رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يترأس اجتماعا
نتانياهو لن يواجه مشكلة في الحصول على التفويض اللازم لتنفيذ ضربة على طهران

وسط ترقب للرد الإسرائيلي على إيران بعد هجومها الصاروخي في مطلع أكتوبر، استعرض تحليل الخيارات المتاحة والقابلة للتطبيق أمام إسرائيل.

قالت مجلة "ذي إيكونوميست" إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو واجه معارضة قانونية مرتين على الأقل في عامي 2010 و 2011 لضرب إيران، ولم يحصل على التفويض اللازم من مجلس الوزراء، لكن رئيس الوزراء لن يواجه مشكلة الآن في الحصول على التفويض اللازم لتنفيذ ضربة على إيران ردا على هجومها على إسرائيل في مطلع أكتوبر.

وتنقل المجلة في تحليل أن قادة إسرائيل يعتقدون أن عشرات الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران على إسرائيل في الأول من أكتوبر لا تترك لهم بديلا سوى الرد، مضيفة أن الشكل الذي يتخذه الانتقام يمكن أن يكون له آثار واسعة النطاق على الشرق الأوسط.

ويقول التحليل إنه يجري النظر في أربعة أنواع من الأهداف. ويفضل نتانياهو منذ فترة طويلة قصف المواقع التي تخصب فيها إيران اليورانيوم وتجري أبحاثا لبرنامجها النووي. لكن هذه المنشآت منتشرة في جميع أنحاء البلاد في مواقع شديدة التحصين في أعماق الأرض. وسيتطلب إلحاق أضرار كبيرة إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ الخارقة للتحصينات من عشرات الطائرات التي تعمل على بعد 1200 كيلومتر على الأقل. 

وسلاح الجو الإسرائيلي هو الأقوى في المنطقة لكن قد يكون من الصعب عليه أن يعرقل برنامج إيران النووي لأكثر من بضعة أشهر.

وسيكون الهدف الاستراتيجي الأكثر ضعفا هو الموانئ الرئيسية الإيرانية، وتحديدا محطات النفط التي توفر معظم دخل إيران من العملات الأجنبية. ويعتقد الاستراتيجيون الإسرائيليون أن تدميرها سيوجه ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني المهتز بالفعل. ويأملون أن يؤدي ذلك إلى إثارة المزيد من الاضطرابات داخل إيران، و يحلم البعض بأنه يمكن أن يؤدي إلى سقوط النظام.

الخيار الثالث، بحسب المجلة، هو استهداف قادة البلاد مباشرة، تماما كما هاجمت إسرائيل قادة وكلاء إيران وحلفائها، حزب الله في لبنان وحماس في غزة. 

وسيكون هذا أمرا صعبا، حيث من شبه المؤكد أن تتراجع الشخصيات الإيرانية البارزة إلى مواقع سرية محمية إذا بدت الضربة الإسرائيلية وشيكة. وتأثير مثل هذه الهجمات غير مؤكد دائما، إذ أن مسألة من سيحل محل المرشد الأعلى المسن في إيران، علي خامنئي، هي بالفعل موضع الكثير من المداولات هناك.

أما الرد العسكري الإسرائيلي الأكثر وضوحا فهو توجيه ضربة لقواعد الصواريخ الإيرانية. ويمكن القول إن هذا الخيار سيكون الأقل احتمالا لإثارة هجوم صاروخي آخر من إيران. 

لكن نتانياهو يعتقد أن إسرائيل لديها فرصة تاريخية لإعادة تشكيل المنطقة. وهذه المرة يتفق بعض جنرالاته معه، ولكن ليس كلهم. إذ يعتقد بعضهم أن حقيقة أن إسرائيل صمدت أمام وابل كبير من الصواريخ الإيرانية (الأولى في أبريل) ثم في أكتوبر دون أضرار جسيمة تثبت أن إسرائيل قادرة على الصمود أمام كل ما ترميه إيران عليها.

وأطلقت إيران في الأول من أكتوبر حوالي مئتي صاروخ على إسرائيل في هجوم هو الثاني المعلن لها على إسرائيل، في خطوة وصفتها بأنها ردّ انتقامي على اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت بضربة إسرائيلية في 27 سبتمبر ومقتل قيادي في الحرس الثوري الإيراني معه، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو في عملية نُسبت لإسرائيل.

FILE PHOTO: Military personnel stand guard at Iran's Isfahan nuclear facility
جنود إيرانيون يحرسون محطة أسفهان النووية.

نشرت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة قاذفات من طراز بي-2 على مقربة من إيران، في إشارة قوية للجمهورية الإسلامية بما قد يحدث لبرنامجها النووي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يحد من نشاطه.

وقاذفات بي-2 هي الطائرات الوحيدة القادرة على إسقاط أقوى القنابل الخارقة للتحصينات.

لكن خبراء عسكريين ونوويين يقولون إنه حتى مع وجود مثل هذه القوة النارية الهائلة، فإن أي عمل عسكري أميركي -إسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا لتعطيل مؤقت لبرنامج يخشى الغرب أن يكون هدفه بالفعل إنتاج قنابل نووية ذات يوم، وهو ما تنفيه إيران.

والأسوأ من ذلك، أن يدفع أي هجوم إيران إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين، والتحرك لجعل البرنامج المدفون جزئيا تحت الأرض مدفونا بالكامل، والإسراع نحو التحول إلى دولة مسلحة نوويا، مما يضمن ويُعجل في الوقت نفسه بتلك النتيجة المخيفة.

وقال جاستن برونك، وهو باحث بارز في مجال القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز بحثي دفاعي بريطاني "في نهاية المطاف، وباستثناء تغيير النظام أو الاحتلال، من الصعب جدا تصور كيف يمكن لضربات عسكرية أن تدمر مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي".

وأضاف برونك "سيكون الأمر في جوهره محاولة لإعادة فرض قدر من الردع العسكري، وإلحاق خسائر والعودة بزمن الاختراق إلى ما كنا عليه قبل بضع سنوات".

ويشير زمن الاختراق إلى المدة التي قد يستغرقها إنتاج مواد انشطارية بكميات كافية لإنتاج قنبلة نووية، ويتراوح هذا الزمن حاليا بين أيام أو أسابيع بالنسبة لإيران. لكن إنتاج قنبلة بالفعل، إذا قررت إيران ذلك، سيستغرق وقتا أطول.

وفرض الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 بين إيران والقوى الكبرى قيودا صارمة على أنشطة إيران النووية مما أطال زمن الاختراق إلى عام على الأقل. لكن الاتفاق انهار بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب عام 2018، وهو ما جعل إيران تتخلى كثيرا عن قيوده.

والآن يريد ترامب التفاوض على قيود نووية جديدة في محادثات بدأت في الأيام القليلة الماضية. وقال أيضا قبل أسبوعين "إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق، فسيكون هناك قصف".

وأطلقت إسرائيل تهديدات مماثلة. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس بعد توليه منصبه في نوفمبر إن "إيران معرضة أكثر من أي وقت مضى لقصف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إنهاء التهديد الوجودي لدولة إسرائيل ومحوه".

عملية كبرى محفوفة بالمخاطر

يتوزع برنامج إيران النووي على العديد من المواقع، ومن المرجح أن يستهدف أي هجوم معظمها أو جميعها. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، لا تعرف أين تحتفظ إيران ببعض المعدات الحيوية مثل قطع غيار أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم.

ويقول خبراء عسكريون إن إسرائيل قادرة على تدمير معظم هذه المواقع بنفسها، لكنها ستكون عملية محفوفة بالمخاطر تشمل هجمات متكررة، وستضطر إلى التعامل مع أنظمة مضادة للطائرات مقدمة من روسيا. وسبق أن نجحت إسرائيل في القيام بذلك عندما نفذت ضربات محدودة على إيران العام الماضي.

ويُعد تخصيب اليورانيوم جوهر البرنامج النووي الإيراني، وأكبر موقعين للتخصيب لديها هما منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تقريبا تحت الأرض، لحمايتها على ما يبدو من القصف، ومنشأة فوردو المقامة في عمق أحد الجبال.

ولدى الولايات المتحدة مستوى جاهزية أعلى بكثير لضرب هذه الأهداف الصعبة باستخدام أقوى قنبلة خارقة للتحصينات لديها، وهي القنبلة الضخمة التي تزن 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، والتي لا تستطيع إطلاقها حاليا إلا قاذفات بي-2 مثل تلك التي تم نقلها في الآونة الأخيرة إلى دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي لا تمتلكها إسرائيل.

وقال الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، الذي يعمل حاليا في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، "إسرائيل لا تملك ما يكفي من القنابل عيار 5000 رطل" لتدمير فوردو ونطنز. ويدعم هذا المعهد جهود تعزيز علاقات دفاعية وثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وكان الجنرال المتقاعد يشير إلى أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الإسرائيلية. وقال إن مشاركة الولايات المتحدة ستجعل الهجوم أسرع وتزيد من احتمالات نجاحه لكنه توقع أن يستغرق الأمر أياما.

ماذا سيحدث في اليوم التالي؟

قال إريك بروير من مبادرة التهديد النووي، وهو محلل استخبارات أميركي سابق "ربما تسبب ضربة أميركية ضررا أكبر من ضربة إسرائيلية، ولكن في كلتا الحالتين، الأمر يتعلق بكسب الوقت، وهناك خطر حقيقي في أن تدفع (أي ضربة) إيران نحو القنبلة بدلا من إبعادها عنها".

وأضاف "يمكن للضربة أن تعرقل البرنامج وتؤخره، لكنها لا تستطيع تدميره".

ومن الممكن تدمير المواقع النووية، لكن خبرة إيران المتقدمة في تخصيب اليورانيوم لا يمكن تدميرها. وقال محللون ومسؤولون إن منعها من إعادة بناء المواقع سيكون مستمرا وصعبا للغاية.

وقالت كيلسي دافنبورت من رابطة الحد من انتشار الأسلحة "ماذا سيحدث في اليوم التالي؟ سترد إيران على الهجمات على برنامجها النووي بتحصين منشآتها وتوسيع برنامجها".

وبعد إلغاء رقابة إضافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أقرت بموجب اتفاق 2015، يرى كثير من المحللين خطرا يتمثل في أن إيران، في حال تعرضها لهجوم، ستطرد مفتشي الوكالة الذين يعملون بمثابة عيون للعالم في مواقع مثل نطنز وفوردو.

وقال علي شمخاني، المسؤول الأمني الإيراني البارز والمستشار الحالي للزعيم الأعلى علي خامنئي، على موقع التواصل أكس الأسبوع الماضي "استمرار التهديدات الخارجية ووجود إيران في حالة ترقب هجوم عسكري قد يؤدي إلى إجراءات رادعة، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف التعاون".

وتلك الخطوة لم تتخذها دولة غير كوريا الشمالية التي أجرت بعد ذلك تجربتها النووية الأولى.

وقال جيمس أكتون من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي "إذا قصفتم إيران فمن شبه المؤكد، في اعتقادي، أن إيران ستطرد المفتشين الدوليين وتندفع نحو إنتاج قنبلة".