إسرائيل استهدفت مواقع في طهران ومناطق أخرى - صورة لوكالة فرانس برس
إسرائيل استهدفت مواقع في طهران ومناطق أخرى - صورة لوكالة فرانس برس

أثار الهجوم الإسرائيلي على إيران تساؤلات حول وجود "قنوات اتصال غير مباشرة" تهدف إلى احتواء المواجهة ومنعها من الخروج عن السيطرة. 

ويقول، أمير أورن، الخبير في الشؤون الاستراتيجية من تل أبيب، في حديث لقناة "الحرة"، إن تقريرا نشره موقع  "أكسيوس" بأن إسرائيل أخطرت إيران مسبقا بأهداف محددة ستطالها الضربات، تقرير ذو أهمية كبيرة، ويشير إلى "وجود قناة اتصال غير مباشرة" بين الطرفين بشأن تفاصيل الهجوم.

وأضاف أن إسرائيل تهدف من وراء هذه الرسائل إلى تهدئة إيران ومنعها من الرد، خاصة بعد التطمينات بأن الضربة لن تسفر عن خسائر بشرية واسعة.

 

وأشار أرون إلى أن هذا "الاتصال غير المباشر" أصبح عرفا بين الطرفين كما حدث في أبريل الماضي، عندما أبلغ الإيرانيون الجانبين الروسي والأميركي بشأن الهجوم المرتقب كي تعرف إسرائيل بشأنه.

وأوضح أن المسيرات التي اطلقتها إيران آنذاك كانت بطيئة "لكي تستعد إسرائيل لمواجهتها".

ويقول، سعيد شاوردي، الباحث السياسي والاستراتيجي، من طهران، لقناة "الحرة" إن إيران تعتبر أن الهجوم الإسرائيلي "ضعيفا"، وأن طهران لها الحق في الرد بموجب القانون الدولي. 

وأضاف أن إسرائيل "فشلت" في استهداف المواقع العسكرية بسبب المنظومات الدفاعية، "وغالبية المقذوفات انفجرت في الجو".

ويعتقد شاوردي أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، "يريد توسيع الحرب، وليس الإسرائيليين". مبينا أن هناك "أصواتا إسرائيلية تحتج على أداء نتانياهو السياسي والعسكري والأمني".  

ويرى، غوردون غراي، مساعد وزير الخارجية السابق، أنه يمكن الافتراض أن الضربات بين إسرائيل وإيران "ستعلق الآن". 

ويقول إن الضربة الأخيرة تشبه ما حدث في أبريل حين ضربت إيران إسرائيل بالمسيرات، وردت إسرائيل بضربة محدودة قرب أصفهان.

ولا يعتقد غراي أن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيدا عسكريا في المنطقة لأن إسرائيل نفذت ضربة في الليل "أصابت منشآت".. وهذا حدث بعد تكهنات بأن إسرائيل قد تضرب منشآت نووية أو بنى تحتية في قطاع الطاقة، والإعلام الإيراني قلل من أهمية الضربة. وهذا سيجعل النظام الإيراني يشعر أنه غير مضطر للرد.   

Cars pass on a street after several explosions were heard, in Tehran
بعد الضربة الإسرائيلية.. هل ترد إيران؟
بعد انتظار طويل، ردت إسرائيل، صباح السبت، على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي شُن ضدها في الأول من أكتوبر. وعلى النقيض التام من رد إسرائيل السابق في أعقاب الهجوم الإيراني في أبريل الماضي، فإن الرد هذه المرة كان هجوماً واسع النطاق وقوياً وكبيراً في مختلف أنحاء إيران، نفذته مئات الطائرات وجاء في موجات متعددة.

موقع "أكسيوس" الإخباري، نقل السبت، عن ثلاثة مصادر مطلعة القول إنه جرى إيصال الرسالة الإسرائيلية إلى الإيرانيين عبر عدة أطراف ثالثة. 

وقال أحد المصادر أن الإسرائيليين أوضحوا للإيرانيين مسبقا ما الذي سيستهدفونه بشكل عام وما الذي لن يستهدفوه.

وذكر مصدران آخران أن إسرائيل حذرت الإيرانيين من الرد على الهجوم، وأكدت أنه إذا قامت إيران بالانتقام، فإن إسرائيل ستنفذ هجوما آخر أكبر، خصوصا في حال سقط ضحايا مدنيون إسرائيليون.

وقال مصدر إن واحدة من القنوات التي جرى من خلالها إيصال الرسائل إلى إيران كانت عبر وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب.

وشنت إسرائيل هجوما جويا على أهداف إيرانية، السبت. وتحدثت مصادر إسرائيلية عن مشاركة طائرات حربية وطائرات تزود بالوقود في الهجوم الذي شمل مواقع عسكرية.

وقال الجيش الإسرائيلي السبت إنه وجه ضربات "دقيقة وموجهة" على مواقع تصنيع صواريخ وقدرات جوية أخرى في إيران ردا على الهجوم الذي شنته طهران عليها مطلع الشهر الحالي.

واستهدفت الهجمات أيضا أنظمة صواريخ أرض-جو وقدرات جوية إيرانية تهدف إلى تقييد حرية العمل الجوي الإسرائيلي.

وأكدت طهران أن هجوما إسرائيليا استهدف مواقع عسكرية في طهران ومناطق أخرى في البلاد و"تسبب بأضرار محدودة" وتسبب بمقتل جنديين.

وكانت طهران أطلقت في الأول من أكتوبر حوالى 200 صاروخ باتجاه إسرائيل اعترضت إسرائيل غالبيتها. 

علما العراق وإيران
علما العراق وإيران | Source: Archives

تدهور الوضع الاقتصادي في إيران جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ سنوات، دفع طهران إلى التوجه نحو العراق لتعويض ما لحق بها من خسائر، سيما بعد وصول جماعات مقربة لها إلى مراكز صنع القرار في بغداد بعد عام 2003.

يقول مدير مركز بغداد للتنمية الاقتصادية، علي مهدي، لموقع "الحرة" إن طهران أغرقت الأسواق العراقية بـ"منتجاتها الرخيصة" بغية الحصول على العملة الصعبة، التي تعاني شحا فيها، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها.

بدأت الأزمة الاقتصادية في إيران مع سلسلة العقوبات التي فرضتها واشنطن، على خلفية قضية الرهائن الأميركيين الذين احتجزوا في السفارة الأميركية بطهران، بعد الثورة الإيرانية عام 1979.

ويقول الخبير الاستراتيجي، محمد الموسوي، إن تلك العقوبات، المفروضة بموجب الأمر (12170) أدت إلى تجميد أصول إيرانية بقيمة 12 مليار دولار، وأن حرب الثمان سنوات مع العراق في ثمانينات القرن الماضي كبدتها خسائر قُدرت بـ 400 مليار دولار أميركي.

الزيارة هي المحطة الخارجية الأولى للرئيس الإيراني منذ انتخابه
زيارة بزشكيان للعراق.. الاقتصاد وملف المعارضة الكردية على الطاولة
أول رحلة خارجية له، اختار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان العراق ليكون أولى محطاته خارج البلاد، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات في التحالفات وتحديات إقليمية متزايدة، حيث يسعى كلا البلدين إلى تعزيز العلاقات في مختلف القطاعات.

واستمر فرض العقوبات على إيران طوال السنوات الأربعين الماضية، بسبب برنامجها النووي ودعمها لجماعات مصنفة على لائحة الإرهاب، آخر العقوبات هي التي فرضها الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الجاري على خلفية دعمها لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا.

وذكر علي مهدي، أن استمرار إيران في مشروعها النووي، "زاد من العقوبات وفتك بقطاعها الاقتصادي" ما جعلها تضطر إلى البحث عن طرق جديدة للحصول على العملة الصعبة، ووجدت في العراق وسيلة لتحقيق هذه الغاية.

في حين أشار الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن المشهداني، إلى أن إدراج إيران ضمن القائمة السوداء الخاصة بمجموعة العمل الدولية (FATF) منذ عام 2019 قد أبقى إيران ضمن عزلتها الاقتصادية، وحيّد من حريتها التجارية في المنطقة.

وأوضح أن الدول المدرجة في هذه القائمة هي التي تعاني من قصور في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مما يصعب التعامل معها اقتصاديا.

ونجم عن هذا التدهور الاقتصادي، بحسب المشهداني، انهيار للعملة الإيرانية (التومان) إذ وصلت إلى أدنى مستوياتها، وبلغ سعر صرفها نحو  (8) ملايين تومان للدولار الواحد، ما أدى إلى حدوث تضخم مالي نتيجة الزيادة المستمرة في أسعار السلع والخدمات.

التدهور في اقتصاد إيران، يضيف المشهداني، كان له تبعات أخرى داخلية منها ارتفاع معدلات البطالة والفقر ، ما أثر سلبا على المستوى المعيشي للمواطنين هناك.

ويرى الاقتصادي كاوه عبدالعزيز، رئيس جمعية حماية المستهلك، أن التدهور الاقتصادي في إيران سبب ارتفاعا في معدلات الفساد، "فبحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية للعام 2023، احتلت إيران المرتبة 149 من مجموع 180 دولة بواقع 24 درجة، وهو أدنى مستوى لإيران تم تسجيله خلال العشر سنوات الأخيرة".

العراق يدفع ثمن "الالتفاف" الإيراني على للعقوبات

اتبعت إيران أساليب ملتوية للتخلص من تبعات العقوبات الدولية، بحسب كاوه عبد العزيز، الذي أضاف لموقع "الحرة"، أن من بين هذه الأساليب "تأسيس كيانات وشركات وهمية عديدة في العراق، تورطت بسحب كميات كبيرة من الدولار عن طريق بعض المصارف التي تتعامل مع البنك المركزي العراق ونقلها الى إيران".

ولفت عبد العزيز أن هذا الأمر دفع الولايات المتحدة عام 2023 لفرض عقوبات على بعض المصارف العراقية والضغط على البنك المركزي لتشديد إجراءاته.

من جانبه، قال علي مهدي إن إيران زادت خلال هذه السنوات من صادراتها غير النفطية إلى العراق ليتجاوز مثلا الحجم التجاري بين البلدين الى 10 مليارات دولار.

وكان السفير العراق في طهران، نصير عبدالمحسن، تحدث في سبتمبر 2024، عن تزايد حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران " تجاوز 10 مليار دولار، متوقعا أن يرتفع هذا الرقم إلى 20 مليار في نهاية هذا العام".

هذا التبادل الكبير، يضيف مهدي، خلق مشاكل للعراق، لأن إيران "لا تقبل البيع بالعملتين العراقية والإيرانية، وإنما تريده بالدولار "، موضحا أن "هذا الأمر دفع التجار للاستعانة بالسوق السوداء لتأمين العملة الصعبة".

الخبير الاقتصادي، عبدالرحمن المشهداني، أوضح لموقع "الحرة"، أن توفير العملة الصعبة للإيرانيين من العراق، دفع التجار إلى سلوك طرق غير شرعية مثل "عمليات التهريب" سيما مع وجود نحو 20 معبرا بين العراق وإيران، بعضها غير خاضع للرقابة الحكومية، حسب قوله.

محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق يكشف أولويات القطاع المصرفي العراقي. أرشيفية
محافظ البنك المركزي العراقي يتحدث لـ"الحرة" عن إعادة هيكلة مصارف البلاد
كشف محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق في مقابلة مع قناة "الحرة" أن العراق بدأ بعملية "إعادة هيكلة المصارف العراقية"، ولديه خطة واسعة "لإصلاح المصارف"، من خلال جذب شركاء إستراتيجين لتحديث منظومة المصارف الحكومية العراقية.

تهريب العملة، يقول عضو مجلس النواب، سوران عمر، لموقع الحرة، يمثل مشكلة يعاني منها العراق وتجري عبر المنافذ غير الرسمية "رغم الجهود التي تبذلها السلطات للسيطرة على هذه الظاهرة".

ولفت الخبير الاقتصادي، صفوان قصي، إلى أن عدم انتماء العراق لمنظمة التجارة العالمية (WTO)، جعلها هدفا سهلا للشركات الإيرانية، التي قامت بإغراق الأسواق العراقية بمنتجاتها، موضحا أن الانتماء لهذه المنظمة "سيمكّن العراق من الدفاع عن انتاجه المحلي، والوقوف أمام الدول التي تريد اغراق الأسواق ببضائعها".

ويشير، علي مهدي، إلى طريقة أخرى اتبعتها إيران لكسب المزيد من الدولارات الأميركية، تمثلت بتصدير الغاز للعراق، لتوليد 800 ميغاواط من الكهرباء، هذه العملية وفرت كمية كبيرة من العملة الصعبة، بحسب قوله، "خاصة بعدما قامت الولايات المتحدة بإجراء استثناء للعراق، لدفع هذه المبالغ لإيران شريطة أن تستخدم لأغراض إنسانية فقط".

ولفت مهدي إلى أن إيران استفادت من "السوق السوداء" كمصدر آخر لتأمين العملة الصعبة، رغم التضيق الذي تقوم به الحكومة العراقية لمنع تهريب الأموال العراقية.

في حين ذكر كاوة عبد العزيز، أن إيران استغلت سوق العمل المحلية للحصول على العملة الصعبة، عن طريق تزويد العراق بالاف العمالة الإيرانيين بطرق رسمية وغير رسمية.

فيما أشار الخبير الاقتصادي عبدالرحمن المشهداني، أن إيران لجأت إلى تجارة السلاح لتامين العملة الصعبة، مع جماعات مسلحة موالية لها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، مضيفا أنها تعاملت مع روسيا ايضا حيث " قامت بتصدير مسيّرات إلى روسيا" بحسب قوله، ما وفر لها الملايين من الدولارات.

تجارة دولية "منظمة" وضبط للحدود

لتقليل تأثير الانيهار الاقتصادي الإيراني على الواقع العراقي، يؤكد الخبير الاقتصادي، صفوان قصي، لموقع "الحرة"، ضرورة أن ينضم العراق إلى منظمة التجارة العالمية، "للدفاع عن إنتاجها وأسواقها " والسيطرة على المنافذ الحدودية بينها وبين إيران.

ودعا قصي، المعنيين في العراق إلى رسم خريطة واضحة للاستيراد، بعقود طويلة الأجل من مناشئ معروفة، مبينا أنه بالإمكان توظيف هذا الأمر في استيراد أنواع محددة من البضائع والسلع الإيرانية بما تتوافق السوق العراقية.

فيما يرى الاقتصادي كاوة عبدالعزيز أن على العراق التوجه لتعزيز الاستثمارات المحلية والصناعة المحلية، وتوفير فرص عمل للمواطنين العراقيين والاستغناء عن العمالة الأجنبية، للحفاظ على العملة الصعبة داخل العراق.

ويرى رئيس مركز بغداد للتنمية الاقتصادية، علي مهدي، أن على السلطات العراقية التشدد على المنافذ الحدودية مع إيران، والسيطرة على الحدود الطويلة التي تجمعهما، وملاحقة التجار الذين يقومون بتهريب العملة الصعبة بطرق غير شرعية الى إيران ومحاسبتهم.