منشأة نفطية في إيران - أرشيفية
منشأة نفطية في إيران - أرشيفية

مع تعهد إسرائيل بـ"الرد" على الهجوم الصاروخي الذي شنته طهران في الأول من أكتوبر، وشمل أكثر من 180 صاروخا باليستيا تصدت لها إلى حد كبير أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، تزداد التساؤلات بشأن طبيعة هذا الرد، والمواقع التي قد يستهدفها في إيران.

ويمكن أن تشمل الأهداف المحتملة لإسرائيل في إيران، منشآت نفطية وعسكرية ونووية، وفيما يلي أبرزها:

البنية التحتية لإنتاج النفط

قد تسعى إسرائيل في ردها المرتقب على الهجوم الإيراني، إلى استهداف قطاع النفط، مما يلحق الضرر بالاقتصاد الإيراني.

ولدى إيران العديد من المنشآت النفطية، كالحقول والمصافي والموانئ التي تستخدم في التصدير.

وتمتلك إيران أحد أكبر قطاعات التكرير في الشرق الأوسط، بطاقة إنتاجية وصلت إلى حوالي 2.4 مليون برميل يوميا في عام 2023، موزعة على 10 مواقع رئيسية. 

وأكبر 3 مصافي لديها، هي مصفاة أصفهان التي تنتج 370 ألف برميل يوميا، ومصفاة عبادان التي تنتج 360 ألف برميل يوميا، ومصفاة بندر عباس التي تنتج 320 ألف برميل يوميا، وفقا لوكالة "ستاندرد آند بورز".

وبالإضافة إلى مصفاة النفط الخام التي تبلغ طاقتها 320 ألف برميل يوميا في بندر عباس، فإن مصنع نجم الخليج (Gulf Star) الواقع في بندر عباس أيضا، ينتج حوالي 399 ألف برميل يوميا. 

وتم الانتهاء من بناء مصنع نجم الخليج عام 2018، وهو أحدث وأهم مصدر محلي للبنزين في إيران، حيث لبى حوالي 40 بالمئة من احتياجات البلاد عام 2023، وفقا لتقرير صادر عن "Commodity Insights".

وتمتلك شركة تكرير وتوزيع النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة (NIORDC)، السيطرة الكاملة على عمليات نقل وتخزين وتسويق وتوزيع المنتجات النفطية في إيران.

ومن أبرز الموانئ التي يُصدّر منها النفط، على الخليج جنوب غربي إيران، ميناء بندر عباس، وميناء جزيرة خرج، وفقا لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

من جانبها، اعتبرت وكالة رويترز أن من الممكن أن يدفع مثل هذا الهجوم، إيران إلى "ضرب منشآت لإنتاج النفط في السعودية وغيرها من دول الخليج".

وقد يؤدي هذا أيضا إلى ارتفاع أسعار الوقود، وهي قضية رئيسية دائما في الحملات الانتخابية الأميركية، مع اقتراب الانتخابات التي يختار فيها الأميركيون رئيسا جديدا، في الخامس من نوفمبر المقبل.

وقال ديفيد دي روش، وهو مسؤول سابق بوزارة الدفاع الأميركية وخبير معني بسياسة الخليج في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا التابع لجامعة الدفاع الوطني الأميركية، لرويترز: "لست متأكدا من أن هذا (ارتفاع أسعار النفط العالمية) سيكبح جماح الإسرائيليين". 

وأضاف أن إسرائيل "قد تنظر إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية على أنه فائدة للحملة الانتخابية للرئيس السابق، دونالد ترامب".

وصار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في الآونة الأخيرة "أكثر انحيازا" للحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه ترامب مقارنة بالحزب الديمقراطي، وفقا لرويترز.

منشآت عسكرية

يعتقد بعض المحللين أنه من المرجح أن ترد إسرائيل باستهداف منشآت عسكرية إيرانية، خاصة التي تنتج الصواريخ الباليستية، مثل تلك التي استخدمت في الهجوم الأخير. 

كما يمكن أن تدمر أنظمة الدفاع الجوي ومنصات إطلاق الصواريخ الإيرانية.

واتهمت واشنطن طهران بتزويد روسيا بصواريخ باليستية قصيرة المدى لاستخدامها ضد أوكرانيا. وتنفي طهران وموسكو ذلك. 

وقال محللون إن هذا سيُنظر إليه على أنه أفضل رد بالمثل على هجوم إيران.

منشآت نووية

يمكن أن يؤدي الهجوم على منشآت نووية إيرانية إلى تعطيل قدرة طهران على إنتاج سلاح نووي، وفقا لرويترز. ومن هذه المواقع ما هو موجود تحت الأرض، وأشهرها مفاعل بوشهر ومحطة نطنز.

لكن من المرجح أن يؤدي أي هجوم كبير على البنية التحتية النووية لإيران إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك احتمالية اندفاع إيران نحو بناء سلاح نووي. وقالت واشنطن إنها لن تؤيد مثل هذا التحرك من جانب إسرائيل.

وقال ريتشارد هوكر، وهو ضابط متقاعد في الجيش الأميركي خدم في مجلس الأمن القومي خلال ولايات رؤساء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لرويترز، إن إسرائيل "يمكنها بلا شك" أن تضرب منشآت نووية إيرانية، لكن هذا ليس محتملا "لأن ذلك من شأنه وضع القيادة الإيرانية في موقف سترد فيه بشيء دراماتيكي للغاية".

وتنفي إيران أن يكون لديها برنامجا للأسلحة النووية أو التخطيط لذلك.

وخلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، وكذلك الاستخبارات الأميركية، إلى أن إيران سعت إلى تنفيذ برنامج منسق للأسلحة النووية حتى عام 2003.

ويقول خبراء إنه مع انهيار الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى عام 2015، فإنها قد تنتج ما يكفي من اليورانيوم المخصب بالدرجة اللازمة لصنع الأسلحة، من أجل صنع قنبلة نووية "في غضون أسابيع"، وفق رويترز.

خيارات ترتبط بالاقتصاد والإنترنت

يبدو أن الرد العسكري هو الخيار الأرجح، لكن هناك خيارات أخرى لا تتضمن ضربات صاروخية ولا عمليات للقوات الخاصة.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنه سيفرض المزيد من العقوبات على إيران. وتحظر العقوبات التي تفرضها واشنطن على إيران بالفعل أي تجارة أميركية معها تقريبا، كما تشمل تجميد أصول حكومة طهران في الولايات المتحدة وحظر المساعدات الخارجية الأميركية ومبيعات الأسلحة.

وقال محللون لرويترز، إن إسرائيل قد تستخدم أيضا قدراتها في مجال الحرب الإلكترونية للرد على الضربات الإيرانية.

وألقت تفجيرات أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي التي ينتشر استخدامها بين عناصر حزب الله في لبنان، ونُسبت إلى إسرائيل، رغم نفي الرئيس إسحاق هرتسوغ علاقة بلاده بها، الضوء على الوحدة 8200 السرية.

وهذه الوحدة مختصة بالحرب الإلكترونية والاستخبارات، وتابعة للجيش الإسرائيلي. وقالت مصادر أمنية غربية إنها شاركت في التخطيط للعملية.

وأطلقت إيران نحو 200 صاروخ على إسرائيل قبل أيام، "ردا" على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، في يوليو الماضي، ومقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والقائد الكبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، عباس نيلفوروشان، الأسبوع الماضي، بضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقالت إسرائيل إن دفاعاتها الجوية بمساعدة حلفاء اعترضت معظم الصواريخ، لكن بعضها اخترقت نظام الدفاع الجوي.

ووصفت إسرائيل الهجوم بأنه "الأكبر والأعنف" ضدها، لكن دون الإعلان عن سقوط ضحايا.

ويعد هذا الهجوم الثاني الذي تستهدف فيه إيران بشكل مباشر إسرائيل، بعد أن هاجمتها بصواريخ ومسيرات في أبريل الماضي، "ردا" على استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا.

من جانبه، توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، طهران بـ"دفع الثمن"، معتبرا أنها ارتكبت "خطأ جسيما".

وقال مسؤولون إسرائيليون، إن بلادهم ستبدأ "ردا قويا" على الهجوم الإيراني، في غضون أيام، قد يشمل استهداف منشآت نفطية ومواقع استراتيجية إيرانية أخرى.

هروب السينما الإيرانية

في ربيع عام 2024، انتشر مقطع فيديو على نطاق عالمي، يظهر فيه المخرج الإيراني المعروف، محمد رسولوف، وهو يسير، على قدميه، في مناطق وعرة. 

يرصد المقطع رسولوف أثناء هروبه من إيران إلى تركيا بعد أن أصدرت السلطات الإيرانية بحقه حكما بالجلد والسجن ثماني سنوات بسبب أعماله السينمائية. 

بعد أيام من هروبه وحصوله على اللجوء في السويد، أطل رسولوف في مهرجان "كان" السينمائي، في حضور حمل رسالة قوية إلى النظام الحاكم في إيران. 

صفق المشاركون في المهرجان طويلا، وبحرارة، للمخرج الإيراني، بعد فوزه بجائزة "لجنة التحكيم" الخاصة، عن فيلمه "بذرة التين المقدس".

واكتسبت تلك اللحظة زخما إضافيا لحقيقة أن رسولوف كان قد صور وأنتج فيلمه الفائز في "كان" داخل إيران قبل هروبه، تحت رقابة مشددة، وملاحقة أمنية، وتهديد دائم بالاعتقال.

يقول كافيه عباسيان، وهو مخرج وخبير سينمائي إيراني لـ"الحرة" إن رسولوف أنجز فيلمه رغم كل العراقيل والضغوط التي تعرض لها داخل بلده. لكن الضغوط أجبرت عددا كبيرا من السينمائيين الإيرانيين على العزوف عن الإنتاج السينمائي.

إضافة إلى مزاياها  الفنية، تثير الأفلام الإيرانية في الخارج اهتماما كبيرا داخل المهرجانات وخارجها بسبب موضوعاتها التي غالبا ما تثير أسئلة حول الحرية والديمقراطية والاعتقال، ودور الدين في الحياة العامة.

القائمة لا تنتهي

يعتقد  عباسيان أن هروب غالبية العاملين الإيرانيين في قطاع السينما ساهم في جذب الاهتمام بالأفلام الإيرانية في الخارج. 

"برويس سياد، أحد أعظم صانعي الأفلام لدينا هرب من إيران. وعاد غلام علي عرفان إلى البلاد وأنتج بعض الأفلام، مُنعت جميعها. وكذلك رضا لاميزاده، لم يتمكن أيضا من مواصلة مسيرته المهنية فهرب من إيران. وكذلك نصرات حكيمي، وسوزان تسليمي وهي ممثلة إيرانية أيضا، وكثيرون غيرهم. أعني القائمة لا تنتهي".

فريدون جورك، مثل كثير من هؤلاء السينمائيين، اضطر إلى المغادرة عام 2002، بعدما لاحقته السلطات الإيرانية طوال سنوات عمله في السينما داخل إيران. 

يقول جورك لـ"الحرة" إنه قضى أكثر من أربعين عاما يعمل في مختلف المجالات السينمائية في إيران. أخرج حوالي 25 فيلما، لكن أجبرته الاعتقالات والملاحقة المستمرة  له ولزوجته على الهروب من طهران.

"فررنا خوفا من أن نُعتقل مرة أخرى، ولجأنا إلى الولايات المتحدة، نعيش اليوم في لوس أنجلوس ونحاول إظهار بعض جرائم هذا النظام للناس، وشرحها لهم من خلال الصورة. فالصورة دائما تساعد أكثر على إبراز الحقيقة".

من سيئ إلى أسوأ

بدأت معاناة السينمائيين الإيرانيين تتعمق مع انتقال الحكم من الشاه محمد رضا بهلوي إلى روح الله الخميني.

قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت السينما الإيرانية تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وكانت مهمتها الأولى، الإشراف والتدقيق في كل ما ينتجه السينمائيون، يقول جورك.

مع تربع الخميني على سدة الحكم، أصبحت الأمور أكثر سوءا. "فعندما جاء الخميني، كان أول تعليق له عن السينما بمثابة إهانة حقيقية للمجتمع الفني. قال الخميني 'نحن لسنا ضد السينما لكنه ضد الرذيلة'. أهان العاملين في مجال السينما علنا.

بعد هذا التصريح شرع أنصاره بإحراق دور السينما في جميع أنحاء البلاد.

أثناء تحقق فريق "الحرة" من معلومات جورك بشأن تصريح الخميني، وجدنا أنه يعود إلى فترة وجود الخميني في المنفى في فرنسا وقتها، ووجدنا تقريرا نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية عام 1978.

 يبين التقرير أن أول حادث عنف ضد العاملين في السينما  داخل إيران حريق أضرم في دار سينما مزدحمة في مدينة عبادان الإيرانية، وأسفر عن مقتل 377 شخصا على الأقل في واحدة من أسوأ الكوارث من نوعها في تاريخ إيران، بحسب وصف الصحيفة.

قُتل رواد السينما دهسا أو اختناقا أو أُحرقوا أحياء. ويكشف التقرير أن زعماء دينيين متطرفين ألقوا كلمات في تجمعات حاشدة في جميع أنحاء إيران، حثوا فيها الإيرانيين على أداء الصلاة في المساجد بدلا من مشاهدة الأفلام في السينما أو التلفزيون. 

يؤكد فريدون جورك، الذي عايش تلك الأحداث في إيران، أن المحكمة كشفت أن الخميني كان مسؤولا عن الحريق. 

"هذا العمل الشنيع كان من عمل الجمهورية الإسلامية"، يقول. 

الحديث عن الإبداع "سخف"

"منذ الثورة تصاعد العنف ضد العاملين في قطاع السينما،" يقول علي المقدم، وهو مخرج إيراني هرب أيضا من إيران في  أواخر عام 2027، بعد اعتقاله وسجنه عدة مرات. 

يشير المقدم إلى أن الحديث عن الإبداع تحت حكم الجمهورية الإسلامية يصبح سخيفا، لأن السلطات لا تسمح لأحد بالاجتهاد والإبداع. "الحكومة تريد فقط فرض رأيها على كل شيء، وهذا لا يتعلق بالسينما فقط، إنما يتعداه إلى الموسيقى، الكتابة والشعر والنحت".

حتى عام 2023، تجاوز عدد السينمائيين المعتقلين في إيران 150 شخصا، أودت السلطات معظمهم في سجن إيفين، سيء الصيت، الذي أصبح معروفا باسم "سجن الفنانين".

رغم تضييق السلطات على السينمائيين، يعد قطاع السينما داخل إيران من أكثر الصناعات نشاطا، بإنتاج يقارب مئة فيلم سنويا، لكن الغالبية العظمى من ذلك الإنتاج تقع ضمن دائرة البروباغندا الإعلامية. 

يقول المخرج الإيراني كافيه عباسيان لـ"الحرة" إن الحرس الثوري الإسلامي يملك شركة إنتاج تُسمى "المعهد الثقافي"، وهي تنتج، إضافة إلى الأفلام، مسرحيات ومسلسلات تلفزيونية.

 "لدينا هنا ميليشيا إسلامية للإنتاج الإعلامي، تُوازي الجيش الإيراني، وهم يتفوقون على أي شركة إنتاج خاصة أخرى في إيران" يقول عباسيان، "يدفعون أجورا أعلى بكثير لمحترفي السينما والممثلين لإنتاج أفلامهم، ونتيجة لذلك تبدو أفلامهم رائعة، لكن السينما الإيرانية لها تاريخ طويل".

رغم القمع، واضطرار رسولوف وجورك، وعشرات السينمائيين إلى الهروب من إيران، معهم إبداعاتهم، تتواصل في القرى والمدن الإيرانية إنتاجات السينما المستقلة، و"هذا هو الأهم، هذا هو مستقبل إيران، هذا هو المستقبل الذي يهمنا"، يقول المخرج الإيران كافيه عباسيان لـ"الحرة" من منفاه البريطاني.