مقتل هنية يمثل خرقا أمنيا كبيرا للنظام الإيراني
مقتل هنية يمثل خرقا أمنيا كبيرا للنظام الإيراني

اعتقلت السلطات الإيرانية أكثر من 20 شخصا، بينهم ضباط استخبارات كبار ومسؤولون عسكريون وموظفون في دار ضيافة عسكرية في طهران، ردا على "الخرق الأمني الكبير والمهين" الذي مكّن من اغتيال إسماعيل هنية، حسبما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" نقلا عن مصادر إيرانية.

وجاءت الاعتقالات التي طالت مسؤولين أمنيين كبار بعد مقتل هنية في انفجار، الأربعاء، في دار ضيافة تابعة للحرس الثوري، بعد حضوره حفل  تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.

ويبرز حجم الاستجابة لاغتيال هنية مدى فداحة الإخفاق الأمني الذي تعرضت له القيادة الإيرانية. فقد وقع الحادث في مجمع شديد الحراسة بقلب العاصمة، وذلك بعد ساعات قليلة فقط من أداء رئيس البلاد الجديد لليمين. 

وقال مسؤولون في الشرق الأوسط وفي إيران، إن الانفجار القاتل كان نتيجة قنبلة زُرعت في غرفة هنية، قبل وصوله بنحو شهرين.

وحمّل مسؤولون إيرانيون وحماس إسرائيل مسؤولة عن الاغتيال، وهو تقييم توصل إليه أيضا عدة مسؤولين أميركيين. بينما لم تعترف إسرائيل، التي تعهدت بتدمير القدرات الحكومية والعسكرية لحماس، بمسؤوليتها عن زرع القنبلة.

وتتولى وحدة الاستخبارات المتخصصة التابعة للحرس الثوري التحقيق وملاحقة المشتبه بهم الذين تأمل أن يقودوها إلى أعضاء فريق الاغتيال الذي خطط وساعد ونفذ عملية القتل، وفقا لمسؤولَين إيرانيَين تحدثا للصحيفة وطلبا عدم الكشف عن هويتهما بسبب حساسية التحقيقات.

وجاءت أنباء الاعتقالات الواسعة بعد أن أعلن الحرس الثوري في بيان، أن "نطاق وتفاصيل هذا الحادث قيد التحقيق وسيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب".

ولم يعلن الحرس الثوري بعد أي تفاصيل عن الاعتقالات أو عن تحقيقاته في الانفجار، بما في ذلك سببه. لكنه تعهد بانتقام شديد، كما أصدر المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أصدر أمرا بضرب إسرائيل ردا على ذلك، وفقا لثلاثة مسؤولين إيرانيين.

مداهمات واعتقالات

وبحسب الصحيفة، تكشف كثافة ونطاق تحقيقات الحرس الثوري مدى الصدمة والاضطراب اللذين أحدثهما الاغتيال في قيادة البلاد.

وانخرطت إيران وإسرائيل في حرب سرية لسنوات. اغتالت إسرائيل أكثر من 12 عالما نوويا وقائدا عسكريا داخل إيران، كما قامت بتخريب البنية التحتية، بتفجير أنابيب الغاز في فبراير، بالإضافة إلى شن هجمات على مواقع عسكرية ونووية.

وتأثرت إيران بشدة بعد كل هجوم وتعهدت بالعثور على الجناة. أقالت رئيس استخبارات كبير، واعتقلت قائدا عسكريا، وأعلنت عدة مرات أنها اكتشفت شبكة تجسس إسرائيلية.

وقبل أربعة أيام فقط من اغتيال هنية، قال وزير الاستخبارات في البلاد، سيد إسماعيل خطيب، لوسائل الإعلام المحلية إن إيران "فككت ودمرت شبكة من المتسللين التابعين للموساد الذين كانوا يغتالون بعض علمائنا ويخربون منشآتنا الرئيسية".

ثم جاءت صدمة اغتيال هنية.

وبعد الهجوم، داهم عملاء الأمن الإيراني مجمع دار الضيافة، الذي ينتمي إلى الحرس الثوري والذي كان هنية يقيم فيه بشكل متكرر - في نفس الغرفة - خلال زياراته لطهران.

ووضع العملاء جميع موظفي دار الضيافة تحت المراقبة، واعتقلوا بعضهم، وصادروا جميع الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف الشخصية، وفقا للإيرانيين الاثنين.

واستجوب فريق منفصل من العملاء كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين المسؤولين عن حماية العاصمة. ووضع عددا منهم قيد الاعتقال حتى انتهاء التحقيقات، بحسب المصدرين.

وعندما داهم عملاء الأمن مجمع دار الضيافة، قاموا بتمشيط كل شبر منه، وفحصوا كاميرات المراقبة التي يعود تاريخها إلى أشهر وكذلك قوائم الضيوف. كما كانوا يفحصون ذهاب وإياب الموظفين، الذين يخضعون لتدقيق صارم قبل التوظيف ويتم اختيارهم من صفوف الحرس وكذلك من "الباسيج"، وهي قوة المهام التطوعية شبه العسكرية التابعة له، وفقا للمسؤولين الإيرانيين الاثنين.

وركز التحقيق أيضا على مطارات طهران الدولية والمحلية، حيث تم نشر عملاء، يراجعون أشهر من لقطات الكاميرات من صالات الوصول والمغادرة ويفحصون قوائم الرحلات، وفقا للإيرانيين الاثنين. وقالوا إن إيران تعتقد أن أعضاء فريق الاغتيال التابع للموساد لا يزالون في البلاد وهدفهم هو اعتقالهم.

وقال عضو إيراني في الحرس الثوري، طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث، إنه لم يكن على علم بالاعتقالات، لكنه قال إن البروتوكولات الأمنية قد تم تغييرها بالكامل في اليومين الماضيين لكبار المسؤولين.

وتم تغيير التفاصيل الأمنية لكبار المسؤولين، وتم تبديل المعدات الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة. وقال إن بعض كبار المسؤولين تم نقلهم إلى موقع مختلف.

تعهدت إيران بالرد على مقتل هنية على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.
تعهدت إيران بالرد على مقتل هنية على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.

ذكرت صحيفة "هآرتس" في تحليل لها أنه في مواجهة المصاعب الداخلية الكبيرة، أصبح القتال في غزة ولبنان عبئاً متزايداً على إيران، رغم تعهدها سابقًا بالرد على مقتل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، على أراضيها والذي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عنه.

وترى أن إيران تخشى أن تأتي سياسة "معادلة الرد" التي ابتكرتها مع وكلائها ضد إسرائيل بنتائج عكسية، فتجرها إلى صراع إقليمي قد يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية الشديدة التي تواجهها بالفعل ويعيق جهود الحكومة الجديدة في متابعة إعادة التأهيل الداخلي.

وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أن إيران قلقة وحذرة إزاء التطورات في الشرق الأوسط، وتسعى إلى انتهاج سياسة حذرة تهدف، على الأقل علناً، إلى تجنب حرب شاملة، والتي من المرجح أن تتركز حول لبنان.

وترى طهران أن "حلقة النار" التي خلقتها للدفاع عن نفسها قد تأتي بنتائج عكسية وتضر ليس فقط بلبنان، أهم أصولها الإقليمية، بل وأيضاً بنفسها.

وأوضحت "هآرتس" أنه في أول اجتماع بين المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، والحكومة التي شكلها الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، ذكر خامنئي أولويتين وطنيتين رئيسيتين هما، خفض التضخم وخفض الأسعار.

وشرح بزشكيان ما تعنيه هذه الأوامر عملياً في أول مقابلة إعلامية له، حيث قال إنه يأمل في تعزيز النمو الاقتصادي إلى ثمانية في المئة وخفض التضخم بنسبة 30 في المائة.

وأضاف أنه لتحقيق هذا الهدف، تحتاج إيران إلى استثمارات بقيمة 200 مليار دولار. وتابع أن نصف هذا المبلغ يمكن أن يأتي من المستثمرين ورجال الأعمال المحليين. لكن النصف الآخر، أي نحو 100 مليار دولار، لابد أن يأتي من الخارج. وبعبارة أخرى، من دون إنهاء العقوبات المفروضة على إيران، لن تتمكن من تحقيق هذا الهدف.

وعلى عكس كبار المسؤولين الإيرانيين الآخرين، بما في ذلك خامنئي نفسه، لا يخفي بيزيشكيان الضرر الهائل الذي ألحقته العقوبات وما زالت تلحقه بالاقتصاد الإيراني، أو حقيقة أن "اقتصاد المقاومة"، المصطلح الذي صاغه خامنئي لتبرير التقشف الشديد لمقاومة العقوبات، ينعكس سلباً على الحكومة، لأنه يضر بأفقر الإيرانيين. ولا تُحس نتائج هذه السياسة على المستوى الكلي فقط.

وذكرت الصحيفة أنه قبل وقت قصير من بدء العام الدراسي، أصدرت وزارة التعليم الإيرانية بيانات مقلقة تُظهر أن 167 ألف طالب في المدارس الابتدائية تركوا الدراسة. ويبدو أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

ووفقًا للتقديرات التي أصدرها مركز أبحاث البرلمان الإيراني، ترك حوالي مليون طالب النظام المدرسي على كل مستوى في عام 2023.

وعلاوة على ذلك، قالت وزارة التعليم إن المدارس تعاني من نقص 176 ألف معلم. وتحاول الحكومة في اللحظة الأخيرة توظيف المعلمين المتقاعدين أو المعلمين المتدربين الذين لم يكملوا بعد شهاداتهم الدراسية.

وتظهر بيانات أخرى أصدرتها لجنة التعليم في البرلمان أن نحو 14 مليون طالب ينتمون إلى أسر تعاني من صعوبات في توفير احتياجاتهم الأساسية، وهذا يعني أن العديد منهم مجبرون على الذهاب إلى العمل بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.

كما لم يكن لدى وزارة الصحة أي أخبار جيدة لتشاركها. فمنذ الثاني من أغسطس، أضربت الممرضات في أغلب المدن الإيرانية للمطالبة بأجور وظروف عمل أفضل. ويردن تعديل رواتبهن وفقاً للتضخم، الذي يتجاوز حالياً 40%. كما يطالبن بتعيين المزيد من الممرضات، ودفع أجور العمل الإضافي وتعويض نفقات السفر.

ووفقاً للمجلس الأعلى لنظام التمريض، يهاجر ما بين 150 و200 ممرضة من إيران كل شهر، ويقول نحو 20% من طلاب مدارس التمريض إنهم ينوون مغادرة البلاد.

وأشارت الصحيفة أن ما سبق ليس سوى مثالين رئيسيين لكيفية تأثير هذه الأزمة ليس فقط على نوعية حياة العمال الإيرانيين اليوم، بل وأيضاً على الجيل القادم.

وأوضحت الصحيفة أن الممرضات والمعلمين وغيرهم من المهنيين لا يهتمون بالقضايا السياسية الكبرى أو الخطط الانتقامية ضد إسرائيل لاغتيالها زعيم حماس السابق إسماعيل هنية، مشيرة إلى أن ما يحدث داخليا يهز صورة نظام خامنئي.

وترى أن بزشكيان، الذي انتُخِب بفضل أصوات الإصلاحيين، على دراية تامة بحقل الألغام السياسي هذا، إذ يسير عبره بحذر شديد، وفي الوقت الحالي، أكسبه هذا دعم خامنئي.

والضغط الداخلي ظهرت آثاره في تصريح خامنئي، في إشارة إلى الغرب عموماً وأميركا على وجه الخصوص، والذي قال فيه: "علينا أن نشك في العدو، ولكن لا يوجد عائق أمام إجراء مفاوضات معه"، على افتراض أن المفاوضات تخدم مصالح البلاد. وتم تفسير هذا التصريح على أنه ضوء أخضر لبيزيشكيان وحكومته لاتخاذ خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تخفيف العقوبات أو حتى إزالتها بالكامل.

والواقع أن بيزيشكيان أرسل بالفعل خلال الفترة القصيرة منذ توليه منصبه تلميحات إلى أنه ينوي التفاوض مع الدول الغربية، وحتى مع الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة.

وهذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال أن تقدم إيران مخططاً جديداً لبرنامجها النووي يكون مقبولاً لدى الغرب عموماً، ولدول الموقعين على الاتفاق النووي الأصلي مع إيران (أميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين) على وجه الخصوص.

وأوضحت الصحيفة أنه ربما يكون بيزيشكيان أكثر وضوحاً بشأن هذه القضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد في نيويورك في غضون أسبوعين.