FILE PHOTO: Israel's Iron Dome anti-missile system intercepts rockets, as seen from Ashkelon
إيران أعطت تحذيرًا ضئيلًا قبل إطلاق ما لا يقل عن 200 صاروخ باليستيً سريع الحركة على إسرائيل.

قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، الأسبوع الماضي، تميز بمداه الواسع وتأثيره المحدود. ويقول بعض المحللين إنه يثير تساؤلات حول إمكانيات وقدرات ترسانة إيران.

ويقول المحللون للصحيفة إن الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في مطلع أكتوبر، وهو المرة الثانية فقط التي تهاجم فيها إيران بشكل مباشر إسرائيل، تميز بمداه الواسع لكن بتأثيره المحدود.

ووفقا للصحيفة، أعطت إيران تحذيرًا ضئيلًا قبل إطلاق ما لا يقل عن 200 صاروخ باليستيً سريع الحركة على إسرائيل. ويُظهر تحليل لـ"واشنطن بوست" أن ما لا يقل عن عشرين صاروخًا نجح في اختراق الدفاعات الإسرائيلية، الثلاثاء، وهو عدد أكبر بكثير من الهجوم السابق في أبريل، حيث تسبب بعضها في أضرار في المواقع العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية أو بالقرب منها. لكن حتى الآن، كانت التقارير عن الأضرار الجسيمة على الأرض محدودة.

وتشير الأدلة، بحسب الصحيفة، إلى أن إيران استخدمت أقوى أنواع الأسلحة في الهجوم، والذي يتمثل في أسرع صواريخها على الإطلاق وعددًا أكبر من منصات الإطلاق مما هو معروف لدى الخبراء أن البلاد تمتلكه. كما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن إيران استخدمت صاروخا باليستيا متقدما لم يستخدم من قبل.

وترى الصحيفة أن هجوم الثلاثاء والهجوم الذي سبقه يوفران معلومات غير مسبوقة عن مدى إمكانيات إيران، وقدرة إسرائيل على اعتراضها أو تحملها. وقال بعض الخبراء إن هذه الرؤى تشكك في قيمة ترسانة طهران الصاروخية الهائلة، والتي قدر المسؤولون الأميركيون أنها الأكبر في الشرق الأوسط.

وأشارت الصحيفة إلى أن هجوم الأسبوع الجاري كان ملحوظًا في كيفية اختلافه عن الهجوم الصاروخي الإيراني الأول على إسرائيل، والذي بدأ مساء 13 أبريل. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أن هذه الخطوة كانت ردًا على ضربة إسرائيلية قاتلة على مجمع دبلوماسي إيراني في سوريا وقعت قبل أكثر من أسبوعين.

واستخدمت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار في ذلك الهجوم، وبشكل أكثر تحديدا حوالي 170 طائرة بدون طيار، وفقًا للتقييمات الأميركية، و150 صاروخًا، 30 منها صواريخ كروز ذاتية الدفع طوال رحلتها وتطير عمومًا بالقرب من الأرض. وكانت بقية الهجمات عبارة عن صواريخ باليستية، يتم دفعها عالياً بواسطة صاروخ وتستخدم الجاذبية للهبوط بسرعات عالية.

وقال الجيش الإسرائيلي إن 99 في المائة من الصواريخ والطائرات بدون طيار إما تم اعتراضها أو فشلت. ويبدو أن عددا منها فقط سقط في إسرائيل، ما تسبب في أضرار طفيفة، بحسب الصحيفة.

ويقول المحللون للصحيفة إن إيران أمضت أياماً في الإعلان عن نواياها، ما سمح لإسرائيل وحلفائها بالاستعداد، واستخدمت ذخائر بطيئة يمكن التصدي لها، واستخدمت صواريخ قديمة تعمل بالوقود السائل، ويبدو أن بعضها قد فشل.

ومع ذلك، قال المحللون إن الهجوم يحمل مخاطر حقيقية. وقال الباحث الذي يدرس برامج الأسلحة الإيرانية في مشروع ويسكونسن للحد من الأسلحة النووية، جون كرزيزانياك، للصحيفة "في أي وقت تطلق فيه 300 صاروخ على دولة أخرى، فإنك تنوي إحداث بعض الأضرار الحقيقية".

وترى الصحيفة أنه إذا كانت الضربة المباشرة الأولى التي وجهتها إيران إلى إسرائيل في أبريل مصممة لإظهار القوة، فإن الأدلة تشير إلى أنها كانت تهدف هذا الأسبوع إلى توجيه ضربة أكثر أهمية.

وأوضحت "واشنطن بوست" أن مكانة طهران تضررت بسبب الهجمات الإسرائيلية المدمرة على حليفها حزب الله اللبناني، والحرب الجارية في غزة والتي أدت إلى مهاجمة شريك إيراني آخر هو حماس. وقالت إيران إن ضربة الثلاثاء كانت ردا على مقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في بيروت أواخر سبتمبر الماضي، وزعيم حماس إسماعيل هنية، في طهران، في يوليو.

وقال بعض المحللين للصحيفة إن إيران ربما استخدمت صواريخ أكثر حداثة تعتمد على الوقود الصلب، ما يعني أنه يمكن إطلاقها بسرعة، دون الحاجة إلى التزود بالوقود أولاً.

وخلال هجوم الأسبوع الجاري، ذكرت الصحيفة أن إيران استخدمت صواريخ قدر وعماد بعيدة المدى، واستخدمت أيضًا لأول مرة صواريخها الأكثر تقدمًا "فتاح" الأسرع من الصوت، حسبما ذكرت وكالة مهر للأنباء.

وأظهرت لقطات الإطلاق التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية واستعرضها ثلاثة محللين إطلاق صاروخ قدر. وقال فابيان هينز، محلل إيران في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في برلين، إن إيران استخدمت أيضًا خيبر شيكان 2 أو فتاح 1، الذين يبدوان متشابهين من مسافة بعيدة.

وكشفت إيران عن صاروخها "فتاح" العام الماضي. وقال الخبراء إنه لا يفي بنفس معايير الأسلحة الغربية الموصوفة بأنها تفوق سرعة الصوت والقدرة على المناورة داخل الغلاف الجوي بسرعات تفوق سرعة الصوت، أي خمسة أضعاف سرعة الصوت، لفترات طويلة من الزمن، لكنه يتمتع ببعض القدرة على المناورة التي يمكن أن تساعد في التهرب من الدفاعات الصاروخية.

وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أن 90 في المائة من الصواريخ وصلت إلى هدفها. وبينما قال المحللون إن هذا مبالغ فيه، تشير الأدلة إلى أن عددًا أكبر بكثير وصل إلى إسرائيل مقارنة بشهر أبريل. وقال بعض الخبراء إن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية ربما استنفدت.

ووجد تحليل أجرته صحيفة "واشنطن بوست" لصور الأقمار الاصطناعية والمرئيات أن ما لا يقل عن عشرين صاروخًا ضربت أو اقتربت من موقعين عسكريين وموقع استخبارات واحد.

وبشكل منفصل، نشر فريق من معهد ميدلبري للدراسات الدولية تحليلاً أولياً، الخميس، وجد ما لا يقل عن 32 نقطة تأثير على صور الأقمار الاصطناعية لقاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية في صحراء النقب، ما يشير إلى أن 16 في المائة أو أكثر من الصواريخ التي أطلقت أصابت هذا الهدف.

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟