشحهم بكثافة".
لكن الهاشمي أشار إلى أنه حال وصول بازشكيان "إلى جولة ثانية من الانتخابات، أعتقد أن في هذا الوقت يمكن أن تتحرك الكتلة الرمادية التي سيكون بيدها القرار النهائي حيث تشكل الأغلبية في الشارع الإيراني".