الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يلقي كلمة أمام الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء 24 سبتمبر
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يلقي كلمة أمام الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء 24 سبتمبر

أبدت إيران استعدادها لإنهاء الأزمة النووية، وأكدت رغبتها بالانخراط مجدداً في المحادثات المتعلقة بملفها النووي الذي تسبب لها بأزمة مع الغرب منذ أن تخلت عنه واشنطن قبل ست سنوات.

وأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء، إن "طهران مستعدة لإنهاء الأزمة النووية مع الغرب". ودعا إلى إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا عبر الحوار، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز.

ويأمل رجال الدين الإيرانيون في تخفيف العقوبات الأميركية التي عرقلت الاقتصاد الإيراني.

وقال بزشكيان إن "طهران مستعدة للانخراط مع المشاركين في الاتفاق النووي لعام 2015. إذا ما جرى تنفيذ التزامات الاتفاق على نحو كامل وبنية حسنة، يمكن بعد ذلك الدخول في حوار بشأن القضايا الأخرى".

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد قرر في عام 2018 التخلي عن الاتفاق بين طهران والقوى العالمية الست، وأعاد فرض عقوبات كبيرة على الجمهورية الإسلامية. وفشلت جهود إحياء الاتفاق.

وفرض اتفاق عام 2015 سقفا لإيران في تخصيب اليورانيوم عند درجة نقاء 3.67 بالمئة، والاحتفاظ بمخزون من هذه المادة لا يتجاوز 202.8 كيلوغرام، وهي حدود تخطتها إيران بفارق كبير منذ ذلك الحين.

صورة أرشيفية لصاروخ باليستي إيراني
تسريبات: صفقة نووية محتملة بين إيران وروسيا
بحسب ما نقلت وكالة "بلومبيرغ" وصحيفة "الغارديان" عن مصادر غربية لم تفصح عن هويتها، أعربت الولايات المتحدة، وبريطانيا عن مخاوفهما من أن تكون روسيا قد تبادلت أسرارا نووية مع إيران مقابل تزويد طهران موسكو بصواريخ باليستية لاستخدامها في حربها على أوكرانيا.

وتشعر بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي لا تزال طرفا في الاتفاق النووي، بأن قيادة طهران لن تغير مسارها وأن التوصل إلى اتفاق أوسع يشمل البرنامج النووي والدور الجيوسياسي لإيران، أمر غير واقعي في الوقت الراهن.

وتتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون وإسرائيل طهران باستخدام برنامجها النووي ستارا لمحاولة تطوير إمكانات إنتاج أسلحة نووية.

وتقول إيران إن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط.

وتدهورت علاقات طهران بالغرب منذ هجوم حركة "حماس"، المتحالفة مع إيران، على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 ومع زيادة دعم طهران للحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا.

وانتقد بزشكيان، وهو سياسي معتدل نسبيا تولى منصبه في أغسطس الماضي ووعد باتباع سياسة خارجية براغماتية، إسرائيل، عدو إيران اللدود، لِما وصفها "بالإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة".

وقال "من الضروري أن يعمل المجتمع الدولي فوراً على تأمين وقف دائم لإطلاق النار في غزة ووضع حد للهمجية اليائسة التي تنتهجها إسرائيل في لبنان، قبل أن تمتد إلى المنطقة والعالم".

وأضاف الرئيس الإيراني: "نسعى لتحقيق السلام للجميع وليس لدينا نية للصراع مع أي دولة. تعارض إيران الحرب وتؤكد على ضرورة وقف الصراع العسكري في أوكرانيا على الفور".

جانب من مفاعل نووي جنوب العاصمة الإيرانية طهران
بعد تصريح خامنئي.. "النووي" عنوان حزمة ملفات أبرزها "القنبلة على الرف"
في خطوة قد تُحدث تحولاً كبيراً في المشهد الجيوسياسي، أبدى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، الثلاثاء استعدادا لاستئناف التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن برنامج إيران النووي، في وقت حرج، حيث يشهد العالم توترات شديدة في منطقة الشرق الأوسط، مع استمرار حرب إسرائيل على غزة، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران الشهر الماضي.

من جهته قال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الثلاثاء، إنه شعر برغبة أكبر من جانب المسؤولين الإيرانيين للانخراط مع الوكالة على نحو أكثر جدية بعد محادثات في نيويورك، مضيفا أنه يأمل في زيارة طهران في أكتوبر المقبل.

وتسببت قضايا عالقة منذ زمن في توتر العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك منع طهران لخبراء في تخصيب اليورانيوم من الانضمام إلى فريق التفتيش، وإحجامها لسنوات عن تفسير آثار اليورانيوم التي عثر عليها في مواقع غير معلنة.

وأجرى غروسي محادثات مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على هامش لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعراقجي هو أحد المهندسين الرئيسيين للاتفاق النووي عام 2015 الذي حد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم مقابل رفع العقوبات الغربية.

وقال غروسي في مقابلة مع رويترز: "ما أراه هو رغبة معلنة في إعادة التواصل معنا بطريقة أكثر جدية".

وأضاف أنه: "يريد تحقيق تقدم حقيقي في إعادة المناقشات الفنية المناسبة مع إيران على نحو سريع"، مشيرا إلى أنه "يسعى إلى السفر إلى طهران في أكتوبر للقاء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان".

وتابع غروسي: "بالطبع، يتعين علينا الآن أن نعطي هذا مضمونا وجوهرا لأننا لا نبدأ من الصفر. لقد مررنا بعملية طويلة نسبيا دون ردود على بعض الأسئلة التي لدينا".

ولم تسفر قرارات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تأمر إيران بالتعاون بشكل عاجل مع التحقيق في آثار اليورانيوم وتدعوها إلى التراجع عن حظرها للمفتشين، عن إحداث تغيير يذكر، كما لم تظهر التقارير الفصلية التي أصدرتها الوكالة، واطلعت عليها رويترز في 29 أغسطس، أي تقدم.

هروب السينما الإيرانية

في ربيع عام 2024، انتشر مقطع فيديو على نطاق عالمي، يظهر فيه المخرج الإيراني المعروف، محمد رسولوف، وهو يسير، على قدميه، في مناطق وعرة. 

يرصد المقطع رسولوف أثناء هروبه من إيران إلى تركيا بعد أن أصدرت السلطات الإيرانية بحقه حكما بالجلد والسجن ثماني سنوات بسبب أعماله السينمائية. 

بعد أيام من هروبه وحصوله على اللجوء في السويد، أطل رسولوف في مهرجان "كان" السينمائي، في حضور حمل رسالة قوية إلى النظام الحاكم في إيران. 

صفق المشاركون في المهرجان طويلا، وبحرارة، للمخرج الإيراني، بعد فوزه بجائزة "لجنة التحكيم" الخاصة، عن فيلمه "بذرة التين المقدس".

واكتسبت تلك اللحظة زخما إضافيا لحقيقة أن رسولوف كان قد صور وأنتج فيلمه الفائز في "كان" داخل إيران قبل هروبه، تحت رقابة مشددة، وملاحقة أمنية، وتهديد دائم بالاعتقال.

يقول كافيه عباسيان، وهو مخرج وخبير سينمائي إيراني لـ"الحرة" إن رسولوف أنجز فيلمه رغم كل العراقيل والضغوط التي تعرض لها داخل بلده. لكن الضغوط أجبرت عددا كبيرا من السينمائيين الإيرانيين على العزوف عن الإنتاج السينمائي.

إضافة إلى مزاياها  الفنية، تثير الأفلام الإيرانية في الخارج اهتماما كبيرا داخل المهرجانات وخارجها بسبب موضوعاتها التي غالبا ما تثير أسئلة حول الحرية والديمقراطية والاعتقال، ودور الدين في الحياة العامة.

القائمة لا تنتهي

يعتقد  عباسيان أن هروب غالبية العاملين الإيرانيين في قطاع السينما ساهم في جذب الاهتمام بالأفلام الإيرانية في الخارج. 

"برويس سياد، أحد أعظم صانعي الأفلام لدينا هرب من إيران. وعاد غلام علي عرفان إلى البلاد وأنتج بعض الأفلام، مُنعت جميعها. وكذلك رضا لاميزاده، لم يتمكن أيضا من مواصلة مسيرته المهنية فهرب من إيران. وكذلك نصرات حكيمي، وسوزان تسليمي وهي ممثلة إيرانية أيضا، وكثيرون غيرهم. أعني القائمة لا تنتهي".

فريدون جورك، مثل كثير من هؤلاء السينمائيين، اضطر إلى المغادرة عام 2002، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية طوال سنوات عمله في السينما داخل إيران. 

يقول جورك لـ"الحرة" إنه قضى أكثر من أربعين عاما يعمل في مختلف المجالات السينمائية في إيران. أخرج حوالي 25 فيلما، لكن أجبرته الاعتقالات والملاحقة المستمرة  له ولزوجته على الهروب من طهران.

"فررنا خوفا من أن نُعتقل مرة أخرى، ولجأنا إلى الولايات المتحدة، نعيش اليوم في لوس أنجلوس ونحاول إظهار بعض جرائم هذا النظام للناس، وشرحها لهم من خلال الصورة. فالصورة دائما تساعد أكثر على إبراز الحقيقة".

من سيئ إلى أسوأ

بدأت معاناة السينمائيين الإيرانيين تتعمق مع انتقال الحكم من الشاه محمد رضا بهلوي إلى روح الله الخميني.

قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت السينما الإيرانية تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكانت مهمتها الأولى، الإشراف والتدقيق في كل ما ينتجه السينمائيون، يقول جورك.

مع تربع الخميني على سدة الحكم، أصبحت الأمور أكثر سوءا. "فعندما جاء الخميني، كان أول تعليق له عن السينما بمثابة إهانة حقيقية للمجتمع الفني. قال الخميني 'نحن لسنا ضد السينما لكنه ضد الرذيلة'. أهان العاملين في مجال السينما علنا.

بعد هذا التصريح شرع أنصاره بإحراق دور السينما في جميع أنحاء البلاد.

أثناء تحقق فريق "الحرة" من معلومات جورك بشأن تصريح الخميني، وجدنا أنه يعود إلى فترة وجود الخميني في المنفى في فرنسا وقتها، ووجدنا تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عام 1978.

 يبين التقرير أن أول حادث عنف ضد العاملين في السينما  داخل إيران حريق أضرم في دار سينما مزدحمة في مدينة عبادان الإيرانية، وأسفر عن مقتل 377 شخصا على الأقل في واحدة من أسوأ الكوارث من نوعها في تاريخ إيران، بحسب وصف الصحيفة.

قُتل رواد السينما دهسا أو اختناقا أو أُحرقوا أحياء. ويكشف التقرير أن زعماء دينيين متطرفين ألقوا كلمات في تجمعات حاشدة في جميع أنحاء إيران، حثوا فيها الإيرانيين على أداء الصلاة في المساجد بدلا من مشاهدة الأفلام في السينما أو التلفزيون. 

يؤكد فريدون جورك، الذي عايش تلك الأحداث في إيران، أن المحكمة كشفت أن الخميني كان مسؤولا عن الحريق. 

"هذا العمل الشنيع كان من عمل الجمهورية الإسلامية"، يقول. 

الحديث عن الإبداع "سخف"

"منذ الثورة تصاعد العنف ضد العاملين في قطاع السينما،" يقول علي المقدم، وهو مخرج إيراني هرب أيضا من إيران في  أواخر عام 2027، بعد اعتقاله وسجنه عدة مرات. 

يشير المقدم إلى أن الحديث عن الإبداع تحت حكم الجمهورية الإسلامية يصبح سخيفا، لأن السلطات لا تسمح لأحد بالاجتهاد والإبداع. "الحكومة تريد فقط فرض رأيها على كل شيء، وهذا لا يتعلق بالسينما فقط، إنما يتعداه إلى الموسيقى، الكتابة والشعر والنحت".

حتى عام 2023، تجاوز عدد السينمائيين المعتقلين في إيران 150 شخصا، أودت السلطات معظمهم في سجن إيفين، سيء الصيت، الذي أصبح معروفا باسم "سجن الفنانين".

رغم تضييق السلطات على السينمائيين، يعد قطاع السينما داخل إيران من أكثر الصناعات نشاطا، بإنتاج يقارب مئة فيلم سنويا، لكن الغالبية العظمى من ذلك الإنتاج تقع ضمن دائرة البروباغندا الإعلامية. 

يقول المخرج الإيراني كافيه عباسيان لـ"الحرة" إن الحرس الثوري الإسلامي يملك شركة إنتاج تُسمى "المعهد الثقافي"، وهي تنتج، إضافة إلى الأفلام، مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية.

 "لدينا هنا ميليشيا إسلامية للإنتاج الإعلامي، تُوازي الجيش الإيراني، وهم يتفوقون على أي شركة إنتاج خاصة أخرى في إيران" يقول عباسيان، "يدفعون أجورا أعلى بكثير لمحترفي السينما والممثلين لإنتاج أفلامهم، ونتيجة لذلك تبدو أفلامهم رائعة، لكن السينما الإيرانية لها تاريخ طويل".

رغم القمع، واضطرار رسولوف وجورك، وعشرات السينمائيين إلى الهروب من إيران، معهم إبداعاتهم، تتواصل في القرى والمدن الإيرانية إنتاجات السينما المستقلة، و"هذا هو الأهم، هذا هو مستقبل إيران، هذا هو المستقبل الذي يهمنا"، يقول المخرج الإيران كافيه عباسيان لـ"الحرة" من منفاه البريطاني.