الميليشيات تلعب دوراً محورياً في تنفيذ أوامر طهران
صورة أرشيفية من تدريب عناصر مليشيا عراقية موالية لإيران- تعبيرية

على مدار سنوات، انتهجت إيران استراتيجية تعتمد على دعم ميليشيات مسلحة للقتال بالوكالة عنها في مواجهة إسرائيل، والولايات المتحدة، والمصالح الغربية الأخرى. وعبر هذه الاستراتيجية، سعت طهران إلى تفادي تحمل المسؤولية المباشرة عن النزاعات، مع تعزيز نفوذها الإقليمي دون التورط في صراعات عسكرية مباشرة.

تشمل هذه الميليشيات جماعات مثل حزب الله في لبنان، وفصائل أخرى في سوريا واليمن في العراق. وقد لعبت هذه الجماعات دوراً محورياً في تنفيذ أوامر طهران، مما سمح لإيران بالبقاء في الظل، محركة الأحداث من خلف الكواليس لتحقيق أهدافها.

ومع اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس، برز شعار "وحدة الساحات" الذي تبنته هذه الميليشيات والمعروفة أيضاً بـ"محور الممانعة". إلا أنه يبدو أن التنسيق بين مكونات هذا المحور قد شهد تراجعاً وأصبحت مصالح الجماعات المتحالفة وأجنداتها متباينة، حيث لكل منها أهدافها الخاصة ورؤيتها المختلفة حول جدوى الانخراط في صراع واسع النطاق قد يؤدي إلى حرب شاملة.

وتثير هذه التباينات تساؤلات حول مدى صلابة "محور الممانعة" والتحديات التي قد تواجهها إيران إذا نخرت التصدعات والشروخ هذا التحالف.

أذرع توسعيّة

"تسعى إيران لتحقيق مصالحها الإقليمية من خلال مشروع تدعمه أذرعها في المنطقة"، كما يؤكد الخبير والباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب.

ويشير أديب، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن طهران ترفع شعار "المقاومة"، لكنها في الواقع تركز على تحقيق أهدافها الخاصة وهي من شكّلت المحرك الرئيسي للأحداث الأخيرة في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وتهدف إلى أن تكون الجهة التي تنهي هذا الصراع".

ويشرح "حماس والجهاد الإسلامي وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى تخضع لتوجيهات مباشرة من طهران. ورغم أن هذه الفصائل تحمل مشروعها التحرري الخاص، إلا أن الدعم المالي والعسكري الإيراني يمنح طهران نفوذاً كبيراً عليها، خاصة على حركة حماس".

ويلفت أديب إلى أن "دعم إيران للقضية الفلسطينية، التي تعتبر محط اهتمام العالمين العربي والإسلامي، يأتي في إطار مشروعها التوسعي الإقليمي، كما أن دعمها لحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، يعكس سعيها لتوسيع نفوذها تحت غطاء دعم قوى المقاومة".

وعلى العكس من ذلك، يرى الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، أن "إيران وحلفاءها تفاجأوا بأحداث 7 أكتوبر، كما تفاجأ العالم". موضحاً أن هذه العملية "كانت من تخطيط وتنفيذ رئيس حركة حماس يحيى السنوار، الذي تكتم عليها حتى عن حلفائه في محور الممانعة، وكذلك عن القيادة السياسية لحركة حماس ممثلة بإسماعيل هنية وصالح العاروري".

ويؤكد السبع، في حديث لموقع "الحرة"، أن "السنوار أبلغ العاروري بقرار اقتحام الحدود قبل نصف ساعة فقط من تنفيذ العملية، وطلب منه إبلاغ حزب الله، وهو نفس التوقيت الذي أبلغ فيه هنية".

كما يلفت السبع إلى أن "السنوار اتخذ قرار تغيير قيادة كتائب القسام قبل الشروع في العملية، مما يشير إلى أن إيران لم تكن مستعدة تماماً لهذه العملية".

تجدر الإشارة إلى أن جذور ما يُعرف بـ"محور الممانعة" تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، حين وجدت إيران نفسها معزولة خلال حربها مع العراق، وفقاً لما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال". ومنذ ذلك الحين، دعمت طهران وسلّحت مجموعات مختلفة في لبنان واليمن والعراق وسوريا، إضافة إلى حركة حماس الفلسطينية.

انخراط متباين

وتوعدت طهران بالرد على إسرائيل بعد اتهامها بالوقوف وراء الهجوم الذي أودى بحياة هنية، مما وضع إيران أمام تحديات جديدة في إدارة الصراع. حيث لم يعد كافياً الاعتماد على أذرعها في توجيه ضربات بالنيابة عنها، وباتت قوة ردعها على المحك.

ووفقاً لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية، تعتمد القوات الجوية الإيرانية على طائرات وأنظمة دفاع جوي تعود إلى فترة السبعينيات، مما دفع طهران إلى تطوير تكتيكات غير تقليدية باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ لتعزيز قدراتها الهجومية ضد إسرائيل. إلا أن هذه التكتيكات لم توفر حماية فعالة لمجالها الجوي، بحسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وأضافت الصحيفة أنه في عام 2016، تمكنت إيران من شراء أنظمة الدفاع الروسية S-300، والتي وفرت لها لأول مرة قدرة على مواجهة القوات الجوية الحديثة. لكن حتى هذه الأنظمة لم تكن كافية لصد الهجوم الإسرائيلي في أبريل على قاعدة أصفهان الجوية، التي كانت مجهزة بأنظمة S-300 وفقا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

"اغتيال هنية ليس العملية الأمنية الأولى التي تنفذها إسرائيل داخل الأراضي الإيرانية"، كما يقول السبع "حيث سبقتها عمليات أمنية عديدة منها اغتيال علماء إيرانيين وقادة في الحرس الثوري. وبعد مرور حوالي 20 يوماً على مقتل هنية، لم تقم إيران بالرد المباشر على إسرائيل حتى الآن".

ويشير السبع إلى أن "العامل الجغرافي يلعب دوراً أساسياً في المعركة الحالية، فقد استغرقت الطائرات والصواريخ التي أطلقتها إيران في منتصف أبريل نحو ثلاث إلى أربع ساعات للوصول إلى إسرائيل، مما منح الإسرائيليين الوقت الكافي للتصدي لها، ودفعهم للرد بشن هجمات على أهداف داخل الأراضي الإيرانية".

في المقابل، أثبت الحرب الحالية، كما يقول الكاتب والباحث السياسي، مكرم رباح، أن "الأذرع العسكرية لا يمكنها حماية إيران من ضربات مباشرة داخل أراضيها".

ويضيف رباح، في حديثه لموقع "الحرة"، أن "التطورات الأخيرة تشير إلى أنه في حال توجيه أي عملية عسكرية من قبل ميليشيات إيران نحو إسرائيل أو أي طرف غربي، فإن الرد سيكون بضربة إيران مباشرة".

وسبق أن حذر أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، من رد "حتمي" على إسرائيل بعد مقتل فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، مشيراً إلى أن رد الحزب قد يكون منفرداً أو في إطار عملية مشتركة مع إيران أو مع محور الممانعة.

ويرى السبع أن "حجم الدمار الكبير في غزة يجعل حزب الله يتريث قبل القيام بأي رد، خصوصاً بعد تصريح نصر الله بأن سوريا وإيران غير معنيتين بالحرب، مما يعكس غياب النية في التفكير في حرب شاملة من قبل المحور".

وفي حديث لـ "وول ستريت جورنال"، يؤكد أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة أوتاوا، توماس جونو، أن "إيران تعتمد عقيدة إبعاد التهديدات الأمنية عن حدودها، بهدف احتواء العنف واستنزاف خصومها، لكنها تسعى في الوقت ذاته إلى تجنب الدخول في حرب شاملة".

كذلك "يواجه حزب الله حسابات لبنانية دقيقة، ويحرص على الاستمرار ضمن قواعد الاشتباك المعروفة رغم تجاوز الإسرائيليين لها إما من خلال عمليات اغتيال بارزة أو بتوجيه ضربات في العمق اللبناني"، وفقاً لما يقوله السبع.

ويشدد أن "الظروف الإقليمية في المنطقة اختلفت تماماً عما كانت عليه في عام 2006، عندما كانت سوريا تنقل الصواريخ إلى حزب الله وتوفر الغذاء والدواء والوقود وتفتح منازلها ومدارسها لاستقبال اللاجئين اللبنانيين. أما اليوم، فقد تغير الوضع السوري جذرياً، وهذه الحسابات يأخذها حزب الله والإيرانيون بعين الاعتبار قبل الإقدام على أي رد محتمل ضد إسرائيل."

أما فيما يتعلق بجماعة الحوثي، يرى السبع أنها "لم تتمكن عملياً من لعب دور مهم في المعركة منذ انخراطها فيها بعد هجوم "7 أكتوبر" كجبهة مساندة، ولم تبرز إلا من خلال الطائرة المسيرة التي استهدفت تل أبيب في 30 يوليو وأسفرت عن مقتل إسرائيلي، حيث ينصب تركيزها على الإضرار بالشحن التجاري العالمي في البحر الأحمر".

أما الفصائل المسلحة في العراق، فأطلق منذ بداية "هجوم 7 أكتوبر" وحتى اللحظة، وفقاً لما يقوله السبع "صاروخين تجاه إسرائيل تم اعتراضهما، وهو يركّز هجماته على القواعد التي تستضيف قوات أميركية في العراق وسوريا، في حين تبدو سوريا غير معنية بالمشاركة في حرب الإسناد الحالية".

قبضة حديدية؟

تظهر المؤشرات تصدعاً في استراتيجية "الأذرع الإيرانية"، ويشير المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، أندرو تابلر، في تصريحات لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن "طهران تشبه عربة تجرها مجموعة من الخيول الجامحة"، ويضيف "هي تمسك بزمام الأمور، لكن حلفاءها غالباً ما يختلفون حول وتيرة واتجاه التحرك، مما قد يؤدي إلى حوادث كارثية".

في المقابل، يؤكد أديب أن "هذه الأذرع جزء لا يتجزأ من الكيان الإيراني الأكبر، ولا تتحرك إلا بأوامر مباشرة من طهران، حيث ترتبط بها عسكرياً وأيديولوجياً وفكرياً"، ويشير إلى أن "إطلاق أي رصاصة من قبل هذه الأذرع هو قرار إيراني بحت".

وكذلك يرى السبع أن "طهران ما زالت تحتفظ بالقدرة على تحريك أذرعها في المنطقة متى شاءت، كونها تمول هذه التنظيمات وبالتالي تتحكم فيها، لكن السؤال الذي يطرح فيما إذا قررت إيران وأذرعها الانخراط في حرب شاملة، فهل لديها القدرة على تحقيق أهدافها؟ خاصة في ظل الإصرار الإسرائيلي، بقيادة نتانياهو على الاستمرار في المعركة".

ويستشهد السبع بتصريح نتانياهو في 8 أكتوبر، الذي أشار فيه إلى رغبته في "تغيير وجه الشرق الأوسط"، معتبراً أنه "دليل على استعداد إسرائيل للمعركة وسعيها لتحقيق هدفين: إفشال المفاوضات، وتنفيذ عمليات عسكرية في العمق اللبناني، السوري، وحتى الإيراني، بما في ذلك الاغتيالات، لدفع محور المقاومة نحو مواجهة كبيرة".

على النقيض من ذلك، يعتقد أديب أن "تصاعد التوترات في المنطقة بعد اغتيال هنية دفع إسرائيل إلى اتخاذ موقف إيجابي من المفاوضات التي جرت في الدوحة والقاهرة". ويعزو ذلك إلى "قلق الولايات المتحدة من توسع رقعة الحرب، خاصة إذا شنت إيران أو أذرعها هجمات قد تؤثر على أمن الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية".

ويشير أديب إلى أن "الرد الإيراني المحتمل في حال تصاعد الأحداث ما زال غامضاً، لكنه مرتبط بشكل وثيق بمصالح طهران".

أما رباح فيعتبر أن "الهجوم الإسرائيلي على الحديدة يعد دليلاً على قدرة إسرائيل على توجيه ضربة لإيران بمفردها، رغم احتمال عدم قدرتها على الدخول في حرب طويلة معها"، لكنه يلفت إلى أن "الجانب الإسرائيلي يدرك أن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، سيكون في مقدمة هذه الحرب، بغض النظر عن هوية الإدارة الأميركية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية".

إيران

لم يُسمح لأم بيجمان فاتحي برؤية ابنها قبل إعدامه، العام الماضي، إلا لعشر دقائق، يروي شقيقها عباس مولود لموقع "الحرة".

"لم نتسلم جثته حتى الآن"، يقول.

قصة فاتحي ليست فردية. 

منذ تأسيس نظام "ولاية الفقيه" عام 1979، امتنعت السلطات الإيرانية عن تسليم جثث النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين أعدمتهم أو ماتوا تحت التعذيب، ولا توفر لأسرهم معلومات عن أماكن دفنهم.

ولم تحظ الأسر بلحظة وداع، ولا تزال، منذ سنين، تبحث عن إجابة.

يحظر القانون الإيراني الدفن في المقابر الرسمية دون تصريح خطي من "الجهات المختصة". ويواجه من يقوم بدفن ذويه بشكل غير قانوني تهما قد تؤدي إلى السجن أو الغرامة أو كليهما، خاصة إذا كان المتوفى قد أعدم نتيجة تهمة سياسية أو أمنية.

منذ سنين طويلة، تحاول عائلات السجناء السياسيين استعادة جثامين أحبائها المعدومين، من دون طائل.

في يناير 2024، أعدمت السلطات الإيرانية بيجمان فاتحي وثلاثة نشطاء آخرين هم وفاء آذربار، ومحسن مظلوم، ومحمد فرامرزي، بتهمة التعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي.

تقول عائلاتهم، إن التهم ملفقة، والاعترافات التي بثها التلفزيون الرسمي، انتُزعت تحت التعذيب.

وتؤكد العائلات أن أبناءها لم يُعتقلوا في محافظة أصفهان كما زعمت السلطات، بل في مدينة أورمية شمال غربي إيران. ولم يعلموا باعتقالهم إلا بعد عامين من اختفائهم، من خلال تقرير تلفزيوني بث اعترافاتهم القسرية.

"حاولنا خلال الفترة الماضية بشتى الطرق لاسترداد جثة بيجمان ورفاقه أو حتى معرفة مكان دفنهم، لكن السلطات لا تسلم جثث المعدومين السياسيين لذويهم بأي شكل من الأشكال"، يقول مولود عباس.

ولا يقتصر الأمر على النشطاء السياسيين، بل يشمل مقاتلي البيشمركة من الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، الذين يُقتلون خلال اشتباكات مع القوات الإيرانية.

وتشير تقارير نشطاء معارضين إلى أن السلطات الإيرانية دأبت، منذ أكثر من 46 عاما، على دفن السجناء السياسيين، وضحايا التعذيب، والمعارضين، في مقابر جماعية متوزعة في محافظات إيرانية مختلفة، بما في ذلك العاصمة طهران التي تضم "مقبرة خاوران" الشهيرة.

وبحسب تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية، جرّفت السلطات مقبرة خاوران عدة مرات خلال العقود الماضية لطمس معالم شاهد مادي على جرائم النظام.

وتشير المنظمة إلى أن السلطات لا تزال تُخفي مصير العديد من الضحايا أو أماكن دفنهم، حتى اليوم.

في أبريل الماضي، ذكرت المنظمة، في تقرير، أن عدد الإعدامات في إيران ارتفع من 853 في عام 2023 إلى 972 في عام 2024، بزيادة قدرها 119 حالة، معظمها طالت أشخاصا شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للنظام مثل حركة "المرأة، الحياة، الحرية".

في عام 2018، أُعدمت السلطات الإيرانية رامين بناهي، شقيق الناشط الكردي رفيق حسين بناهي.

رغم محاولاتها، لم تتمكن أسرة رامين حتى اليوم من الوصول إلى قبره.

"نعتقد أن السبب في إخفاء الجثث هو آثار التعذيب على أجسادهم. النظام يخشى من توثيق الجرائم من خلال العائلات والمنظمات الحقوقية"، يقول رفيق بناهي.

وتخشى السلطات من تحول الجنازات إلى تظاهرات احتجاجية ضد النظام، أو تصبح قبور المعدومين مواقع رمزية للمقاومة، يعتقد رفيق.

امتناع السلطات من تسليم جثة المعدوم لأسرته تعمق معاناتها، وتجعلها عرضة لعذاب نفسي مرير بسبب حالة عدام اليقين: هل أعدموه أم ما زال حيا؟!

توجه السلطات الإيرانية إلى المعتقلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان تهما فضفاضة مثل "محاربة الله" المعروفة أيضا بـ"المحاربة" أو "الفساد في الأرض" أو التعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، قبل إصدار أحكام الإعدام عبر المحاكم الثورية التي لا توفر الحد الأدنى من شروط العدالة.

في كردستان الإيرانية، تعتبر منظمة "هانا" الحقوقية هذه الممارسات من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها منهجية.

يقول رئيس المنظمة، حميد بهرامي، إن "هذا السلوك لا يمثل فقط انتهاكًا واضحًا للحقوق، بل هو شكل من أشكال التعذيب النفسي الممنهج لعائلات الضحايا وللمجتمع بأسره".

ويشير بهرامي إلى المجازر الجماعية التي وقعت في عام 1988 كأبرز مثال على هذه السياسة. حينها، أعدمت السلطات آلافا من السجناء السياسيين في مختلف السجون، ودفنتهم في مقابر جماعية سرية.

حتى اليوم، لا تعرف عائلاتهم أماكن دفنهم.

وأشار إلى قضية المصارع الإيراني نافيد أفكاري، الذي أُعدم في 2020 بعد اتهامات مشكوك في صحتها، ودُفن ليلا في مكان سري.

ولفت بهرامي إلى أن قوات الأمن دفنت العديد من المتظاهرين الذين قُتلوا خلال احتجاجات 2019 و2022 بشكل سري، ومنعت عائلاتهم من إقامة مراسم تشييع أو دفن علنية.

وفي نوفمبر الماضي، كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن السلطات الإيرانية نفذت حزمة من أحكام الإعدام استهدفت سجناء سياسيين، ومواطنين من الأقليات العرقية، وأجانب.

وقالت ناهد نقشبندي، الباحثة في شؤون إيران في المنظمة إن "السلطات الإيرانية تستخدم عقوبة الإعدام كأداة للترهيب، خصوصا ضد الأقليات والمعارضين السياسيين بعد محاكمات غير عادلة".

واعتبرت نقشبندي أن المحاكم الثورية تمثل "أداة قمع ممنهج" تنتهك أبسط الحقوق وتصدر أحكام الإعدام دون ضمانات قانونية حقيقية.

ودعت المجتمع الدولي إلى إدانة هذا النهج بوضوح، وممارسة الضغوط لوقف الإعدامات في إيران.

أما بالنسبة لعائلات مثل عائلة عباس وبناهي، فإن الإدانة الدولية لم تعد مطلبا حقوقيا فحسب، بل حاجة إنسانية ملحّة، بحثا عن الحقيقة، أي عن قبر في أصقاع إيران الواسعة.