طهران باتت تمتلك ما يكفي من المواد لصنع أكثر من ثلاث قنابل ذرية. أرشيفية
طهران باتت تمتلك ما يكفي من المواد لصنع أكثر من ثلاث قنابل ذرية. أرشيفية

في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التوترات بين إسرائيل وإيران، تتنامى المخاوف من تسارع وتيرة البرنامج النووي الإيراني لتعزيز قوة الردع لطهران في مواجهة إسرائيل التي تدعمها العديد من الدول التي تمتلك أسلحة نووية.

ورغم تأكيداتها المستمرة أن برنامج النووي سلمي ويستخدم لإنتاج الطاقة، إلا أن طهران باتت تمتلك ما يكفي من المواد لصنع أكثر من ثلاث قنابل ذرية، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويتخوف أن تعزز النكسات التي منيت بها طهران بعد أن تلقت ضربات كبيرة باستهداف قادة جماعات مسلحة تدعمها أكان في لبنان أو غزة، وحتى فشل الهجمات التي كانت تشنها على إسرائيل، في أن تتجه لتعزيز ترسانتها العسكرية بصواريخ نووية.

محمد الباشا، محلل أمني متخصص في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن يرجح أن "تسارع طهران في تطوير وتجربة القنبلة النووية"، وذلك بهدف "إيجاد مستوى جديد من الردع وتفادي حرب إقليمية مدمرة مع إسرائيل وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة".

ويضيف في حديث لموقع "الحرة" أن "العلاقات بين إيران وإسرائيل تشهد تصعيدا غير مسبوقا، يختلف عن الصراع السابق الذي كان يدار عبر الوكلاء والعمليات السيبرانية والاغتيالات".

"حسابات معقدة"

إيران تصر على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية (أرشيف)

وأصبح "التراشق الصاروخي بين البلدين، كجزء من سياسة الرد والرد المضاد، سمة أساسية في معادلة الصراع الإيراني الإسرائيلي" بحسب الباشا، إذ تدرك طهران أن إسرائيل بعد 7 أكتوبر أصبحت أكثر "جرأة وصلابة".

وتابع أن "إسرائيل أيضا تعلم أن إيران باتت أكثر شجاعة، حيث قصفت ولأول مرة العمق الإسرائيلي بمئات الصواريخ".

وأشار الباشا إلى أن حسابات معقدة تجريها إسرائيل وإيران، "إذ تؤمن إسرائيل أنها تخوض معركة وجودية، حيث تسعى بجد لحماية نفسها من التهديدات المحيطة. في المقابل، تكافح طهران للحفاظ على دعمها لوكلائها ومشروعها في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الصراع ويعكس الطبيعة المتعددة الأبعاد لهذه المواجهة".

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الاثنين، إن إيران تسعى إلى صنع قنابل نووية لتدمير إسرائيل ويمكنها بعد ذلك تهديد العالم بأسره.

وأعلن خلال الجلسة الافتتاحية للكنيست أن "إيران تسعى لبناء مخزون من القنابل النووية من أجل تدمير إسرائيل، تحملها صواريخ بعيدة المدى" مشيرا إلى أنها "قد تهدد العالم بأسره في أي مكان".

وأضاف نتانياهو أن "وقف البرنامج النووي الإيراني يتصدر أفكارنا، ولأسباب واضحة، لا يمكنني أن أشارككم كل خططنا وتحركاتنا في هذا الصدد".

والدول التي تمتلك السلاح النووي حاليا هي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل.

ويعتقد على نطاق واسع ان إسرائيل تمتلك ترسانة أسلحة نووية، ولو أنها لم تقر بتاتا بذلك على نحو رسمي.

"العقيدة النووية"

إيران كثفت مؤخرا برنامجها النووي

وفي مطلع أكتوبر، دعا نواب إيرانيون المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي إلى إعادة النظر في العقيدة النووية، السلمية رسميا، وذلك لمواجهة التهديدات الإسرائيلية لطهران. 

وللمرشد الأعلى الإيراني، القول الفصل في "برنامج طهران النووي" الذي يشتبه الغرب في أن له أغراضا عسكرية.

وفي عام 2021، قال وزير الاستخبارات الإيراني آنذاك إن الضغط الغربي قد يدفع طهران إلى السعي للحصول على "أسلحة نووية"، وهو أمر أصدر خامنئي فتوى بتحريمه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وفي عام 2019، أكد خامنئي مرة أخرى "بناء وتخزين القنابل النووية أمر خاطئ واستخدامها حراما... على الرغم من أن لدينا التكنولوجيا النووية، فقد تحاشت إيران ذلك تماما".

وهذا ما قد يعني أن امتلاك إيران لسلاح نووي قد يتطلب بداية تغيير العقيدة النووية بفتوى أو أمر من خامنئي.

إيران مسلحة بأكبر عدد من الصواريخ الباليستية في المنطقة
ماذا يعني تلويح إيران بـ "تغيير العقيدة النووية"؟
"إعلان غير مباشر بامتلاك السلاح النووي، وتغيير استراتيجي قد يغير شكل منطقة الشرق الأوسط بأكملها"، هكذا يرصد عددا من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين "الرسائل الخفية" في تلويح أحد قادة الحرس الثوري الإيراني بـ"تغيير العقيدة النووية"، في حال استمرار التهديدات الإسرائيلية لإيران. 

وقال مستشار خامنئي، كمال خرازي في تصريحات سابقة، إن إيران "يمكن أن تعيد النظر في عقيدتها النووية إذا تجرأت إسرائيل على تهديد إيران بسلاح نووي".

ودعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر إلى "عالم خالٍ من الأسلحة النووية وشرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل".

كما أكد بزشكيان في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية أن "إيران لا تسعى لامتلاك قنبلة نووية".

ويسعى بزشكيان الذي يتولى السلطة منذ يوليو الماضي إلى إحياء الاتفاق النووي الذي أبرم في 2015 وذلك بهدف تخفيف العقوبات الأميركية التي تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني.

"الظروف الراهنة"

استخدام السلاح النووي قد يغير الكثير من الأمور . أرشيفية

إريك بروير، خبير منع الانتشار في مبادرة التهديد النووي يرى أنه في ظل البيئة الحالية في المنطقة وامتلاك طهران لقدرات تصنيع سلاح نووي هناك "خطر بأن يقرر خامنئي أنه في هذه الظروف على إيران تحتاج إلى أسلحة نووية"، بحسب تحليل نشرته مجلة "ذا أتلانتيك".

وحدد التحليل أن المنظومة الدفاعية الإيرانية تعتمد على ثلاثية: شبكة وكلائها في المنطقة، وترسانتها من الصواريخ والمسيرات، والبرنامج النووي.

ولفت إلى أنها تعاني من ارتباكات في جزأين من هذه المنظومة، وهو ما قد يتركها أمام خيار تسريع البرنامج النووي.

وحذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في يوليو الماضي أن إيران قادرة على إنتاج مواد انشطارية بهدف صنع قنبلة نووية "خلال أسبوع أو اثنين"، مكررا التزام الولايات المتحدة منع طهران من تحقيق ذلك.

وتفيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران زادت بشكل كبير مخزونها من اليورانيوم المخصب عند مستوى 60 في المئة القريب من نسبة 90 في المئة الضرورية لتطوير سلاح نووي.

ويتطلب صنع سلاح ذري نسبة تخصيب تصل إلى 90 في المئة، والتي بلغت كمياتها في إيران في أغسطس 165 كلغ، مقابل 142 كلغ في مايو.

ويبلغ إجمالي مخزون اليورانيوم المخصب الآن 5752 كلغ مقابل 6201 كلغ في مايو أو 28 ضعف الحد المسموح به.

وتحررت طهران من الالتزامات التي تعهدتها في إطار الاتفاقية الدولية لعام 2015 المبرمة مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.

وبالإضافة إلى توسيع أنشطتها النووية، خفضت إيران بشكل كبير عمليات تفتيش المواقع من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتم فصل كاميرات المراقبة وسحب اعتماد مجموعة خبراء.

FILE PHOTO: Donald Trump in West Palm Beach, Florida
كثف ترامب الضغط على إيران بسبب برامجها النووية والصاروخية وفرض عقوبات شاملة على طهران- تعبيرية

يحمل فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية العديد من التوقعات المتعلقة بملفات متنوعة عمل عليها في ولايته الأولى، منها الملف النووي الإيراني، وتكثيف الضغوطات على طهران من أجل الاستجابة للمطالب الدولية.

وخلال توليه رئاسة الولايات المتحدة (2016- 2020)، كثف ترامب الضغط على إيران بسبب برامجها النووية والصاروخية وفرض عقوبات شاملة على طهران، تحت عنوان "الضغط الأقصى".

لذلك يعتقد خبراء أن الفترة الرئاسية القادمة ستنطوي على تداعيات بالنسبة لطهران.

في مقابلة مع راديو "أوروبا الحرة"، قال فرزان ثابت، الباحث في معهد "جنيف للدراسات العليا": "سيتعين على إيران التفكير في تغييرات جذرية في سياستها الخارجية وأمنها القومي... من أجل درء أزمات أكبر يمكن أن تأتي نتيجة لرئاسة ترامب". 

قضية كبير العلماء النوويين.. محكمة إيرانية تقضي بإعدام ثلاثة متهمين
أعلن القضاء الإيراني، الثلاثاء، أن محكمة ابتدائية قضت بإعدام ثلاثة أشخاص بتهمة اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين، محسن فخري زاده، في عام 2020، في ما تقول طهران إنها عملية دبرتها إسرائيل، وفق موقع "راديو فاردا" الأميركي.

"الضغط الأقصى".. جولة ثانية؟

واصلت إدارة ترامب حملة "الضغط الأقصى" على إيران بين الأعوام (2017- 2021)، ومن أبرز ما تضمنته، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية، وفرض عقوبات اقتصادية مشددة، وقتل قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني.

وقال ثابت إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض يمكن أن تشهد جولة ثانية من سياسة "الضغط الأقصى" بهدف "إضعاف النظام الإيراني".

وقد يعمد ترامب هذه المرة إلى وضع نوع من السياسة التي لا يمكن تغييرها أو التراجع عنها مستقبلاً في حال تغيّرت الإدارة الأميركية، بحسب ثابت.

وفي أبريل 2019، أوضحت وزارة الخارجية الأميركية في بيان تفاصيل "الضغط الأقصى"، إذ واصلت الولايات المتحدة بناء قدرات الشركاء في دول إقليمية عدة للدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الإيرانية، وستواصل استهداف التحركات الإيرانية وعمليات الحرس الثوري مع حلفائه في دول المنطقة.

وأضافت أن "العقوبات الأميركية قطعت طريق إيران للحصول على مليارات الدولارات من الإيرادات النفطية، وخفضت صادراتها أكثر من أي وقت مضى. وتم سحب 1,5 مليون برميل من النفط الإيراني الخام، كما تم تقييد وصول إيران إلى الإيرادات من بيع النفط الخام على الفور عند البدء بإعادة فرض العقوبات (نوفمبر 2018) التي حرمت النظام من الوصول المباشر إلى ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الإيرادات النفطية منذ مايو 2018".

وفرضت إدارة ترامب في حينه، بحسب ما نقلت قناة "سي أن أن"، عقوبات على أكثر من 970 كيانا وفردا إيرانيا في خلال أكثر من 26 جولة من العقوبات، ويفوق هذا العدد نظيره في أي إدارة في تاريخ الولايات المتحدة، حتى وقت نشر البيان.

هذه الحملة، بحسب بيان الخارجية، أدت لـ"هبوط الاقتصاد الإيراني بشكل مستمر وفقد الريال الإيراني ثلثي قيمته"، فضلا عن أن الجمهورية الإسلامية شهدت ركوداً اقتصاديا وبلغ التضخم مستوى غير مسبوق قدره 40% منذ مارس 2018 حتى أبريل 2019.

وفي يونيو 2019، سافر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران حاملاً رسالة من ترامب، إلا أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي رفض الرد آنذاك.

ومن المتوقع أن يقود براين هوك، الذي أشرف على حملة "الضغط الأقصى" سابقاً، الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب في وزارة الخارجية. وذكرت وسائل إعلام أميركية إنه يمكن النظر في تعيين هوك لمنصب وزير الخارجية.

خلال الحملة الانتخابية، أرسل ترامب رسائل مختلطة بشأن إيران، وهدد بتفجير البلاد إلى "أشلاء"، لكنه قال أيضا إنه منفتح على إجراء محادثات مع طهران. وقال ترامب أيضا إنه يريد أن تكون إيران "ناجحة"  رغم تأكيده أن طهران "لا يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا".

"ليس" تغيير النظام

في السياق نفسه، يتوقع الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، حميد رضا عزيزي، أن يمنح ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "الحرية" في مواجهة إيران، حيث يتمتع الاثنان بعلاقات وثيقة.

وكان نتانياهو هنأ ترامب بفوزه في الانتخابات، ووصفه بأنه "أعظم عودة في التاريخ"، كما هاتفه لاحقاً ثلاث مرات، بحسب ما أكد الأحد خلال الاجتماع الحكومي المصغّر.

خلال فترة ولايته الأولى، اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، مما عكس عقودا من السياسة الأميركية. كما نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المتنازع عليها.

يرى فرزان ثابت أن "الوضع الأمني الإيراني يتدهور بسرعة في مواجهة إسرائيل مع احتمال مشاركة الولايات المتحدة بشكل أكبر".

وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشقيان في 7 نوفمبر إن فوز ترامب في الانتخابات "لا يحدث فرقا" بالنسبة لطهران، التي "أعطت الأولوية لتطوير العلاقات مع الدول الإسلامية والدول المجاورة".

وتعهد الرئيس المؤيد للإصلاح بإشراك الغرب لرفع العقوبات قبل توليه منصبه في يوليو الماضي، خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي لاقى مصرعه في حادث تحطم طائرة.

ولم يفعل بعض المشرعين ووسائل الإعلام الإيرانية المحافظة الكثير لإخفاء ازدرائهم لترامب.

وتباينت ردود الفعل الإعلامية بخصوص عودة ترامب للبيت الأبيض، البعض وصفه بـ"القاتل" وآخرون دعوا للتفاوض معه.

وقال المحلل السياسي المقيم في طهران حميد آصفي لإذاعة "أوروبا الحرة" إن بعض منتقدي المؤسسة الدينية يأملون في أن يساعد ترامب في الإطاحة بالجمهورية الإسلامية.

 لكنها برأيه مجرد أمنيات، إذ لم تستهدف سياسة ترامب أبداً تغيير النظام في إيران.

وأضاف آصفي أن "العديد من السياسيين والمحللين في إيران يعتقدون الآن أن طهران يمكنها بسهولة إبرام اتفاق مع ترامب، لأنه صانع صفقات".