بعد سنوات من التوترات التي وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بسبب اتهام المغرب لإيران بدعم جبهة البوليساريو، أعادت التصريحات الأخيرة للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إثارة تساؤلات حول مساعي طهران للتقرب من الرباط وتحسين العلاقات بين البلدين.
بقائي قال في مؤتمر صحفي بداية الأسبوع الجاري، بخصوص العلاقات مع المغرب، "إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترحب دائما بتحسين وتوسيع العلاقات مع دول الجوار ودول المنطقة والدول الإسلامية. إن تاريخ علاقاتنا مع المغرب واضح"، حسبما أوردت وكالة "مهر" للأنباء.
وفي ظل هذه التطورات، تباينت وجهات نظر المحللين السياسيين حول مستقبل العلاقات بين البلدين، بين من يعتبر أن أي تقارب يظل مرهونا بموقف إيران من قضية الصحراء الغربية، وبين من يستبعد تغيير إيران لموقفها المبدئي بشأن القضية ونجاح أي محاولات للتقارب.
"شرط المغرب"
وفي تعليقه على الموضوع، يرى أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة (شرق المغرب)، خالد الشيات، أن "التوتر في العلاقات بين البلدين مرتبط بتوجس المغرب من محاولات إيران تعزيز نفوذها في شمال أفريقيا من خلال التقارب الكبير مع النظام الجزائري في المواقف السياسية وفيما يتعلق بقضية الصحراء على حساب المغرب"، مؤكدا أن هذا الأخير ينظر إلى علاقاته الخارجية عبر الموقف الإيجابي من قضية الصحراء.
ويتابع الشيات حديثه لـ"الحرة"، أنه "رغم نفي إيران أي علاقة تنظيمية تربطها بحزب الله ودعمه للبوليساريو إلا أن المغرب يعتبر هذه القضية محورية، خاصة مع وجود بدائل عسكرية وتقنية قد تكون نقلت من حزب الله إلى الجبهة مما أثر بشكل كبير على العلاقات الثنائية"، لافتا إلى أن إمكانية تحسين العلاقات قائمة إذا توقفت إيران عن أي دعم للبوليساريو.
وبحسب المحلل السياسي المغربي فإن "التحولات الجيوسياسية مثل تقارب إيران مع دول الخليج كالسعودية والإمارات، قد يشكل حافزا لفتح المجال لتحسين العلاقات مع المغرب ويمكن أن تستفيد طهران من مزايا أكبر من علاقاتها مع الرباط نظرا لقربها من أوروبا وعلاقاتها الكبيرة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وباقي القوى الأخرى".
ويقول الشيات إن "الأولوية بالنسبة للمغرب في أي تقارب محتمل مع إيران هي احترام السيادة الوطنية ووحدة أراضيه"، موضحا أن بلاده "لا تضع شروطا إضافية لكنها ترفض أي تدخل إيراني لدعم البوليساريو أو زعزعة استقراره الداخلي".
"تحول سياسي"
ومن جهته، يعتقد أستاذ العلاقات السياسية بجامعة الجزائر، إسماعيل معراف، أن إيران تمر بمرحلة تحول سياسي تهدف إلى تعزيز انفتاحها الدبلوماسي على المستوى الدولي، موضحا أن "الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها طهران دفعتها إلى تبني سياسة براغماتية في علاقاتها الخارجية".
ويضيف معراف في تصريح لـ"الحرة"، أن "إيران تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الدول التي كانت تعتبر خصوما لها، مثل المغرب ومصر والسعودية، بهدف كسر العزلة الدولية والخروج من الحصار الاقتصادي الذي فرضه الغرب."
وبشأن موقف إيران من قضية الصحراء، يشير معراف إلى أن "طهران تعتبر هذا النزاع جزءا من قضايا تصفية الاستعمار وهي تلتزم بموقفها التقليدي الداعم لحل أممي عبر الأمم المتحدة"، مشيرا إلى أن إيران تحضر بانتظام اجتماعات اللجنة الرابعة للأمم المتحدة وتؤيد لوائحها التي تدعو إلى تقرير المصير.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الجزائري، "لن تتوقف إيران عن دعم جبهة البوليساريو لأن موقفها من قضية الصحراء الغربية مبدئي وثابت باعتبارها تدخل في إطار تصفية الاستعمار، ومن الصعب تصور تراجعها عنه لتحسين علاقاتها مع المغرب"، مردفا "لا اعتقد أن إيران ستجازف بموقف معلن بدعم المغرب في قضية الصحراء الغربية".
والصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة تعتبرها الأمم المتحدة "منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي". وهي موضع خلاف منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
وتسيطر الرباط على ما يقرب من 80% من هذه المنطقة وتقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادتها، فيما تدعو جبهة البوليساريو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير برعاية الأمم المتحدة نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.