عناصر من حزب الله خلال تشييع أحد ضحاياه
عناصر من حزب الله خلال تشييع أحد ضحاياه

حين اندلعت الحرب في قطاع غزة، وُضعت "وحدة الساحات" التي كان يروج لها أطراف المحور الإيراني على "سكّة اختبار"، سرعان ما انعكست نتائجها على الأرض بصورة أخذت شكلا مختلفا أطلق عليه زعيم "حزب الله" اللبناني سابقا وصف "جبهات الإسناد".

وفي ظل ما يتعرض له الحزب اللبناني المدعوم من طهران الآن، يتكرر السيناريو ذاته من زاوية "الاختبار"، على صعيد التساؤلات المتعلقة بموقف بقية أعضاء "المحور" والأسباب التي تحوّل دون انخراطهم مباشرة بهدف "تخفيف الضغط" وتقديم "الإسناد".

وتشن إسرائيل لليوم الثالث على التوالي حملة قصف جوية على مناطق عدة في لبنان، وبينما تقول إنها تستهدف بنى تحتية ومنازل يستخدمها "حزب الله" لتخزين الأسلحة والصواريخ، أسفرت ضرباتها حتى الآن عن مقتل أكثر من 550 شخصا، وفقا لوزارة الصحة اللبنانية.

ولا تعرف الحدود الزمنية للحملة الإسرائيلية القائمة، وفي مقابل ذلك لم تتضح الخيارات التي قد يلجأ إليها "حزب الله"، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران، التي اعتبر مرشدها علي خامنئي الجماعة اللبنانية "منتصرة"، يوم الأربعاء.

ويرى خبراء ومراقبون تحدثوا لموقع "الحرة" أن "وحدة الساحات"، منذ دخولها في الاختبار الأول المتعلق بحرب غزة، اتضح أنها "حالة شعور" لم تنعكس على الأرض، كما كان يروج لها سابقا.

ورغم تأكيد آخرين لتلك الفرضية، توضح الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتي، أنه يجب التفريق في قراءة السياسة الإيرانية المتبعة في المنطقة بين الفترة التي سبقت وصول الإصلاحيين والرئيس مسعود بزشكيان إلى السلطة والفترة التي تلتها.

"قبل وبعد بزشكيان"

في ظل سيطرة المحافظين على صناعة القرار في طهران كان دعم حركة "حماس" في غزة واضحا من خلال تفعيل استراتيجية "وحدة الساحات"، وإن بمستويات مختلفة على أساس الجغرافيا، وفق الباحثة كولوريوتي.

وتشير إلى أن الحوثيين تحركوا في مسارين، البحر والجو، وبموازاة ذلك فتح "حزب الله" خلال الأشهر الماضية جبهة دعم متصاعدة في وقت كانت الميليشيات العراقية تشن سلسلة من الهجمات ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق.

ولكن مع وصول الإصلاحيين إلى السلطة "طرأ تغير واضح في استراتيجيتهم في التعامل مع أدواتهم في المنطقة بشكل عام"، كما تضيف الباحثة لموقع "الحرة".

وتعتبر كولوريوتي أن "الإصلاحيين باتوا ينظرون إلى الوكلاء كأداة لدعم مصالحهم وترسيخ نفوذهم الإقليمي وأوراق الابتزاز الدولي"، وأن "توازن سياساتهم في النظر إليهم يعتمد على حجم المنافع بأقل ضرر ممكن".

ومنذ اليوم الأول للحملة الإسرائيلية على "حزب الله" شنت ميليشيات عراقية ضمن إطار ما يعرف بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" هجمات متفرقة بالطائرات المسيرة ضد إسرائيل. وأعلنت الأخيرة اعتراضها بالطائرات الحربية.

ولم يسجّل حتى الآن أي هجوم من قبل الحوثيين، رغم أن الجماعة اليمنية المدعومة من طهران سبق أن أطلقت صواريخ بالستية باتجاه تل أبيب.

النظام السوري، من جهته، وبعد اندلاع الحرب في غزة، اتبع سياسة ابتعد فيها كل البعد عما يجري في محيطه، ولا يزال يسير عليها كما بدا خلال اليومين الماضيين بعدما تصاعدت مجريات الحرب في جنوب لبنان على نحو أكبر.

ويقول الباحث في الشأن الإيراني، ضياء قدور إن نظرية "وحدة الساحات" كانت تحولت بعد الحرب في غزة إلى ما يشبه "جبهة إسناد" لم تترجم تفاصيلها على الأرض بالمنظور العسكري.

وكان أغلب التحركات التي جرت في الساحات (اليمن، العراق، لبنان) "أشبه برسائل تحذيرية" من جانب طهران. وبقيت كذلك حتى محطة اغتيال إسماعيل هنية، بحسب قدور، معتبرا أن الحادثة أكدت فشل "النظرية".

وبعدما وصلت المنطقة إلى نقطة أن إسرائيل باتت أكثر جدية لكي تفتح عملية ضد "حزب الله"، يضيف الباحث لموقع "الحرة" أن "جبهات الإسناد" انتقلت من حالة الإطلاق العشوائي في اليمن ولبنان، إلى "الاستهداف الدقيق".

ورغم أن قدور يشير إلى وجود تعاطي مختلف لنظرية "وحدة الساحات" ما بين فترة اندلاع الحرب في غزة، والآن يعتقد أنها "أثبتت فشلها على المستوى التشغيلي والفعلي في كامل المجريات".

ويضيف الباحث المختص بالشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، أن إيران كانت قد غيّرت المفهوم الكامل لـ"وحدة الساحات" منذ اليوم الأول للحرب في غزة، وبعدما عززت الولايات المتحدة قواتها في أكثر من جبهة.

ويعتبر في حديثه لموقع "الحرة" أن التغييّر جاء "تفاديا لتعرضها لأي ضربات ولمنع الخسائر الكبرى عن وكلائها في المنطقة".

3 ملفات تحدد انخراط إيران

الضربات التي يتلقاها "حزب الله" في لبنان الآن هي الأقسى منذ الحرب التي خاضها ضد إسرائيل في عام 2006، وجاءت حملة القصف الجوية في أعقاب ضربات أسفرت عن مقتل قادة بارزين في الجماعة اللبنانية، وهجمات أخرى استهدفت أجهزة النداء التي يحملونها المعروفة باسم "البيجر".

ووسط التصعيد العسكري الإسرائيلي ضده ترى الباحثة إيفا كولوريوتي أن هناك 3 ملفات تحدد التدخل الإيراني في هذا الصراع، سواء بشكل مباشر أو عبر أدواتها في المنطقة.

ويرتبط الملف الأول بمدى تأثير أي تدخل على جسم النظام الإيراني وبرنامجه النووي، إذ لا شك أن هناك تخوفا في طهران من أن إسرائيل تنتظر الفرصة المناسبة لضرب هذا البرنامج، بحسب الباحثة.

وقد يكون التحرك العسكري الإيراني المباشر لدعم "حزب الله" مبررا لهذه الضربة، وهذا السبب نفسه منع طهران حتى الآن من الوفاء بوعودها بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.

وتتابع الباحثة أن الملف الثاني مرتبط بالانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ يخشى الساسة الإيرانيون أن يؤثر تصعيدهم العسكري المباشر وغير المباشر لدعم "حزب الله" سلبا على النتيجة، مما يزيد من حظوظ دونالد ترامب غير المرغوب فيه في طهران، على حد تعبيرها.

وتوضح الباحثة أن الملف الثالث يذهب باتجاه الخشية الإيرانية من أن يؤدي فتح جبهة أخرى لدعم "حزب الله" في لبنان إلى خسارة ورقة جديدة، بعد خسارة حماس، وتضرر قدرات الجماعة اللبنانية.

بعد غارة إسرائيلية شمال بيروت
بعد انهيار "قواعد الاشتباك" بين إسرائيل وحزب الله.. هل من مخرج دبلوماسي؟
تدحرجت كرة النار بين حزب الله وإسرائيل لتحرق معها كل قواعد الاشتباك التي كانت سائدة بين الطرفين. فقد أصبح جنوب لبنان وبقاعه تحت مرمى الغارات الجوية الإسرائيلية الكثيفة، في حين وسّع حزب الله نطاق ضرباته الصاروخية إلى حيفا وصفد وعكا، وصولاً إلى تل ابيب.

"قرار الساحات إيراني"

وتؤكد كولوريوتي أن قرار الحوثيين بعدم الرد حتى الآن على استهداف الحديدة قرار إيراني، كما هو حال قرار الميليشيات العراقية بوقف هجماتها على القواعد الأميركية في سوريا والعراق.

وتعتقد أن "كلا القرارين يقدمهما بزشكيان وحكومته كمبادرة حسن نية لإدارة جو بايدن والديمقراطيين، على أمل إحياء الاتفاق النووي، إذا دخلت كامالا هاريس البيت الأبيض".

ويعتبر الباحث ضياء قدور أن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى أي مدى ستذهب إيران بالمخاطرة من أجل حماية "أثمن ميليشيا" لديها والمتمثلة بـ"حزب الله"؟

ويقول قدور إن "إسرائيل تعمد الآن على تدمير سردية محور المقاومة من خلال قتل العناصر المفصلية واتخاذ إجراءات على المستوى التشغيلي واتخاذ خطوات مؤلمة".

وعلى الطرف الآخر تسود حالة غموض وتردد، الأمر الذي "خلق ثغرة على صعيد الثقة ما بين المشغل في طهران والوكلاء المنتشرين في المنطقة"، بحسب ذات الباحث.

ويرى الباحث المقيم في لندن عبد الرحمن أن "كل التصريحات الإيرانية تشي بأن إيران تريد الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع إسرائيل".

ويعتقد أيضا أنها "ستساوم على الأذرع في حال كان الخيار إما حفظ النظام فيها أو بقاء الوكلاء".

"مراهنة على أمرين"

مقارنة بغيره من الوكلاء، لطالما وصفت مراكز أبحاث غربية الحزب اللبناني بـ"درة التاج الإيرانية".

ورغم أن لطهران أذرع أخرى في المنطقة، لم تصل إلى المرتبة التي وصل إليها "حزب الله"، وزعيمه حسن نصر الله، خلال السنوات الماضية.

وتعتقد الباحثة كولوريوتي أن "المحور الإيراني يعيش أسوأ كوابيسه في المرحلة الحالية"، لكنها وفي المقابل تقول إنه يراهن على نقطتين حتى الانتخابات الأميركية.

ويأمل "المحور" بدرجة أولى أن تكون الحرب على غزة قد أنهكت قوات الدفاع الإسرائيلية وقيدت قدرتها على خوض أشهر من الحرب في لبنان.

وبدرجة ثانية يراهن "المحور على قدرة حزب الله على الصمود في وجه الضربات الإسرائيلية وتوجيه اللكمات المضادة التي ستؤثر على الرأي العام الإسرائيلي وتجبر حكومة بنيامين نتانياهو على وقف الحرب بأقل الخسائر".

ويشرح ريتش أوتزن، وهو كبير الخبراء الأميركيين في المجلس الأطلسي، أن إسرائيل غيرت الكثير من حساباتها بعد السابع من أكتوبر، وترى الآن أن "ضبط النفس وإفلات إيران من العقاب سيمثلان سياسة فاشلة".  

أما بالنسبة لإيران فقد باتت تواجه "معضلة استراتيجية الآن" بعد ارتفاع التكاليف بالنسبة لحماس و"حزب الله". 

"المعضلة" تتمثل بخيارين صعبين: "إما أن تنقذهما بالتدخل مع المخاطرة بقواتها أو التراجع مع الإضرار بنظرية وآلية إسقاط القوة عبر الوكلاء بالكامل". 

ويضيف الباحث أن "العملية الحاصلة الآن وبرمتها تهدف للتقليل من مكانة إيران وحزب الله كجهات عسكرية إقليمية".  

3 مسارات إسرائيلية

وتشي جميع التحركات الإسرائيلية من الجو وعلى الأرض بأن الحملة القائمة ضد "حزب الله" في لبنان لن تنتهي في المدى القصير.

وبينما تضع إسرائيل على رأس القائمة "هدف إعادة سكان المنطقة الشمالية إلى منازلهم" يشكك مراقبون بإمكانية تحقيق ذلك، حتى لو تضررت قدرات "حزب الله" العسكرية إلى حد كبير.

وترى داليا شيندلين، وهي خبيرة استطلاعات رأي ومحللة سياسية إسرائيلية، أن "الحكومة الإسرائيلية تستطيع أن تسلك مسارات عدة في المرحلة المقبلة".

أول المسارات تنفيذ عملية محدودة وقصيرة تعمل على تقليص قدرة "حزب الله" على التخطيط وإطلاق النار على شمال إسرائيل بشكل ملحوظ وضرب مناطق أخرى.

ويذهب المسار الثاني باتجاه تصعيد أكثر، "يمكن أن يؤدي بسهولة إلى استفزاز حرب شاملة"، وفق ما تقول شيندلين لموقع "الحرة".

وتضيف أن الخيار الثالث هو "حرب واحتلال جنوب لبنان بعملية برية، مع وجود محتمل طويل الأمد لإعادة تأسيس (منطقة أمنية)".

وينبغي أن تكون الحدود الرئيسية في كل ما سبق هي مسألة التكاليف التي ستتكبدها إسرائيل في حالة اندلاع حرب شاملة، والعائدات المتناقصة إذا كانت الأضرار تفوق المكاسب، بحسب الباحثة.

وتوضح أن "إسرائيل وحزب الله ابتعدا بالفعل عن موقفهما قبل الثامن من أكتوبر من الأعمال العدائية المحدودة".

والآن يبتعد الطرفان عن موقفهما المتصاعد، ولكن الخاضع لسيطرة القواعد من الثامن من أكتوبر إلى السابع عشر من سبتمبر (هجمات أجهزة النداء)".

وتضيف شيندلين: "في الواقع أن كل المسارات المذكورة أعلاه أكثر خطورة ولا يمكن استبعاد أي منها".

ووفقا لما نقله موقع "أكسيوس" الأربعاء تعمل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن على مبادرة دبلوماسية جديدة من أجل "وقف" القتال في لبنان واستئناف المفاوضات بشأن اتفاق احتجاز الرهائن في غزة ووقف إطلاق النار.

مقاتلات إسرائيلية - أرشيفية
مقاتلات إسرائيلية - أرشيفية

حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إيران، الأحد، من أنها قد تتعرّض لدمار يشبه ما يحصل في غزة وبيروت، في حال ألحقت الأذى ببلاده، وذلك في وقت تعدّ الدولة العبرية ردّا على هجوم صاروخي شنّته طهران، الثلاثاء.

وقال غالانت في بيان "لم يمسّ الإيرانيون قدرات سلاح الجو (في الهجوم)، لم تتضرر أي طائرة، ولم يتم إخراج أي سرب عن الخدمة"، في إشارة إلى الضربة الإيرانية التي طالت قاعدتين لسلاح الجو.

وأضاف "من يعتقد أن مجرد محاولة إلحاق الأذى بنا ستمنعنا عن اتخاذ أي إجراء، عليه أن ينظر إلى (إنجازاتنا) في غزة وبيروت".

والسبت قال الأميرال دانيال هاغاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن إسرائيل سترد على الهجوم الصاورخي الإيراني "عندما يحين الوقت المناسب".

وذكر في بيان بثه التلفزيون "سنحدد الطريقة والمكان والتوقيت للرد على هذا الهجوم المشين، وفقا لتعليمات القيادة السياسية"

وذكر الموقع الإخباري لوزارة النفط الإيرانية على الإنترنت "شانا"، الأحد، أن الوزير محسن باك نجاد وصل إلى جزيرة خرج، وسط مخاوف من استهداف إسرائيل للمرفأ النفطي هناك، وهو الأكبر في إيران.

وبعد الهجوم الإيراني نقل موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي، الأربعاء، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إسرائيل ستوجه "ردا كبيرا" قد يستهدف منشآت إنتاج النفط داخل إيران.

وذكر موقع "شانا" أن "باك نجاد وصل صباح اليوم لزيارة منشآت النفط ولقاء موظفي عمليات في جزيرة خرج"، مضيفا أن مرفأ النفط هناك تبلغ سعته التخزينية 23 مليون برميل من الخام.

وقال محللون إن الصين، وهي المستورد الرئيسي من إيران، التي لا تعترف بالعقوبات الأميركية، استوردت 1.2 إلى 1.4 مليون برميل يوميا من إيران في النصف الأول من عام 2024.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، إنه لا يعتقد أن إسرائيل قررت بعد كيفية الرد.